و لو انتقلنا الى حجية المخرجات الالكترونية أمام القضاء الجزائي الذي يتبنى نظام الإثبات القانوني أو المقيد كما هو السائد في القانون الإنجليزي ، لوجدنا ان هذا النظام يتميز بأن المشرع هو الذي يقوم بالدور الإيجابي في عملية الإثبات في الدعوى فهو الذي ينظم قبول الأدلة سواء بطريق تعيين الأدلة المقبولة للحكم بالإدانه أو بإستبعاد أدلة أخرى أو بإخضاع كل دليل بإن يضفي حجية دامغة على بعض الأدلة وأخرى نسبته على البعض الآخر أما دور القاضي في ظل هذا النظام فهو دور آلي لا يتعدى مراعاة توافر الأدلة وشرائطها القانونية بحيث اذا لم تتوافر لا يجوز له أن يحكم بالإدانة بل يحكم بإستبعاد الدليل حتى لو اقتنع بأن المتهم مُدان فهو لا يستطيع أن يتحرى عن الحقيقة بطرق أخرى لم ينص عليها المشرع[26] ولا أن يطلب إكمال أدلة ناقصة بل عليه أن يلتزم بما حدده المشرع. بيد أنه يمكن القول أنه قد طرأت بعض التلطيفات على حدة هذا النظام حيث نجد أن القانون العام لم يعد يأخذ بنظرية الأدلة القانونية على اطلاقها بل بدأ يتقبل مبدأ حرية تقدير الأدلة.

اما فيما يتعلق ب
التطبيقات الخاصة بالأدلة الناتجة عن الحاسبات الآلية لوجدنا في بريطانيا ، وفي قضية جولد وشفرين سنة 1988 حاول الدفاع ان يشكك في أدلة الإثبات . مدعياً أن الكثير من الأدلة التي بني عليها الإدعاء إتهامة يجب إستبعادها حسب تقدير القاضي وفقاً للقسم 78 من قانون البوليس والأثبات الجزائيلسنة 1984 كما انتقد اساليب التحري في النظام البريطاني للأجهزة التليفونية لإثبات الوصول غير المصرح به للجاني في بيرستل وخاصة استخدام جهاز رصد البيانات وجهاز رصد المكالمات ( ميراكل المعجزة ) والذي حدد هوية إثنين من المتهمين اللذين تمت اعتراض اتصالاتهما بل لقد ادعى الدفاع ان هيئة التليفونات البريطانية قد ارتكبت جريمة عند قيامها بجمع الأدلة ، هذه الادعاءات رفضها القاضي بتلر الذي كان ينظر للقضية وبالتالي لم ينجح الاستئناف في حين أن القسم 78 لا يمس مباشرة أنشطة الشرطة في التصنت إلا أن هذا القسم كما يتم تفسيره حالياً قادر على استبعاد أي دليل يتم الحصول عليه عن طريق شرك.

وفي أحد القضايا قام البوليس بتركيب جهاز تصنت على خط تليفون أحدى الشاكيات بناء على موافقتها وقد افتعلت الشاكية عدة مكالمات تلفونية مع الشخص الذي كان البوليس يشك في إرتكابه الجريمة وقد تم تسجيل هذه المكالمات التي تضمنت موضوعات تدين المتهم لكن القاضي استبعد هذه التسجيلات على أساس أنها تمت من شرك خداعي[27] .
لكن ما مدى تمسك القانون الإنجليزي بنظرية ثمار الشجرة المسمومة[28] في مجال المخرجاتالالكترونية ؟جوهر هذه النظرية : أنه أذا كانت الشجرة السامة لا تطرح إلا ثمار سامة لآن الطبيعة السامة من الأصل لابد أن تنتقل بالضرورة إلي الفرع فأن نفس الشئ يحدث بالنسبة للدليل الجزائي في عدم مشروعية الدليل الأصلي تمتد إلي الدليل الفرعي أو الدليل اللاحق وبالتالي يتعين استبعادهما معاً طالما أن الدليل الثاني يرتبط بالأول ويترتب عليه[29].

ومن هذا المنطلق تنص الفقرة الرابعة من المادة 76 من قانون البوليس والإثبات الجزائيسالف الذكر على أنه أذا كان الاعتراف غير مقبول فإن كل ما يترتب عليه بعد ذلك يصبح غير مقبول يستوي في ذلك الأدلة التقليدية أو الأدلة الناتجة عن الحاسب الآلي[30].

- أما فيما يتعلق بسلطنة عمان فقد اولت السلطنة اهتماماً كبيراً بقطاع الاتصالات من أجل تطويرها لتواكب مثيلاتها من الدول العربية والأجنبية حتى أصبحت تعيش عصر التكنولوجيا بشكل كبير.
فأعتمدت مؤسساتها وهيئاتها وأجهزتها المختلفة في القطاعين العام والخاص سواء الادارية منها أو الاقتصادية أو العلمية أو الامنية على نظم الحاسب الآلي.
إلا أن استخدام التقنية التكنولوجية هذا صاحبه ظهور جرائم كثيرة ومتنوعه كالسرقة والنصب والاحتيال والقرصنة وغيرها من الجرائم في هذا المجال. مما جعل الحاجة ماسة لاصدار التشريعات اللازمة للحد من تلك الجرائم ومواجهة مرتكبيها وانزال العقاب بهم من اجل حماية مصالح المجتمع وتحقيق الردع العام.
ونتيجة لحدوث كثير من الاختراقات و المخالفات المتعلقة بالحاسب الآلي اذ سجلت اول جريمه معلوماتيه في سلطنة عمان في عام 1995 وهي تتعلق بالاختراقات الخاصه بشبكه الانترنت في بعض الحسابات الخاصه بالموسسات العامه و الافراد و ذلك في محافظة مسقط و استمر بعد ذلك الحال مما حدى بالمشرع العماني لمواجهة تلك الجرائم والتصدى لها و ذلك بموجب التعديل في قانون الجزاء الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 72/2001 حيث أدرج هذ الأفعال في الباب السادس الخاص بالجرائم الواقعه على الأفراد وذلك في الفصل الثاني مكرر( المادة 276 مكرر) من قانون الجزاء العماني.
فنصت المادة/276(مكرر) بأنه يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على سنتين وبغرامة من مائه ريال إلى خمسمائة ريال أو باحدى هاتين العقوبتين كل من تعمد استخدام الحاسب الآلي في ارتكاب أحد الأفعال الآتية:
1- الالتقاط غير المشرع للمعلومات او البيانات.
2- الدخول غير المشرع على أنظمة الحاسب الآلي.
3- التجسس والتصنت على البيانات والمعلومات.
4- انتهاك خصوصيات الغير أو التعدي على حقهم في الاحتفاظ بأسرارهم.
5- تزوير بيانات أو وثائق مبرمجة أياً كان شكلها.
6- اتلاف وتغيير ومحو البيانات والمعلومات.
7- جمع المعلومات والبيانات وإعاده استخدامها.
8- تسريب المعلومات والبيانات.
9- التعدي على برامج الحاسب الآلي سواء بالتعديل أو الاصطناع.
10- نشر واستخدام برامج الحاسب الآلي بما يشكل انتهاكاً لقوانين حقوق الملكية والأسرار التجارية.

وقد رفع المشرع العماني الحد الأدنى للعقوبة المذكورة في المادة/276 مكرر(1) بحيث لا تقل عن ستة أشهر على كل من يستولي أو يحصل على نحو غير مشرع على بيانات تخص الغير تكون منقولة أو مختزنة أو معالجة بواسطه انظمة المعالجة المبرمجة للبيانات.
وضاعف العقوبة على من يرتكب تلك الافعال السابقة من مستخدمي الحاسب الآلي.
و في المادة/276 مكرر(3) رفع الحد الأعلى للعقوبة إلى مدة لا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تجاوز ألف ريال على كل من:
1- قام بتقليد أو تزوير بطاقة من بطاقات الوفاء او السحب.
2- استعمل او حاول استعمال البطاقة المقلدة أو المزورة مع العلم بذلك.
3- قبل الدفع ببطاقة الوفاء المقلدة أو المزورة مع العلم بذلك.

و في المادة/276 مكرر(4) عاقب بالسجن مدة لا تزيد على 3سنوات وبغرامه لا تجاوز خمسمائة ريال كل من:
1- استخدام البطاقة كوسيلة للوفاء مع علمه بعدم وجود رصيد له.
2- استعمل البطاقة بعد انتهاء صلاحيتها أو إلغائها وهو عالم بذلك.
3- استعمل بطاقة الغير بدون علمه.

وفيما يتعلق بنظام الإثبات في القانون العماني بداية يجب التنويه الى انه لا يوجد قانون خاص للإثبات في سلطنة عمُان حيث يتم الرجوع الى قانون الاجراءات الجزائيه الصادر بالمرسوم رقم 97/99 و المعدل بالمرسوم رقم 73/2001 وكذلك من خلال القضاء الذي يأخذ على عاتقة مسئولية الإثبات في الدعوى العمومية من خلال سن مبادئ قانونية ترسيها المحكمة العليا و التي يطلق عليها محكمة النقض في بعض الدول.
حيث نجد ذلك واضحا في المواد 90 و 177 و 186و 191و 192و 200من قانون الاجراءات الجزائيه على إحترام مبداء شرعيه الادله المستخدمه في اثبات الدعوى الجنائيه وضمان حقوق الدفاع وحماية الكرامة الإنسـانية ونزاهة القضاءو ضرورة أن يكون الحصول على الدليل الجزائيقد تم وفقاً لطرق قانونية مشروعة
ومن خلال تتبع الأحكام الصادرة من المحكمة العليا تبين أن السلطنة من الدول التي أخذت بالمدرسة التي تتبع نظام الإثبات المعنوي أو المطلق حيث لم تلزم المحكمة اطراف الرابطة الإجرائية بتقديم أدلة معينة بل للقاضي أن يقتنع بأي دليل كما هو النظام السائد في فرنسا, و نجد ذلك واضحا في حكم جلسة المحكمة العليا المؤرخ في 10/6/2002م الطعون رقم 74 و86 و84لعام 2002م حيث نص على: "لمحكمة الموضوع سلطة واسعة في سبيل تقصي ثبوت الجرائم أو عدم ثبوتها وتكوين عقيدتها من جماع الأدلة المطروحة عليها بطريق الاستقراء والاستنتاج ما دام استخلاصها سليماً لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي".
كما أن المحكمة جعلت للقاضي الحرية الكاملة في سبيل تقصى الحقيقة وجعلت من نص القانون على أدلة معينة هو الاستثناء وهذا ما اكدت عليه المحكمه العليا في سلطنة عمان في حكمها الصادر بجلسة 26/11/2002م- الطعن رقم 89/2002م و الذي نص على" أن القضاء الجزائي يملك سلطة واسعة وحرية كاملة في سبيل تقصي ثبوت الجرائم أو عدم ثبوتها ومدى اتصال المتهم بها وله مطلق الحرية في تكوين عقيدته من الأدلة ما دام استخلاصه سليماً ولا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي ما لم يقيده القانون بأدلة معينة في إثباتها".

خامسا: الخلاصه


1- أن الجناة قد طوروا طرق الإجرام على نحو دقيق من التقنية العالية في بيئة تكنولوجيا المعلومات.
2- أن مخرجات الحاسب الآلي ما هي إلا تطبيق من تطبيقات الدليل العلمي بما يتميز به من موضوعية وحياد وكفاءة و أن المخرجاتالالكترونية يجب ان لا تثير أية صعوبة عند تقديمها كأدلة إثبات على جرائم الحاسب الآلي.
3- إن المخرجاتالالكترونية لها حجيتها في أطار مجموعة من الشروط تتمثل في :

- ان تكون هذه المخرجاتالالكترونية يقينيه
- أن يتم الحصول عليها بطريقة مشروعة ونزيهة
- وأن يتم مناقشتها حضورياً عن طريق الأطراف
4- أن القاضي يصل إلى يقنية المخرجاتالالكترونية عن طريق نوعين من المعرفة أولهما المعرفة الحسية التي تدركها الحواس من معانية هذه المخرجات وبفحصها والآخر المعرفة العقلية التي يقوم بها القاضي عن طريق التحليل والاستنتاج من خلال الربط بين هذه المخرجات والملابسات.











سادسا: التوصيات


في ختام هذه الورقه يوصي الباحث:
1- ضرورة تسليح القاضي الجزائيبتقنية وعلوم الحاسب الآلي لمواكبة المناقشة العلمية للمخرجاتالالكترونية .
2- إضافة مقرر دراسي لطلاب كليات الحقوق تتضمن معلومات عن الحاسب الآلي وتقنياته و طرق الاثبات و التحقيق في القضايا المتعلقه بالحاسب الالي .
3- ينبغي أن تكون المخرجاتالالكترونية مجال للمناقشة عند الآخذ بها كأدلة إثبات أمام المحكمة.
4- ان تتصدى الجمعيه العربيه للقانون الجنائي لوضع مشروع عربي موحد حول ضرورة تطوير وسائل الإثبات بتطور وسائل الإجرام.
5- التعجيل في اصدار قانون الاثبات في سلطنة عمان ليكون هاديا للمشتغلين في مجال الاثبات في المسائل القانونيه بشكل عام.