المبحث الثالث :
الارهاب وحقوق الأنسان
يذهب البعض الى ان التعارض واضح بين حماية الأمن الوطني من ناحية وحماية حقوق الإنسان من ناحية أخرى في إضفاء المشروعية على عدد من التراجعات القانونية عن المبادئ الدولية لحقوق الإنسان , حيث ظهر المساس بحقوق الإنسان جليا في التشريعات الصادرة من عدد من دول أوربا وأمريكا بحجة مكافحة الإرهاب ولكن هل هناك تعارض بين متطلبات الحماية ضد الإرهاب وبين تأمين احترام حقوق الإنسان وفق المبادئ الدولية الثابتة وهنا لابد من طرح تساؤلات أخرى مهمة قد تؤدي بنا إلى حلقة مفرغة!!
ولو رجعنا الى ستترايجية الامم المتحدة لمعالجة الارهاب لوجدنا انها تؤكد على كفالة احترام حقوق ا الإنسانفي سياق التصدي الى الارهاب .
(على أن عددا من الدساتير العربية تتضمن نصوصا تفتح الباب أمام انتهاكات حقوق الإنسان بصياغات تصادر الحقوق والحريات العامة أو تسمح بمصادرتها. من قبيل ذلك ما درجت عليه الدساتير العربية من الإحالة إلى التشريع العادي لتنظيم الحقوق والحريات ، ثم يأتي التشريع تحت ستار تنظيم الحق والحرية ليقيدهما بقيود تتنافى مع المواثيق الدولية أو يصادرها كلية.

والأمثلة على ذلك كثيرة في القوانين المنظمة لحرية الرأي والتعبير وحق تكوين الجمعيات والحريات الصحفية والحق في المشاركة السياسية وحق تشكيل الأحزاب السياسية والحق في المحاكمة العادلة وضمانات وحقوق المتهمين ومبدأ الشرعية الجنائية وغيرها.


وزاد من تفاقم هذه الظاهرة ذات الجذور التاريخية (أي ظاهرة الانتهاك التشريعي لحقوق الإنسان) تذرع كثير من الدول بضرورات محاربة الإرهاب لكي تصدر تشريعات تنتهك ضمانات حقوق الإنسان. ويأتي هذا التوجه التشريعي المناهض لحقوق الإنسان بدعوى مكافحة الإرهاب في ظل دعم دولي بعد أحداث 11 سبتمبر متمثلا في عدد من القرارات التي صدرت من مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة تدعو الدول إلى اتخاذ كافة التدابير ومنها التدابير التشريعية بطبيعة الحال لمكافحة الإرهاب وملاحقة ومعاقبة مرتكبيه، ولم تكن الدول العربية تنقصها مثل هذه الدعوة(22).

وقد أصدرت لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة ولجنة القضاء على التمييز العنصري عديدا من القرارات ووجهت عديدا من البيانات طالبت فيها الدول أن تكون إجراءاتها وتشريعاتها لمكافحة الإرهاب متسقة مع ميثاق الأمم المتحدة ومع التزاماتها الدولية بضرورة احترام حقوق الإنسان.)

ظل موضوع الأرهاب وحقوق الأنسان يستقطب اهتماما واسع النطاق منذ تشكيل لجنة مكافحة الإرهاب في عام 2001. ويشير قرار مجلس الأمن 1373 (2001)مرة واحدة إلى حقوق الإنسان، وحينما يدعو الدول إلى ”اتخاذ التدابير المناسبة طبقا للأحكام ذات الصلة من القوانين الوطنية والدولية، بما في ذلك المعايير الدولية لحقوق الإنسان"[22]
ولقد اكد مجلس الامن على ضرورة التزام الدول
لدى اتخاذها أي تدابير لمكافحة الإرهاب، الحرص على احترام ما عليها من واجبات بقتضى القانون الدولي، واتخاذ تلك التدابير وفقا للقانون الدولي، وبخاصة القانون الدولي لحقوق الإنسان واللاجئين والقانون الإنساني الدولي“[23]. وأعاد مجلس الأمن تأكيد موقفه هذا في قرارات لاحقة اتخذها بشأن الإرهاب وفيالوثيقة الختامية لمؤتمر القمة العالميالذي عقد في عام 2005. وفي قراره 1624 (2005)الذي اعتمده رؤساء الدول والحكومات في اجتماع عقده أثناء مؤتمر القمة شدد المجلس الذي يضم 15 عضوا على ”وجـوب أن تحرص الدول، لدى اتخاذها أي تدابير لتنفيذ الفقرات 1 و 2 و 3 من هذا القرار على كفالة الامتثـال لجميـع ما عليها من واجبات بمقتضى القانون الدولي، لا سيما القانون الدولي لحقوق الإنسان وقانون اللاجئين والقانون الإنساني“.[24]
ونشير هنا الى ما جاء على لسان كوفي عنان الامين العام للامم المتحدة الذي
ان السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يمكن تجنب مخاطر حقوق الانسان عند تنفيذ مشاريع مكافحة الارهاب ،ابتداءاً يمكن القول ان عدم وضع تعريف محدد للارهاب من شانه تهديد حقوق الانسان وهذا ما "تتفق _عليه _ معظم وثائق الأمم المتحدة الخاصة بمكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان على الحاجة إلى استخدام ألفاظ وعبارات محددة في قوانين مكافحة الإرهاب، وتحذر من العبارات الملتبسة والتعريفات الفضفاضة التي قد تسمح بإساءة استخدام القانون واستغلاله في انتهاك معايير حقوق الإنسان"[25]
وقد جاء في تقريرخبير الامم المتحدة المستقل بشأن حقوق الانسان ومكافحة الارهاب "على الدول، أيا كان نهجها [في محاربة الإرهاب]، أن تسترشد بمبدأ المشروعية، أي مبدأ (لا جريمة بدون نص) عند صياغتها لقوانين أو معاهدات مكافحة الإرهاب"[26]
ويشير المقرر الخاص لحقوق الانسان ومكافحة الارهاب "الجرائم الإرهابية يجب أن تنحصر في الحالات التي تتوفر فيها الشروط الثلاثة التالية مجتمعة: (أ) الأفعال المرتكبة بقصد القتل أو التسبب في إصابات جسمانية خطيرة، أو أخذ الرهائن؛ (ب) وأن تكون بغرض إشاعة حالة من الرعب وتخويف السكان أو إرغام حكومة أو منظمة دولية على القيام بعمل ما أو الامتناع عن عمل ما؛ (ج) وأن تمثل جرائم تقع ضمن نطاق الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية المتعلقة بالإرهاب ووفقاً للتعريفات الوارد فيها."[27]
وقد جاء في قرار مجلس الأمن رقم 1456 (2003) الحكومات بـ"ضمان أن تتفق كل التدابير المتخذة لمكافحة الإرهاب مع كافة التزامات الدولة بموجب القانون الدولي،...وعلى الأخص القانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي للاجئين، والقانون الإنساني الدولي".
واذا كانت المادة الرابعة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية تشير الى ان للدول سلطة تقديرية واسعة في مجال اعتماد تدابير لمكافحة الإرهاب ولكن هناك خط احمر لا يجوز للدول تجاوزه حتى في حالات الطوارئ . حيث هناك حقوقاً اساسية لا يجوز عدم التقيد بها في أي حال من الأحوال وهي : الحق في الحياة، وحظر التعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وعدم جواز إصدار قوانين جنائية ذات أثر رجعي، وحق كل إنسان في أن يعترف له بالشخصية القانونية، وحرية الفكر والوجدان والدين .
وقد تضمنت (مسودة مبادئ حقوق الإنسان والإرهاب) الصادرة عن اللجنة الفرعية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان الى انه "يجب إيلاء قدر كبير من العناية" لضمان أن ترتبط التدابير الاستثنائية أو تدابير تعليق العمل ببعض الحقوق "بقيود زمنية صارمة، وألا تصبح حقائق أبدية تصم القوانين أو الإجراءات الوطنية[28]"
وقد جاء ضمن الاطار الاستتراتيجي الذي اعتمدته الامم المتحدة في الجلسة العامة 99 الفقرة رابعا الاتي :