- مبدأ مشروعية المخرجاتالالكترونيةإن كل الأدلة التي يتم الحصول عليها عن طريق إنتهاك حق أساسي للمتهم تكون باطلة ولا يمكن التمسك بها ومراعاتها في أي مرحلة من مراحل الإجراءات ومن ثم فإنه يجب أن تكون المخرجاتالالكترونية أو الأدلة الناتجة عن الحاسب الآلي صحيحة ومشروعة حتي يمكن الحكم بالإدانة.
و مبدأ مشروعية الدليل في الجرائم المعلوماتية يعني ان يكون هذا الدليل و ما يتضمنه قد تم وفق الإجراءت والقواعد القانونية والأنظمة الثابتة في وجدان المجتمع المتحضر أي أن مشروعية الدليللا تقتصر فقط على مجرد المطابقة مع القاعدة القانونية التي ينص عليها المشرع بل يجب أيضاَ مراعاة إعلانات حقوق الإنسان والمواثيق والإتفاقات الدولية وقواعد النظام العام وحسن الآداب السائدة في المجتمع بالإضافة إلي المبادئ التي استقرت عليها المح
اكم العليا22 وعلى ذلك فإنه يتعين على القاضي الجزائيألا يثبت توافر سلطة الدولة في عقاب المتهم بصفة عامة والمتهم المعلوماتي بصفة خاصة إلا من خلال إجراءات مشروعة تحترم فيها الحريات وتؤمن فيها الضمانات التي رسمها القانون ولا يحول دون ذلك أن تكون الأدلة سواء كانت تقليدية أم كانت ناتجة عن الحاسب الآلي صارخة على إدانة المتهم طالما كانت هذه الأدلة مشبوهه ولا يتسم مصدرها بالنزاهة وإحترام القانون.
ففي القانون الفرنسي نجد أن الإثبات الجزائيحر الإ أن حرية الإثبات لا تعني أن يكفي البحث عن الدليل الجزائيسواء كان تقليدياً أم كان ناتجاً عن الحاسب الآلي بأية وسيلة كانت، ففي الواقع أن إحترام حقوق الدفاع وحماية الكرامة الإنسـانية ونزاهة القضاء تستوجب أن يكون الحصول على الدليل الجزائيقد تم وفقاً لطرق قانونية مشروعة،فرغم أن قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي لا يتضمن أية نصوص تتعلق بمبدأ الأمانة أو النزاهة في البحث عن الحقيقة القضائية حتى بعد تعديلاته الأخيرة إلا أن الفقه والقضاء كانا بجانب هذا المبدأ سواء في مجال التنقيب عن الجرائم التقليدية أم في مجال التنقيب عن جرائم الحاسب الآلي كأن يستخدم رجال الشرطة طرق معلوماتية في أعمال التصنت على المحادثات التليفونية ولذا يشير أحد الفقهاء الفرنسيين إلي أن القضاء قد قبل إستخدام الوسائل العلمية الحديثة في البحث والتنقيب عن الجرائم الا انه اكد على أن يتم الحصول على الأدلة الجنائية ومن بينها المخرجات
الالكترونية بطريقة شرعية ونزيهة23 ومن أمثلة الطرق غير المشروعة أو الطرق غير النـزيهة التي يمكن أن تستخدم في الحصول على الأدلة الجنائية ومن بينها المخرجاتالالكترونية نذكر على سبيل المثال لا الحصرالاستجوابات المنهكة لقوى المتهم المعلوماتي – كأن يستدعى للتحقيق معه في أوقات متأخرة من الليل أو في ساعات مبكرة من الصباح وتكرار ذلك ، أو إطالة التحقيق لمدة طويلة بغية معرفة معلومات معينة حول قاعدة بيانات Data Base أو نظام إدارة البيانات أو خريطة تدفق البيانات أو قنوات أرسال البيانات أو التصميم التفصيلي للنظام المعلوماتي، أعمال التحريض على إرتكاب الجريمة المعلوماتية من قبل رجال الضبطية القضائية كالتحريض على الغش أو التزوير المعلوماتي ، التجسس المعلوماتي ، الإستخدام غير المصرح به للحاسب، التصنت والمراقبة الإلكترونية عن بعد على شبكات الحاسب الآلي دون مسوغ قانوني مشروع.

والقاعدة هي أن الإجراء الباطل يمتد بطلانه إلي الإجراءات اللاحقة عليه اذا كانت هذه الإجراءات تترتب عليه مباشرة فقد كانت المادة 170 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسية قبل تعديلها بالقانون رقم 2/93 الصادر في يناير 1993 تنص على أن البطلان يلحق الإجراء المعيب والأعمال التالية له بعض النظر عن توافر رابطة معينة بينها وقد ورد هذا النص في شأن الإستجواب والمواجهة المنصوص عليها في المادتين 111-114.

في المقابل فإننا نجد أن القانون الإنجليزي يتوسع في العمل بقاعدة استبعاد الدليل الجزائيالذي تم الحصول عليه بطريقة غير مشروعة وهكذا فإن كل دليل قد تم التوصل إليه مباشرة أو بطريقة غير مباشرة وكان متضمناً إعتداء على الحقوق الأٍساسية للمواطن يتعين أستبعاده من جلسة المرافعة حتي ولو كان دليلاً ملائماً أو موضوعياً أي يتصل بموضوع النزاع مباشرة فيتبعه أو يساهم في إثباته .
وفي هذا الخصوص تقرر المادة 76 من قانون البوليس والإثبات الجزائيالصادر سنة 1984 والمعمول به من أول يناير 1986 والذي حل محل قانون الإثبات الجزائي لسنة 1965 أن إعتراف المتهم يتم رفضة بإعتباره دليلاً إذا لم تستطع سلطة الإدعاء أن تثبت أنه لم يتم الحصول عليه بواسطة الضغط أو أنه كان نتيجة لسلوك معين يجعل هذا الإعتراف مشكوكاً فيه.

كما تعطي المادة 78 من القانون سالف الذكر للمحكمة سلطة إلغاء أو استبعاد الدليل الذي يريد المدعي العام أن يقدمه " .......أنه إذا أخذ في الإعتبار كل الظروف وتم فهم هذه الظروف التي أعطي فيها الدليل ،وأن إلغائه كان بسبب وقوع أضرار تتعلق بعدالة إجراءات الدعوى فإن المحكمة لا يمكن أن تقبلة "

وواضح أن المجال الرئيسي لتطبيق هذه المادة والخاص بالاعترافات التي يتم الحصول عليها عن طريق الشرطة مع تجاهل القواعد القانونية التي ينص عليها قانون البوليس والإثبات الجزائي وما تقرره القوانين بالنسبة لأسلوب الاستجوابات.
ومن القضائية في هذا الخصوص إستبعاد أو رفض المحاكم الإنجليزية قبول أعتراف تم الحصول عليه مع عدم احترام القواعد الجوهرية وبوجة خاص عدم إحترام قاعدة إعادة تلاوة الأقوال للتغلب على أي خطاً يكون قد وقع من جانب الشرطة وكذلك عدم احترام حق الإستعانة بمدافع لكي يقنع متهماً صامتاً في أن يتحدث أو عدم إحترام القواعد المقررة عند أرتكاب مخالفة مرورية أيضاً إلغاء الإعتراف الذي تم الحصول عليه بموجب إجراء غير نزيه.

رابعا: حجية المخرجاتالالكترونية أمام القضاء الجزائي

لقد ذكرنا – آنفاً – إن نظام الإثبات الحر أو نظام الأدلة المعنوية هو السائد في القانون الجزائيالفرنسي. ففي هذا النظام لا يرسم القانون طرقاً محددة للإثبات يتقيد بها القاضي الجزائيبل يترك حرية الإثبات لأطراف الخصومة في أن يقدموا ما يرون أنه مناسب لإقتناع القاضي هذا من ناحية ومن ناحية أخري يترك للقاضي في ان يتلمس تكوين إعتقاده من أي دليل يطرح أمامة وفي أن يقدر القيمة الإقتناعية لكل منها حسبما تنكشف لوجدانه حيث لا سلطان عليه في ذلك إلا ضميره كما وأنه غير مطالب بأن يبين سبب إقتناعه.

ومع ذلك فإن هذه الحرية ليست مطلقة، فالقانون وإن إعترف للقاضي بسلطة واسعة في تقدير الدليل فإنه قد قيده من حيث القواعد التي تحدد كيفية حصوله عليه والشروط التي يتعين عليه تطلبها فيه ومخالفة هذه الشروط قد تهدر قيمة الدليل وتشوب قضاءه بالبطلان24 وهكذا يتميز نظام الأدلة المعنوية بالدور الفعال للقاضي حيال الدليل.

- فالمشرع الفرنسي قد خول رئيس محكمة الجنايات سلطة تفويضية بمقتضاها يمكنه أن يتخذ كافة الإجراءات التي يعتقد أنها مفيدة في الكشف عن الحقيقية حيث لا قيد عليه سوى شرفه وضميره ( م 310 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي ).

وينتج عن ذلك على سبيل المثال أن يسمع أقوال بعض الأشخاص بدون حلف يمين على سبيل الإستدلال كما أن له أن يأمر بضبط أشياء جديدة لم يتم ضبطها من قبل أو أن يأمر بتلاوة تقرير الخبير أو شهادة غائب ومن ناحية أخرى فإن القاضي الجزائي حر في وزن وتقدير كل دليل فمبدأ حرية القاضي في الإقتناع تعني أن يقدر القاضي بكامل حريته قيمة الأدلة المعروضة عليه تقديراً منطقياً مسبباً وإن هذا الإقتناع يجب أن يكون منطقياً وليس مبنياً على محض التصورات الشخصية للقاضي ،فهذا المبدأ لا يعني " التحكم القضائي" بل إن القاضي ملتزم بأن يتحري المنطق الدقيق في تفكيره الذي قاده إلي إقتناعه بحيث إذا إعتمد في تفكيره على أساليب ينكرها المنطق السليم كان لمحكمة النقض أن ترده كذلك يجب أن يبين القاضي الأدلة التي أعتمد عليه وكانت مصدراً لأقتناعة.

فإذا كان تقديره للأدلة لا يخضع لرقابة محكمة النقض أذ ليس لها أن تراقبه في تقديره إلا أن لها أن تراقب صحة الأسباب التي استدل بها على هذا الإقتناع.
وكذلك يتميز نظام الإثبات الحر أو المطلق بحرية أطراف الخصومة في الإثبات فسلطة الإتهام لها أن تثبت التهمة بكافة وسائل الإثبات المشروعة وللمتهم أن يدحض هذا الإتهام بكل الممكنات المخولة له.

ومبدأ حرية الإثبات والإقتناع يطبق أمام جميع أنواع القضاء الجزائيمن محاكم المخالفات والجنح والجنايات دون تفرقة بين القضاء والمحلفين حيث لم يميز بينهما المشرع الفرنسي .

إذ نصت المادة 303 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي على أن يقسم المحلفون على أن يصدروا قراراتهم طبقاً لضمائرهم وإقتناعهم الشخصي.

وأذا كان مبدأ الإثبات المعنوي يشمل كل جهات القضاء الجزائيفإنه يمتد أيضاً إلي كل مراحل الدعوى الجنائية سواء في مرحلة التحقيق الإبتدائي أو التحقيق النهائي وهكذا فإن المبدأ كما يطبق أمام جهات التحقيق النهائي فإنه يطبق أيضاً أمام قضاء التحقيق والإحالة.

أن مشكلة حجية المخرجاتالالكترونية على المستوي الجزائيلا تبدو ملحة أو عاجلة في نظر الفقهاء الفرنسيين فالأساس هو حرية الأدلة وحرية القاضي في تقدير هذه الأدلة. والواقع أن الفقة الفرنسي يدرس حجية المخرجاتالالكترونية في المواد الجنائية ضمن مسألة قبول الأدلة الناشئة عن الآلة أو الأدلة العلمية مثل الرادارات والأجهزة السينمائية وأجهزة التصوير وأشرطه التسجيل وأجهزة التصنت.

تلك الأدلة التي أخذ بها المشرع وقبلها القضاء في إطار مجموعة من الشروط من أهمها أن يتم الحصول عليها بطريقة شرعية ونزيهة وأن يتم مناقشتها حضورياً عن طريق الأطراف.

وعلى هذا الأساس حكمت محكمة النقض الفرنسية أن أشرطة التسجيل الممغنطة التي يكون لها قيمة دلائل الإثبات يمكن أن تكون صالحة للتقديم أمام القضاء الجنائي25