حماية برامج الحاسوب عن طريق قواعد القانون الجنائي المغربي والمقارن

لقد غيرت المعلوميات بشكل كبير العديد من المفاهيم القانونية خاصة في مجال القانون الجنائي، نظرا لظهور قيم حديثة ذات طبيعة خاصة، محلها معلومات ومعطيات. فقد أصبحت جريمة إفشاء معلومات برامج الحاسوب والاعتداء عليها بالقرصنة أو الاستغلال غير المشروع، من أخطر أنواع الجرائم التي أوجدتها المعلوميات. ويعد هذا ضربا حقيقيا ليس فقط لحقوق مبتكريها الخاصة، بل وأيضا مسا خطيرا بحقوق المجتمع ككل. مما ينعكس سلبا على الاقتصاد الوطني، مع ما يمكن أن يستتبعه من زعزعة للأمن الاجتماعي والاقتصادي. ولا أدل على ذلك، من أن "بعض الألعاب الإلكترونية التي يبدعها بعض المؤلفين مستغلين كل الإمكانيات الهائلة التي تتيحها النظم الخبيرة، يكلف إنجازها مئات الآلاف من الدولارات ويستقطب ما يناهز مئات العقول المبدعة والأيادي العاملة الخبيرة وكذا العديد من مناصب الشغل. الشيء الذي يدفعنا إلى تقدير الخسائر التي يمكن أن تمنى بها هذه الملكية الفكرية، حال تعرضها لأعمال القرصنة" .
لكن، في غياب نصوص قانونية خاصة بهذه الجرائم الحديثة الواقعة على ما أصبح يصطلح عليه اليوم "بالأموال الفكرية أو المعلوماتية" ، أيمكن الرجوع دائما إلى القواعد العامة في التجريم، كمبدأ عام؟. هل هي كافية لصد أخطار التعدي غير المشروع على برامج الحاسوب؟، أم لابد من تدعيمها بقواعد تجريمية جديدة تتناسب والطبيعة الخاصة لبرامج الحاسوب؟. هذا ما سأتطرق إليه من خلال المبحثين التاليين:
المبحث الأول: القرصنة بأنواعها، أخطر الجرائم الواقعة على برامج الحاسوب.
المبحث الثاني: مدى كفاية قواعد القانون الجنائي في حماية المصالح وحفظ النظام العام.
--------------------------------------------------------------------------------------------------------

المبحث الأول: القرصنة بأنواعها، أخطر الجرائم الواقعة على برامج الحاسوب:
لقد سهل التطور التكنولوجي لأجهزة ومعدات النسخ، ظهور صناعة نشطة متخصصة في استنساخ برامج الحاسوب وتسويقها محليا ودوليا. ويتمكن أصحاب هذه الصناعة، من الحصول على حصص مهمة من الأرباح، وبالتالي الاستحواذ على نسبة مهمة من الزبناء. مما يحدث أضرارا كبيرة بأصحاب الحقوق على البرامج وذلك بتكبيدهم خسائر مهمة ، نظرا لأن تسويق نسخ البرامج يكلف أقل بكثير من النسخة الأصلية.
ونظرا لتنوع أشكال الاعتداءات على برامج الحاسوب، فقد حاول البعض تعريفها وتحديد خصائصها، لتمييزها بقواعد خاصة. فما هي القرصنة التي تجب محاربتها؟.
حسب الوثيقة الصادرة عن اليونسكو بباريس سنة 1995، "القرصنة ليست مجرد تعبير تقني، وهي تقوم على استنساخ أعمال محمية، دون الحصول على الإذن أو الترخيص من أصحاب الحقوق عليها، لأجل تحقيق ربح سريع" . الفقه الفرنسي أيضا عرف القرصنة، بأنها "كل إنتاج غير مشروع، بهدف تسويقه وتداوله لحساب المقرصن". وخطر النسخ غير المشروع للبرامج، "لا يكمن في إعادة إنتاج دعامته، بل في إعادة إنتاج محتواها" . بعبارة أخرى، القرصنة هي إعادة إنتاج للمعلومات وللخبرات التي يتضمنها البرنامج المدمج في الدعامة، دون وجه حق. وبذلك هي تأخذ طابع الصناعة، أكثر من مجرد عمل مادي عادي.
ونظرا لما في قرصنة وتقليد برامج الحاسوب، من ضرر كبير على الحقوق وانعكاس سلبي على المجتمع، فإن كل اعتداء عليها إلا ويعد اعتداء على حق المجتمع ككل. وأهم أنواع هذه الاعتداءات: إفشاء أسرار البرامج (المطلب الأول)، الاستنساخ والتزييف والتقليد، أو ما يصطلح عليه اليوم بالقرصنة (المطلب الثاني).

المطلب الأول: إفشاء أسرار برامج الحاسوب:
إن الحصول على برامج للحاسوب بطريقة غير شرعية، واستنساخها، أو الحصول على معلومات سريـة حول طريقة إنشائها، يعد عملا مجرما قانونا -بغض النظر عن النقاشات الفقهية حول مدى اعتبارها شيئا ماديا أو معنويا أو خدمة- حيث تكون جريمة السرقة واقعة في جميع الأحوال، طبقا للف.505 ق.ج. المغربي، الذي يعتبر الاختلاس العمدي لمال مملوك للغير، سرقة يعاقب عليها. قد تظهر هذه الفكرة بسيطة، لكنها في الواقع تثير العديد من التساؤلات. فلوقوع جريمة السرقة، لابد أن يكون الشيء المسروق مملوكا لشخص ما وأن يكون ذو طبيعة مادية. فما مدى انطباق هذه الأطروحة على برامج الحاسوب، للقول بوقوع جريمة السرقة عليها؟.
يمكن أن نجيب -دون الدخول في تفاصيل جرائم السرقة- بأن الجدل الفقهي حول مدى اعتبار برامج الحاسوب شيئا ماديا أو خدمة، قد توصل إلى أن "ما هو مادي في برامج الحاسوب هو دعامتها المادية، أما البرامج في ذاتها فأعمال فكرية صرفة. ولا يمكن بذلك، تصور وقوع جريمة سرقة على شيء معنوي: العمل الفكري المدمج داخل دعامته المادية" . فحين وقوع عملية السرقة، فإنها تقع على دعامة البرنامج (قرص مرن، أو قرص ليزر…)، أي لا وجود لاعتداء مادي مباشر على القيم غير المادية المخزنة.
مما يحذو إلى القول، بأن المعلوميات غيرت بشكل كبير مفهوم التجريم، بأن أبانت عن العديد من الجرائم الجديدة، كسرقة وقت الحاسوب ، سرقة دعائم البرامج-المصدر أو الهدف، وسرقة المعلومات الخاصة بتصميمها، وتحطيم الحواسيب أو إتلافها بنشر الفيروسات ، وإفشاء معلومات وأسرار عن إنشاء وتصميم البرامج الخ. وهذا هو ما أصبح يطلق عليه اليوم، بالجريمة المعلوماتية (délit Informatique/ La fraude informatique).
إن أولى الاعتداءات الواقعة على برامج الحاسوب هي فضح سرية البرنامج، تقليده أو تقليد علامته وإعادة إنتاجه بطريقة غير قانونية. وأمام الفراغ التشريعي في مجال الجريمة الواقعة على برامج الحاسوب، "لابد لنا من اقتباس قواعد من ترسانة قواعد القانون الجنائي، لتطبيقها على برامج الحاسوب، وهي: السرقة والنصب والاحتيال وبطبيعة الحال خيانة الأمانة" . ويلعب بند السرية التعاقدي في العقود الموقعة مع العميل ومع الأجير على السواء دورا مهما في هذا المجال، إذ من شأن الحفاظ عليه أن يقي البرنامج من أي محاولة للقرصنة، لانطواء هذا البند على التزام بالسكوت عن كل ما من شأنه تعريض أسرار الحاسوب للانتشار غير المشروع. وكل من يخرق هذا البند، إلا وتقع عليه المسؤولية الجنائية. فمن أفضى بأسرار البرنامج للغير، يكون قد أفشى أسرار مهنته وخان الأمانة الملقاة على عاتقه (الفقرة 1) وبالتالي فضح سر تصنيع برنامج الحاسوب، الذي استثمر فيه مشغله مبالغ مهمة لإعداده من أجل تسويقه (الفقرة 2).

الفقرة الأولى: إفشاء السر المهني وخيانة الأمانة:
إن السر المهني بلا منازع ضرورة عملية وتدبيرية، خاصة إذا تعلق الأمر بأعمال وخدمات أساسية للشركة. فلكل عمل أسراره التي يتفانى صاحبه في إخفائها عن الغير، حتى لا يعرض نفسه للمنافسة والتشويش على سمعته. واستنادا إلى ذلك، كل من يخرق أسرار مهنته يعرض نفسه لأقصى العقوبات الجنائية (ف.447 ق.ج).
فبمقتضى عقد العمل يلتزم الأجير إزاء مشغله بالإخلاص له، وبأن لا يمارس أي عمل لمنافسته. كما يلتزم بواجب الكتمان، إزاء كل المعلومات التي يحصل عليها في إطار أدائه لمهامـه. ويعتبر واجب الكتمان هذا، ممتدا حتى بعد فترة انتهاء عقد العمل. لذا، يضمن عقد العمل إضافة إلى شرط الكتمان، الإلتزام بشرط عدم المنافسة. ويهدف هذا المبدأ، إلى "منع كـل أجير عن أداء نفس المهمة، في مجال جغرافي قريب من مشغله السابق، خلال مدة معينة" .أما بالنسبة لموظفي الدولة، فبالرجوع إلى ف.446 من ق.ج. (كل شخص يعتبر من الأمناء على الأسرار، بحكم مهنته أو وظيفته، الدائمة أو المؤقتة، إذا أفشى سرا أودع لديه وذلك في غير الأحوال التي يجيـز له فيها القانون أو يـوجب عليه فيها التبليـغ عنه، يعاقب بالحبس من شهـر إلى 6 أشهر وغرامة من 120 إلى 1000 درهم… .) ويتحمل بالمسؤولية الجنائية.
ومن الأمثلة عن أسرار مهنة المعلوماتي، "إفشاء كلمة سر المرور إلى البرنامج، أو رمزه السري الذي يطلبه عند تحميله على ذاكرة الحاسوب، أو الإدلاء بأسرار تجارية حول رقم مبيعات الشركة حول برنامج الحاسوب…" . وقد تضمنت م.64 من قانون حقوق المؤلف المغربي صراحة، معاقبة كل من يخرق حقا محميا عن قصد أو نتيجة إهمال بهدف الربح دونما تمييز بين أن يكون مقترف هذه الجريمة أجيرا أو موظفا أو أحدا من الغير. فكل من يقوم باستنساخ برنامج بدون وجه حق أو يتجاوز الحد المسموح به بمقتضى الاتفاق، إلا ويعرض نفسه للمسؤولية الجنائية طبقا لأحكام جريمة التقليد .
لكن المعلوماتيين لا يعتبرون أنفسهم معنيين بالسر المهني الخاص والاستثنائي "Spécial et Exceptionnel"، إلا إذا كان هناك اتفاق صريح بموجب بنود العقد، على اعتبار أنهم يعملون في مجال تختلف في الأسرار وتتنوع، كما تختلط فيه المعلومات بالمهارات التقنية الشخصية والمكتسبة. فكثيرا ما يحدث أن يستشير أحد المبرمجين زملائه المعلوماتيين، بخصوص طريقة برمجة أو لغة ما للبرمجة أو خريطة تدفقية لبرنامج، أو مشكلا يعترضه حينما يقوم بوضع البرنامج.
وفي غياب نص قانوني مغربي، لإلزام المعلوماتيين باحترام سرية ما يعملون على تأليفه من برامج، يمكن الإشادة بالموقف الهام الذي اتخذه المشرع الفرنسي في المادة 13 من "القانون الخاص بالمعلوميات المستندات والحريات" ، التي تلزم المعلوماتيين الذين يعملون بمعلومات أو على إدخالها، بكتمان أسرار عملهم، وإلا عرضوا أنفسهم إلى جريمة إفشاء السر المهني وجريمة خيانة الأمانة، طبقا للفصول من 547 إلى 555 من القانون الجنائي الفرنسي.

الفقرة الثانية: فضح سر تصنيع برنامج الحاسوب
إذا كان القانون يهدف إلى حماية المصالح وصون الحقوق، فإن "القانون الجنائي يهدف إلى زجر كل محاولة تهديدية لهذه المصالح، وهتك لهذه الحقوق، بقصد حمايتها ضد كل أشكال القرصنة والمنافسة غير المشروعة التي قد يسهلها الأجراء الذين يعلمون بطرق تصنيع البرامج" . و طبقا لذلك، يشكل حفظ سر برنامج الحاسوب حماية خاصة لمؤلفه، وإذا ما وقع الإعتداء على البرنامج بفضح سره، يقرر القانون لمقترفه عقوبات خاصة.
وبالرجوع إلى القواعد العامة في القانون الجنائي المغربي، يمكن تطبيق حالة إفشاء أسرار المَصْنع، على حالة إفشاء أسرار تصنيع برامج الحاسوب، الذي هو في واقع الحال إفشاء للسر المهني "Le secret professionnel". فبمقتضى ف.447 ق.ج. المغربي، يحمل بالمسؤولية الجنائية (كل مدير أو مساعد أو عامل في مصنع، إذا أفشى أو حاول إفشاء أسرار المصنع الذي يعمل به، سواء كان ذلك الإفشاء إلى أجنبي أو إلى مغربي مقيم في بلد أجنبي …أو مغربي مقيم في المغرب.). ويعاقبه عن هذا الإفشاء، بعقوبات تتراوح ما بين الحبس من ثلاثة أشهر إلى خمس سنوات، وبغرامة مالية تتراوح ما بين 120 درهم و 10000 درهم . ويمكن تطبيق هذه المقتضيات، من أجل حماية مؤلفي البرامج من المنافسة غير المشروعة، وفي ذلك حماية مهمة للصناعة الوطنية من المنافسة الأجنبية. لذلك فإن القانون الجنائي يعاقب على إفشاء أسرار الصناعة سواء للأجانب، أو للمغاربة المقيمين في بلد أجنبي.
ويمكن تحديد العناصر المكونة لجريمة إفشاء أسرار برنامج الحاسوب، في الآتي:
- لابد من وجود سر في طريقة إعداد برنامج الحاسوب.
- أن لا يكون مجرد سر عادي، كأن تكون طريقة تصنيع البرنامج وفق لغة برمجة جديدة، أو ابتكار خوارزميات جديدة، بحيث تكون طريقة تركيب وتأليف البرنامج، مجهولة من قبل المنافسين وتمثل نوعا من الاحتكار لفائدة من يستعملها.
- لابد أن يكون هناك شخص ارتكب فعل الإفشاء هذا.
- أن تتوافر لديه النية الإجرامية، أي أنه أقدم على الفعل عمدا.
إذن، لا بد من وجود نية فضح سر تصنيع البرنامج وتمرير معلومات جد مهمة حول طريقة إعداده، وليس فقط الإدلاء بمهارات تقنية لمشغل سابق. بذلك "من تصدق بحقهم جريمة إفشاء سر التصنيع، هم في الحقيقة المتعاقدون والأجراء فقط، المرتبطون مع مالك البرنامج برابطة التبعية، على اعتبار أنهم المطلعون دون غيرهم، على أسرار البرنامج" . ويعاقب القانون الجنائي عن الإفشاء، ولو ترك مقترف الفعل العمل لدى مشغله، إذ قد ينتقل للعمل لدى مشغل منافس، فيحمل معه أسرار البرنامج والمهارات التقنية، التي يستعملها المشغل السابق في تأليف برنامجه ويستغلها لفائدة مشغله الجديد.
لكن، إذا كان تنفيذ جريمة الإفشاء، يبدأ بقيام الأجير بالبحث عن أسرار سر تصنيع أو تركيب شيء مادي، فإن حالة العامل المعلوماتي مختلفة. ذلك أن المشغل حينما يعهد إلى أجيره بتنفيذ برنامج حاسوب، فلا بد له أن يمده بكل المعلومات والمهارات وكذا الخرائط التدفقية والتفصيلية للبرنامج المزمع إنجازه. وعليه، فمن طبيعة عمل المعلوماتي أن تتوافر لديه أسرار عن البرنامج الذي يعمل عليه. لذا، طرحت مسألة التمييز بين ما هو سر عادي في برنامج الحاسوب، وبين ما هو سر خاص فيه.
لقد ثار خلاف فقهي كبير، بخصوص هذا التمييز. فبعض الفقهاء يرون أن سر برامج الحاسوب، يشبه فقط السر الصناعي (Le secret de fabrique) وبذلك لا يشمل القانون الجنائي برامج الحاسوب . في حين يرى اتجاه آخر في الفقه، بأن مقتضيات القانون الجنائي تطبق على كل برنامج للحاسوب، مدمجة تعليماته ضمن تركيب صناعي. ويعتبر فقهاء هذا الاتجاه، أن "البرامج الأساسية وبرامج التشغيل التي تسمح بأداء الحاسوب لمهمته، والتي لولاها لما كان سوى قطعة حديد فارغة ومجرد شيء غير قابل للاستعمال، تشكل جزءا من أسرار تصنيع الجهاز. بينما برامج التطبيقات تختلف عنها، إذ لا يتوقف تشغيل الحاسوب عليها لأن مهمتها تكمن في أداء عمل أو خدمة معينة للإنسان" . وعليه، فهم يفضلون ألا تحظى برامج التطبيقات، بنفس هذه الحماية الجنائية. على أن القضاء الفرنسي في حكم صادر عن محكمة الدرجة العليا سنة 1981، اعتبر ولأول مرة، أن "برامج الحاسوب يمكن أن تشبه سر التصنيع، وبالتالي يجب أن تحظى بالحماية الجنائية" .
إن وجود تعليمات للتصنيع وحدها، غير كافية للقول بوقوع جريمة فضح أسرار التصنيع، إذ لابد أن تنضاف إليها شروط أخرى تدعمها. "فالتعليمات يجب أن تكون ليس فقط صناعية، بل وأيضا سرية وأصلية وخاصة بالمؤسسة مبتكرة البرنامج ويجب أن يكون من أفشى أسرار البرنامج، أجيرا لدى هذه المؤسسة" . بمعنى أن الشريك والموزع المستقل للمؤسسة المؤلفة لبرنامج الحاسوب والمقاول من الباطن، لا يمكن متابعتهم بخرق سرية تصنيع البرنامج، مما يحد بشكل كبير من مجال إعمال المقتضيات السالفة الذكر. ولا يعتبر الفعل الإجرامي موجودا إلا إذا كانت للأجير النية الإجرامية، التي "قد تنكشف بفضل الربح الذي يحصل عليه الأجير من العملية، على أن إثبات هذه الواقعة ليس دائما سهل المنال" .
ونتيجة لذلك، المتابعة من أجل خرق بند السرية لا يسري إلا على الأجراء ذوي النيات السيئة، الذين يكشفون عن أسرار تصنيع البرنامج الذي عملوا عليه، بمقابل أو بدونه. فإذا كان سر تصنيع البرنامج قد أُفشي من الأجير بمقابل، يكون مقترفا لجريمتين: جريمة إفشاء الأسرار، وجريمة الرشوة (ف.249 ق.ج.المغربي)، مما يشدد من عقوبته.
ولا يفوتني ضمن هذا السياق، أن أنوه بمبادرة المشرع المغربي في ق.حقوق المؤلف الجديد، في تخصيصه بابا خاصا بالتدابير والطعون والعقوبات ضد القرصنة والمخالفات (م.61 إلى 65). وما يلاحظ، أنه لم يميز من حيث المعاملة بين المؤلف-الأجير أو غيره، بأن نص في م.64 منه، بالمعاقبة جنائيا، كل من يخرق حقا محميا بموجبه، عن قصد أو نتيجة إهمال بهدف الربح.
إن بصمة التكنولوجيا الحديثة طبعت مجالات عديدة، ومن ضمنها القانون الجنائي. فقد غيرت العديد من مفاهيمه ونظرياته، وطرحت العديد من الإشكاليات المتعلقة بمدى قدرة القانون عموما والقانون الجنائي خصوصا على مسايرة التطورات التكنولوجية، وإيجاد الحلول المناسبة للمشاكل العملية التي تطرح أمامه. فكيف تعامل القانون مع جريمة قرصنة برامج الحاسوب، هذا ما سأتطرق إليه في المطلب الموالي.

المطلب الثاني: جريمة قرصنة كل من الدعامة المادية وبرنامج الحاسوب:
إن برامج الحاسوب كقيم حديثة تثير العديد من التساؤلات حول طبيعتها، نظرا لأنها إبداعات فكرية وتقنية تستلزم استثمارات غالبا ما تكون ضخمة. مما يحذو إلى القول، بأنها إبداعات لا مادية ذات قيمة اقتصادية كبيرة. ولكن، كيف يمكننا أن نتصور تعرضها لجريمة السرقة؟. الواقع، أن الاعتداء على برامج الحاسوب، يعني وقوع فعل مادي ضار عليها. والحال أن الجريمة وفق ركنها المادي، تقع على الجانب المادي من البرنامج، وهو دعامته. وبذلك، يسهل القول بوقوع جريمة السرقة، وفق ف.505 ق.ج.م. الذي يعاقب كل من اختلس عمدا مالا مملوكا للغير.
لكن، ماذا عن البرنامج المدمج في الدعامة، هل يسري في حقه ما يسري على دعامته؟، أم يجب إفراد قواعد تجريمية خاصة تحكمه؟. بعبارة أخرى ما هي شروط تكييف الإعتداء على برامج الحاسوب؟ (الفقرة 1). وما هي يا ترى العقوبات والتدابير التي أفردها المشرع لمواجهة القرصنة؟ (الفقرة 2).

الفقرة الأولى: شروط تكييف فعل الإعتداء على برامج الحاسوب جريمة سرقة:
إن القول بإعمال قواعد التجريم المنصوص عليها في القانون الجنائي لمعاقبة وردع المعتدي والمنتهك لسر البرامج، يستلزم البحث في أركان الجرائم، من أجل التوصل إلى موقف منها. على أن هذا يخرج عن نطاق هذه الدراسة. ويمكن الإشارة في عجالة، إلى أن انتهاك سرية البرامج وقرصنتها وإن كانت أعمال تعدٍ، فهي واقعة على شيء معنوي. من هنا تظهر خصوصيات برامج الحاسوب، بحيث تفرض نفسها على المشرع من أجل تفريدها بقواعد خاصة.
فإعمالا لقواعد التجريم الكلاسيكية، لتتم جريمة السرقة لا بد:
- أن يكون هناك اعتداء على ملك مادي .
- أن تكون لمقترفها النية الإجرامية.
- أن يستغل المعلومات والأسرار التي حصل عليها من أجل استغلالها وجني أرباح منها.
وفق هذا، فعل الاعتداء على البرامج والمشكل لجريمة سرقة، يقع على شيء مادي وهو الدعامة، والحال أن الشيء المقصود بالسرقة هو البرنامج المدمج في الدعامة، وليس الدعامة في ذاتها. أي هو المقصود بالجريمة بشكل غير مباشر. فهل نطبق قواعد القانون الجنائي التقليدية الخاصة بالتعدي على الأموال عموما؟، وهل هي كافية وقادرة على حماية برامج الحاسوب؟.
بالرجوع إلى مقتضيات القانون الجنائي، نجد أن مجرد توافر النية الإجرامية في التعدي على البرنامج والمتجسدة في التطبيق الفعلي لفعل الاعتداء، جريمة معاقب عليها. مما يدعو إلى اعتبار الاعتداء على أسرار برامج الحاسوب (سواء كانت برنامج-مصدر، أو برنامج-هدف، أو مستنداته التقنية، مدمجة أم لا في دعامة مادية)، فعل اعتداء مقرون بالنية في تسريب أسرار البرنامج إلى ذوي المصلحة، مقابل اقتضاء أجر عن ذلك. من هنا، تظهر الأهمية الخاصة لقواعد القانون الجنائي، كوسيلة حمائية للمصالح العامة والخاصة على السواء وليس فقط لبرامج الحاسوب باعتبارها كباقي الأموال معرضة للاعتداء عليها. مما يستدعي من المشرع أن يتدخل بتعديل فصول القانون الجنائي، لتضم قواعد خاصة بتجريم ومعاقبة كل اعتداء على برامج الحاسوب، التي هي في الواقع أعمال مادية تقع على أموال فكرية، مما يعني سن تدابير خاصة تتماشى والطبيعة الخاصة للجرائم الواقعة على برامج الحاسوب.