أحكام التعويض الصادرة من المحاكم
الجنائية:




23 - تختص المحكمة الجنائية بالفصل في التعويضات التي يطلبها المدعي بالحقوق
المدنية أو المتهم عند فصلها في الدعوى الجنائية وذلك ما لم ترَ المحكمة أن الفصل
في هذه التعويضات يستلزم إجراء تحقيق خاص ينبني عليه إرجاء الفصل في الدعوى
الجنائية، فعندئذٍ تحيل المحكمة الدعوى إلى المحكمة المدنية بلا مصاريف (م 309
إجراءات - الدكتور علي زكي العرابي الجزء الثاني صـ 26).




24 - وإن كانت الدعوى المدنية تتبع الدعوى الجنائية فذلك بالنسبة للاختصاص فقط
ولكنها تبقى مستقلة عنها فيما يختص بإجراءات الإثبات وحضور الخصوم وغيابهم وما
يترتب على ذلك من آثار.




وقد قُضي بأن (الفكرة التشريعية من ضم الدعوى المدنية للدعوى العمومية في قضاء
واحد توجب أن تخضع الدعوى المدنية لجميع قواعد الإجراءات التي تحكم سير الدعوى
أمام المحكمة الجنائية وصدور الحكم فيها وطرق الطعن فيه ومواعيده إلا أن هذه
الوحدة تنتهي عند هذا الحد، فإذا صدر الحكم في الدعوى المدنية من المحكمة الجنائية
فإنه يقرر حقًا مدنيًا يخضع لأحكام القانون المدني من حيث سقوطه أو بقاؤه ومن حيث
تنفيذه على مال المدعى عليه وما إلى ذلك (وبذلك لا يستلزم مجرد صدور الحكم في
الدعوى المدنية من المحكمة الجنائية أن تختص بالفصل في كل ما يعترض تنفيذه من
الصعوبات. وإن صح ذلك في كل ما يمس الحق وموضوعه مساسًا يرجع إلى أحكام القانون
المدني فإن قاضي الأمور المستعجلة هو الهيئة الطبيعية للفصل في ذلك) (قاضي الأمور
المستعجلة بمحكمة مصر 20 أكتوبر سنة 1932 محاماة س 14 ع 5 صـ 371). أما إن مس
الإشكال أي إجراء من إجراءات المحاكمة فلا يختص القضاء المستعجل بنظر الإشكال.




وتطبيقًا لهذه القاعدة نعالج اختصاص قاضي الأمور المستعجلة بإشكالات التنفيذ عن
الأحكام الصادرة من المحاكم الجنائية في الدعاوى المدنية بالتعويض في حالين:




أولاً: حالة سقوط الحكم الغيابي المدني بمضي ستة شهور:
25 - كانت المادة (344) من قانون المرافعات القديم تنص على أنه (يبطل الحكم الصادر
في غيبة الخصم ويعد كأنه لم يكن إذا لم يحصل تنفيذه في بحر ستة أشهر من تاريخه) ثم
جاءت المادة (393) من قانون المرافعات الجديد تنص على أنه (يصبح الحكم الغيابي كأن
لم يكن إذا لم يعلن خلال ستة أشهر من تاريخ صدوره).




ولم يرد في قانون الإجراءات الجنائية نص يوضح مصير الحكم الصادر من المحكمة
الجنائية بالتعويض غيابيًا دون أن يعلن خلال ستة شهور من تاريخ صدوره ورأى الدكتور
علي زكي العرابي أن نص المادة (393) مرافعات جديد لا ينطبق على الأحكام الصادرة من
المحاكم الجنائية سواء فيما يتعلق بالدعوى المدنية أو الجنائية (المبادئ الأساسية
للإجراءات الجنائية الجزء الثاني بند 26).




فلا يختص قاضي الأمور المستعجلة بنظر إشكالات التنفيذ عن أحكام التعويض الغيابية
الصادرة من المحاكم الجنائية استنادًا على مضي ستة شهور دون إعلانه (تطبيقًا
للمادة (393) مرافعات على فرض سريان هذه المادة على أحكام التعويض الصادرة من
المحكمة الجنائية) لأن سقوط الحكم بمضي ستة شهور هو جزاء يلحق إجراءً من إجراءات
الدعوى وهو الحكم فيها فيسقطه دون تأثير على الحق في ذاته ولا ما اتخذ من إجراءات
والبحث في ذلك الشق المدني وأثره على الحكم الجنائي القاضي بالتعويض من اختصاص
المحكمة الجنائية التي أصدرته وعن عملها لتبعية الدعوى المدنية للدعوى الجنائية في
الاختصاص ويكون الحكم الصادر إجراء من إجراءاتها (راجع قاضي الأمور المستعجلة
بمحكمة مصر 10 نوفمبر سنة 1932 محاماة س 15 صـ 279).




ثانيًا: حالة سقوط التعويضات بمضي المدة:




26 - قضت المادتان (234) و(259) إجراءات على أن الدعوى المدنية الناشئة عن الجريمة
تنقضي بمضي المدة المقررة في القانون المدني وعلى أن الأحكام المقررة لمضي المدة
في القانون المدني هي التي تتبع فيما يختص بسقوط التعويضات المحكوم بها نهائيًا من
المحكمة الجنائية، وتسقط أحكام التعويضات بمضي خمس عشرة سنة من تاريخ الحكم
النهائي بها، إلا أن المادة (395) من قانون الإجراءات تنص على أنه إذا حضر المحكوم
عليه في غيبته أو قبض عليه قبل سقوط العقوبة بمضي المدة يبطل حتمًا الحكم السابق
صدوره سواء فيما يتعلق بالعقوبة أو التضمينات ويعاد نظر الدعوى أمام المحكمة وإذا
كان الحكم السابق بالتضمينات قد نفذ (لجواز تنفيذه قرر صدوره وفق المادة 385
إجراءات) تأمر المحكمة برد المبالغ المتحصلة كلها أو بعضها.




وقاضي الأمور المستعجلة كما قدمنا يختص بإشكالات التنفيذ في أحكام التعويض فيما
يتصل بالحق المدني في موضوعه فيختص بإشكال التنفيذ المستند على سقوطه بمضي المدة
لأن ذلك يخضع لأحكام القانون المدني ولاختصاص المحكمة المدنية وقاضي الأمور
المستعجلة فرع منها. (راجع قاضي الأمور المستعجلة بمحكمة مصر 10 نوفمبر سنة 1932
محاماة س 15 صـ 279).




27 - على أننا لا نرى اختصاص قاضي الأمور المستعجلة بنظر الإشكال في تنفيذ حكم
بالتعويض صادر من محكمة الجنايات غيابيًا عند تنفيذه بعد حضور المحكوم عليه أو
القبض عليه لأن سقوط الحكم سواء فيما يتعلق بالعقوبة أو التضمينات يعد إجراء من
إجراءات الدعوى وهو الذي تختص به المحكمة الجنائية. وتكون غرفة الاتهام بالمحكمة
الابتدائية هي المختصة لنظر مثل هذا الإشكال.




أثر رفع الإشكال في الأحكام الجنائية:




28 - ورفع الإشكال في الأحكام الجنائية لا يوقف تنفيذ الحكم لأن المادة (525)
إجراءات قد أعطت حق الأمر بوقف التنفيذ للنيابة العامة عند الاقتضاء أن توقف تنفيذ
الحكم مؤقتًا ولو قبل تقديم الإشكال إلى المحكمة.
كما أن للمحكمة الجنائية التي تنظر الإشكال وهي التي أصدرت الحكم أن تأمر بوقف
تنفيذ الحكم المستشكل فيه حتى يفصل في النزاع (م 525 فقرة أولى إجراءات).




اعتراض المحضر عند تنفيذ الحكم الجنائي:




29 - يحدث أحيانًا أن يثير المحضر عند تنفيذ حكم جنائي بالغلق أو الإزالة مثلاً
ويمتنع عن تنفيذ العقوبة التكميلية بحجة أن إشكالاً قد رُفع ولم ترَ النيابة
العامة أو المحكمة التي أصدرت الحكم وقف التنفيذ بعد رفع الإشكال فيلجأ إلى قاضي
المحكمة الجزئية أو قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة لاستصدار تأشيرة منه على الأوراق
بوقف التنفيذ فهل للمحضر ذلك التصرف أم لا وهل الأمر الذي يصدره قاضي الأمور
الوقتية أو القاضي الجزئي أمر قضائي أم لا ؟
قُضي بأنه (إذا امتنع قلم المحضرين عن تنفيذ حكم مدني وعرض الأمر على قاضي المحكمة
الجزئية فأقر قلم المحضرين على رأيه فلا يعتبر هذا الأمر من القاضي قضاءً فاصلاً
في موضوع النزاع لا لشيء إلا لأن الدعوى لم تُرفع بذلك ولا يعد أمرًا صادرًا على
عريضة بما للقاضي من سلطة الفصل في الأمور الوقتية لأن العريضة لم تقدم ولأن
الاستمرار في التنفيذ أو إيقافه هو نزاع محله دعوى تُرفع بالطريق العادي أو
بالاستشكال لا بأمر يصدر على عريضة فالأمر لم يصدر من القاضي بما له من السلطة
القضائية أو الولائية بل بصفة إدارية باعتباره رئيسًا للمحكمة تطبيقًا للمادة
(383) مرافعات (قديم) ومحل تنفيذ هذه المادة أن يكون الامتناع عن التنفيذ ناشئًا
عن أسباب إدارية أو شكلية فإذا استند إلى نزاع في الموضوع أو القانون امتنع على
القاضي الفصل فيه بناءً على شكوى من صاحب الشأن ووجب أن تُرفع بذلك دعوى إلى
المحكمة المختصة (حكم قاضي الأمور المستعجلة بمحكمة مصر في 1/ 6/ 1936 محاماة س 16
صـ 970 ع 9 و10).




30 - وفي قانون المرافعات الجديد نصت المادة (458) منه على أن (المحضرون ملزمون
بإجراء التنفيذ بناءً على طلب ذي الشأن متى سلمهم السند التنفيذي، فإذا امتنع
المحضر جاز لطالب التنفيذ أن يرفع أمره إلى رئيس المحكمة أو إلى قاضي المواد
الجزئية التابع لها المحضر)، وهو يماثل حكم المادة (383) القديمة ومحله كذلك أن
يكون النزاع بين صاحب الشأن والمحضر الممتنع عن التنفيذ مبنيًا على أسباب إدارية
أو شكلية أما إذا كان امتناع المحضر مبني على نزاع في الموضوع أو القانون لا يجوز
لرئيس المحكمة أو القاضي الجزئي أن يفصل في امتناع المحضر كشكوى صاحب الشأن وإنما
ينبغي رفع دعوى بذلك إلى المحكمة المختصة.




31 - هذا هو الحكم في إشكالات التنفيذ في الأحكام المدنية فمن باب أولى - والمحاكم
المدنية إجمالاً لا اختصاص لها في إشكالات تنفيذ الأحكام الجنائية - لا يجوز
للمحضر أن يمتنع عن تنفيذ الحكم الجنائي فيما يختص بالعقوبة التكميلية كالغلق أو
الإزالة.




ولا يجوز لرئيس المحكمة أو القاضي الجزئي الفصل في صحة هذا الامتناع من عدمه وإنما
يكون للمحكمة الجنائية التي أصدرت الحكم عندما يعرض عليها الإشكال في التنفيذ أن
تنظر فيما يثيره قلم المحضرين من إشكال حول التنفيذ. وقضت بمثل ذلك محكمة بني سويف
الابتدائية في غرفة المشورة في التظلم المرفوع من النيابة العامة عن الأمر الصادر
من وكيل المحكمة بوقف تنفيذ حكم غلق في المخالفة المستأنفة رقم (138) سنة 1953 بني
سويف وقد قضت المحكمة في هذا الحكم بأنه (لا سبيل للاحتجاج بنص المادة (480)
مرافعات التي تنص على أنه إذا عرض عند التنفيذ إشكال وطلب رفعه إلى قاضي الأمور
المستعجلة فللمحضر أن يوقف التنفيذ أو أن يمضي فيه على سبيل الاحتياط مع تكليف
الخصوم في الحالتين الحضور أمام القاضي وفي جميع الأحوال لا يجوز للمحضر أن يتم
التنفيذ قبل أن يصدر القاضي حكمه. فإنه فضلاً عن أن هذه المادة قد وردت في قانون
المرافعات لتطبيقها على المسائل المدنية فإنها تطلبت من المحضر عندما يعرض له
إشكالاً عند التنفيذ عرض الأمر على القاضي (أي المحكمة) بدلالة قول المادة قبل أن
يصدر القاضي حكمه ومن ثم فما كان للمحضر أن يعرض الأمر على وكيل المحكمة ليفصل فيه
سلطته الإدارية التي لا أساس لها من القانون).




خلاصة البحث:




32 - وجماع ما تقدم أن الاختصاص بنظر إشكالات التنفيذ في الأحكام الجنائية يكون
كقاعدة عامة للمحكمة التي أصدرت الحكم وهي المحكمة الجنائية ولغرفة الاتهام إذا
كان الحكم المستشكل فيه صادرًا من محكمة الجنايات، وهذه القاعدة عامة بالنسبة
للإشكال من المحكوم عليه أو من الغير على أنه يستثنى من هذه القاعدة ثلاث حالات:




1 - حالة الإشكال في تنفيذ حكم بالغرامة بطريق التنفيذ المدني وفق قانون المرافعات
على أموال الغير ففي هذه الحالة يختص قاضي الأمور المستعجلة بنظر الإشكال.




2 - حالة الإشكال في تنفيذ حكم التعويض الصادر من المحكمة الجنائية نهائيًا بطريق
التنفيذ على مقتضى قانون المرافعات على أموال الغير فيختص بنظره في هذه الحالة
قاضي الأمور المستعجلة.




3 - حالة الإشكال في الحكم الصادر بالتعويض من المحكمة الجنائية نهائيًا على أساس
سقوط التضمينات بمضي المدة فيختص بنظر الإشكال في هذه الحالة قاضي الأمور
المستعجلة.




كما نخلص من ذلك البحث إلى أن الإشكال في الأحكام الجنائية لا يترتب على رفعه وقف
تنفيذ الحكم ما لم ترَ النيابة العامة أو المحكمة التي تنظر الإشكال وقف التنفيذ
حتى يفصل في الإشكال وإلى أن المحضر لا يجوز له الامتناع عن تنفيذ العقوبات
التكميلية إذا أثير إشكال بشأنها إلا بعرض الأمر على المحكمة المختصة بنظر
الإشكال.
________________________________________
[(1)] راجع حكم محكمة مصر الكلية في 22/ 6/ 1932 محاماة س 13 صـ 912 في إشكالات
تنفيذ الأحكام الشرعية.
[(2)] يرى جرافولان أن الاختصاص في كل إشكال في التنفيذ يكون للمحكمة التي أصدرت
الحكم فهي أولى المحاكم بالاختصاص قياسًا على (م 386) مرافعات قديم ولم يعنَ
بالتفرقة بين اختصاص المحكمة التي أصدرت الحكم وقاضي الأمور المستعجلة في نظر
إشكالات التنفيذ مع أن المادة (386) مرافعات جعلت الاختصاص للمحكمة التي أصدرت
الحكم عند الفصل في موضوع النزاع بين الطرفين في الإشكال لا في وجهه السريع
بالإيقاف أو الاستمرار في التنفيذ.
[(3)] راجع حكمي قاضي الأمور المستعجلة بمحكمة مصر (القاضي محمد علي راتب) في 7
مارس سنة 1935 و13 يناير سنة 1936 المنشورين الأول بمجلة المحاماة س 15 صـ 521
والثاني بمجلة المحاماة س 16 صـ 427).