اغتصاب القانون الدولي في العراق
زهير كاظم عبود
لم يتجرأ الجنرال الإنكليزي ( مود ) حين وطأت أقدامه أرضالعراق بتاريخ 11 مارس 1917 إن يقول انه جاء فاتحا للعراق ، ولم يشأ إن يقول انهجاء ليحتل العراق ، انما قال انه جاء لتحرير العراق ، واشتهرت مقولته تلك (( جئناكممحررين لافاتحين )) ، وتحت هذا الشعار دخلت القوات البريطانية الى العراق ، ولم يكنصادقا في هذا الزعم حين وضع شعب العراق وأرضه تحت الانتداب البريطاني بزعم انهلايستطيع تكوين دولته مالم يستعن ببريطانيا العظمى .
وطيلةزمن المعارضة العراقية لنظام الدكتاتور صدام حسين كانت الولايات المتحدة الأمريكيةتزعم أنها ستساعد العراقيين للتخلص من هذا الدكتاتور الجاثم على صدور العراقيين ،والذي استباح أرواح اهل العراق ،وأذاقهم الويل وشتتهم وأفقرهم وأذلهم ، ولم تكنتقول أنها ستحتل العراق ، ومع هذا فقد تم احتلال العراق تحت ذريعة التحرير ، وتحريرالعراق من سلطة الدكتاتور الذي أستباح الدستور والقوانين لايبيح لأمريكا إن تستبيحالقانون الدولي والوطني .
وكان القانونالدولي قد عالج حالة الاحتلال ، فأشار الى أن اصطلاح الأحتلال يعني السيطرةالعسكرية بالقوات المسلحة لدولة على ارض دولة أخرى ووضعها تحت سيطرتها ، وبذلك تصبحتلك الدولة تحت قوة الدولة المحتلة .
وعرفت المادة 42 من لائحة لاهاي لعام 1907 الاحتلال كما يلي: (( تعتبرأرضاً محتلةً حين تكون تحت السلطة الفعلية لجيش العدو. ولا يشمل الاحتلال سوىالأراضي التي أقيمت فيها مثل هذه السلطة ويمكن أن تمارس فيها )) .
وتشكل لوائح لاهايلعام 1907 واتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 وبعض أحكام البروتوكول الأول لسنة 1979الإضافي لاتفاقيات جنيف لسنة 1949 الأسس القانونية التي تعالج قضية الأحتلال .
ومع إن إخضاع الشعوب الىالأحتلال والسيطرة عليها يعد استعبادا وإنكارا خارقا لحقوق الإنسان يتناقض مع ميثاقالأمم المتحدة ، وإزاء تلك المعاهدات والمواثيق الدولية تكون دولة الأحتلال مسؤولةمسؤولية مباشرة عن جميع الجرائم والأضرار والانتهاكات التي تحدث من قواتها المسلحةأو من جراء سياستها على افراد الدولة التي وقعت تحت الأحتلال ، وبالتالي فأن حقاًللأفراد ينشأ في مطالبة دولة الأحتلال بالتعويضات واللجوء الى القانون والقضاء فيحال الأمتناع ، حيث يتم الخضوع الى القانون الدولي في الأنتهاكات والخروقاتوالجرائم التي ترتكب .
الا إنأصدار قوات الأحتلال قرارات تمنع فيها العراقيين مطالبتها بالتعويضات ، كما تمنعهممن أقامة الدعاوى في المحاكم العراقية لمحاسبة مرتكبي الجرائم يعد أمرا منافياللعدالة ولمعايير القانون الأنساني ، وبالتالي فأن تلك القرارات التي تعيق تحقيقالعدالة وتمنع المواطن المطالبة بحقه لاتجد لها أساس قانوني وليس لها قاعدة قانونيةترتكز عليها ، وهي ليس الا مجرد أغتصاب لقواعد القانون الدولي من قبل القواتالمحتلة في العراق تطبيقا لمبدأ قانون الأقوى .
وبعيدا عن الشعارات والمواقف السياسية فأن افعالا يتمفيها أحداث أضرار في بيوت وممتلكات العراقيين ، وقبلها جرائم تطال الأبرياء الذينيقعوا تحت رصاص القوات المحتلة ، سواء عن طريق الخطأ أو عن طريق العمد ، أوفي حالإن يتبين عدم صحة المعلومات ضد المجني عليه الذي يخسر حريته وماله وكرامته ،بالأضافة الى الأضرار المادية والمعنوية بما فيها الجسدية التي تصيب الناس من جراءتصرفات قوات ألاحتلال .
ومنالغريب إن الأمم المتحدة وهي تصدر قراراتها التي تشرع وتوفر للقوات المحتلة القاعدةالقانونية في الأحتلال ، لم تشر الى هذه النقطة ، ولم تلتفت الى هذه الحالات التيبقيت سائبة ، وكما إن المشرع العراقي الذي بالغ بدراسة حقوق وأمتيازات اعضاءالبرلمان تناسى حقوق العراقيين المتضررين من جراء افعال القوات المحتلة ، ورضخ لهذهالقواعد التي قررها الأمريكان والتي صارت قواعد ملزمة وأن كانت تنتج الأثر الضاربحق العراقيين فقط .
ووصلالتمادي في تطبيق تلك الخروقات والأغتصاب للقانون الدولي أن يتم ارتكاب جرائم القتلالعمد مصحوبا بالأغتصاب الجنسي ومقترنا بالأعتراف الصريح على مجني عليهم عراقيينوفوق الارض العراقية ومن جنود امريكيين ، وخلافا للأختصاص المكاني والزماني ،والأستخفاف بالقضاء العراقي ، ليتم احالة المتهمين منهم الى المحاكم العسكريةالأمريكية التي تحكمهم وفقا لمقتضيات القوانين الأنضباطية والاعراف الأمريكية ،ودون الأشارة الى أي حق لذوي الضحايا ، ودون أي اعتبار لما تزعمه الولايات المتحدةمن احترامها لمشاعر وأعراف العراقيين ، ودون أي اعتبار للحقوق التي تترتب علىالدولة المحتلة .
وإذا كانتجرائم الحرب من بين الجرائم التي تختص بها المحكمة الجنائية العراقية العليا ، فأنولاية المحكمة كما يزعم القانون تسري على كل شخص طبيعي سواء كان عراقيا أم غيرعراقي مقيم في العراق ومتهم بأرتكاب تلك الجرائم ، وحين تصطدم تلك الصلاحياتبالأختصاص الذي حددته القوات المحتلة واستعلائه على النصوص القانونية العراقية ،انما يتم شل نصوص القانون بحق إفراد القوات المسلحة غير العراقيين المتواجدين فيالعراق والذين تصار افعالهم فوق القانون لايمكن للعراقي مقاضاتهم أو محاسبتهم ،ولايمكن للفعل الضار المحدث إن يتم تعويضه ولايمكن للمحكمة الجنائية إن تقومبالتحقيق معهم أو محاكمتهم عن الجرائم المرتكبة في العراق .
وحري بمجلس النواب العراقي إنيلتفت الى هذه النقطة ويشرع قانونا عراقيا لسد الثغرة والخلل على الأقل بما يعالجوضع العراقي ، وان تلتفت الحكومة العراقية الى الأعداد الكبيرة من المتهمينالموقوفين في سجون الأحتلال ، وهؤلاء مواطنين عراقيين وأن كانوا متهمين بارتكابجرائم جنائية أو أرهابية فالمتهم بريء حتى تثبت ادانته ، وقوات الأحتلال تضعهم فيسجون عسكرية لمدد طويلة مما يجعل في عاتق المؤسسة القضائية إن تتفرغ لمعالجة تلكالملفات بالسرعة المتناسبة مع حجم محنة العراقيين ، اذ حتما إن من بينهم اعدادكبيرة من الأبرياء والمشتبة بهم الذين ستصدر القرارات بالأفراج عنهم وأخلاء سبيلهم، وكذلك تشريع القانون الذي يمنح من تثبت برائته التعويض المالي المناسب والمستعجللمعالجة حالته ووضع عائلته من قبل الحكومة والقضاء العراقي .
وإذا كان العالم تحكمه المعاهداتوالأتفاقيات والقوانين الدولية ، فأن التصرفات القانونية الدولية التي تصدر عناشخاص القانون الدولي تنتج أثارا قانونية ، وهذه الأتفاقيات والاعراف والمعاهدات هيالتي تشكل معايير القانون الدولي وهي التي تضع القواعد الأساسية في القضاياالمتنازع عليها بين الدول ، اما إن تقم دولة محتلة بشطب أي حق لمواطن الدولةالواقعة تحت الأحتلال ، فأنها تلغي مسألة المطالبة وتستلب الحق وتغتصب النصوصالقانونية الدولية التي طالما تعكزت عليها في العديد من قراراتها حين يتعلق الأمربمصالحها .
إن القانون الجنائي أما أن يكون وطنياأو دوليا ، وبالنظر لصدور جميع القرارات الدولية التي تعالج الوضع العراقي وتضعهتحت الأحتلال ، وغياب معالجة حقوق المتضررين من جراء اعمال الاحتلال ، ما يستوجب فيمثل هذا الحال أخضاع تلك الجرائم الى الأختصاص الوطني ، أو على الأقل الأحالة الىالمحكمة الدولية التي ولدت في تموز 2002 ، وحيث إن الولايات المتحدة الأمريكية لمتوقع الأتفاقية الخاصة بانشاء تلك المحكمة ، بالأضافة الى أن العراق من بين البلدانغير الموقعة على تلك الأتفاقية ، ما يخلق نوعا من التعارض في سبيل تحقيق العدالةويمنع اللجوء الى المحكمة الدولية ، وبالنظر لأمتناع قوات الأحتلال خضوع افرادهاالى القانون الوطني وتطبيقها قانون الدولة المحتلة ، فأن الأمر بحاجة الى موقفعراقي رافض لذلك الأصرار على الأمتناع وطرح الأمر على المعنيين في مجلس الأمن ،وحصر النظر في تلك الجرائم التي ترتكب على مجني عليهم عراقيين وعلى الأرض العراقيةومن قبل أشخاص طبيعيين غير عراقيين من قبل القضاء الوطني وتطبيق القانون الجنائيالنافذ .
كما إن عدم خضوع القوات المحتلة لأي قانون سوىقانونها لايبيح لها أرتكاب الافعال الجرمية بحق العراقيين ولابأحداث الأضرار فيممتلكاتهمدون مسائلة قانونية ، ولم تكن سابقة في تاريخ الأحتلالإن تم وضع حصانة على تلك الافعال ، وايضا لم يتم تعيين حدود لتلك الحصانة ولا منيتمتع بها ، والأمر في كل الحالات ليس سوى اغتصاب للقانون الدولي واستخفاف بحقوقالعراقيين.
وإذا كان هناك رأيا يقول إن قانونالمحكمة الجنائية العراقية هو قانون تم تشريعه بعد احتلال العراق ، فأن قانونالعقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 حدد ضمن الفرع الثاني في باب تطبيق القانون منحيث المكان انه تسري احكام هذا القانون على جميع الجرائم التي ترتكب في العراقوتعتبر الجريمة مرتكبة في العراق أذا وقع فيه فعل من الأفعال المكونة لها أو اذاتحققت فيه نتيجتها أو كان يراد أن تتحقق فيه ، ما يجعل سريان القانون الوطني علىتلك الجرائم يستند على نصوص قانونية تعززها المعاهدات والأتفاقيات الدولية .

نقل