السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

من أعظم وأعجب محاكمة في التاريخ..!!

بدأت المحاكمة..!

نادى الغلام: ياقـتيـبة... (هكذا بدون لقب)
فجاء قـتيبة وجلس على الجانب الآخر من كبير الكهنة أمام القاضي "جُميْع"
قال القاضي: ما دعــواك يا سمرقندي..؟ (مخاطباً كبير الكهنة)
قال السمرقندي: إجتاحنا قـتيبة بجيشه، ولم يدعنا إلى الإسلام ويمهلنا حتى ننظر في أمرنا..
إلتفت القاضي إلى قتيبة وقال: وما تـقول في هـذا يا قتيبة..؟
قال قتيبة: الحرب خدعة؛ وهذا بلد عظيم وكل البلدان من حوله كانوا يقاومون ولم يدخلوا
الإسلام.. ولم يقبلوا بالجزية...
قال القاضي: يا قـتيبة هل دعوتهم للإسلام أو الجزية أو الحرب..؟
قال قتيبة: لا..! إنما باغتناهم لما ذكرت لك...
قال القاضي: أراك قـد أقـررت؛ وإذا أقر المدعي عليه انتهت المحاكمة؛
يا قتيبة.. ما نصر الله هذه الأمة إلا بالدين واجتناب الغدر وإقامة العدل.
ثم قال: قضينا بإخراج جميع المسلمين من أرض سمرقند، من حكام وجيوش ورجال وأطفال
ونساء، وأن تترك الدكاكين والدور، وأنْ لا يبقى في سمرقند أحد،
على أنْ ينذرهم المسلمون بعد ذلك...!!
..... ..
لم يصدق الكهنة ما شاهدوه وسمعوه، فلا شهود، ولا أدلة، ولم تدم المحاكمة إلا دقائق معدودة،
ولم يشعروا إلا والقاضي والغلام وقتيبة ينصرفون أمامهم، وبعد ساعات قليلة سمع أهل سمرقند
جلبة تعلو وأصوات ترتفع وغبار يعم الجنبات، ورايات تلوح خلال الغبار، فسألوا..!!
فقيل لهم: إنَّ الحكم قد نُفِذَ.. وأنَّ الجيش قد انسحب؛ في مشهدٍ تقشعر منه جلود
الذين شاهدوه أو سمعوا به..
..... ..
وما غرُبت شمس ذلك اليوم إلا والكلاب تتجول بطرق سمرقند الخالية، وصوت بكاءٍ يُسمع في
كل بيتٍ على خروج تلك الأمة العادلة الرحيمة من بلدهم، ولم يتمالك الكهنة وأهل سمرقند أنفسهم
لساعات أكثر، حتى خرجوا أفواجاً وكبير الكهنة أمامهم باتجاه معسكر المسلمين وهم يرددون:
شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله..

فيا لله ما أعظمها من قصة؛ وما أنصعها من صفحة من صفحات تاريخنا المشرق؛
أريتم جيشاً يفتح مدينة ثم يشتكي أهل المدينة للدولة المنتصرة..! فيحكم قضاؤها على

الجيش الظافر بالخروج..؟

والله لا نعلم شبه لهذا الموقف لأمة من الأمم. بالتاريخ القديم أو الحديث..
~~~ ~~~~ ~~~

......................................
لك أن تعرف أن هذه الحادثة كانت في عهد الخليفة الصالح عمر بن عبدالعزيز...
حين أرسل أهل سمرقند رسولهم إليه بعد دخول الجيش الإسلامي لأراضيهم دون إنذار أو دعوة
فكتب مع رسولهم للقاضي "جُميْع" أن احكم بينهم فكانت هذه القصة التي تعتبر من الأساطير..
.....................................
قصة من كتاب (قصص من التاريخ) للشيخ الأديب علي الطنطاوي رحمه الله..
وأصلها التاريخي في الصفحة 411 من ( فتوح البلدان ) للبلاذري
طبعة مصر سنة 1932م
.....................................