محكمة دستورية - 2007 : قصر حق الطعن في الامر بألا وجه على النيابة العامة
حكمت المحكمة بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة (210) من قانون الإجراءات الجنائية فيما تضمنته من قصر الحق في الطعن على الأمر الصادر من النيابة العامة بأن لا وجه لإقامة الدعوى لعدم الأهمية ، على المدعي بالحقوق المدنية ـ دون المتهم ، ورفض ما عدا ذلك من طلبات . وألزمت الطرفين ـ مناصفة ـ المصروفات ، مبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة (1) ، (2) .



(1) وقائع الدعوى :
حيث إن الوقائع ـ على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق ـ تتحصل في أن النيابة العامة كانت قد اتهمت المدعي ـ وآخرين ـ في الجنحة رقم 318 لسنة 2002 شئون مالية ، بإرتكاب جرائم مالية تمثل مخالفات لقانون سوق المال ،ثم انتهت في تحقيقاتها إلى إصدار قرارها بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبل المتهمين لعدم الأهمية . تظلم المدعي من القرار للنائب العام ، كما طعن عليه أمام محكمة الجنح المستأنفة للشئون المالية والتجارية برقم 115 لسنة 2002 جنح مستأنف ، وبجلسة 29/3/2003 وأصدرت تلك المحكمة ـ منعقدة في غرفة مشورة ـ قرارها بعدم قبول الاستئناف شكلا لرفعه من غير ذي صفة إعمالا لحكم المادة (210) إجراءات جنائية التي لم تخول المتهم حق الطعن . كما كان المدعي قد أقام أيضا الدعوى رقم 13091 لسنة 2003 مدني كلي جنوب القاهرة طعنا على القرار ذاته فأحالته إلى محكمة الجنح المستأنفة للشئون المالية والتجارية للإختصاص والتي قررت كذلك في 30/12/2004 عدم قبول الطعن للتقارير من غير ذي صفة ، ومن جهة أخرى أقام المدعي الدعوى رقم 21678 لسنة 56ق أمام محكمة القضاء الإداري طالبا بصفة مستعجلة وقف تنفيذ القرار السلبي الصادر من النائب العام لعدم التصرف في القرار المتظلم منه على ضوء ما قدمه إليه من أوراق ومستندات ، وبجلسة 13/4/2004 قضت المحكمة بعدم = ( حكم المحكمة الدستورية العليا ـ في القضية رقم 163 لسنة 26 قضائية ( دستورية ) ـ جلسة 2/12/2007 ـ الجريدة الرسمية العدد 50 تابع ( أ ) في 13/12/2007 ) .

المبادئ :
(1 ) المصلحة الشخصية المباشرة شرط لقبول الدعوى الدستورية
ـ مناطها في الدعوى الماثلة .
= اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى ، وأمرت بإحالتها إلى محكمة الجنح المستأنفة للشئون المالية والتجارية ، وأمام المحكمة الأخيرة دفع المدعي بعدم دستورية المادتين (209،210 ) من قانون الإجراءات الجنائية ، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع ، وصرحت للمدعي برفع الدعوى الدستورية ، فقد أقام الدعوى الماثلة .
(2) النص الطعين :
وحيث إن المادة (209) من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أنه : ( إذا رأت النيابة العامة بعد التحقق انه لا وجه لإقامة الدعوى تصدر أمرا بذلك ، وتأمر بالإفراج عن المتهم المحبوس ما لم يكن محبوسا لسبب آخر ولا يكون صدور الأمر بالا وجه لإقامة الدعوى في الجنايات إلا من المحامي العام أو من يقوم مقامه .
ويجب أن يشمل الأمر على الأسباب التي بني عليها ويعلن الأمر للمدعي بالحقوق المدنية وإذا كان قد توفى يكون الإعلان لورثته جملة في محل إقامته ) .
وتنص المادة (210) من القانون ذاته على أن ( للمدعي بالحقوق المدنية الطعن في الأمر الصادر من النيابة العامة بأن لا وجه لإقامة الدعوى إلا إذا كان صادرا في تهمة موجهة ضد موظف أو مستخدم عام أو احد رجال الضبط لجريمة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها ، ما لم تكن من الجرائم المشار إليها في المادة (123) من قانون العقوبات .
ويحصل الطعن بتقرير في قلم الكتاب في ميعاد عشرة أيام من تاريخ لإعلان المدعي بالحق المدني بالأمر .
ويرفع الطعن إلى محكمة الجنايات منعقدة في غرفة المشورة في مواد الجنايات والى محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة في مواد الجنح والمخالفات ، ويتبع في رفعه والفصل فيه الأحكام المقررة في شان استئناف الأوامر الصادرة من قاضي التحقيق) .
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة ـ وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية ـ مناطها ، وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة ، ان يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية ، وذلك بان يكون الحكم في المسالة الدستورية لازما للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمة الموضوع . متى كان ذلك ، وكان النزاع في الدعوى الموضوعية يدور في جوهره حول اختصام الأمر الصادر من النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية ضد المدعي ـ لعدم الأهمية ، وإذ كان النصان المطعون فيهما يحددان سلطة إصدار هذا الأمر ، ومن له الحق في الطعن فيه ، فان حسم مسالة دستوريتهما ، والذي يكون له انعكاس على الدعوى الموضوعية ، ويحقق مصلحة المدعي في الدعوة الدستورية الماثلة ، ومن ثم يتحدد به نطاق الدعوى الدستورية ينحصر فيما تضمنته الفقرة الأولى من المادة (209) من منح النيابة العامة سلطة إصدار الأمر بألا وجه ، وما تضمنته الفقرة الأولى من المادة (210 ) من قصر حق الطعن في الطعن على الأمر بالا وجه لعدم الأهمية على المدعي بالحقوق المدنية فقط دون المتهم ، ولا يتعداه إلى غير ذلك من أحكام وردت في المادتين المطعون فيهما . وبالتالي يغدو دفع هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لإنتفاء مصلحة المدعي في الطعن على النصين سالفي البيان ، في غير محله ، متعينا طرحه والالتفات عنه .

( 2 ) مناعي المدعي :
وحيث إن المدعي ينعي على النصين المطعون عليهما ـ محددا نطاقهما على نحو ما سلف ـ مخالفتهما لأحكام المواد ( 167،166،165،68،67،65،40،8 ) من الدستور ذلك أن الفقرة الأولى من المادة (209) المشار إليها قد منحت النيابة العامة سلطات تجمع فيها بين الاتهام والتحقيق والحكم بالمخالفة لمبدأ الفصل بين السلطات ، وبما يهدر حق التقاضي ومبدأ استقلال السلطة القضائية . كما أن الفقرة الأولى من المادة (210) بقصرها حق الطعن على القرار الصادر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم الأهمية على المدعي بالحقوق المدنية دون المتهم ، قد أخلت بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة فضلا عن إخلاله بحق المتهم في محاكمة عادلة وإهداره لحق الدفاع .

(3) تنظيم المشرع لحق التقاضي لا يتقيد بأشكال جامدة ـ تخويل النيابة العامة سلطة إصدار القرار بالا وجه لإقامة الدعوى مطابق للدستور .
وحيث إنه في شأن الطعن على دستورية الفقرة الأولى من المادة (209) من قانون الإجراءات الجنائية ، فإن ما ينعاه المدعي ، مردود ـ بأنه من المستقر أن التنظيم التشريعي لحق التقاضي لا يتقيد بأشكال جامدة بل يجوز ان يغير المشرع فيما بينها بأن يقرر لكل حال ما يناسبها ليظل هذا التنظيم مرنا يفي بمتطلبات الخصومة القضائية . وإذ كان من المقرر ـ وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة ـ أن توفير الضمانات القضائية ، وأهمها الحيدة والاستقلال ، يعد أمرا واجبا في كل خصومة قضائية أو تحكيمية ، وهما ضمانتان متلازمتان ومتعادلتان في مجال مباشرة العدالة ، وتحقيق فاعليتها ، ولكل منهما القيمة الدستورية ذاتها ، فلا تعلو إحداهما على الأخرى أو تجبها ، بل تتضامان تكاملا ، وتتكافآن قدرا ـ وهاتان الضمانتان تتوافران بلا ريب في أعضاء النيابة العامة بإعتبارها جهة قضائية ، أحاطها المشرع بسياج من الضمانات والحصانات على النحو الوارد بنصوص قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 ، على نحو يقطع بتوافر ضمانتي الإستقلال والحيدة لهم ، فضلا عن أن عضو النيابة يمارس أعمال التحقيق ، والتصرف فيه من بعد ، وقد حل محل قاضي التحقيق لإعتبارات قدرها المشرع ، وهو في هذه الحدود يستمد حقه لا من النائب العام بصفته سلطة اتهام ، وإنما من القانون نفسه ، وهو الأمر الذي تستلزمه إجراءات التحقيق بإعتبارها من الأعمال القضائية البحتة ، وما يصدر عن عضو النيابة العامة من قرارات وأوامر قضائية في هذا النطاق إنما يصدر منه متسما بتجرد القاضي وحيدته، مستقلا في اتخاذ قراره عن سلطان رئاسة رئيس ، أو رقابة رقيب ـ ما خلا ضميرا لا يرقب إلا الله في عمله ، ويضحي أمر تخويله الإختصاص بإصدار القرارات بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى متفقا مع أحكام الدستور ، وغير مخالف لأي من نصوصه ، بما يستوجب القضاء برفض الدعوى في هذا الشق منها .

(4) النص الطعين فيما انتهى إليه من إعطاء المدعي بالحق المدني الحق في الطعن على قرار النيابة العامة بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى دون المتهم مخالف للدستور ـ أساس ذلك .
وحيث إن النعي على نص المادة (210) من قانون الإجراءات الجنائية ـ في حدود النطاق السالف بيانه ـ سديد في مجمله ، ذلك أن المدعي بالحق المدني والمتهم طرفان في خصومة جنائية واحدة ـ أيا ما كان وجه الرأي في طبيعة تلك الخصومة ـ بما يعد معه الاثنان في مركز قانوني متماثل في المقام ، فإذا اختص النص المطعون فيه المدعي بالحق المدني بحق الطعن على القرار بالا وجه ، وحرم منه المتهم ـ كان ذلك إهدارا لمبدأ المساواة بما يناقض نص المادة (40) من الدستور . ومن ناحية أخرى فإن حرمان المتهم من الطعن على القرار بألا وجه لعدم لأهمية يصادر حقه الدستوري في المثول أمام قاضيه الطبيعي ويهدر حقه في التقاضي لنيل الترضية القضائية المنصفة ، ذلك بأن القرار بألا وجه لعدم الأهمية فضلا عن أنه لا يبرئ ساحة المتهم ـ على خلاف الحكم القضائي البات ـ ليست له حجية مطلقة بل يمكن للنائب العام أن يلغيه خلال مدة الثلاثة أشهر التالية لصدوره ما لم يكن قد صدر قرار من محكمة الجنايات أو من محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة بحسب الأحوال برفض الطعن المرفوع في هذا الأمر ، كما لا يمنع صدور هذا الأمر النيابة العامة من العودة إلى التحقيق إذا ظهرت أدلة جديدة قبل انقضاء المدة المقررة لسقوط الدعوى الجنائية طبقا لنص المادة (197) من قانون الإجراءات الجنائية ، ومؤدي ما تقدم أن مصادرة حق المدعي في الطعن على القرار بألا وجه لعدم الأهمية من شانه أن يجعله ـ في حالات معينة ـ مهددا بإلغائه وإعادة التحقيق معه في أي وقت بما ينطوي على تغيير واقعي ـ وليس مجرد تغيير نظري ـ في المركز القانوني للمدعي يفقد في ظله ضمانات الدفاع عن نفسه ، ويعجز عن الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي ، فضلا عن أن المتهم من حقه أن يناضل في سبيل إبراء ساحته والدفاع عن سمعته واعتباره . وسبيل ذلك ووسيلته محاكمة عادلة يصدر فيها حكم قضائي نهائي بذلك . ومن ثم فإن النص المطعون عليه يخالف نصوص المواد 165،68،67،65،64 من الدستور .