هي منظمة دولية لمساعدة ضحايا الحرب، أسسها جـان هنـري دونان ean Henri Dunant ما بين (1828م - 1910م)، السويسري الأصل، عام 1863. ولد دونان في جنيف، من عائلة عُرِفت بالوجاهة والثروة، ومال، منذ نعومة أظفاره، إلى أعمال البر والإحسان. وكانت له جهود في مقاومة الرق. وفي سنة 1859م، لمّا استعرت نار الحرب بين النمسا وفرنسا، ذهب بنفسه إلى ساحات القتال، ليدرس كيفية إمكان مساعدة الجرحى، وحضر معركة سولفرينو Solferino، التي وقعت في 24 يونيه 1859م، وعند المساء، أخذ يطوف في ساحة الحرب، فرأى هناك عدداً كبيراً من الجرحى، دون أن يجدوا من يأبه بهم. فأثّر هذا المشهد في نفسه، وبدأ يجمع حوله بعض المتطوعين، وأخذ في مساعدة الجرحى المتروكين.
بدأ دونان يدرس فكرة إنشاء تنظيم يتولى تخفيف معاناة جرحى الحرب، وغيرهم، فألَّف كتيِّباً عنوانه "ذكرى سولفرينو"، يدعو فيه الشعوب المتمدنة، إلى الاتفاق على تأليف جمعية دولية، تجمع التبرعات، لمساعدة الجرحى. ثم أخذ دونان يزور العواصم الكبرى يدعو لمشروعه. إلى أن استطاع، بمساعدة أربعة من مواطنيه هم: موانييه Moynier، وأَبْيا Appia، ومونوار Maunoir، والجنرال دوفور Le général Dufour، في 9 فبراير 1863م، أن يدعو إلى عقد مؤتمر دولي، يتولى صياغة مبادئ معاهدة، توقِّع عليها الدول، لتشكيل جمعية، لمساعدة جرحى مختلف حروب البلدان الأوروبية، من أي بلدٍ كانوا، بحيث يصبح أولئك الجرحى، هم والذين يعالجونهم، في حالة حياد تامة، تحت حماية الشعار الذي اختارته الجمعية، وهو الصليب الأحمر المرسوم على خلفية بيضاء، وهو يقابل شكل العلم السويسري، الذي هو صليب أبيض على خلفية حمراء، اعترافاً بدور سويسرا في نشوء تلك المنظمة.
تشكلت الجمعية، التي دعا إليها دونان، بعد أن لقي مساعدة ودعماً من مجلة "الدبا" Débat، وساندته مقالات الكاتب الفرنسي الشهير سان ـ مارك جيراردن Marc Gerardin، المثيرة حول الموضوع، وغيره من الكتاب في سائر البلاد، فانتشرت الفكرة انتشاراً بعيداً، ولم يمض إلاّ القليل، حتى تأسست جمعية الصليب الأحمر، وانضم إليها عدد من الكتاب ورجال السياسة والأعمال.
وفي 26 أكتوبر 1863م، اجتمع 63 عضواً لأول مرة في مدينة جنيف، يمثلون 16 بلدًا أوروبيًا، وأقروا المبادئ الأساسية للجمعية، التي أعدّها جوستاف موانييه Gustave Moynier. وفي العام التالي 1864م، وفي أول اجتماع، في جنيف، دعت إليه الحكومة السويسرية، وحضره ممثلون عن 12 دولة، وُقِّع ما سُمّي باتفاقية جنيف الأولى، لتحسين حالة الجرحى العسكريين في ساحة القتال، وهي الأولى من سلسلة اتفاقيات، عدَّلتها، وأكملتها، في أعوام 1906، 1925، 1929، 1949م، وتشكَّل في مجموعها أهم قواعد القانون الإنساني المعروفة اليوم، ويسمى (قانون جنيف)، أو (قانون الصليب الأحمر).
والاتفاقية المعمول بها حالياً، هي اتفاقيات جنيف لعام 1949م فقط، إضافة إلى البروتوكولين الملحقين بها لعام 1977م. وتحمل اتفاقيات جنيف لعام 1949م، التسميات الرسمية الأربع الآتية:
1. اتفاقية جنيف الأولى، بتاريخ 12 أغسطس 1949م، المتعلقة بتحسين أوضاع الجرحى والمرضى من العسكريين، في الحروب البرية.
2. اتفاقية جنيف الثانية، بتاريخ 12 أغسطس 1949م، المتعلقة بتحسين أوضاع الجرحى، والمرضى، والمنكوبين، في الحروب البحرية.
3. اتفاقية جنيف الثالثة، بتاريخ 12 أغسطس 1949م، المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب.
4. اتفاقية جنيف الرابعة، بتاريخ 12 أغسطس 1949م، المتعلقة بحماية المدنيين في زمن الحرب.
وتشكل هذه الاتفاقيات، التي تتضمن نحو 400 مادة، أربعة أخماس أحكام قانون حقوق الإنسان المعروف اليوم، وأما الخمس الباقي فيوجد في نصوص دولية أخرى، وخاصة أحكام (لائحة الحرب البرية)، الملحقة باتفاقيات لاهاي للسلام لعامي 1899م، 1907م[1]. ويعد شعار الصليب الأحمر، خلال الحرب، علامة واضحة، يضعها الأشخاص التابعون لمنظمة الصليب الأحمر، لتقديم الحماية للأشخاص، وفق اتفاقيات جنيف. ولضمان حماية الأشخاص، ينبغي أن يكون هذا الشعار كبيراً ومرئياً، وأي استخدام خاطئ لهذا الشعار يعد خرقاً للقانون الإنساني الدولي، الذي ينبغي أن يوظِّف في كل الأوقات للحماية، وتقديم المساعدات الإنسانية.



[1] وُضِعَت قواعد قانون الحرب في عدد من المؤتمرات الدولية، منها: معاهدة وستفاليا 1648م، ومؤتمر باريس 1856م، وتصريح سان بطرسبرج 1868م، ومؤتمر لاهاي 1899م و 1907م، ولكن أهم النصوص، التي تنظم الحرب البرية، واردة في `لائحة الحرب البرية`، الملحقة باتفاقية لاهاي الثانية، لعام 1899م ، والرابعة، لعام 1907م. وميثاق عصبة الأمم، لعام 1919م. وميثاق بريان كيلوج 1928م.