بحث تقدم به

القاضي رائد احمد حسن

قاضي تحقيق في المحكمة الجنائية المركزية الرصافة







الاهداء الى

دوله رئيس مجلس القضاء الاعلى

القاضي مدحت المحمود








المقدمة

إن شيوع المخدرات، وانتشارها، والتهافت على تناولها جعل منها سوقاً رائجة، تدر أرباحاً خيالية، وهي وإن كانت تعتمد على مغامرات تقوم بها مافيات متخصصة إلاّ أنها أخيراً تستقر في أسواق معينة لتباع بالقطاعي (المفرد) ليسهل تناولها يومياً من قبل المدمنين عليها.فأصبح لها أسواق خاصة موصوفة للزبائن فقط. فيجري بيعها يومياً قطعاً متفرقة، وهذا يستلزم أن تتناولها الأيدي البائعة والمشترية قطعاً صغيرة مستخرجة من أغلفتها، وعندئذٍ يكون لها روائح معينة تلصق بأيدي بائعيها كما تلتصق هذه الروائح تلقائياً بالأموال المدفوعة ثمناً لها، وما إن يأتي آخر النهار إلا وهناك كميات كبيرة من الورق النقدي، وكلها لها روائح معروفة، فلا يستطيع أصحابها إرسالها إلى البنوك وهي على هذا الحال، فيقومون بعملية غسل لها وتنظيفها من هذه الروائح حتى لا ينكشف سرها.

أما عملية الغسل هذه فتكون بوسائل معروفة لديهم لا تؤثر على هذه الأوراق النقدية. فإما أن يكون الغسيل بعملية تبخير، أو ببعض المواد المزيلة لروائحها ولا تؤثر عليها. وعندئذٍ وفي أواخر الدوام يدفعونها إلى حساباتهم في البنوك دون أية شبهة تطالهم. فهو في حقيقته غسيل بمعنى الكلمة، ولكن بوسائل معينة مخصصة لهذا الغرض، هذا هو واقع غسيل الأموال من حيث دلالة منطوق الكلمة. ((هذا في بدايات استعمال هذا الاصطلاح (غسيل الأموال) أي إزالة الروائح عن هذه الأموال حتى لا يتعرف على مصدرها ويشتبه في أنها ناتجة عن مصادر المخدرات ونحوها. ثم تطور (غسيل الأموال) ليصبح مدلوله يعني استعمال وسائل مالية وحيل خادعة لإضفاء الشرعية والقانونية على هذه الأموال المكتسبة من مصادر قذرة غير مشروعة [1].)) وبهذه الصورة البسيطة يصور الفقه الجنائي بدايات هذه الجريمة وبقي الفكر القانوني وحتى الوقت الحاضر يربط جريمة غسيل الاموال بجريمة الاتجار بالمخدرات الا ان التقدم العلمي والتكنولوجي على النظام الاجتماعي والقانوني فرض انماطا وصورا متجددة تلزم القائمين على هذه المجالات التعامل معها ووضع الاطر التي تحكم طرق التعامل معها ومن ضمن هذه الصور جريمة غسيل الاموال و إذا علمنا بأن حجم الأموال التي تتداول في عمليات غير مشروعة يبلغ تقريباً 1.4 تريليون دولار وإذا علمنا أيضاً بأن تجارة غسيل الأموال هي ثالث أضخم نشاط في العالم من بعد نشاط صرف العملة وصناعة السيارات لعلمنا مدى أهمية مكافحة غسيل الأموال وأسبابه. [2]وقد يبدو للوهلة الاولى ان فتح الابواب امام رؤوس الاموال سواء كانت وطنية او اجنبية بصرف النظر عن مصدرها في ظل المقولة الشهيرة""ان المال ليس له رائحة " واعتبارات الغاء القيود والتنافس على الاستثمارات والاسواق والعملات الصعبة يعد عاملا مؤثرا في انعاش الاقتصاد القومي : لكن ثبت انه انتعاش ظاهري او هو انتعاش عابر او مؤقت لان القوة الشرائية الناجمة عن غسل الاموال لا تعبر عن اقتصاد حقيقي اذ انها لا توجه الى الفرص المنتجة " وانما للمضاربة واستهلاك الواردات والسلع الترفيهية والاستثمارات قصيرة الاجل كالاستثمارات العقارية والسياحية وبصفة عامة توجه الى انشطة تعطي مظهرا لنمو اقتصادي غير حقيقي مخلفا وراءه اثارا اقتصادية سيئة منها التضخم وارتباك اسعار الصرف ومنها القروض من البنوك والاستيلاء على اموالها وتهريبها للخارج " ومنها انسحاب الاستثمارات الجادة من السوق . [3]

وقد تناول المشرع العراقي كحال اغلب المشرعين في البلدان الاخرى هذا الموضوع واولاه اهمية كبيرة بان افرد قانونا خاصا لمعالجة هذه الجريمة مع ان راينا في هذا الخصوص ان تكرس القوانين العقابية جميع الاعمال غير المشروعة وبالتالي كان من الافيد والاجدى ان يتضمن قانون العقوبات النافذ هذه الجريمة وغيرها من الجرائم التي خصص لها قوانين عقابية خاصة .وعلى اية حال ولحداثة هذه الجريمة بالنسبة للتشريع العراقي والقضاء العراقي في ان واحد فقد اتجهنا في مناقشة هذه الجريمة الى الجانب الفقهي اكثر من الجانب العملي دون ان نغفل الاشارة الى باقي الجرائم التي قد تتشابه في مظهرها العام واركانها وجريمة غسيل الاموال على كل حال فان حداثة ظاهرة غسيل الاموال جعلت الكثير من الناس بل وحتى المختصين من رجال القانون يقفون حائرين امام هذا المصطلح غير المتداول في اطار الدراسات القانونية ولا سيما بلدنا الذي نال منه الحصار والحروب كثيرا وفضلا عن ذلك فان اتخاذ جريمة غسيل الاموال شكل الجريمة العابرة للحدود يثير مشاكل عديدة وثيقة الصلة بالقانون الجنائي الدولي منها قصور قواعد الاختصاص الجنائي الدولي عن ملاحقة جريمة غسيل الاموال عندما ترتكب الجريمة الاصلية –مصدر الاموال غير المشروعة – في اقليم دولة اخرى غير الدولة التي تم فيها نشاط غسيل الاموال مما يتسبب في طرح مشكلة اخرى على قدر غير قليل من الاهمية تتمثل في مدى امكانية الاعتراف بحجية الاحكام الجنائية في اقليم دولة اخرى .

وقد قسمنا هذا البحث الموجز الى خمسة مطالب افردنا المطلب الاول منه الى تعريف هذه الجريمة وبيان ماهيتها في الفقه القانون والاصطلاح اللغوي اما المطلب الثاني فبينا فيه الطبيعة القانونية لهذه الجريمة وفي المطلب الثالث وضحنا موقف المشرع العراقي والقضاء العراقي من هذه الجريمة ثم تكلمنا في المطلب الرابع عن السمات التي تميز هذه الجريمة عن الجرائم ذات الملامح القريبة منها وكان المطلب الخامس مخصصا للاليات المتبعة لمكافحة هذه الجريمة وجدوى هذه الاليات ...... املا في ان يكون هذا البحث خطوة في طريق مكافحة هذه الجريمة.









الباحث

القاضي رائد احمد حسن

المحكمة الجنائية المركزية /الرصافة