الشرط الثاني: يجب أن تكون الأدلة الإلكترونية غير قابلة للشك أي يقينية:يُشترط في الأدلة المستخرجة من الحاسوب والإنترنت أن تكون غير قابلة للشك حتى يمكن الحكم بالإدانة ، ذلك أنه لا مجال لدحض قرينة البراءة وافتراض عكسها إلا عندما يصل اقتناع القاضي إلى حد الجزم واليقين ، ويمكن التوصل إلى ذلك من خلال ما يعرض من الأدلة الإلكترونية ، والمصغرات الفيلمية ، وغيرها من الأشكال الإلكترونية التي تتوافر عن طريق الوصول المباشر ، أم كانت مجرد عرض لهذه المخرجات المعالجة بواسطة الحاسوب على الشاشة الخاصة به أو على الطرفيات ، وهكذا يستطيع القاضي من خلال ما يعرض عليه من مخرجات إلكترونية ، وما ينطبع في ذهنه من تصورات واحتمالات بالنسبة لها، ان يحدد قوتها الاستدلالية على صدق نسبة الجريمة المعلوماتية إلى شخص معين من عدمه.
ويشترط قانون البوليس والإثبات في بريطانيا لسنة 1984م ، حتى تتحقق يقينية الأدلة الإلكترونية أن تكون البيانات دقيقة وناتجة عن الحاسوب بصورة سليمة( ) ، أما في كندا ، فإن الرأي السائد في الفقه هو اعتبار مخرجات الحاسوب من أفضل الأدلة ، لذا فإنها تحقق اليقين المنشود في الأحكام الجنائية.
ونصت بعض قوانين الولايات في أمريكا ، على أن النسخ المستخرجة من البيانات التي يحتويها الحاسوب تُعد من أفضل الأدلة المتاحة لإثبات هذه البيانات ، وبالتالي يتحقق مبدأ اليقين لهذه الأدلة ، و تنص القواعد الفيدرالية على أن: (الشرط الأساسي للتوثيق أو التحقق من صحة أو صدق الدليل ، كشرط مسبق لقبوله ، هو أن يفي بأمارة أو بينة كافية لأن تدعم اكتشاف (أو الوصول) إلى الأمور التي تتصل بالموضوع بما يؤيد الادعاءات أو المطالبة المدعي بها)( ).
ويقرر الفقه الياباني قبول الأدلة المستخرجة من الحاسوب التي تم تحويلها إلى الصورة المرئية سواء كانت هي الأصل أم كانت نسخًا مستخرجة عن هذا الأصل ، وذلك استنادًا على الاستثناءات التشريعية المنصوص عليها في المادة (323) من قانون الإجراءات الجنائية الياباني ، ففي هذه الحالة يتحقق اليقين الذي يبنى عليه الحكم الجنائي ، كما يمكن أن يتحقق اليقين لهذه المخرجات أيضًا من خلال التقارير التي يقدمها الخبراء ، وفي تشيلي ينص أحد القوانين الخاصة بالحاسوب على قبول السجلات الممغنطة للحاسوب وكذلك النسخ الناتجة عنها،ومعنى ذلك أن هذه السجلات وصورها تحقق اليقين المنشود لإصدار الأحكام الجنائية ، كما يتحقق هذا اليقين أيضًا عن طريق تقارير الخبراء الصادرة في عناصر معالجة البيانات (المادة 221 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التشيلي)( ).واعتبر المشرع الأردني نظام المعالجة الإلكتروني مؤهلاً لإثبات تحويل الحق مما يسهل على المحقق ضبط الدليل الإلكتروني وذلك من خلال نص المادة (21) من قانون المعاملات الإلكترونية رقم (85) لسنة 2001م ،والتي جاء فيها بأن : (أ- يعتبر نظام المعالجة الإلكتروني مؤهلاً لإثبات تحويل الحق في السند تطبيقاً لأحكام المادة (20) من هذا القانون إذا كان ذلك النظام يسمح بإنشاء السند الإلكتروني وحفظه وتحويله وذلك بتوافر الشرطين التاليين مجتمعين:
1-إذا كانت النسخة المعتمدة من السند القابل للتحويل محددة بصورة غير قابلة للتغيير وذلك مع مراعاة أحكام الفقرة (ج) من هذه المادة.
2-إذا كانت النسخة المعتمدة من السند تدل على اسم الشخص الذي تم سحب السند لمصلحته وأن السند قابل للتحويل وتضمنت اسم المستفيد.
ب-ترسل النسخة المعتمدة وتحفظ من قبل الشخص الذي يملك الحق فيها أو الشخص المودعة لديه لمصلحة صاحب الحق في السند.
ج-1-تعتمد النسخ المأخوذة عن النسخة المعتمدة التي حدث عليها تغيير أو إضافة بموافقة من الشخص الذي يملك حق التصرف في السند.
2-يؤشر على كل نسخة مأخوذة من السند بأنها معتمدة أو غير معتمدة.
3-تعرف كل نسخة مأخوذة من النسخة المعتمدة بأنها نسخة مطابقة للنسخة المعتمدة.). يتضح من هذا النص إمكانية إثبات الحق مما يُمكن المحقق من استخدام هذه الوسائل أيضًا بالإضافة للوسائل السابق الإشارة إليها في تفتيش نظم الحاسوب والإنترنت.
الشرط الثالث: إمكانية مناقشة الأدلة الإلكترونية المستخرجة من الحاسوب والإنترنت:ويعني مبدأ وجوب مناقشة الدليل الجنائي بصفة عامة أن القاضي لا يمكن أن يؤسس اقتناعه إلا على العناصر الإثباتية التي طرحت في جلسات المحاكمة وخضعت لحرية مناقشة أطراف الدعوى( ) ، وهذا يعني أن الأدلة المتحصلة من جرائم الحاسوب والإنترنت سواء كانت مطبوعة أم بيانات معروضة على شاشة الحاسوب ، أم كانت بيانات مدرجة في حاملات البيانات ، أم اتخذت شكل أشرطة وأقراص ممغنطة أو ضوئية أو مصغرات فيلمية ، كل هذه ستكون محلاً للمناقشة عند الأخذ بها كأدلة إثبات أمام المحكمة ، وعلى ذلك فإن كل دليل يتم الحصول عليه من خلال بيئة تكنولوجيا المعلومات ، يجب أن يعرض في الجلسة ليس من خلال ملف الدعوى في التحقيق الابتدائي ، لكن بصفة مباشرة أمام القاضي ، وهذه الأحكام تنطبق على كافة الأدلة المتولدة عن الحاسبات الحواسيب، وأيضًا بالنسبة لشهود الجرائم المعلوماتية الذين يكون قد سبق أن سمعت أقوالهم في التحقيق الابتدائي ، فإنه يجب أن يعيدوا أقوالهم مرة أخرى من جديد أمام المحكمة( ) ، كذلك فإن خبراء الأنظمة المعلوماتية على اختلاف تخصصاتهم( ) ، ينبغي أن يمثلوا أمام المحاكم لمناقشتهم ، أو مناقشة تقاريرهم التي خلصوا إليها لإظهار الحقيقة وكشفًا للحق.
ومن القواعد العامة المستقرة في القانون الجنائي عدم قبول البينة السماعية أمام المحاكم الجنائية ، إلا في حالات استثنائية حصرها القانون بشروط مشددة( ) ، ويُعزى عدم قبول البينة السماعية إلى استحالة استجواب ومناقشة الشاهد الأصلي بواسطة المحكمة والدفاع ، ولاستثناءات البينة السماعية علاقة بمناقشة حجية الأدلة الجنائية الإلكترونية ، على سبيل المثال ، لقد تضمنت القواعد الفيدرالية الأمريكية نصًا يعتبر السجلات والبيانات المنظمة بدقة بينة مقبولة أمام المحاكم الجنائية استثناءً للبينة السماعية ، وبناءً على تلك القواعد تعد التقارير والمعلومات والبيانات المحفوظة في أي شكل ، وكذلك الوقائع والأحداث والآراء ونتائج التحاليل المنقولة بواسطة أصحاب المعرفة والخبرة في نطاق الأنشطة والممارسات المنظمة بيّنة مقبولة أمام المحاكم الجنائية لكونها بيانات أكثر دقة ومحفوظة بأسلوب علمي يختلف عن غيرها من الأدلة السماعية ، والأدلة الجنائية الإلكترونية من هذا القبيل لكونها معدة بعمليات حسابية دقيقة لا يتطرق إليها الشك ويتم حفظها آليًا بأسلوب علمي( ).
وللإجابة عن التساؤل الذي طُرح في مقدمة هذا المطلب حول إمكانية ضبط الأدلة ومشروعيتها إذا كانت النهاية الطرفية للنظام المعلوماتي في منزل آخر غير منزل المتهم ، فقد أجاز قانون جريمة الحاسوب الهولندي في المادة (25/أ) منه ، إمكانية امتداد تفتيش المسكن إلى تفتيش نظام آلي... موجود في مكان آخر بغية التوصل إلى بيانات يمكن أن تفيد بشكل معقول..في كشف الحقيقة وإذا ما وجدت هذه البيانات يجب تسليمها ، وبالتالي أجاز المشرع للقائم بالتفتيش سلطة تسجيل البيانات الموجودة في النهاية الطرفية التي يتصل بها النظام المعلوماتي دون التقيد بالحصول على إذن مسبق بذلك من المحقق المختص ، إلا أن هذه السلطة غير مطلقة بل هي مقيدة بقيود ثلاثة هي( ):
1-ألا تكون النهاية الطرفية المتصل بها الحاسوب موجودة ضمن إقليم دولة أخرى حتى لا يؤدي الاتصال بها إلى انتهاك لسيادة الدولة الإقليمية.
2-أن تحتوي النهاية الطرفية المتصل بها الحاسوب على بيانات ضرورية بصورة كافية لظهور الحقيقة.
3-أن يحل قاضي التحقيق محل الشخص صاحب المكان الذي ينبغي تفتيشه بصورة مؤقتة.
ويبقى السؤال ، ماذا لو كانت النهاية الطرفية في إقليم دولة أخرى ، فكيف يمكن ضبط الدليل الإلكتروني في هذه الحالة؟ يلاحظ إن المادة (25/أ) من قانون الحاسوب الهولندي استثنت هذه الحالة ، فيمكن الحصول على الأدلة حتى لو كانت في إقليم دولة أخرى بواسطة الاتفاقيات الدولية الخاصة بالتعاون الأمني والقضائي والخاصة بالتفتيش وضبط الأدلة، وأخيرًا فإن متحصلات الجريمة المعلوماتية( ) ، التي يتم ضبطها يجب أن تعرض على القاضي المختص بكافة مفرداتها وعناصرها ، وذلك لأن حيادية القاضي توجب عليه أن لا يقيم قضاءه إلا على ما طرح أمامه وكان موضوع الفحص والتحقيق والمناقشة.ويترتب على مناقشة أدلة الحاسوب والإنترنت:
النتيجة الأولى : عدم جواز أن يقضي القاضي في الجرائم المعلوماتية بناءً على معلوماته الشخصية.
والنتيجة الثانية: ضرورة التأهيل التقني والفني للقضاة لمواكبة المناقشة العلمية لأدلة الحاسوب والإنترنت بشكل يتماشى مع التقارير التي تم تقديمها في المؤتمرات الخاصة بجرائم الحاسوب والإنترنت.


المبحث الثاني
حجية الدليل الإلكتروني الناشئ عن التفتيش

إنَّ حجية المخرجات المتحصلة من الحاسوب ، هي قوتها الاستدلالية على صدق نسبة الفعل إلى شخص معين أو كذبه، أو هي قيمة ما يتمتع به المخرج المتحصل من الكمبيوتر، بأنواعه المختلفة الورقية والإلكترونية والمصغرات الفيلمية، من قوة استدلالية في كشف الحقيقة( ).
لقد اختلفت أنظمة الإثبات في تقديرها لحجية المخرجات ففي القوانين ذات الصياغة اللاتينية، ومنها القانون الأردني والفرنسي والمصري والسوري واللبناني، فإن حجية الأدلة الإلكترونية لا تثير صعوبات لمدى حرية تقديم هذه الأدلة لإثبات جرائم الحاسوب والإنترنت ، ولا لمدى حرية القاضي الجنائي في تقدير هذه الأدلة ذات الطبيعة الخاصة باعتبارها أدلة إثبات في المواد الجنائية، وفي فرنسا مشكلة حجية المخرجات المتحصلة من الحاسوب على مستوى القانون الجنائي ليست ملحة أو عاجلة في نظر الفقهاء، فالأساس هو حرية القاضي في تقدير هذه الأدلة( )، ويدرس الفقه الفرنسي هذه الحجية تحت نطاق قبول الأدلة الناشئة عن الآلة أو الأدلة العلمية مثل أجهزة التصوير وأشرطة التسجيل وأجهزة التنصت، وقد قضت محكمة النقض الفرنسية: ( إن أشرطة التسجيل الممغنطة التي تكون لها قيمة دلائل الإثبات يمكن أن تكون صالحة للتقديم أمام القضاء الجنائي)( )، وكذلك الحال بالنسبة لكل من ألمانيا وتركيا ولوكسمبورج واليونان والبرازيل( )، وكل هذه الدول تخضع الأدلة الإلكترونية لحرية القاضي في الاقتناع الذاتي، بحيث تكون بمقدوره أن يطرح مثل هذه الأدلة-رغم قطعيتها من الناحية العلمية- ذلك عندما يجد أن الدليل الإلكتروني لا يتسق منطقيًا مع ظروف الواقعة وملابساتها( ).
أما في النظم الإنجلو سكسونية التي يحدد المشرع فيها أدلة الإثبات ويقدر قيمتها الإقناعية، في طليعة هذه الدول التي تتبنى هذا النظام، بريطانيا، التي أصدرت قانون إساءة استخدام الحاسوب في عام 1990م، الذي لم يتناول الأدلة الناتجة عن الحاسوب، وربما كان السبب هو وجود قانون البوليس والإثبات الجنائي لسنة 1984م ، الذي حوى تنظيمًا محددًا لمسألة قبول مخرجات الحاسوب والإنترنت، كأدلة إثبات في المواد الجنائية( )، وفي الولايات المتحدة الأمريكية تناولت بعض القوانين حجية الأدلة الإلكترونية، ومن ذلك على سبيل المثال ما نص عليه قانون الحاسوب لسنة 1984م، الصادر في ولاية (أيوا)، من أن مخرجات الحاسوب تكون مقبولة بوصفها أدلة إثبات بالنسبة للبرامج والبيانات المخزنة فيه ( المادة 716/أ/16)، كما يتضح من قانون الإثبات الصادر في عام 1983م في ولاية كاليفورنيا، من أن النسخ المستخرجة من البيانات التي يحتويها الحاسوب تكون مقبولة بوصفها أفضل الأدلة المتاحة لإثبات هذه البيانات( )، وفي كندا، يمكن قبول السجلات الناجمة عن الحاسوب، إذا توافرت شروط معينة، وتنص المادة (29) من قانون الإثبات الكندي على عدد من الشروط التي يجب توافرها قبل عمل صورة (Copy)، من السجل الذي يضاف إلى الأدلة، ومن هذه الشروط أن تكون الصورة حقيقية من المدخل الأصلي، وقد قضت محكمة استئناف اونتاريو الكندية في قضية مكميلان (MC Mullen)، بإنه يشترط لكي تكون سجلات الحاسوب مقبولة بوصفها نسخًا حقيقية من السجلات الإلكترونية، وأن تكون محتوية على وصف كامل لنظام حفظ السجلات السائد في المؤسسات المالية، كما يمكن أن يتضمن ذلك وصفًا للإجراءات والعمليات المتعلقة بإدخال البيانات وتخزينها واسترجاعها، حتى يتبين أن المخرج المتحصل من الحاسوب موثوق به بشكل كافٍ( ). وتنص قواعد الإثبات الفيدرالية الأمريكية، على أن النسخة المطابقة للأصل لها ذات حجية الأصل، أيًا كانت الطريقة أو الوسيلة المستخدمة في النسخ، كالطباعة، والتصوير، والتسجيل الميكانيكي، والتسجيل الإلكتروني، بما يسمح بقبول مخرجات الحاسوب في الإثبات، والغالب الأعم في القضاء الأمريكي أنه يُعول على قبول دليل السجلات المحتفظ بها على الحاسوب( ).
أما في القوانين ذات الاتجاه المختلط ، وهي التي تجمع ما بين النظامين اللاتيني والانجلوسكسوني، فيعتمد النظام المختلط على أن يحدد القانون أدلة معينة لإثبات بعض الوقائع دون بعضها الآخر، أو يشترط في الدليل شروطًا في بعض الأحوال، أو يعطي القاضي الحرية في تقدير الأدلة القانونية، مثل القانون الإجرائي الياباني، وقد حصر المشرع الياباني طرق الإثبات المقبولة بما يأتي: ( أقوال المتهم، وأقوال الشهود، والقرائن، والخبرة)، أما بالنسبة لأدلة الحاسوب والإنترنت، فيقرر الفقه الياباني، أن السجلات الإلكترومغناطيسية تكون غير مرئية في حد ذاتها، ولذلك لا يمكن أن تستخدم كدليل في المحكمة، إلا إذا تم تحويلها إلى صورة مرئية ومقرؤة عن طريق مخرجات الطباعة لمثل هذه السجلات، وفي مثل هذه الحالة يتم قبول هذه الأدلة الناتجة عن الحاسوب والإنترنت، سواء كانت هي الأصل أم كانت نسخة من هذا الأصل( ).

وتنص المادة (113) من قانون الإجراءات الجنائية الشيلي، على إمكانية استخدام الأفلام السينمائية، والحاكي ( الفونوغراف)، والنظم الأخرى الخاصة بإنتاج الصورة، والصوت، والاختزال، وبصفة عامة أية وسائل أخرى، قد تكون ملائمة، ووثيقة الصلة، وتفضي إلى استخلاص المصداقية، يمكن أن تكون مقبولة كدليل إثبات( )، ويرى الفقه الشيلي، أن الدليل الناتج عن الحاسوب والإنترنت، يمكن أن يكون مقبولاً في المحكمة، كدليل كتابي أو مستندي، مثله مثل النظم الحديثة الأخرى لجمع وتسجيل المعلومات، وحجة الفقه الشيلي تستهدف توسيع مظلة الوسائل العلمية الحديثة في الإثبات، لتغطي العناصر الإثباتية الناتجة عن جرائم المعلوماتية( ).
تعد مراقبة المكالمات السلكية واللاسلكية – تحت رقابة القضاء- من الوسائل الملائمة لضبط ما يفيد في كشف الحقيقة أحيانًا، وقد أحاط المشرع إجراء المراقبة الهاتفية واللاسلكية بضمانات معينة فلا يجوز إجراؤها إلا بأمر مسبب من القضاء وبصورة مشروعة.
لكن ما القوة الإثباتية للتسجيلات الصوتية المُسجلة إلكترونيًا؟
إن الصوت عند تسجيله إلكترونيًا ، لا يحتمل الخطأ، ويصعب التلاعب به، ويمكن للخبراء أن يكتشفوا أي تلاعب أو خداع بوسائل تقنية عالية الكفاءة، ومن ثم يمكن القول بأن التسجيل الصوتي الممغنط يمكن أن تكون له حجة دامغة في الإثبات( ).
ويمكن باستخدام تكنولوجيا للحواسيب الحديثة والإنترنت وطرق الاتصال المعلوماتي السريع، أن يستخدم تسجيل الفيديو لإثبات تُهم استعمال القسوة أو إساءة استعمال السلطة من قبلِ أعضاء الضابطة العدلية ضد المواطنين، كما يمكن استخدامها لتسجيل عمليات القبض والتفتيش وضبط الأدلة والآثار الأخرى الناجمة عن الجريمة تسجيلاً دقيقًا، كما يمكن استخدامها كتقنية عالية الكفاءة لعمل المعاينات اللازمة لمسرح الجريمة( )، ويشترط الفقه لمشروعية الدليل المستمد من المراقبة والتسجيل توافر الشروط التالية( ):-
1-إذا لم يكن التسجيل منطويًا على اعتداء على حق يحميه القانون، فيكون الدليل في هذه الحالة مشروعًا، ويمكن للمحكمة أن تستند إليه في قضائها بالإدانة أو بالبراءة.
2-تحديد دقيق لشخصية الشخص المراد تسجيل أحاديثه أو بريده الإلكتروني كل ما كان ذلك ممكنًا في حالة الإنابة للتفتيش.
3-تحديد نوع الحديث المراد التقاطه، والجريمة المتعلقة بها، والجهة المصرح لها بذلك، والمدة الجائز خلالها التقاط الحديث خلالها.
ويمكن استخدام "حاسوب الجيب" على أنه " أداة تبرئة" إذ يمكن أن تكون التوقيعات المشفرة من خلاله دليل براءة غير قابل للدحض في مواجهة أية اتهامات باطلة، فلو أن شخصًا ما أتُهم بأمر معين أو جريمة معينة فبإمكانه أن يُدافع عن نفسه من خلال ما هو مُسجل من أقوال وأفعال في أي وقت( ). أما البريد الإلكتروني، فعند إرسال رسالة من خلاله فإنه يكون لدى الشخص المستقبل توقيعًا رقميًا ( إلكترونيًا)، ويكون المستقبل وحده القادر على استعماله، وسيتم تشفير الرسالة، بحيث لن يتمكن من حل شفرتها إلا الشخص المقصود إرسالها إليه، ويمكن لهذه الرسالة أن تكون معلومات من أي نوع، مشتملة على الصوت والفيديو، أو تحويلات بنكية، وسيكون بإمكان متلقي الرسالة أن يتأكد من أن الرسالة مرسلة بالفعل من الشخص الذي أرسلها، وتحديد وقت إرسالها بالضبط، وأنها لم تتعرض لأي تلاعب، وأن الآخرين لا يستطيعون فك شفرتها، وبالتالي يمكن استخدام هذه المعلومات كحجة في الإثبات الجنائي( ).
ويستخدم التوقيع الإلكتروني في تأمين المعلومات من خلال إدخال أختام توقيت الإرسال في الرسائل المشفرة، فإذا ما حاول شخص ما، أن يلفق أو يزور المفترض كتابة أو إرسال الوثيقة فيه فسيكون هذا التلفيق أو التزوير قابلاً للكشف، وسوف يرد ذلك الاعتبار للقيمة الإثباتية للصور الفوتوغرافية والفيديوية، ولقد أضاف علم التصوير للإثبات الجنائي قيمة علمية بما له من أثر في نقل صورة صادقة للأماكن والأدلة إلى كل من يعنيه الأمر، اعتمادًا على آلة التصوير والأفلام التي لا تعرف الكذب، بيد أنه لا يمكن إنكار الآثار السلبية والخطيرة التي تنشأ عن استخدام هذه الوسائل، لما قد يحدثه في الحياة الخاصة إذا لم توضع له الضوابط الكافية( )، وتختلف حجية التوقيع الإلكتروني في الإثبات المدني عنه في الإثبات الجنائي، حيث يخضع في الإثبات المدني لقواعد شكلية، أما في الإثبات الجنائي فيخضع تقديره لمطلق سلطة قاضي الموضوع، واقتناعه بصحته وقوته الإثباتية( )، كما أن وجود نظام تسجيل الدخول في شبكة الإنترنت يسمح بتحديد الأشخاص الذين دخلوا أو حاولوا الدخول بعد ارتكاب الفعل الجرمي، وتعد حالات ضبط مرتكب الفعل متلبسًا نادرة أو أنها وليدة الصدفة، وحتى لو تم ضبطه متلبسًا، فقد يرجع ذلك إلى خطأ في نظام الحاسوب أو الشبكة أو الأجهزة الأخرى( )، أو عن طريق مراقبة الشرطة بعد ملاحظة وجود بعض الاعتداءات، والفقه الفرنسي يعتبر انتهاك نظام الأمن لبعض المواقع المحمية، دليل حتمي وقرينة قاطعة على وجود القصد الجرمي وسوء نية مرتكب الفعل( )، ويمكن للماسحات الضوئية، وطابعات الليرز أن تكون أداة ارتكاب الجريمة، ففي عام 1994، قام أحد الأشخاص في مدينة دلاس الأمريكية بتزوير أجازات قيادة سيارات التاكسي باستخدام الماسحات الضوئية، وطابعات الليزر، كما جرت محاولات لإصدار بطاقات التأمين، وأوامر صرف مالية، وبعض أنواع الصكوك من خلال استخدام برمجيات الرسوم المتطورة، وأنظمة الطباعة المتخصصة( ).
ويخلص الباحث إلى تأييد الرأي الفقهي الذي يرى أن المحاكم الجنائية قد لا تواجه مشاكل في تعاملها مع الأدلة الجنائية الإلكترونية ( الرقمية)، وذلك للأسباب التالية( ):
1-الثقة التي اكتسبها الحاسوب والإنترنت والكفاءة التي حققتها النظم الحديثة للمعلوماتية في مختلف المجالات( ).
2-ارتباط الأدلة الجنائية الإلكترونية وآثارها بالجريمة موضوع المحاكمة.
3-وضوح الأدلة الإلكترونية، ودقتها في إثبات العلاقة بين الجاني والمجني عليه، أو بين الجاني والسلوك الإجرامي.
4-إمكانية تعقب آثار الأدلة الإلكترونية والوصول إلى مصادرها بدقة.
5-قيام الأدلة الإلكترونية على نظريات حسابية مؤكدة لا يتطرق إليها الشك مما يقوي من تقنية الأدلة الإلكترونية.
6-الأدلة الجنائية الإلكترونية يدعمها- عادة- رأي خبير- وللخبرة في المواد الجنائية دورها في الكشف عن الأدلة وفحصها وتقييمها وعرضها أمام المحاكم وفق شروط وقواعد نظمها القانون وأقرها القضاء.