المصدر

الفصل الأول
( فصــل تمهيـــدي )

المبحث الأول
مدخل

قد يكون من المبكر أن ندعو الآن إلى أن تشمل المسؤولية الجنائية الشخصية في القانون الدولي بعض الجرائم المعلوماتية الدولية المرتكبة عبر شبكة الأنترنت وأن تجري محاكمة مرتكبيها أمام محاكم دولية . إلا أن ذلك ليس من الأمور البعيدة التي لا يمكن أن تشق طريقها إلى التطبيق العملي في المستقبل القريب . حيث أن معظم القواعد القانونية قد واجهت مجموعة من الانتقادات إذ كانت غير مقبولة في زمن ثم أصبحت بعد أن تحققت ضروراتها و مؤيداتها أمراً لا غنى عنه .

في الماضي القريب لم يكن القانون الدولي يتعامل مع الفرد كشخص من أشخاصه . لذا كانت الفكرة أن يرتب القانون الدولي المسؤولية الجنائية بحقه أمراً غير مقبول أيضاً.
ولكن بعد أن عانت البشرية من ويلات الحروب على مر العصور خاصة الحربين العالميتين الأولى و الثانية حيث اقترفت بحق الإنسانية أبشع الجرائم . أصبح من الضرورة بمكان أن يعمل المجتمع الدولي لتحقيق الأمن و السلم الدوليين وتجنيب الإنسان مآسي الحروب . وقد تجلى ذلك في طرح حلول عديدة منها :

ـ إتباع سياسة التعايش السلمي بين القوى المتنافسة في العالم .
ـ سياسة نزع السلاح .
ـ الحفاظ على توازن القوى في العالم .
ـ تقوية الأجهزة الدولية وزيادة فعاليتها بحيث تنصهر فيها الخلافات الدولية في بوتقة واحدة.
ـ تحقيق سيادة القانون الدولي وسموه على بقية القوانين كشرط لتحقيق السلام .
إن أيا من هذه الحلول لايمكن أن يتحقق إلا من خلال وضع قواعد قانونية دولية ملزمة لجميع الدول والأفراد على حد سواء بصرف النظر عن مراكزهم من حيث القوة أو الضعف , أو ***** أو اللون أو العرق أو الدين .

ومع تطور قواعد القانون الدولي أصبح الفرد يشكل محور اهتمام المجتمع الدولي الذي وجه جل نشاطه لحماية حياته وحماية حقوقه الخاصة حيث أصبح من مقاصد الأمم المتحدة الرئيسة وغدا موضوعاً لا يمكن أن تتجاوزه المؤتمرات والمعاهدات الإقليمية و الدولية على حد سواء .
إن الفقه يرى انه كما الإنسان موضع لإهتمام المجتمع الدولي فإنه لابد أن يقابل ذلك أن يكون محلا للمساءلة الجزائية الدولية حين تقترف يداه جرائم بحق المجتمع الدولي .
إن التطور التكنولوجي مكّن الفرد أو مجموعة من الأفراد الذين لا يتمتعون بالصفة الدولية ارتكاب جرائم معلوماتية عبر شبكة الأنترنت قد تهدد الأمن والسلم الدوليين 0

إن سكوت المجتمع الدولي عن معاقبة هذا النمط من المجرمين سيشجع الغير على ارتكاب المزيد منها , ويضعف من الفاعلية الدولية في مكافحتها 0 لذا كان السعي جاداً من أجل تحقيق المسؤولية الجنائية الشخصية في القانون الدولي لجهة تحديد الجرائم والعقوبات المناسبة لها و من ثم إجراء المحاكمات أمام محاكم دولية . في البداية تحقق لدى المجتمع الدولي بعض الإجماع حول اعتبار بعض الأفعال جرائم دولية, مع ترك محاكمة مرتكبيها أمام محاكم الدول صاحبة العلاقة . ثم حصل أن تتم محاكمة بعضها أمام محكمة دولية خاصة مثل محكمة لايبزغ ومحاكم نورمبرغ وراوندا ويوغسلافيا السابقة ,الى أن انتهى الأمر بالمجتمع الدولي الى احداث النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة 0

إن تحقق المسؤولية الجنائية الشخصية للفرد لم يكن وليد ساعة بل جاء نتيجة للجهود الذي بذلها رجال الفقه والقانون حيث لم تجمع المدارس الفقهية على رأي واحد 0
فالمدرسة التقليدية ترى أن الدولة هي الشخص الوحيد في القانون الدولي , وحجة أصحابها أن القانون الدولي هو الذي ينظم علاقات الدول فيما بينها فقط 0 لذا لا تحقق لديها المسؤولية الجنائية الشخصية للفرد في ظل القانون الدولي . وإنما تتحقق في ظل القوانين الوطنية الخاصة .
أما مدرسة وحدة القانون فيرى أنصارها أن الفرد هو الشخص الوحيد في القانون الدولي ولأي قانون آخر . وأن الدولة ليس لها أهلية لاكتساب الحقوق أو الالتزامات فهي مجرد وهم وافتراض كاذب . حتى إذ أن فرض المسؤولية الجماعية على الدولة هو في حقيقة الأمر يقع على أفرادها .

ويرى أصحاب المدرسة الثالثة أن أشخاص القانون الدولي هم الدول و المنظمات والأفراد على حد سواء . وعلى هذا فان المدرستين الأخيرتين تقبلا فكرة تحقيق المسؤولية الجنائية الشخصية في ظل القانون الدولي تبعاً لقبولهما له كشخص من أشخاصه .

والحقيقة أن هذه المدارس وتقسيماتها بين مؤيد ومعارض يمكن أن تصح في المجال الدراسي أو الجامعي . أما على ارض الواقع فالأمر مختلف إذ أن ضرورات حفظ الأمن والسلم الدوليين يحتم تحقيق المسؤولية الجنائية الشخصية في القانون الدولي كما هو الحال فيما يتعلق بالجرائم المنصوص عنها في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية .
وإننا نرى أن هنالك جرائم أخرى قد تلحق ضررا بالمجتمع الدولي أشد ضررا من تلك التي تحدثه تلك التي تختص بها المحكمة الجنائية الدولية . كجرائم المعلوماتية التي ترتكب عبر شبكة الأنترنت . لهذا كان الدافع الى بحثنا هذا هو أن ندعو من خلاله رجال الفقه والقانون والسياسة والحاضرين والمحاضرين في المؤتمر ـ الدولي المنعقد في القاهرة بتاريخ 2 ـ 4 يونيو 2008 ـ لبذل الجهود من أجل تطوير القانون الجنائي الدولي .
لذا فان فكرة هذا البحث هي نظرة الباحث لما يجب أن يكون عليه القانون الجنائي في الغد ليواكب التطور السريع للجريمة المعلوماتية .