خصائص وتصنيفات الجريمة المعلوماتية
المستشار الدكتور
محمد ياسر أبو الفتوح
محكمة استئناف القاهرة
مستشار مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار برئاسة مجلس الوزراء
2008



مقدمة
في عصر لم يعد فيه مكان للجهل أو الفطرة والاجتهاد، بل بات كل شيء فيه خاضعا للعلم والخبرة والمعرفة، يبرز دور إدارات التدريب ومعاهد وكليات الشرطة والأمن بوصفها عنصرا أساسيا من عناصر نجاح العمل الأمني، وتوفير مقومات السلام والاستقرار في البلاد. فقد غدا من المتفق عليه أن عمل الأجهزة الأمنية لا يقتصر على مكافحة الجريمة وضمان الأمن والطمأنينة داخل المجتمع، بل إن آثاره عديدة ومتشعبة تشمل كافة جوانب الحياة في هذا المجتمع، الذي يتمكن أفراده في ظل توفر الأمن والاستقرار من إطلاق طاقاتهم في كافة نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، وهو ما يتيح لذلك المجتمع مجال التحرك الفاعل والانطلاق في مدارج التقدم والرقي، ولذلك تبدو عملية التنمية عموما رهينة بالعامل الأمني، ومحكومة بمدى نجاحه في خلق الأرضية الصالحة للإبداع والإنتاج في مختلف المرافق والقطاعات.
إن عالم الجريمة ليس معزولا عن التحولات الهامة التي يشهدها العالم في مختلف المجالات والميادين، لا بل يمكن القول أن جماعات الجريمة المنظمة تكون السباقة أحيانا في إحداث مثل هذه التحولات من خلال ابتكار أنماط إجرامية تستدعي جهدا كبيرا وتقنيات متقدمة لمواجهتها ودرء أخطارها عن الإنسانية، وهذا يحتم أن يكون رجل الأمن قادرا على التصدي بنجاح لمخططات تلك الجماعات الإجرامية ومؤهلا لصيانة المجتمع من شرورها،والحفاظ على أمن أفراده وسلامة ممتلكاتهم، ولا يتحقق ذلك بطبيعة الحال إلا من خلال إعداد رجل الأمن الإعداد المطلوب وتعزيز خبراته ومؤهلاته العلمية والميدانية ولا سيما من حيث القدرة على استخدام التقنيات المتقدمة التي لم يعد ممكنا الاستغناء عنها في العمل الأمني في ظل التطورات المذهلة التي تشهدها هذه التقنيات ولجوء قوى الشر والإجرام والفساد إلى الاستفادة منها إلى أقصى حد في تنفيذ مخططاتها وجرائمها.
هذه المهمة الكبيرة والمركزية، مهمة إعداد رجل الأمن ومما لا شك فيه أن عملية البناء والإعداد والتأهيل ليست يسيرة ولكن أهدافها النبيلة تخفف بالتأكيد من الأعباء التي تفرضها، خاصة وأن النتائج التي تسفر عنها تنعكس إيجابيا على الجميع.



المبحث الأول
الملكية الفكرية والجريمة المعلوماتية
المطلب الأول
الملكية الفكرية
رغم أن تعبير الملكية الفكرية تعبير موجز فيذاته فأنه متسع ومتطور المضمونفالملكية الفكرية هي ثمرة الإبداع و الاختراع البشري والملكية تنقسم بصفة عامة إلى ثلاث صور هي الملكية العقارية والملكية علي المنقول وأخيرا الملكيةالفكرية.
فحقوق الملكية الفكرية هي الحقوق المعنوية التي يتمتعبها الشخص علي إبداعاته الفكرية أو الذهنية والدول تعمل علي سن قوانين حماية تلك الملكية، فالتشريع هو المصدر المباشر والفعال لحماية الملكية الفكرية، بقصد تحقيق هدفين:
الأول: تقنين وتنظيم الحقوق المعنوية والاقتصادية لأصحاب الأعمال المبدعة، كما تقرر حقوق الجمهور في التمتع والحصول علي تلك الإبداعات
الثاني:العمل علي إنماء العمل الإبداعي وتطبيق نتائجه والتشجيع فيالتعامل العادل في ثمراته والتي تساهم بدورها في التقدم الاجتماعي والاقتصاديللدولة والدول علي الصعيد الدولي.


أولا: تقسيمات الملكية الفكرية
* تنقسم حقوق الملكية الفكرية إلىقسمين كبيرين هما:
1- الملكية الأدبية والفنية والحقوق المرتبطة بها أوالمجاورة لها.
2-حق الملكية الصناعية والحقوق المرتبطة بها أو المجاورة لهاويتفرع كل قسم منهما بدوره إلى نوعيات فرعية.
* فالقسم الأول : يتمثل في حق المؤلفعلي إنتاجه الذهني في المجال الأدبي والعلوم والفنون وكذلك الأعمال الجماعية لهذاالإنتاج الذهني وبالإضافة إلى ذلك، الحقوق المجاورة والتي تتصرف إلى الأداء الفنيوالفونوجراف والبث الإذاعي.
* القسم الثاني: فيتمثل في الملكية الصناعية وهي تتضمنمجموعة من الفروع غير المتجانسة والتي تتمثل في:
1- الاختراعات.
2-الرسوموالنماذج الصناعية.
3-الاسمالتجاري وبيانات المنشأ الجغرافية (1).
أولا: حقالمؤلف والحقوق المجاورة:
(1) حق المؤلف:
تطور نطاق المؤلفات مع تطور مظاهرالعقل والفكر وكيفية نشرها وتوزيعها علي الغير من الناس فدخل فيها برامج الحاسبالآلي وجانب من التصميمات والرسوم الصناعية التي قد تتضمن في طياتها جانبا منالإبداع يتطلب نوعا من الحماية بحسب أنها حقا للمؤلف. فحق المؤلف يحمي المؤلف الأصليضد أعمال النسخ وإعادة الطبع وأعمال التقليد غير المشروعة والتي انتشرت وتطورتوسائلها وطرق نسخها وبيعها أو عرضها ونشرها.
فحق المؤلف مصطلح يصف الحقوق الممنوحة للمبدعين فيمصنفاتهم الأدبية والعلمية والفنية. ويشمل حق المؤلف – وهو ما يمثل موضوعه – كلالمصنفات الأدبية والعلمية،وبرامج الحاسب الآلي.
وعلي ذلك يتمتع المؤلف بنوعين من الحقوق ولكل منهذين النوعين قواعده التي تختلف عن الآخر وهما:
(أ)الحقوق المعنوية أو الشخصية:
فالحقوق المعنوية تتعلق بشخص المؤلف ولصيقة به وهي غير قابلة للتصرف فيهابطبيعتها، فشأنها في ذلك شأن الحقوق الشخصية البحتة التي تتصل بشخص الإنسان ويترتبعلي ذلك بطلان كل تصرف يتم بشأنها وهي تتميز بأنها دائمة، وغير قابلة للتنازل عنها،وتكون عقود التصرف فيها أو التنازل عنها باطلة (المادة 145. ق 82 / 2002)، ولاتكون محلا للكسب بالتقادم أو الحجز عليها، ومع ذلك فهي ليست حقا تقديريا مطلقاوإنما هي تخضع لقواعد عدم إساءة الاستعمال والتعسف في استخدام الحق بينما الحقالمالي، الذي يمثل جانب الملكية المادية للمؤلف فترد عليه عقود استغلاله التييبرمها المؤلف.ويلاحظ أن المادة الثامنة منالقانون المصري تنص علي انتهاء الحماية المقررة للمؤلف، ولمن ترجم مصنفه إلى لغةأجنبية بالنسبة لحقهما في ترجمة المصنف إلى اللغة العربية، إذا مضت خمس سنوات منتاريخ أول نشر للمصنف الأصلي أو المترجم دون أن يباشر المؤلف أو المترجم أنفسهما أوبواسطة غيرهما ترجمة المصنف إلى اللغة العربية وذلك تغليبا للمصلحة العامة المصريةعلي المصلحة الفردية للمؤلف وحتى يكون ذلك دافعا للمؤلف علي مباشرة تلك الترجمة إلىاللغة العربية.
*وتتحصل الحقوق المعنوية للمؤلف، التي تعتبر ، فيما يلي:
1- الحقفي الإبداع authorship of work وهو يتمثل في تقرير نشر المصنف وإذاعته وطريقة هذاالنشر وتحديد شروطه.
2-الحق في سحب المصنف من التداول وتعديلهمتى كان لذلك مبررا قوي.
( ب( الحقوق المالية:
فهي لا تترتب إلا علي الحقوق الأولى والعكس غير صحيح وتتمثل تلك الحقوق فيما يلي: 1- حق المؤلف في استغلال مصنفاته علي أية صورةمن صور الاستغلال ويسمي ذلك بحق الأداءالعلني.
2- وللمؤلف وحده أن ينتقل إلى الغير الحق في مباشرة حقوق الاستغلالالمقررة له كلها أو بعضها وان يحدد في هذه الحالة مدة استغلال الغير لما تلقاه منهذه الحقوق.
وهذا الاستغلال ينصرف إلى ثلاثة حقوق مالية :
1- الحق في إعادةإنتاج المؤلف. droit de representation
2- حق التقديم أو البث لأي أداءللعمل جهرا للجمهور سواء بطرية مباشرة أو غير مباشرة droit de reproduction
3- الحق في التتبع droit de suite وهو حق المؤلف ولخلفه من بعده خلال مدة معينة منوفاة المؤلف في اقتضاء بنسبة من ثمن المصنف الفني المدفوع في حالة بيعه.



(2)الحقوق المجاورة أو المرتبطة بحق المؤلف:
ثمة ثلاثة أنواع من الحقوق تندرج تحت مظلة هذا النطاق:
أولا: حقوق المؤدين التنفيذيين من الممثلين والموسيقيين والراقصين
ثانيا: حقوق منتجي الفونوجرام.
ثالثا: حقوقالتنظيمات أو المؤسسات التي تتولى الإذاعة أو البث الإذاعي في الراديو والتليفزيونوالفونوجرام.
ثانيا:حق الملكيةالصناعية:
(1) الاختراع:
الاختراع هو كل إبداع أو ابتكارجديد في أي مجال من الأنشطة فهو يمثل ابتكارا جديدا لمنتج أو طريقة أو تركيبة جديدةلشيء جديد أو تحسينه أو تطويره في أي من تلك الأمور.
ويمكن تقسيم الاختراعاتوفقا للمنتج أو الطريقة المستخدمة المبتكرة، كما يمكن تقسيمه وفقا للمجال المنشأةبصدده. أما براءة الاختراع Brevet d’invention فهي الصك الذي يمنح حقا استثنائيانظير اختراع يكون إنتاج أو عملية جديدة لإنجاز عمل أو تقدم حلا فنيا جديدا لمشكلةما تكفل لحائزها حماية اختراعه فترة زمنية محدودة تدوم عشرين سنه علي وجه العموم. وبراءة الاختراع هي المستند الذي ينهض قرينه علي أن صاحب البراءة قد استوفيالإجراءات الشكلية والموضوعية التي فرضها القانون أو الاتفاق الدولي للحصول عليبراءة اختراع صحيحة ومن ثم له بالتالي أن يتمسك بالحماية التي أضفاها القانون غيرأن هذه القرينة القانونية ليست قرينة قاطعة، بل أنها قرينة قانونية مؤقتة، تقبلإثبات العكس فيجوز لمن له مصلحة، أو لإدارة براءات الاختراع نفسها أن تطعن ببطلانبراءة الاختراع وذلك بتقديم الدليل علي أن البراءة صدرت من غير أن تتوافر لها شروطصحتها بأن تخلف شرط شكلي أو موضوعي من الشروط اللازمة لمنح البراءة(1).

وذلك بتوافر الشروطالموضوعية التالية:
1-أن يكون الاختراع ضمن ما يعتبره المشرع اختراعا.
2-أن يكون الاختراع قابلاللتطبيق الصناعي.
3- توافر الابتكار وشرط الجدة شرط أساسي
4- ظهور الجانب الإبداعي في الاختراع بصورة ملحوظة.


(2) الرسوم والتصميماتالصناعية industrial designs والدوائر المتكاملة Integrated circuits
أما الرسوم الصناعية أو التصميماتفهي أي تركيبة من الخطوط أو الألوان أو أي شكل ثلاثي الأبعاد يعطي مظهرا مميزا أويمكن استخدامه كنموذج لمنتج صناعي أو حرفة صناعية، وهذه الرسوم أو النماذج تحمي فيالعادة متى كانت جديدة أو تنم عن الابتكار الذي يجمع بينها ولكنها تختلف عن براءةالاختراع في أنها ابتكار فني بينما الرسم أو النموذج الصناعي هو ابتكار في الطابعالجمالي أو في التزيين. وبجانب هذا توجد تصميمات الدوائر المتكاملة integrated circuit layot designs – المستخدمة في عمل الموصلات الكهربائية فهذه قد تدخل فينطاق حماية حق المؤلف أو في مظلة قانون حماية الملكية الصناعية.
ومع ذلك يتعين ملاحظةأنه إذا كان موضوع حماية الرسم هو في الأساس الفكرة المجردة له إلا أن أحد الأغراضالأساسية لحماية الرسم أو التصميم هو قدرته علي أن يستخدم في مجال الصناعة والإنتاجعلي نطاق واسع(1).
ويلاحظ أن الحمايةالقانونية تتعلق بفكرة مجردة هي فكرة الرسم أو النموذج.. فحتى يكون الرسم قابلاللحماية وفقا لأحكام الملكية الصناعية ومنتجاً لأثره يتعين أن يكون الرسم جديداً أومبتكراً new or original. .
(3) العلامات التجاريةوالخدمية:
أما العلامات فهي كل علامة أومجموعة من العلامات المميزة لسلع أو خدمات أما لشخص أو تجارة تميزه عن غيره منالعاملين في ذات التجارة أو النشاط. وتتضمن العلامات التجارية العلامات المميزةأيضا للخدمات. وترتبط بذات المجموعة بيان الأصل أو المنشأappellations of origin تلك التي تبين مصدر أو منشأ السلع من حيث الإقليم أو المنطقة أو النطاق المحليلمنبعها الذي يضفي سمعة أو يميز تلك السلع بسبب نشأتها.
فالعلامة التجارية تخدم مصلحة مزدوجة فهي من جانب تخدم الصانعأو التاجر بتمييز سلعته أو خدمته عما يشابهها وينفذ من خلالها إلى ذهن المستهلك وهيأيضا وسيلة المستهلك للتعرف علي السلعة أو الخدمة التي يفضلها لأسباب شخصيةوموضوعية.
وقد تطور الفكر في تحديد عناصر العلامات من حيث النظر إليها علي أنهاتستلزم بجانب صفتها القانونية المميزة والمختارة صلة مادية بين العلامة والسلعة إلىعدم ضرورة ذلك.
ويمكن التمييز بين نوعين من العلامات:
1- العلامات الفردية.
2- العلامات الجماعية marque collective وكذلك بين تقسيمها إلى العلامة الجماعية وعلامات الأشهاد. Certification marks.
غير أن تسجيل العلامةالتجارية قد أصبح هو النظام السائد فعلي الصعيد العالمي يجب أن يتوافر في العلامة عدة شروط معقولة. تنقسمعلي وجه العموم إلى قسمين :
* الأول: شروط تتعلق بالوظيفة الأساسية للعلامة.
* الثاني: من الشروط فيتعلق بمنعجعل العلامة غير ضارة بالتجارة
ثانيا: الحاجة إلى حمايةالملكية الفكرية
* ترتبط الحاجة إلى حماية الملكيةالفكرية بأمرين:
أولا: بالإقرار بوجود الحقوق المالية والمعنوية.
ثانيا:بوجود المبرر لطلبها.
وقد تزايدت الحاجة إلى التوسع في حماية الملكية الفكرية سواءداخل الدولة – فيدرالية كانت أو غير فيدرالية – أو عبر الحدود الدولية فظهرت الحاجةلتوفير الحماية الدولية حتى يتمتع صاحب الحق فيها بحقه عبر حدود دولته، وداخلالنطاق الإقليمي للدول المتفقة علي توفيرها لمنتجي تلك الأعمال، وذلك نتيجة تزايدالعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والتجارية وانتشار الفكر عبر الحدود السياسية .(1)
المطلب الثاني
تعريف المعلومات
إن تعريف المعلومات على الرغم مما قد يبدو من انه لا يثير صعوبة حيث أن المعلومات تحيط بنا من كل جانب , كما أنها تتعلق بكافه مجالات الحياة , إلا أنه يمكن القول أن المعلومات قد اكتسبت بظهور تكنولوجيا وتقنيات الحاسبات الآلية بعداً جديدا ً أضفي عليها أهمية تفوق ما كانت عليه قبل ذلك وأكسبها شكلا جديدا ،بل وتسميه جديدة حيث أصبح يشار إليها بالمعلوماتية إشارة إلى ارتباطها بتقنية وتكنولوجيا المعلومات (1)