المقصود بمبدأ الشرعية :

يُقصد بمبدأ الشرعية أنه" لا جريمة ولا عقوبة إلاّ بناء علىقانون". ومؤدى ذلك أنه بالنسبة للتجريم والعقاب لا يجوز الاستناد إلى اللوائح ،إلاّ بناء على تفويض من المشرع ، كما أنه لا يجوز الاستناد إلى العرف. غير أناستبعاد اللوائح والعرف من عداد مصادر قانون العقوبات أمر قاصر على التجريم والعقابدون الإباحة.

الأساسالقانوني لمبدأ الشرعية :

مبدأالشرعية أصبح مبدأ دستوريا في العديد من الدول حيث تتفق الدساتير على اختلافانتماءاتها على قاعدة أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون. فتنص المادة (66) من الدستور على أنه " لا جريمة ولا عقوبة إلاّ بناء على قانون ".

تقدير مبدأ الشرعية :

كان مبدأ الشرعية محلا لبعضالانتقادات ، من أهم هذه الانتقادات:

1- إنالتقيد بضرورة وجود نص للعقاب على الجريمة يؤدى إلى وجود قصور في حماية المصالحالاجتماعية ، حيث يتضح أحيانا أنه لا يوجد نص معين للتجريم ولا تملك المحكمة أنتعالج هذا القصور في النص التشريعي ، كما أنها لا تملك أن تسد الثغرات الموجودة فيالنص القائم.

2- إن التقيد بالعقوبة المحددةالموجودة في النص لا يتمشى مع اعتبارات تفريد العقاب الذي تتسم به السياسة الجنائيةالمعاصرة من ضرورة أن تتمشى العقوبة مع شخصية الفاعل، وهو الأمر الذي لا يتحقق منخلال التفريد القضائي.

غير أن تلك الانتقاداتمردود عليها بأن القصور التشريعي يمكن معالجته من خلال تدخل المجلس التشريعي. أماصعوبة التفريد التشريعي للعقوبة فإنه يخفف منه أن المشرع يسمح بسلطة تقديرية كبيرةللقاضي الجنائي تسمح له بالقيام بالتفريد القضائي للعقوبة.
يُضاف إلى ذلك أن مبدأ الشرعية يحقق ضمانات ويؤدي وظائف عديدة ،أهمها:

أولا - حمايةالحرية الفردية :

يرمي مبدأ الشرعيةإلى حماية الحرية الفردية من إطلاق السلطة القضائية، ومن عسف السلطة التنفيذيةوكذلك من انحراف السلطة التشريعية. فقد كان هناك ما يبرر ذلك قبل الثورة الفرنسيةحيث كان القضاة يشرّعون في مجال التجريم والعقاب ومن ثم يختلفون في تقدير ما يعتبرمن الجرائم وما يتعين توقيعه من عقاب عنها. كما أنه لم يكن هناك ما يحول دون أنيتدخل البرلمان بالنص على تطبيق القوانين الجنائية بأثر رجعي. أما السلطة التنفيذيةفإنها كثيرا ما كانت تستفيد من عدم وجود النص في القبض على الخصوم السياسيين. لذانادى الفلاسفة والمصلحون قبل الثورة الفرنسية بهذا المبدأ وبأن تكون له قيمةدستورية .

ثانياًالعدالة :

لا تتحقق العدالة الجنائيةإلاّ إذا كان المخاطبون بها يعلمون بما يعتبر فعلا معاقبا عليه وما لا يُعتبر كذلك. بيد أنه لا يشترط العلم الفعلي نظرا لصعوبة ذلك، بل يُكتفى بالعلم الحكمي الذييتحقق بالنشر في الجريدة الرسمية.

ثالثاً – تحقيق الردع العام :

يعتبر مبدأ الشرعية لازما لتحقيق الردع العام وذلك بوجود نص مسبق يحددالأفعال التي يعاقب عليها القانون، وذلك بعلم الكافة بهذا التجريم وبالعقوبةالمقررة له. ولا شك أن الردع العام وظيفة من وظائف العقوبة التي تسعى إلى تحقيقها. ولكي يتحقق الردع العام لا بد من وجود النص المسبق وعلم الكافة به وأن تكون العقوبةمتناسبة، وأن تكون فعّالة أي تجد محلا للتطبيق حتى لا يكون النص مجرد نص غيررادع.

- نتائجمبدأ الشرعية:

يترتب على مبدأالشرعية عدة نتائج تتعلق باعتبار هذا المبدأ من المبادئ الدستورية، منأهمها:

أولا – تحديد دورالسلطة التنفيذية في التجريم والعقاب:

تقوم السلطة التنفيذية بدور في التجريم ، يتمثل في المظاهرالتالية:

1 – تفويضالسلطة التنفيذية بنص خاص:

تنصالمادة (66) من الدستور على أنه "ولا جريمة ولا عقوبة إلاّ بناء على قانون …."،فتعبير بناء على قانون يسمح بدور للسلطة التنفيذية في التجريم والعقاب. فيجوزللمشرع أن يفوض السلطة التنفيذية في بيان تفاصيل التجريم. ومؤدى ذلك أن المشرع منوطبه وضع شق التجريم وشق العقاب، ولا يجوز أن يتخلى عن ذلك كلية إلى السلطةالتنفيذية، ولكنه فيما يتعلق بوضع تفاصيل فنية فإن صياغة المادة (66) من الدستورتسمح بالتفويض التشريعي في هذا المجال.

2- التجريم وفقا للمادة 380 من قانونالعقوبات:

تتمتع السلطة التنفيذيةالمتمثلة في جهات الإدارة العامة أو المحلية بالحق في سن لوائح عامة أو محلية تتضمننصوصا بالتجريم. فتنص المادة 380 عقوبات على أنه " من خالف أحكام اللوائح العامة أوالمحلية الصادرة من جهات الإدارة العامة أو المحلية يجازى بالعقوبات المقررة في تلكاللوائح بشرط ألاّ تزيد على خمسين جنيها ، فإن كانت العقوبة المقررة في اللوائحزائدة عن هذه الحدود وجب حتما إنزالها إليها . فإذا كانت اللائحة لا تنص على عقوبةما يجازى من يخالف أحكامها بدفع غرامة لا تزيد على خمسة وعشرين جنيها " .

3 - سلطة رئيسالجمهورية في التجريم بمقتضى لوائح الضرورة:

يسمح الدستور لرئيس الجمهورية بإصدار لوائح الضرورة بمقتضى المادة 147 منالدستور التي تنص على أنه "إذا حدث في غيبة مجلس الشعب ما يوجب الإسراع في اتخاذتدابير لا تحتمل التأخير جاز تدابير لا تحتمل التأخير جاز لرئيس الجمهورية أن يصدرفي شأنها قرارات تكون لها قوة القانون …". وبالتالي يصح لرئيس الجمهورية أن يصدرقوانين في مجال التجريم بمقتضى هذا النص . ولكن يجب عرض هذه القرارات التي لها قوةالقانون على مجلس الشعب خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدورها إذا كان المجلس قائماوتعرض في أول اجتماع له في حالة الحل أو وقف جلساته .

4- سلطة رئيس الجمهورية في إعلان حالة الطوارئ:

يجيز الدستور لرئيس الجمهورية أنيعلن حالة الطوارئ ، ويتضمن ذلك إصدار تشريعات في مجال التجريم والعقاب . فتنصالمادة 148 على أن " يعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ على الوجه المبين في القانونويجب عرض هذا الإعلان على مجلس الشعب خلال الخمسة عشر يوما التالية ليقرر ما يراهبشأنه ، وإذا كان مجلس الشعب منحلا يُعرض الأمر على المجلس الجديد في أول اجتماع له …. " .