المبحث
الثالث
عقدالبحث العلمي عقد عمل
ممالاشك فيه أن للأعمال الذهنية في المجتمع من أهمية ، لا يقل دورها أهمية عندور الأعمال اليدوية بصورة عامة ، تلك الأعمال التي يتعاقد الشخص فيهابنفس الطريقة التي يتعاقد بها الشخص الذي يقوم بعمل يدوي بالاستناد إلىخبرته وتخصصه في عمله .ولكن هل يدفعنا
هذا القول إلى تشبيه العقودالواردة على
الأعمال الذهنية ومنها عقد البحث العلمي بعقد العمل ؟ وخضوععقد البحث العلمي لعين الأحكام التي يخضع لها عقد العمل ؟ وفي محاولةلمعرفة وجهة النظر هذه فإننا نقسم هذا المبحث على مطلبين ، الأول لعرضالفكرة والثاني لتقويمها . وذلك كالأتي
:- المطلب
الأولعرض
فكرة عقد العمليعرفالقانون المدني العراقي عقد العمل بأنه : عقد يتعهد به احد طرفيه بان يخصصعمله لخدمة الطرف الأخر ويكون في أدائه تحت توجيهه وأدارته مقابل اجريتعهد به الطرف الأخر ويكون العامل أجيراً خاصاً (1) . بينما يعرفه قانونالعمل العراقي بأنه : اتفاق بين العامل وصاحب العمل ، يلتزم فيه العاملبأداء عمل معين لصاحب العمل تبعاً لتوجيهه وإدارته ويلتزم فيه صاحب العملبأداء الأجر المتفق عليه للعامل (2)
. ومن هذا
التعريف تتضح العناصرالأساسية
المميزة لعقد العمل التي تتمثل في تنفيذ العمل المتفق عليهوالأجرة التي يلتزم بها رب العمل تجاه العامل وعلاقة التبعية التي تربطالعامل تجاه رب العمل . ونبادر إلى القول
ابتداءاً إلى أن تنفيذالعمل ينبغي
إسقاطه من عناصر التمييز ذلك لأن تنفيذ العمل المتفق عليه منطبيعة القوة الملزمة للعقد إذ ينبغي ((تنفيذ العقد طبقاً لما أشتمل عليهوبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية)). (3)
ويتفق عقد
البحث العلميمع عقد العمل في انه عقد يقوم على
الاعتبار الشخصي من جانب العامل ، أي أنرب
العمل يعتمد في الغالب على صفة العامل ومهارته في أداء1.نص المادة (900/1) من القانون
المدني العراقي .2.نص المادة (29) من قانون العمل
العراقي النافذ رقم (71) لسنة 1987م
.3.نص المادة (150/1) من القانون المدني
العراقي .العمل(1) ، هذا
من ناحية . ومن ناحية ثانية ، فالعقدان يتفقان في إن كلاً منهما يقوم علىالتنفيذالمتعاقب ، إذ لا ينفذ عقد العمل دفعة واحدة بل يمتد تنفيذه إلى فترةزمنية قد تطول أو قد تقصر (2) والأمر ذاته قد يحصل في عقد البحث العلمي . ومن ناحية ثالثة ، فان محل عقد البحث العلمي
المتمثل بالبحث العلمي يشترطفيه ما يشترط
في محل عقد العمل من وجوب كونه واضحاً وممكناً للاستفادة منهمن جانب المستفيد ((رب العمل)) في إدارة عمله أو دفعه للقيام بعمل أوالامتناع عنه . ومن ناحية رابعة تؤكد المادة (903) من القانون المدنيالعراقي ، شمول أداء الخدمة بأحكام عقد العمل وان البحث العلمي كعقد يبرممع شخص متخصص في مهنته لأداء خدمة معينة ، فهي من عمل داخل في مهنة منيؤديه .وأخيراً ، يترتب على العامل أن يحتفظ بأسرار رب العمل (3) وهذاعينه التزام الباحث بالسرية في عقد البحث العلمي
.بيد أن ما يثيرالخلط بين العقدين هو عنصر التبعية . ففي عقد العمل يتمتع رب العمل بسلطةالرقابة والأشراف والتوجيه على العامل وينبغي على هذا الأخير أن لا يحيدعن تعليمات رب العمل و أوامره (4) ويقترب مركز الباحث في مواجهة المستفيدمن مركز العامل. إذ يخضع الباحث إلى إشراف المستفيد وأدارته، وهذا الخضوعأو التبعية لا يقصد بها التبعية العلمية أو الفنية التي تخول المستفيدتوجيه الباحث في ما يتعلق بالأصول العلمية أو الفنية للعمل(5). و أنمايقصد بها تبعية تنظيمية أو إدارية يقتصر فيها إشراف المستفيد على تحديدالظروف الخارجية التي يتم فيها تنفيذ العمل. والتبعية التنظيمية لا يشترطفيها أن يقوم المستفيد بالإشراف بصفة مباشرة ومستمرة على الباحث بل يكفيلثبوتها تحقق مكنة المستفيد في الرقابة والتوجيه وأن لم يمارسها(6). وهذهالتبعية تختلف قوةً وضعفاً باختلاف كفاءة الباحث (العامل) ونوع العمل وحجمالمشروع، وفي بعض1.انظر نص المادة (923) من القانون
المدنيالعراقي . والتي تقرر انتهاء عقد
العمل بموت العامل مما يؤكد أهميةالاعتبار
الشخصي في عقد العمل .2.د. شاب توما منصور ، شرح قانون
العمل ، ط3، بغداد ، 1968 ، ص340.3
.انظر المادة
(909) الفقرة (1/هـ) من القانون المدني العراقي
.4
.انظر أستاذنا
د. عدنان العابد ود. يوسف الياس ، قانون العمل ، ط2، بغداد ، 1989، ص227.5.وهذهالتبعية
من أقوى صور التبعية وهي تعني خضوع العامل عند أدائه العمل خضوعاًتاماً لرب العمل، بيد أنه يشترط لإمكان تحقق هذه التبعية أن يتمتع ربالعمل بالخبرة والتخصص في المجال الذي يخضع العامل فيه لأشرافه وأدارته. أنظر:- د.شاب توما منصور، مصدر سابق، ص342.6.أنظر:- المصدر السابق، ص342.الصورقد تخفف هذه التبعية حتى ليصعب القول بتوفرها، ويتم استخلاص هذه التبعيةمن خلال بعض القرائن : كطريقة تحديد الأجر وطبيعة الالتزامات المتقابلةوتبعية الباحث الاقتصادية للمستفيد(1). كما يعتمد الباحث على المستفيد فيمواجهة المشاكل التي تعترض عمله فيبدو الباحث وكأنه في حالة تبعيةللمستفيد. وهنا يقع الخلط بين عقد العمل وعقد البحث العلمي.وعلى وفق ذلك
فأن فوائد هذا التكييف لا تقتصر على المستفيد فحسب(2) بل له فوائد عملية جمة
لمصلحة الباحث، تتمثل بالآتي:-1-
اعتبار عقد
البحث العلمي عقد عمل معناه أن الباحث سيستحق الأجرة إذا كان حاضراً ومستعداً
للعمل في الوقت المعين(3).2-
أن المستفيد
سيتحمل تبعة الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها الباحث أثناء أدائهلعمله من حيث عدم تضمن البحث المقدم له حلولاً معقولة للغاية التي يبغيهاالمستفيد.3-
أن الباحث سوف
لن يلزم إلا ببذل عناية وليس بتحقيق نتيجةوبالتالي
فأنه سيتحق الأجرة بمجرد بذل العناية اللازمة من دون حاجة إلىتحقق النتيجة المتوخاة من البحث العلمي(4).4-
أن الباحث سوف
لن يكون مسؤولاً عن العيوب الخفية التي تكتنف البحث العلمي محل العقد(5).5-
-وأخيراً فأن
الباحث سيستفيد من الحماية القانونية التي أسبغها المشرع للعامل(6).1.
أنظر في هذا
المعنى:- د.محمد لبيب شنب، مصدر سابق ، ص30.2.
باعتباره الطرف
القوي في عقد العمل وتستمد هذه القوة من الالتزاماتالإضافية
التي تلقى على عاتق الباحث إذا اعتبرناه عاملاً(أنظر الموادمن(909) إلى(912) من القانون المدني العراقي والتي تحدد التزامات العامل.3.
أنظر نص
المادة(914) من القانون المدني العراقي.4
.أنظر نص
المادة (909/1) من القانون المدني العراقي.5.
كاستعمال
معلومات مزيفة أو مسروقة من دون مراعاة الأمانة العلمية وأصولالبحث العلمي. أو تؤدي إلى نتائج مخالفة للنظام العام والآداب.6.
خصوصاً تلك
المتعلقة بإنهاء عقد العمل. أنظر نص المادة (915) وما بعدها من القانون المدني
العراقي