[align=justify]
المقدمة

في ظل ثورة المعلومات التي يعيشها عالمنا المعاصر أصبحنا اليوم نعيش حياة مليئة بالاتصالات السريعة ونقل المعلومات عبر المسافات وتبادل البيانات الدولية و الوطنية و المحلية على حد سواء فضلاً على أنها ساعدت على التعامل مع مختلف النظم المتقدمة وذلك لما تتمتع به من سرعة في انجاز المعاملات. فالعالم بأسره بدأ يندمج مع بعضه البعض يشاهد وحاور وبالتالي بدأ الانسان يتحرر تدريجياً من قيود المكان ليبدو وكانه موجود في أكثر من مكان في نفس الوقت.
إلا أن هذا الدخول في أي وقت وفي أي مكان ادى الى نشوء نوع جديد من الجرائم يطلق عليها بـ (جرائم ثورة المعلومات) أو (جرائم المعلوماتية) فهي ظاهرة حديثة النشأة لأرتباطها بتكنولوجيا حديثة هي تكنولوجيا الحاسبات التي لم تكن مألوفة من قبل وخاصة في بدايات القرن الماضي. و نتيجة لأستخدام الحاسبات فقد كبر حجم هذه الجرائم وتنوعت اساليبها وتعددت اتجاهاتها وزادت خسائرها وأخطارها حتى اصبحت من اخطر ما يهدد المصالح والحقوق المستقرة قانوناً لاسيما تلك التي ترتكز أساسياتها على تثبيت المعلومات والبيانات (كجرائم التزوير المعلوماتي) نظراً لأهمية ما تحويه من بيانات والتي قد تكون محلاً للاعتداءات وذلك بتغيير حقيقتها بقصد الغش في مضمونها تغييراً من شانه احداث اضرار مادية او معنوية أو أجتماعية ... الخ من الأضرار بالغير، فالتزوير يعتبر اخطر طرق الغش التي تقع في مجال المعالجة الالية للبيانات(1).
تعود جذور هذه الجرائم الى النصف الثاني من القرن العشرين حيث تعتبر السويد اول دولة تسن تشريعات ضد جرائم الانترنت او جرائم المعلوماتية لاسيما التزوير المعلوماتي حيث صدر قانون البيانات السويدي عام (1973) الذي عالج قضايا الدخول غير المشروع للبيانات الحاسوبية او تزويرها أو تحويلها او الحصول غير المشروع عليها، بريطانيا أصدرت قانون مكافحة التزوير والتزييف عام (1986) الذي شمل في تعاريفه الخاصة تعريف اداة التزوير وهي وسائط التخزين الحاسوبية المتنوعة أو أي اداة اخرى يتم التسجيل عليها سواء بالطرق التقليدية أو الالكترونية او بأي طريقة أخرى، وفي عام 1985 سنت الدنمارك أول قوانينها الخاصة بجرائم الحاسب الآلي والانترنت والتي شملت في فقراتها العقوبات المحددة لجرائم الحاسب الألي كالتزوير المعلوماتي.
كما كانت فرنسا من الدول التي أهتمت بتطوير قوانينها الحياتية للتوافق مع المستجدات الاجرامية حيث اصدرت في عام 1988 القانون رقم 19 عالج التزوير المعلوماتي، أم في المانيا فقد شرع المشرع الالماني قانون مكافحة التزوير المعلوماتي لسنة 1986. (2)
و على مستوى الدول العربية فقد قامت بعض الدول بسن قوانين خاصة بجرائم الحاسب الألي والانترنت وقد شملت بفقراتها التزوير المعلوماتي كما هو الحال في دولة الامارات العربية التي تعد أول دولة عربية تسن قانون مكافحة الجرائم المعلوماتية رقم 2 لسنة 2006 (3) وتأتي المملكة العربية السعودية لتسن نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية وذلك في جلسة مجلس الوزراء المنعقدة في 7 ربيع الاول 1428 هـ . (4)
وايضاً مصر فقد تم وضع مشروع مكافحة الجرائم المعلوماتية وبضمنها التزوير المعلوماتي من قبل اللجنة الوطنية لليونسكو 1998 و مكتب وزراء الداخلية العرب مكتب الاعلام في القاهرة 1999. (5)
هذا ويلاحظ بأن موضوع التزوير المعلوماتي هو موضوع دقيق وشائك ويثير مشكلات جديدة بالنسبة للقانون الجنائي مثل مشكلة سريان القانون من حيث المكان متمثلة في مدى انطباق القانون الوطني إذا ارتكب في الخارج وإذا تحققت بعض عناصره على اقاليم الدولة وتثور ايضاً مشكلة سريان القانون من حيث الزمان إذا ما ارتكب الجاني الفعل في زمان يصعب تحديده وتحققت نتيجته في وقت اخر قد يصعب تحديده ايضاً، نظراً للتقنية الفنية والبرمجة التي يستخدمها الجاني في ارتكابه، وهنا تثور مشكلة اخرى نقطة تحديد بداية السلوك الاجرامي لأحتساب مدة التقادم، كما يثير موضوع البحث مشكلة مدى انطباق نظام المسؤولية الجنائية بالتعاقب، وايضاً من هم الاشخاص المسؤولين عن هذه الجرائم، ومما تجدر الاشارة اليه ان هذه المشكلات تثار لأن جرائم الانترنت بصورة عامة وجرائم التزوير المعلوماتي بصورة خاصة يصعب السيطرة عليها واكتشافها وتحديد مصدرها او ايقافها بالنظر لسرعة ارتكابها، لذلك كان الزاماً علينا ان نستوعب هذه الجرائم بدراسة جوانبها المختلفة وتحليل ايجابياتها ورصد سلبياتها للوقوف على مخاطرها ومعرفة فيما اذا كانت نصوص قانون العقوبات الوطني كافية لمواجهتها ام لابد من استحداث قانون جديد. (6)
وعليه سوف نتناول حديث التزوير المعلوماتي في مبحثين ندرس في الأول ماهية التزوير المعلوماتي ونقسمه الى مطلبين، المطلب الاول لتعريف التزوير المعلوماتي، الثاني لأركان التزوير المعلوماتي، أما المبحث الثاني فنخصصه لدراسة الجزاء الجنائي المترتب على ارتكاب التزوير المعلوماتي وذلك في مطلبين، المطلب الاول العقوبات، و الثاني للتدابير الاحترازية، علماً أن هذين المبحثين يسبقهما مقدمة تناولنا فيها اهمية الموضوع وتاريخه والمشكلات التي تواجهها وتقسيمه، ثم الخاتمة التي سنعرض فيها أهم النتائج والمقترحات التي تم التوصل اليها من خلال دراسة هذا الموضوع.
[/align]