إسم المؤلف: د/عبد الحميد بك عامر
نقدم لقراء العربية كتابنا في الطب الشرعي، وهو ذلك الفرع من الطب الذي يطبق حقائق علم الطب على مقتضيات القانون، ولسنا نريد أن نتكلم عن شتى العلوم الطبية والطبيعية والكيمائية فإن ذلك لمما يطول ومما لا يخفى على أحد ولقد أصاب قدماء المصريين وبنو إسرائيل واليونان والرومان إثارة من هذا الفن، وألموا بكنهه المامة لا يعتد بها حين مقارنتها بما وصل إليه في العهد الحديث من الكمال والإتقان، وكبير الجدوى للمجتمع وعظيم النفع للقضاء فمهما تبسط المؤرخون في تبيان ما وقف عليه قساوسة الأجيال القديمة من أسرار الطب الشرعي، فإن جل ما وضع له من نظم وسنن ومعاهد وجوامع كل ذلك من نتاج المدنية الحديثة التي نهضت بالعلوم إلى ذروتها وأقامت لكل منها بناء شامخاً مستقلاً عن سواه، وإن كانت وشائج العلوم وصلاتها بعضها ببعض ليس إلى نكرانها من سبيل، بيد أن انتشار الفنون وتقدمها وبسطتها ورقيها أتاح لكل منها بناءه ووحدته واستقلاله وعزلته. على أن حظ مصر من الأخذ بسنن الطب الشرعي كفن يحفل به ويقبل على دراسته ويعكف على تعلمه إنما يرجع إلى عهد تأسيس مدرسة الطب بأبي زعبل أسسها فيما أسس من عديد دور التعليم ووفير مناهل العرفان، بطل مصر الكبير المغفور له محمد على باشا زعيم نهضتها حقاً ومجدد حياتها صدقاً ومن أذاقها افاويق العرفان، بعد أن ضربت الجهالة على بنيها بحران. ففي مدرسة الطب بأبي زعبل كان يدرس الطب الشرعي بدرجة قليلة ناضب معينها قصير منهجها حتى آل أمرها إلى الإلغاء ورسمها إلى العفاء إلى أن بعث الله لكنانته مشيد المدنية المصرية المرحوم المبرور الخديوي إسماعيل باشا فأرسل فيما أرسل من البعثات العلمية العديدة الواحدة تلو الأخرى، الدكتور إبراهيم باشا حسن إلى فرنسا للتخصص في هذا الفن فتتلمذ فيه للدكتور (تارديو) ثم عرج على ألمانيا وأخذه عن (ليمان) وآب بعدئذ إلى مسقط رأسه حيث عين أستاذاً بمدرسة القاهرة. ولقد وضع المرحوم الدكتور إبراهيم باشا حسن كتابه في الطب الشرعي عام 1293هـ ثم أعاد طبعه بعد ثلاث عشرة سنة واقتبسه بحذافيره من المؤلفات الأوروبية كما ذكر ذلك في خدمته فأدى للعلم خدمة جلي، فرحمه الله وأثابه. وإن لنا من الصفات والعادات والأسلحة والأدوات، وسرعة التغيير الرمي وما إلى ذلك ما يكاد يفرق مثلنا العلمية في بعض نواحينا عن القوم، وتستلزم دراستها من وجهتها المصرية بروح العلم العصرية، وكل ما نراه مستحثاً لعزماتنا في ضرورة إخراج كتابنا هذا إن طلبة الطب يدرسون هذا الفن حتى اليوم بكتب أوربية مع أن الحاجة ماسة إلى دراسته بلغتنا المحبوبة لاسيما وإن كتاب المرحوم الذي لم يطبع بعد عام 1306هـ وقف بطبيعة الحال في معلوماته إلى ما كان عليه العلم منذ ستة وثلاثين عاماً، ما وقف العلم يوماً ولا ونى الاختراع شهراً. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإنه لما كان لمؤلفي هذا الكتاب من الخبرة الطويلة بهذا الفن لاسيما لتلك السنوات العديدة التي قضياها طبيبين شرعيين لحكومة حضرة صاحب الجلالة مولانا الملك فؤاد الأول حفظة الله، ولما وصل إلى أيديهما من تجارب واختبارات ليس إلى حصرها من سبيل، فقد كان في عنقنا لهذه البلاد واجب هو فرض عين، أن نسهل لطلبة العلم ما يعتور طريقهم من متاعب، ونذلل لهم ما يصادفهم من مصاعب، بأن نخرج لهم كتاباً مدرسياً لطلبة الطب والحقوق ووافياً لحاجات الأطباء ورجال القضاء والمحامين وأعضاء النيابة ورجال الشرطة، متمشياً مع خطوات العلم والزمان ونختار لهم فيه من المثل العلمية ما ينقع غلتهم ويحقق مطلبهم ويجيبهم إلى سؤلهم. ولقد الممنا فيه بكافة أبواب الفن وراعينا زيادة الشرح والبيان في كل ما يستلزم ذلك وتوخينا وضوح العبارة ليسهل تناوله، وإنا نشكر هنا حضرات الأفاضل الذين اعنونا في عملنا واخرج كتابنا للناطقين بالضاد فقد وضعه المؤلفان بالإنجليزية ثم قام بترجمته احدهما الدكتور عبد الحميد عامر بك والله نسأل أن ينتفع به قارئوه وأن يوفقنا لسداد وخدمته البلاد