المبحث السادس
الأهلية وتنازع القوانين
من المسائل التي شغلت بال المشرعين في كافه دول العالم هي مسألة الأهلية للأشخاص المتواجدون علي إقليم دولتها من الأجانب وأي القوانين هو القانون الذي يحكم أهلية هؤلاء الأشخاص هل هو القانون الوطني أم قانون أجنبي.
فنصت المادة 11 من القانون المدني المصري علي انه " الحالة المدنية للأشخاص وأهليتهم يسري عليها قانون الدولة التي ينتمون إليها بجنسيهم ومع ذلك ففي التصرفات المالية التي تعقد في مصر وتترتب أثارها فيها ، إذا كان أحد الطرفين أجنبيا ناقص الأهلية وكان نقص الأهلية يرجع إلى سبب فيه خفاء لا يسهل على الطرف الآخر تبينه ، فان هذا السبب لا يؤثر في أهليته. " كما تنص المادة 11
من القانون المدني القطري علي انه " الحالة المدنية للأشخاص وأهليتهم يسري عليها قانون الدولة التي ينتمون إليها بجنسيتهم .ومع ذلك ففي التصرفات المالية التي تعقد في قطر وتترتب آثارها فيها، إذا كان أحد الطرفين أجنبياً ناقص الأهلية وكان نقص أهليته يرجع إلى سبب فيه خفاء لا يسهل على الطرف الآخر تبيُّنه ، فإن هذا السبب لا يؤثر في أهليته ."
فالأهلية المقصودة في نصوص تلك المواد هي أهلية الأداء العامة للأشخاص أي قدرة الشخص علي ممارسة الحقوق وتتميز هذه النوع من الأهلية بأنها تهدف الي حماية الشخص .
فنصوص تلك المواد السالف الإشارة إليها قد وضعت قاعدة الإسناد التي يجب علي القاضي الرجوع إليها لحكم العلاقات القانونية ذات العنصر الأجنبي والتي تعرض علية بمعني انه إذا كان الشخص الذي ثار بشأنه النزاع مثلا سعودي الجنسية خضعت أهليته الي القانون السعودي وإذا كان الشخص كويتي الجنسية فان القانون الواجب التطبيق يكون هو القانون الكويتي ......... الخ .
وبذلك تكون قانون جنسية الشخص هو القانون الواجب التطبيق علي كافه المسائل المتعلقة بأهلية الأداء لدية وذلك نظرا لان قانون جنسيته يتكفل ببيان ما إذا كان الشخص رشيدا او ناقص الأهلية او عديمها كما يتكفل بتحديد قدرة نقص الأهلية علي إبرام التصرفات القانونية كما يحدد الشروط الواجب توافرها لإنهاء نقص الأهلية ..... الخ ما هو متلق بالأهلية من أحكام .
والعبرة في تحديد قانون جنسية الشخص المراد تحديد أهليته هو بوقت القيام بالتصرف المراد تحديد الأهلية بالنسبة إليه فإذا كان قانون جنسية الشخص يعتبر هذا الشخص أهلا لمثل هذا التصرف فان هذا التصرف يظل صحيحا حتى ولو غير الشخص جنسيته فيما بعد وكان قانون الجنسية الجديد لا يعتبره أهلا للقيام
بمثل هذا التصرف فالعبرة كما ذكرنا سلفا هي بقانون جنسية الشخص وقت التصرف .
ولكن هل يجوز استبعاد القانون الذي تنتهي إليه قاعدة الإسناد ( أي قانون جنسية الشخص ) وان كان يجوز ذلك فما هي الحالات التي يجب فيها علي القاضي استبعاد تطبيق قانون جنسية الشخص علي أهليته وقت التصرف وتطبيق قانون بلد هو ..؟
من حيث المبدأ فان قانون جنسية الشخص وان كان هو القانون الواجب التطبيق علي المسائل المتعلقة بأهليته كما درجت علي ذلك قوانين معظم الدول إلا ان هناك حالات قد يصطدم فيها قانون الجنسية الذي تتحدد به أهلية الأداء علي النحو سالف الذكر بالأسس التي يقوم عليها النظام القانوني الوطني , الأمر الذي يجد معه القاضي الوطني نفسه مضطرا الي استبعاد تطبيق هذا القانون إعمالا منه لفكرة النظام العام .
وهذا التعارض يظهر بصورة جلية في حاله ما إذا كان قانون الجنسية يقضي بانعدام أهلية الأداء او نقصها لأسباب عنصرية مثلا مثل الجنس او اللون او الدين او كان لأسباب سياسية , ففي هذه الحالات يتعين استبعاد قانون الجنسية الواجب التطبيق واعتبار الشخص أهلا بالرغم مما يقضي به قانون جنسيته , كمان ان قانون الجنسية يستبعد إذا ما تم التوصل ألي تطبيقه عن طريق التحايل وذلك بان يكون الشخص قد غير جنسيته بقصد الهروب من قانون جنسيته الأصلية والذي يعتبره ليس أهلا لمباشرة التصرف , أي ان الدافع وراء تغير الجنسية كان هو الهروب من قانونها والذي يعتبره غير أهل للتصرف الذي ينوي القيام به الأمر الذي يجعله يغير تلك الجنسية الي الجنسية الجديدة للاستفادة من قانونها في هذا الشأن وهنا فان الأمر لا يعدوا ان يكون إلا غشا وتحايلا علي القانون يورد في الأخر علي صاحبة وبالإضافة الي هذا الاستثناء الذي لم يأتي وفق لأحد نصوص القانون وإنما أملته ضرورات عملية إلا وهي ضرورة الحفاظ علي ما يسمي بالنظام العام للدولة فان
هناك استثناء أخر يرد علي تلك القاعدة نصت علية اغلب التشريعات التي تأخذ بقانون جنسية الشخص لتحديد أهليته حيث نصت اغلب تلك القوانين علي انه " ومع ذلك ففي التصرفات المالية التي تعقد في قطر وتترتب أثارها فيها ، إذا كان أحد الطرفين أجنبيا ناقص الأهلية وكان نقص الأهلية يرجع إلى سبب فيه خفاء لا يسهل على الطرف الآخر تبينه ، فان هذا السبب لا يؤثر في أهليته. "
وقد استوحت الكثير من التشريعات الحديثة هذا الاستثناء من القانون الفرنسي والذي قرره حماية للمواطن الفرنسي وأطلق علية مصطلح المصلحة الوطنية .
والتي اعملها القضاء الفرنسي في القرن التاسع عشر وذلك علي سند من القول بان المتعاقد الفرنسي لم يكن مخطأ بجهلة بقواعد القانون الأجنبي ما دام انه قد تعاقد عن تبصر وليس به خفة او روعنه وكان حسن النية فهو ليس مطالب بمعرفه القانون الأجنبي وما دام ان الطرف الأجنبي في العلاقة قد تعمد هو إخفاء ما به من نقص أهلية غشا منه فان القانون يرد قصده علية ويعتبره كامل الأهلية رغم ما به من نقص في الأهلية طبقا لقانون جنسيته.
ولهذا الاستثناء شروط يجب توافرها لإعماله وهي :-
الشرط الأول ان يكون التصرف ماليا فإذا خرج التصرف عن دائرة التصرفات المالية كان تعلق التصرف بأحدي مسائل الأحوال الشخصية مثلا فان هذا الاستثناء لا يسري
الشرط الثاني ان يقع ذلك التصرف في دولة القاضي وان تترتب إثارة فيها فمشرعو الدول وجدت في هذا الاستثناء حماية للمعاملات التي تتصل بحياة المجتمع الوطني الذي يتبعه القاضي شريطة ان اثأر هذا التصرف مرتبطة بالإقليم الوطني .
كما انه لا يقصد من هذا الشرط حماية المتعاقد الوطني فهذا الشرط يهدف في أساسة الي حماية المعاملات الوطنية بغض النظر عن كون المتعاقد المطلوب حمايته وطني أم أجنبي.
الشرط الثالث ان يكون الطرف المطلوب حمايته معذورا في جهله بقص أهلية المتعاقد الأخر أي ان يكون نقص أهلية الطرف الأخر في العلاقةراجعا الي سبب فيه خفاء لا يسهل التعرف علية مما يعني انه بمفهوم المخالفة انه إذا كان نقص أهلية المتعاقد الأخر ظاهر لا خفاء فيه فان المتعاقد معه لا يكون معذورا بجهالة ولا يستفيد بالتبعية من هذا الاستثناء.
الشرط الرابعان يكون المتعاقد الأجنبي الناقص الأهلية وفقا لقانون جنسيته كامل الأهلية وفقا لقانون القاضي وهذا الشرط شرط بديهي تمليه ضرورات العدالة وروح القانون .
فإذا ما توافرت الشروط السابقة مجتمعه في حق الطرف ناقص الأهلية فلا يمكن له التمسك بتطبيق قانون جنسيته حيث انه سيجد نفسه خاضعا لقانون القاضي الوطني الذي تم التصرف في إقليم دولته وترتبت أثارة فيه والذي يعتبر هذا المتعاقد كامل الأهلية وبالتالي يعتبر تصرفه صحيح من الناحية القانونية.