بيروت - زكي عبود
ما كانت أميركا لتكترث لقناص واشنطن على النحو الذي تعيشه اليوم لولا حوادث 11 سبتمبر/ أيلول على رغم عدم وجود أي دليل إلى الآن يشير إلى أن هذا القاتل المحترف على علاقة بالارهاب كما حددته ادارة الرئيس جورج بوش. فهذا النوع من القتل البارد ولشدة تواتره في المجتمع الأميركي تحول إلى قضية محلية يقتصر الاهتمام بها على أهل المدينة التي يحصل فيها.
قناص واشنطن واحد من عشرات سبقوه إلى هذا النوع من القتل، والأساليب التي يستعملها قدمت إليه من مخزون من التجارب والصور التي صاحبتها أعمال سينمائية، وكتب ودراسات. وليس تحول قضية هذا القناص اليوم إلى قضية تشغل العالم إلا من باب تحول أميركا نفسها إلى دولة المخاوف الكبرى. من دون أن يعني هذا الكلام تخفيفا من فداحة الجرائم التي ارتكبها هذا الشخص الذي اعتقل مع صاحبه قبل يومين، ومن دون أن يعني طبعا الجزم بعدم صلتهما بالارهاب، اذ يجب ألا ننسى ان ارهابيي 11 سبتمبر استمدوا صور اعمالهم ونماذجها من خيال غذته بلا شك صور آتية من أميركا. وهنا عرض لتجارب ما يسمى بالقتلة التسلسليين الذين سبق أن شغلوا الرأي العام الأميركي.
تتوج الطبقة الرفيعة من القتلة المجرمين بطبقة القتلة التسلسليين وتنتج أميركا قتلة من هذا النوع أكثر من أي دولة في العالم (أي القتلة التسلسليين). وبحسب The A to گ Encyclopedia فإن الولايات المتحدة تنتج 76 في المئة من مجرمي العالم التسلسليين. إن بلاد الفرص تقدم وسائل أكبر لنجاح الساديين.
من هو القاتل التسلسلي؟ وما هي المتطلبات التي يحتاجها الشخص ليدخل عصبة القتلة الكبار؟؟ إن الـ (اف. بي. اي) يصف القاتل التسلسلي بـ «من يرتكب ثلاث جرائم على الأقل خلال فترة من الزمن تتخللها فترات هدوء دلالة على التروي».
إذا هناك ثلاث جراذم على الأقل، ويأخذ القاتل وقتا ليرتاح بين الجريمة والأخرى، وللتمييز التقني بين القاتل التسلسلي والقاتل الجماعي فإن الأخير يملك رغبة في تسلق برج ومعه بندقية ويقتل أكبر عدد من الناس في حملة واحدة بينما يرتكب القاتل التسلسلي جريمة واحدة كل فترة. وغالبا ما ترتبط فعلة القاتل التسلسلي برغبات جنسية مريضة وبشخص سادي، انها من المميزات شبه الأكيدة للقاتل التسلسلي.
من هو القاتل التسلسلي؟
في أميركا معظمهم ذكور بيض من نهاية العشرينات وصولا إلى نهاية الثلاثينات (10 في المئة من جرائم القتل التسلسلي التي ارتكبتها نساء). يملك هؤلاء القتلة ذكاء عاديا وفوق العادي وهذا يفسر إمكان هروبهم لفترة.
الاضطرابات النفسية «مثل الاكتئاب» على علاقة بتحول الشخص إلى قاتل تسلسلي، وهو أمر يعيشه الكثيرون في المجتمع الأميركي مضافا إليه ما يقدمه هذا المجتمع من صور. ولا تظهر الاحصاءات وجود علاقة لعامل الوراثة بمسألة القتل التسلسلي إذ لم يتم تأكيد أن واحدا منهم ينحدر من عائلة قتلة. ويتشارك القتلة هؤلاء في عدة قواسم منها النشأة التي غالبا ما تكون قلقة ويعاني معظم هؤلاء في مراحل شبابهم من فشل أو عجز وأوهام اسهمت في مضاعفة اضطراباتهم، ودائما ما يكون أحد الأبوين يعاني من ازمات.
في حالات كثيرة كانت للقتلة علاقات مضطربة مع أمهاتهم، البعض عاشر والدته وآخرون صدموا بهجر الأم لهم.
الإدمان عامل آخر في تشكيل القاتل التسلسلي الذي يملك اندفاعا قويا للقتل، وهذا الاندفاع يخرج على السيطرة حتى يتم العثور على الضحية.
القاتل التسلسلي يميل إلى اختيار الضحية من النوع نفسه. تيد بوندي «وهو قاتل تسلسلي» كان يفضل النساء الحمر. جيفري داهمر قاتل تسلسلي للرجال الصغار المرحين. ويصل القتلة التسلسليون بسهولة إلى ضحاياهم، فهم يرتبطون بأهدافهم من خلال وسائل احتيال عدة، فتيد بوندي مثلا كان يظهر بشخصية ضعيفة، أي ذلك الشخص الذي يطلب المساعدة والحب دائما.
يثير القاتل التسلسلي اهتمام الأميركيين، فبطاقات الكثير من القتلة التسلسليين تدور بحماس في أيدي الشبان الأميركيين، يتبادلونها كنوع من بطاقات التعريف. أما الاعلام الأميركي فيزودنا بمادة مثيرة عن هؤلاء القتلة مثل فيلم «سيكو» وفيلم «صمت النعاج».
معظم القتلة التسلسليين يشتهون الموتى ويستحضرون الجثث وهو مهووسون بالموت. وهذه ظاهرة حديثة نسبيا اذ ظهرت في نهاية القرن العشرين في أميركا.
يقر الخبراء أن أول قاتل تسلسلي في العصر الحديث كان جاك السفاح الذي اشتهر بقتل المومسات في شوارع لندن، ما أشاع رعبا في العصر الفيكتوري. وبعد ذلك بمئة سنة أصبحت ظاهرة قتل المومسات بشكل تسلسلي أمرا شائعا. إن نظير جاك السفاح الأميركي هو هـ. هـ. هولمس الذي اعترف بارتكاب 27 جريمة نهاية العام 1890 ويعتبر أول قاتل أميركي تسلسلي موثق. وبعيدا عن أميركا أيضا فإن المومسات ضحايا نموذجيين للقتلة التسلسليين. فالقاتل العنكبوتي في مدينة مشهد الإيرانية اختار قتلاه قبل سنوات قليلة من النساء ذوات السوابق في مجال الدعارة، وهذا النوع من الاختيار (المومسات واشباههن) يؤكد وجود أزمات نفسية مرتبطة بالجنس، وبأوضاع الأهل وراء هذا النوع من الجريمة، ويبدو أن ثمة ملامح مشتركة للقتلة التسلسليين في المجتمعات المختلفة. فسفاح صنعاء اختار ضحاياه من صنف آخر، انهن طالبات في كلية الطب في جامعة صنعاء، ولكن دوافعه لم تكن مختلفة كثيرا، فهي جنوح جنسي مرضي أدى تراكمه إلى حال من عدم التوازن النفسي.
وبالعودة إلى أميركا، عاصمة هذا النوع من الجرائم، في العام 1995 اتهم موظف في أحد المستودعات واسمه وليام لسترسوف بقتل 30 مومسا في كاليفورنيا وبالكاد التفت الإعلام إلى الحدث.
مطلع القرن كان عقدا عنيفا شهد غياب القانون، أما العشرينات فانتجت اثنين من القتلة التسلسليين الحقيقيين وهما ايرل ليونارد نيلسن وهو قاتل اشتهر باسم «قاتل الغوريلا» وكان يخنق الضحايا. وكذلك كارل بانزرام.
في الثلاثينات والأربعينات تساوى القتلة التسلسليون. البدوفيل آكل لحوم البشر، البرت فيش والجزار المجنون كينغبوري رن. هؤلاء هم أشهر القتلة التسلسليين الذين باشروا جرائمهم في عصر الكآبة الأميركي. أما قائمة حقبة الأربعينات فتقتصر على اسمين: جاك بيرد وهو سارق وقاتل اعترف بقتل دزينة من الأشخاص، وويليام هيرنيس وهو المعروف بندائه الشهير الذي كان يكتبه بأحمر الشفاه وفيه «بحق السماء، امسكوني قبل أن أقتل المزيد فأنا لا أستطيع أن أسيطر على نفسي».
في أميركا، وفي مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، أصبح القتل التسلسلي أكثر عنفا. هذا الطيف العنيف كان بدأ ينتشر في البلاد خلال الأيام المشمسة من عهد دوايت ايزنهاور. حقبة الخمسينات شهدت رعبا من خلال هارفي ميوراي غلاتمان الذي كان يرهب ضحاياه ويصورهم قبل قتلهم. ومن الأسماء في تلك الحقبة تشارلز ستاكويثر الذي ذبح سلسلة من الضحايا في نبراسكا.
وأصبح الوضع أكثر قتامة خلال الستينات وهي مرحلة انتجت شخصيات رهيبة مثل ميلفن ريس أو (وحش الجنس) والبرت ديسالفو (قاتل بوسطن) وريتشارد سبيك وتشارلز مانسون وإلى الآن شخصيات لم تعرف بعد.
في السبعينات باتت المشكلة مقلقة جدا إلى حد أنه وللمرة الأولى شعر مسئولو الأمن في أميركا بالحاجة إلى تعريف هذه الظاهرة المزدهرة بوصفها جريمة أولى أو مصنفة أولى. السبعينات كانت عصر بيركويتز وبوندي وكيمبر وغايسي وكثيرين غيرهم. خلال الثمانينات كان بعض خبراء الجريمة يستعملون كلمات مثل «الوباء» و«المرض» حين يشخصون المشكلة وهي كلمات تعبر عن هستيريا، ومع ذلك فإنه من الجائز القول إن الجريمة التسلسلية أصبحت شائعة في أميركا إلى حد إن معظم هؤلاء لم يعودوا يثيرون سوى اهتماما محليا بحسب تحركهم. فقط مجرمون مثل جيفري داهمر تصبح وحشيتهم اسطورية بحيث أن البلاد كلها تهتم بالأمر. وفي أميركا ينال القتلة الشريرون شهرة واعجابا لا محدودين.
هناك مرشحون جدد للدخول في هذا الحلقة.
هنري لويس واليس كان لطيفا جدا إلى درجة تمكنه من جذب نساء كثيرات، وهو اليوم في السجن في ولاية كارولينا الشمالية متهما بأسوأ جرائم قتل في تاريخ تلك المنطقة. وبحسب الشرطة، قتل واليس 10 نساء على الأقل خلال مطلع التسعينات في كارولينا. آخر ضحية له موظفة في «سوبر ماركت» عمرها 35 وجدت مخنوقة في شقتها.
ومثل واليس هناك فرانك بوتس وهو جار جيد لأكثر من 300 ساكن في الاباما. ساعد الأرامل على قطع الخشب وجمع البرتقال من فلوريدا حيث عمل جامعا للفاكهة. اعتبره البعض واعظا أو مبشرا، وقال أحدهم «وجدت فرانك بوتس شخصا يمكن الوثوق به». وقال ذلك أيضا شخص عمل فرانك بوتس لديه في قطع الأشجار. لكن البوليس كان يبحث قرب منزل بوتس عن جثة روبرت ايرل ابن الـ 19 عاما الذي تحطم رأسه، فوجد في قبر على بعد ياردات قليلة من منزل بوتس.
فرانك بوتس وعمره في العام 1994 كان 50 سنة كان المتهم الأول في جريمة الشاب وكذلك في 14 جريمة أخرى وهي جرائم تعود إلى 15 سنة مضت، من نيويورك إلى بنسلفانيا والاباما وكينتاكي وجورجيا. أنكر فرانك بوتس الجرائم وصلته بها لكن القوى الأمنية قالت: حيث يكون بوتس يختفي الناس ويموتون.
إن انجذاب العامة من الأميركيين للقتلة التسلسليين هو في ذروته. المكاتب مكتظة بكتب عن القتلة ومعاجم عنهم ودراسات عن جرائم حقيقية. بالإضافة إلى الكثير من الأفلام والوثائقيات عن مثل هذه الأمور.
المرأة الأميركية الأولى التي اصبحت قاتلة تسلسلية لقتلها 7 رجال تحولت إلى مسرحية يتم عرضها على المسارح. وهناك سوق لحاجيات تعود إلى قتلة تسلسليين. والمعجبون يشترون الأشياء الخاصة بقاتليهم المفضلين. هناك قمصان عليها صور القتلة تباع بشكل واسع وكتب وشرائط مدمجة فيها أغان عنهم.
بعض الناس يستمتع بما هو أكثر من مجرد الفضول. «إنه بمثابة ملامسة الشيطان والاقتراب منه» يقول ثوماس.
الخبراء يعتقدون أن عدد القتلة التسلسليين يزداد. في الستينات كان هناك عشرة آلاف جريمة في السنة في أميركا ومعظمها تم اكتشاف مرتكبيها. أما اليوم فهناك 25 ألف جريمة في السنة وعدد كبير منها لم يكتشف مقترفوها بعد. نرى عددا متزايدا من القتل الغريب، الكثير من الضحايا هم ضحايا جرائم تسلسلية. البعض يعتقد أن القتل التسلسلي ادمان



صحيفة الوسط البحرينية - العدد 51 - الأحد 27 أكتوبر 2002م الموافق 20 شعبان 1423هـ