مسقط – سلطنة عمان

ورشة عمل
تطوير التشريعات في مجال مكافحة الجرائم الالكترونية
2-4 نيسان / ابريل 2006

ورقة عمل (3)
المحور الاول :- انواع الجرائم الالكترونية


صور الجرائم الالكترونية واتجاهات تبويبها



المحامي
د. يونس عرب
www.arablaw.org
lawoffc@nol.com.jo








تصنيف الجرائم تبعا لدور الكمبيوتر في الجريمة
تصنيف الجرائم تبعا لمساسها بالاشخاص والاموال





انواع الجرائم الالكترونية

تمهيد .........................
يصنف الفقهاء والدارسون جرائم الكمبيوتر والانترنت ضمن فئات متعددة، تختلف حسب الأساس والمعيار الذي يستند اليه التقسيم المعني، فبعضهم يقسمها الى جرائم ترتكب على نظم الحاسوب وأخرى ترتكب بواسطته ، وبعضهم يصنفها ضمن فئات بالاستناد الى الأسلوب المتبع في الجريمة، وآخرون يستندون الى الباعث أو الدافع لارتكاب الجريمة، وغيرهم يؤسس تقسيمه على تعدد محل الاعتداء، وكذا تعدد الحق المعتدى عليه فتوزع جرائم الحاسوب وفق هذا التقسيم الى جرائم تقع على الأموال بواسطة الحاسوب وتلك التي تقع على الحياة الخاصة.
ومن الملاحظ أن هذه التقسيمات أو بعضها، لم تراع بعض أو كل خصائص هذه الجرائم وموضوعها، والحق المعتدى عليه لدى وضعها لأساس أو معيار التقسيم.
ان جرائم الكمبيوتر في نطاق الظاهرة الاجرامية المستحدثة، جرائم تنصب على معطيات الحاسوب (بيانات ومعلومات وبرامج) وتطال الحق في المعلومات، ويستخدم لاقترافها وسائل تقنية تقتضي استخدام الحاسوب بوصفه نظاما حقق التزاوج بين تقنيات الحوسبة والاتصالات ، ونشير في هذا الصدد الى ان الجرائم التي تنصب على الكيانات المادية مما يدخل في نطاق الجرائم التقليدية ولا يندرج ضمن الظاهرة المستجدة لجرائم الحاسوب.
ولا نبالغ ان قلنا ان ثمة نظريات ومعايير لتصنيف طوائف جرائم الكمبيوتر والانترنت بعدد مؤلفي وباحثي هذا الفرع القانوني ، ومصدر هذا التعدد التباين في رؤية دور الكمبيوتر ومحاولات وصف الافعال الجرمية بوسائل ارتكابها ، ومع هذا ، وبغض السعي للوقوف على ابرز التصنيفات نعرض لمفهوم ومحل وابرز سمات الجريمة الالكترونية (البند 1) وهذه مسائل لازمة كمدخل لبيان انواعها . ثم ننتقل لبيان نظريات تصنيفها تفصيلا (البند 2) بعد ذلك نعرض بايجاز اوجبته مساحة العرض لمدلول مختلف الانماط التي تتطلب احاطة التشريع بها من ناحية التجريم (البند 3).

1 - تعريف الجرائم الالكترونية ومحلها وابرز سماتها – مدخل

ان الجرائم الالكترونية بادق وصف جرائم تطال المعرفة ، الاستخدام ، الثقة ، الامن ، الربح والمال ، السمعة، الاعتبار ، ومع هذا كله فهي لا تطال حقيقة غير المعلومات ، لكن المعلومات – باشكالها المتباينة في البيئة الرقمية – تصبح شيئا فشيئا المعرفة ، ووسيلة الاستخدام وهدفه ، وهي الثقة ، وهي الربح والمال ، وهي مادة الاعتبار والسمعة . ان جرائم الكمبيوتر بحق هي جرائم العصر الرقمي.

وقد خلت الدراسات والمؤلفات في هذا الحقل (قديمها وحديثها) من تناول اتجاهات الفقه في تعريف جريمة الكمبيوتر عدا مؤلفين ، في البيئة العربية ، مؤلف الدكتور هشام رستم اما في البيئة المقارنة نجد مؤلفات الفقيه Ulrich Siebe اهتمت بتقصي مختلف التعريفات التي وضعت لجرائم الكمبيوتر . وقد اجتهدنا في عام 1994 (في رسالة الماجستير خاصتنا في هذا الموضوع) في جمع غالبية التعريفات التي وضعت في هذا الحقل واوجدنا تصنيفا خاصا لها لمحاولة تحري اكثرها دقة في التعبير عن هذه الظاهرة ، وبغض النظر عن المصطلح المستخدم للدلالة على جرائم الكمبيوتر والإنترنت فقد قمنا في الموضع المشار اليه بتقسيم هذه التعريفات – حتى ذلك التاريخ - الى طائفتين رئيستين : - أولهما ، طائفة التعريفات التي تقوم على معيار واحد ، وهذه تشمل تعريفات قائمة على معيار قانوني ، كتعريفها بدلالة موضوع الجريمة او السلوك محل التجريم او الوسيلة المستخدمة ، وتشمل أيضا تعريفات قائمة على معيار شخصي ، وتحديدا متطلب توفر المعرفة والدراية التقنية لدى شخص مرتكبها. وثانيهما ، طائفة التعريفات القائمة على تعدد المعايير ، وتشمل التعريفات التي تبرز موضوع الجريمة وانماطها وبعض العناصر المتصلة باليات ارتكابها او بيئة ارتكابها او سمات مرتكبها . وعاودنا مجددا الوقوقف على مختلف هذه التعريفات وما استجد من تعريفات في السنوات اللاحقة من خلال مؤلفنا جرائم الكمبيوتر والانترنت (2002) ، ودون ان نعود لتفاصيل بحثنا السابق في الموضعين المشار اليهما لعدم ملائمة مقام العرض ، فاننا نكتفي في هذا المقام بايراد خلاصة هذا البحث للوقوف معا على تعريف منضبط يعبر بدقة عن طبيعة وخصوصية ظاهرة جرائم الكمبيوتر والإنترنت .

ثمة تعريفات تستند الى موضوع الجريمة او احيانا الى انماط السلوك محل التجريم ، وما من شك ان معيار موضوع الجريمة كاساس للتعريف يعد من اهم المعايير واكثرها قدرة على إيضاح طبيعة ومفهوم الجريمة محل التعريف ، على ان لا يغرق - كما يلاحظ على تعريف الأستاذ Rosenblatt- في وصف الأفعال ، اذ قد لا يحيط بها ، واذا سعى الى الاحاطة بها فانه سيغرق بالتفصيل الذي لا يستقيم وغرض وشكل التعريف ، هذا بالاضافة الى عدم وجود اتفاق حتى الآن، على الأفعال المنطوية تحت وصف جرائم الكمبيوتر. ورغم أن تعريف د. هدى قشقوش حاول تجاوز الوقوع في هذه المنزلقات، الا أنه جاء في الوقت ذاته عام يفقد التعريف ذاته مقدرته على بيان كنه الجريمة وتحديد الأفعال المنطوية تحتها.
اما التعريفات التي انطلقت من وسيلة ارتكاب الجريمة ، فان اصحابها ينطلقون من أن جريمة الكمبيوتر تتحقق باستخدام الكمبيوتر وسيلة لارتكاب الجريمة ، وقد وجه لهذه التعريفات النقد ، من هذه الانتقادات ما يراه الأساتذة جون تابر John Taber و Michael Rostoker و Robert Rines من أن تعريف الجريمة يستدعي "الرجوع الى العمل الأساسي المكون لها وليس فحسب الى الوسائل المستخدمة لتحقيقه" ويعزز هذا النقد الأستاذ R. E. Anderson بقوله أنه "ليس لمجرد أن الحاسب قد استخدم في جريمة، ان نعتبرها من الجرائم المعلوماتية" .
جانب من الفقه والمؤسسات ذات العلاقة بهذا الموضوع ، وضعت عددا من التعريفات التي تقوم على اساس سمات شخصية لدى مرتكب الفعل ، وهي تحديدا سمة الدراية والمعرفة التقنية . وفي معرض تقدير هذه التعريفات ، يمكننا القول ان شرط المعرفة التقنية ، شرط شخصي متصل بالفاعل ، غير أن هذه الجرائم كما سنرى في أمثلة عديدة يرتكب جزء كبير منها من قبل مجموعة تتوزع أدوارهم بين التخطيط والتنفيذ والتحريض والمساهمة ، وقد لا تتوفر لدى بعضهم المعرفة بتقنية المعلومات ، ثم ما هي حدود المعرفة التقنية ، وما هو معيار وجودها للقول بقيام الجريمة ؟؟؟ ان التطور الذي شهدته وسائل التقنية نفسها اظهر الاتجاه نحو تبسيط وسائل المعالجة وتبادل المعطيات ، وتحويل الاجهزة المعقدة فيما سبق الى اجهزة تكاملية سهلة الاستخدام حتى ممن لا يعرف شيئا في علوم الكمبيوتر ، ولم يعد مطلوبا العلم والمعرفة العميقين ليتمكن شخص من ارسال آلاف رسائل البريد الإلكتروني دفعة واحدة الى أحد المواقع لتعطيل عملها ، كما لم يعد صعبا ان يضمن أي شخص رسالة بريدية فيروسا التقطه كبرنامج عبر الإنترنت او من خلال صديق فيبثه للغير دون ان يكون عالما اصلا بشيء مما يتطلبه بناء مثل هذه البرامج الشريرة ، كما ان ما يرتكب الان باستخدام الهاتف الخلوي من انشطة اختراق واعتداء او ما يرتكب عليها من قبل اجهزة مماثلة يعكس عدم وجود ذات الاهمية للمعرفة التقنية او الدراية بالوسائل الفنية . اضف الى ذلك ان جانبا معتبرا من جرائم الكمبيوتر والإنترنت - يعتبر اخطرها في الحقيقة - تنسب المسؤولية فيه للشخص المعنوي، سيما وأن واحدة من المسائل الرئيسة فيما تثيره جرائم الكمبيوتر هي مسألة مسؤولية الشخص المعنوي ، شأنه شأن الشخص الطبيعي عن الأفعال المعتبرة جرائم كمبيوتر.
أمام قصور التعريفات المؤسسة على معيار واحد ، سواء القائمة على معيار قانوني موضوعي أو شخصي ، برز عدد من التعريفات ترتكز على أكثر من معيار لبيان ماهية جريمة الكمبيوتر ، من هذه التعريفات ، ما يقرره الأستاذ John Carrol ويتبناه الأستاذ Gion Green من أن جريمة الكمبيوتر هي "أي عمل ليس له في القانون أو أعراف قطاع الأعمال جزاء ، يضر بالأشخاص أو الأموال ، ويوجه ضد أو يستخدم التقنية المتقدمة (العالية) لنظم المعلومات" .
ويعتمد في التعريف كما نرى معايير عدة ، أولها، عدم وجود جزاء لمثل هذه الأفعال، وهو محل انتقاد بفعل توافر جزاءات خاصة لبعض هذه الجرائم لدى عدد ليس باليسير من التشريعات ، وثانيها، تحقيق الضرر للأشخاص أو الأموال . وثالثها، توجه الفعل ضد أو استخدام التقنية المتقدمة لنظم المعلومات ، وهو معيار يعتمد موضوع الجريمة (تقنية نظم المعلومات) ووسيلة ارتكابها (أيضا تقنية نظم المعلومات) أساسا للتعريف. ولكن السؤال الذي يثور هنا، هل محل جريمة الكمبيوتر تقنية نظم المعلومات أم المعلومات ذاتها وفق دلالتها الواسعة والتي يعبر عنها على نحو أشمل وأدق بتعبير (معطيات الكمبيوتر) والتي تشمل البيانات المدخلة، البيانات المعالجة والمخزنة، المعلومات المخزنة، المعلومات المخرجة، البرامج بأنواعها التطبيقية وبرامج التشغيل؟!
وقد عرف جريمة الكمبيوتر خبراء متخصصون من بلجيكا في معرض ردهم على استبيان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD ، بانها " كل فعل او امتناع من شانه الاعتداء على الأمواج المادية او المعنوية يكون ناتجا بطريقة مباشرة او غير مباشرة عن تدخل التقنية المعلوماتية " .
والتعريف البلجيكي السالف، متبنى من قبل العديد من الفقهاء والدارسين بوصفه لديهم أفضل التعريفات لأن هذا التعريف واسع يتيح الاحاطة الشاملة قدر الامكان بظاهرة جرائم التقنية، ولأن التعريف المذكور يعبر عن الطابع التقني أو المميز الذي تنطوي تحته أبرز صورها، ولأنه أخيرا يتيح امكانية التعامل مع التطورات المستقبلية التقنية.
وبالرجوع للتعريف المتقدم نجد انه يشير الى امكان حصول جريمة الكمبيوتر بالامتناع ، وحسنا فعل في ذلك ، اذ اغفلت معظم التعريفات الاشارة الى شمول السلوك الاجرامي لجرائم الكمبيوتر صورة الامتناع رغم تحقق السلوك بهذه الطريقة في بعض صور هذه الجرائم كما سنرى . ومع اقرارنا بسعة التعريف المذكور وشموليته ، وبالجوانب الايجابية التي انطوى عليها، الا أننا نرى ان هذا التعريف اتسم بسعة خرجت به عن حدود الشمولية المطلوب وفقا لها احاطته بجرائم الكمبيوتر بالنظر لمحل الجريمة أو الحق المعتدى عليه ، هذه السعة التي أدخلت ضمن نطاقه جرائم لا تثير أية اشكالية في انطباق النصوص الجنائية التقليدية عليها ولا تمثل بذاتها ظاهرة جديدة، ونقصد تحديدا الجرائم التي تستهدف الكيانات المادية والاجهزة التقنية ، مع الاشارة الى ادراكنا في هذا المقام ان المقصود بالاموال المادية في التعريف انما هو استخدام الكمبيوتر للاستيلاء على اموال مادية ، لكن الاطلاقية التي تستفاد من التعبير تدخل في نطاق هذا المفهوم الأفعال التي تستهدف ذات ماديات الكمبيوتر او غيره من وسائل تقنية المعلومات.
ان الجرائم التي تطال ماديات الكمبيوتر ووسائل الاتصال ، شأنها شأن الجرائم المستقرة على مدى قرنين من التشريع الجنائي، محلها أموال مادية صيغت على أساس صفتها نظريات وقواعد ونصوص القانون الجنائي على عكس (معنويات) الكمبيوتر ووسائل تقنية المعلومات ، التي أفرزت أنشطة الاعتداء عليها تساؤلا عريضا – حسمت اجابته بالنفي- حول مدى انطباق نصوص القانون الجنائي التقليدية عليه.
ويعرف خبراء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، جريمة الكمبيوتر بأنها :
"كل سلوك غير مشروع أو غير أخلاقي أو غير مصرح به يتعلق بالمعالجة الآلية للبيانات و/ أو نقلها" وقد وضع هذا التعريف من قبل مجموعة الخبراء المشار اليهم للنقاش في اجتماع باريس الذي عقد عام 1983 ضمن حلقة (الاجرام المرتبط بتقنية المعلومات)، ويتبنى هذا التعريف الفقيه الالماني Ulrich Sieher ، ويعتمد هذا التعريف على معيارين : أولهما، (وصف السلوك). وثانيهما، اتصال السلوك بالمعالجة الآلية للبيانات أو نقلها .
ومن الفقه الفرنسي، يعرف الفقيه Masse جريمة الكمبيوتر (يستخدم اصطلاح الغش المعلوماتي) بأنها "الاعتداءات القانونية التي يمكن أن ترتكب بواسطة المعلوماتية بغرض تحقيق الربح" وجرائم الكمبيوتر لدى هذا الفقيه جرائم ضد الأموال ، وكما نلاحظ يستخدم أساسا لهذا التعريف معيارين: أولهما الوسيلة، مع تحفظنا على استخدام تعبير (بواسطة المعلوماتية). لأن المعلوماتية أو الأصوب، (تقنية المعلومات) هو المعالجة الآلية للبيانات، أي العملية لا وسائل تنفيذها.
أما المعيار الثاني ، المتمثل بتحقيق الربح ، المستمد من معيار محل الجريمة، المتمثل بالمال لدى هذه الفقه، فقد أبرزنا النقد الموجه اليه، فالاعتداء في كثير من جرائم الكمبيوتر ينصب على المعلومات في ذاتها دون السعي لتحقيق الربح ودونما أن تكون المعلومات مجسدة لأموال او أصول، عوضا عن عدم صواب اعتبار المعلومات في ذاتها مالا ما لم يقر النظام القانوني هذا الحكم لها لدى سعيه لتوفير الحماية للمعلومات .
ويعرفها الفقهيين الفرنسيين Le stanc, Vivant بأنها : "مجموعة من الأفعال المرتبطة بالمعلوماتية والتي يمكن أن تكون جديرة بالعقاب".
وكما نرى فان هذا التعريف مستند من بين معيارية على احتمال جدارة الفعل بالعقاب ، وهو معيار غير منضبط البتة ولا يستقيم مع تعريف قانوني وان كان يصلح لتعريف في نطاق علوم الاجتماع أوغيرها.