المفاوضات العراقية الامريكية لوضع القوات sofa واتفاقية الاطار الاستراتيجي
مقدمة تضمن إعلان مبادئ علاقة تعاون وصداقة طويلة الامد بين العراق والولايات المتحدة، الموقع عليه في 26/11/2007، رغبة الطرفين في انهاء ولاية الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وولاية القوات متعددة الجنسية كما ورد في قرار مجلس الامن المرقم 1790/ 2007، واعادة النظر في وضع القوات الامريكية في العراق في اطار علاقة ثنائية بين الطرفين خارج النطاق المؤسساتي للامم المتحدة.
واعرب الطرفان عن رغبتهما في تنفيذ اعلان المبادئ المشار اليه وذلك بإبرام معاهدة تعاون وصداقة طويلة الامد مع الولايات المتحدة لتنظيم مجمل العلاقات بينهما على اسس جديدة. ولكن قرب إجراء انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة واحتمال فوز الديمقراطيين فيها، قد قيّد حركة الرئيس الامريكي جورج بوش في التوصل إلى ابرام المعاهدة المتوقع التوصل اليها، وذلك لاحتمال معارضة الكونغرس لها. وجرت المفاوضات بين الطرفين باتجاه ابرام اتفاقين منفصلين احدهما اتفاق لتنظيم وضع القوات والثاني اتفاقية الاطار الاستراتيجي للتعاون والصداقة طويلة الامد، مما يعكس اختلاف الرؤى بشأن اولويات الطرفين، إذ يحرص الجانب الامريكي على توفير الغطاء القانوني للوجود العسكري الامريكي في العراق بعد إنتهاء ولاية الفصل السابع في حين يحرص العراق على تعهد الولايات المتحدة بالدفاع عنه ضد أي عدوان خارجي بالنظر لعدم جاهزية القوات المسلحة العراقية للقيام بمثل هذه المهمة, ولان اتفاق وضع القوات ليس معاهدة للدفاع المشترك ولا يرتب أي التزام على الولايات المتحدة في هذا المجال. ولذا فان العراق يعوّل على ابرام اتفاقية الاطار الاستراتيجي تتضمن ما من شانه حماية استقلال العراق وسيادته ووحدته الاقليمية إضافة إلى مجالات التعاون الاقتصادي والثقافي والعلمي وغيرها. مما ينبغي البحث في التكييف القانوني لاتفاق وضع القوات (مطلب اول) والعلاقة بين هذا الاتفاق واتفاقية الاطار الاستراتيجي واثرهما على السيادة الوطنية والحقوق المالية العراقية (مطلب ثان).
المطلب الاول:التكييف القانوني لاتفاق وضع القوات

ويقتضي التكييف القانوني النظر في طبيعة هذا الاتفاق (أولا) وشروط صحته ونفاذه (ثانياً). أولاً. طبيعة اتفاق وضع القوات. مهما تعددت المسميات فكل اتفاق يبرم بين شخصين من اشخاص القانون الدولي العام، هو معاهدة ملزمة لاطرافها استناداً إلى مبدأ العقد شريعة المتعاقدين الوارد في المادة 26 من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات لسنة 1969 والى مبدأ حسن النية الوارد في المادة 2/2 من ميثاق الأمم المتحدة. أما اذا كان النص ملزماً لجانب واحد وان اتخذ شكل اتفاق، فانه لا يعتبر معاهدة وإنما يكون تصرفاً دولياً انفرادياً ملزماً لذلك الجانب فقط. الا ان المعاهدات على نوعين هما: المعاهدات الرسمية أو الشكلية وهي المعاهدات التي تخضع للتصديق عليها بعد موافقة السلطة التشريعية عليها، والمعاهدات التنفيذية أو ذات الشكل المبسط وهي المعاهدات التي تدخل حيز النفاذ بمجرد التوقيع عليها ولا تخضع لموافقة السلطة التشريعية عليها، وهذا كله في اطار القانون الدولي العام. اما في اطار القانون الدستوري، فان المادة 11 من الفصل الثاني من الدستور الامريكي لسنة 1787 تعطي للرئيس الامريكي صلاحية ابرام المعاهدات بموافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ. وهو ما تقضي به المادة 61 رابعاً من الدستور العراقي لسنة 2005 التي جعلت تنظيم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بقانون باغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب، ولذا فلا يمكن لرئيس الجمهورية العراقي ابرام معاهدة تنفيذية. اما في الولايات المتحدة، فان المحكمة العليا اتاحت للرئيس الامريكي صلاحية ابرام الاتفاقات التنفيذية executive agreements في ضوء حكمين صادرين لها في قضيتي: - u.s.v. Belmont / 301 u.s. 324/1937 - u.s.v. Pink / 315 u.s. 203/ 1942 وذلك استناداً إلى السلطات الضمنية الدستورية pouvoirs implicates التي يملكها الرئيس الامريكي باعتباره القائد العام للقوات المسلحة من جهة وباعتباره رئيساً للسلطة التنفيذية من جهة أخرى يمارس اختصاصاته الخارجية المتصلة بوظيفته هذه,استنادا على حكم المحكمة العليا الامريكية ابتداءً في قضية: - u.s.v.curtiss wright export corp. 299 u.s. 304/1936 حيث خلصت المحكمة في حينه إلى ان الرئيس هو الوحيد الذي يملك هذه الصلاحية باعتباره ممثلاً للامة sole organ of the nation في السياسة الخارجية. وعلى هذا الأساس ابرمت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا في سنة 1940 اتفاق تسهيلات عسكرية للسفن الامريكية في القواعد البحرية الانكليزية destroyer – naval bases مقابل وضع الرئيس الامريكي عدداً من السفن الحربية تحت تصرف بريطانيا. وبالرغم من تعديل george amendement لسنة 1954 الذي يقضي بان اية معاهدة لا تملك قوة القانون في الولايات المتحدة الاّ بناءً على موافقة صريحة من الكونغرس، فان قانون (case act 86 stat. 619) لسنة 1972 قد املى على الرئيس اعلام الكونغرس بالاتفاقات التنفيذية لمجرد الاطلاع لا غير، وهذا يعني ان للرئيس الحق في ابرام هذه الاتفاقات دون الحاجة إلى استحصال موافقة صريحة من الكونغرس. وهو ما افاد به بروفسور ماثيسون من جامعة جورج واشنطون امام الكونغرس في شباط 2008. هذا ما يتعلق باتفاق وضع القوات, اما اذا كنا امام معاهدة استراتيجية ,فان الامر مختلف حيث يتعين على الرئيس الامريكي عرض المعاهدة على الكونغرس كما يؤكد ذلك كل من بروس اكرمان وهثا واي من جامعة يالي. وهذا يعني ايضاً ان الولايات المتحدة ملزمة كدولة بالاتفاقات التنفيذية التي يبرمها الرئيس الامريكي باعتبارها اتفاقات دولية طبقاً للمادة 12 من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات لسنة 1969 وليست ملزمة للرئيس الامريكي الذي ابرمها فقط كما يفهم من تصريحات بعض المسؤولين الامريكان، وهي ليست كاتفاقات الشرف gentelmen's agreements التي يبرمها الرئيس الامريكي ليلتزم بها شخصياً كاتفاق سياسي وليس كمعاهدة ملزمة. وبناء عليه، فليس من الدقة القول بان اتفاق وضع القوات المزمع ابرامه غير ملزم للولايات المتحدة ولا للرئيس الامريكي القادم بدعوى عدم خضوع هذا الاتفاق لموافقة صريحة من الكونغرس، لان الاتفاقات التنفيذية لا تحتاج اصلاً إلى مثل هذه الموافقة. علماً بان الكونغرس الامريكي على علم في الوقت الحاضر بمشروع اتفاق وضع القوات، وإذا كان الديمقراطيون غير راغبين في ابرام مثل هذا الاتفاق فانه سيكون من الصعوبة بمكان ان يتم ذك خلال ولاية الرئيس جورج بوش، خاصة وان هذا الاتفاق سيخضع لموافقة مجلس النواب العراقي الذي يتطلب موافقة الكونغرس الامريكي بالمقابل. وهذه مشكلة ينبغي البت بها وفقاً للقانون الدولي العام وليس للقانون الدستوري فقط، والا فسيكون الاتفاق المزمع ابرامه تصرفاً دولياً انفرادياً ملزما للعراق دون الولايات المتحدة التي يتعين عليها الالتزام بالاتفاق والملاحق الخاصة به المتعلقة بالمواقع العسكرية التي ستحتفظ بها القوات الامريكية في العراق طيلة نفاذ هذا الاتفاق. وقد يلجأ مجلس النواب العراقي الى اشتراط تبادل وثائق التصديق مع الجانب الامريكي كشرط لدخول الاتفاق حيز النفاذ. ثانياً. مدى صحة اتفاق وضع القوات ونفاذه. تدخل المعاهدة حيز النفاذ في القانون الدولي العام متى ما اكتملت الشروط الشكلية للانعقاد من توقيع وتصديق وما إلى ذلك. وتدخل حيز التنفيذ في القانون الداخلي حيث يقوم اطراف المعاهدة بالوفاء بالالتزامات الواردة فيها. وهكذا تعتبر المعاهدة صحيحة وملزمة لاطرافها إلا اذا طعن احدهم بفقدان احد شروط صحتها ودفع ببطلانها، ولا يوجد في اتفاقية فينا لقانون المعاهدات مفهوم المعاهدات غير المتكافئة traites illegaux التي كانت محلاً للطعن فيها في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. ولذا فلا يوجد في القانون الوضعي امكانية الادعاء بان اتفاق وضع القوات فيما اذا تم بين العراق والولايات المتحدة، هو معاهدة غير متكافئة بسبب وجود القوات الامريكية فوق الاراضي العراقية. اما شروط صحة المعاهدة فهي صحة الارادة وصحة الرضا وعدم معارضة المعاهدة للقواعد الامرة في القانون الدولي العام jus cogens ، ولا يستطيع العراق في حالة ابرامه اتفاق وضع القوات الدفع ببطلانه للاسباب الاتية: 1- عدم الانعدام أو البطلان الابتدائي ab initio الناجم عن الاكراه الموجه ضد ممثل الدولة طبقاً للمادة 51 من اتفاقية فينا لسنة 1969، بالنظر لان الاتفاق سيخضع لموافقة مجلس النواب العراقي وتصديق رئاسة الجمهورية، فلا يوجد اكراه من هذا النوع. 2- عدم البطلان المطلق الناجم عن الاكراه الموجه ضد الدولة طبقاً للمادة 52 من اتفاقية فينا لسنة 1969 للسبب المذكور في الفقرة السابقة. 3- عدم البطلان المطلق لمخالفة اتفاق وضع القوات لقاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي العام، بالنظر لان وجود القوات متعددة الجنسية في العراق تم بموجب الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة وبموافقة الحكومة العراقية الحالية وهو ما ينسجم ومبادئ الميثاق. 4- عدم البطلان النسبي الناجم عن عيوب الرضا من غلط أو تدليس أو رشوة، فلا مورد له في موضوعنا هذا بالنظر للعلنية والشفافية التي تشهدها مناقشة هذا الاتفاق من قبل الاجهزة الدستورية العراقية المختصة طبقاً للمادة 73/ ثانيا من الدستور.
وعليه، فان الاتفاق سيكون ملزماً للعراق اذا ما تم ابرامه وفق الدستور، ولكن تبقى مشكلة مدى التزام الولايات المتحدة به في ضوء نوايا الجانب الامريكي المفاوض بعدم التزام الولايات المتحدة بالاتفاق، وهذا ما يخالف القانون الدولي الذي يقضي بان أي اتفاق يبرم بين دولتين انما يكون ملزماً لها بالدرجة القانونية ذاتها طبقاً لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين (pacta sunt servenda).
المطلب الثاني:اثر كل من اتفاق وضع القوات واتفاقية الاطار الاستراتيجي على العراق

بالنظر لكون المفاوضات الجارية بين الجانبين العراقي والامريكي إنما تجري في ضوء إعلان المبادئ في 26/11/2007، ولحاجة الولايات المتحدة الانية لابرام اتفاق وضع القوات وحاجة العراق من جانب اخر لابرام معاهدة صداقة ودفاع مشترك، فان هذه المفاوضات تجري بشكل متزامن، بالرغم من عدم وجود صلة موضوعية بينهما، وانما يوجد تشابك في المصالح بين الطرفين المتفاوضين قائم على اختلاف في الاولويات من جهة وعلى مدى تأثير نتائج المفاوضات على السيادة الوطنية العراقية (اولا) وعلى حماية الاموال العراقية في خارج العراق من جهة اخرى (ثانياً). أولا . اثر اتفاق وضع القوات على السيادة الوطنية العراقية. ينبغي التمييز بين مفهومين للسيادة بغية معرفة الاثار القانونية لاتفاق وضع القوات على السيادة الوطنية العراقية من جهة ومفردات هذه الآثار من الناحية العملية من جهة أخرى. 1- مفهوم السيادة الوطنية، يمكن التمييز بين المفهوم القانوني للسيادة والمفهوم السياسي: أ‌- السيادة بالمفهوم القانوني. وهي سند اقليمي titre territorial تمارس بموجبه الدولة اختصاصات اقليمية جامعة مانعة سلطوية ومرفقية، وهي بهذا المعنى لصيقة بالدولة وركن من اركانها بحيث اذا انعدمت انعدمت الدولة,مثلما تفقد الدولة سيادتها هذه اذا دخلت في اتحاد فدرالي تكون السيادة فيها ملكاً للدولة الاتحادية، بينما لا تملك اية ولاية من الولايات الاتحادية اية سيادة رغم اشتمالها على اقليم وشعب وحكومة. ولذا فان هذه السيادة لا تنتقل إلى سلطة الاحتلال حالة الاحتلال العسكري الاجنبي، لان هذه السلطة لا تمتلك سنداً في الدولة المحتلة. واعتبرت المادة 43 من اتفاقية لاهاي الرابعة لسنة 1907 سلطة الاحتلال بمثابة سلطة ادارية مؤقتة. وتضمن قرار مجلس الامن المرقم 1483/2003 هذا المبدأ مؤكداً على السيادة الوطنية العراقية. ولذا فان ابرام وضع القوات الذي سيمنح الشرعية لوجود القوات الامريكية في العراق لا يؤثر على السيادة الاقليمية بمفهومها القانوني، وهو ما تعنيه تصريحات المسؤولين الامريكان في احترام السيادة الوطنية العراقية. ب‌- السيادة بالمفهوم السياسي . وهي السلطات الفعلية التي تمارسها الدولة استناداً على اختصاصاتها الاقليمية الناجمة عن السيادة بالمفهوم القانوني . وقد يتعذر على الدولة الخاضعة للاحتلال الاجنبي ممارسة هذه السلطات جزءاً أو كلاً، وهو ما حصل للعراق منذ الاحتلال الذي تم في 9/4/2003 ، حيث يشير قرار مجلس الامن 1483/2003 إلى الرسالة المؤرخة في 8/5/2003 الموجهة إلى رئيس مجلس الامن من قبل الممثلين الدائميين للولايات المتحدة وانكلترة بشأن الصلاحيات والمسؤوليات التي تقع على هاتين الدولتين بوصفهما دولتي احتلال تحت قيادة موحدة وهي سلطة الاحتلال التي توسعت في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية منذ بدء الاحتلال في التاريخ المذكور. الا ان قرار المجلس المرقم 1546/2004 قد اقر في فقرتيه الأولى والثانية تشكيل حكومة ذات سيادة في العراق في 30/6/2004 وانهاء حالة الاحتلال من الناحية القانونية وتسليم السلطة السياسية اليها، على ان يتم تحقيق شراكة امنية بين القوات العراقية والقوات متعددة الجنسية التي حلت محل سلطة الاحتلال المؤقتة، وذلك بالسعي لابرام اتفاق بين الطرفين طبقا للفقرة 11 من القرار المذكور. ولكن مثل هذا الاتفاق لم يتم لحد الان بالرغم من جاهزية القوات العراقية لفرض الامن واستعادة هيبة القانون، علماً بان اتفاقات جزئية قد ابرمت بين الطرفين في عدد من المحافظات، مما يشكل عدم امتثال القوات متعددة الجنسية بابرام اتفاق شامل لنقل المسؤولية الامنية الى القوات العراقية طبقا للقرار 1546 لسنة 2004, ولغرض سد الفراغ القانوني الناجم عن عدم ابرام الشراكة الامنية وتسليم الصلاحيات الامنية للقوات العراقية، فقد تم التوقيع على اعلان المبادئ بين العراق والولايات المتحدة في 26/11/2007 بشأن التوصل إلى ابرام معاهدة صداقة وتعاون طويلة الامد تنظم العلاقة بين الطرفين وتنهي ولاية مجلس الامن على الحالة في العراق بموجب الفصل السابع. وتبيّن من مجرى المفاوضات الجارية بين الطرفين مدى الصعوبة التي يواجهها العراق لاستعادة كامل سلطات السيادة من الناحية السياسية والفعلية، وخاصة ازاء رغبة الولايات المتحدة في الاحتفاظ بقوات عسكرية في العراق فترة طويلة بدعوى عدم قدرة القوات العراقية على مكافحة الارهاب وفرض الامن على كامل الاراضي العراقية. وقد اشتملت المسودة الاولى التي عرضها المفاوض الامريكي على مشروع اتفاق وضع القوات وليس مشروع لمعاهدة صداقة طويلة الامد كما يقضي به اعلان المبادئ في 27/11/2007، وتضمنت المسودة سقفاً عاليا من الصلاحيات من اهمها ما يأتي: ‌أ- قائمة بالمواقع العسكرية التي تروم القوات الامريكية الاحتفاظ بها بموجب اتفاق وضع القوات ، تربو على 300 موقع. ‌ب- حرية القوات الامريكية في الدخول والخروج في هذه المواقع،مما يقيد صلاحية القوات العراقية في فرض سيطرتها على كامل الاراضي العراقية. ‌ج- حرية القوات الامريكية في القيام بعمليات عسكرية داخل العراق بدون تنسيق مسبق مع القوات العراقية، وهذا يخلّ بالسيادة الوطنية إلى حدّ كبير. ‌د- السيطرة على الاجواء العراقية لارتفاع يبلغ 29 ألف قدم وهذا قيد على السيادة الوطنية على الاقليم العراقي البري والبحري والجوي. ‌ه- الحصانة القضائية للقوات الامريكية وللمتعاقدين معها من الافراد والشركات الامنية. ‌و- حق احتجاز واعتقال الافراد دون معرفة السلطات العراقية.
علماً بان النظام العام لوضع القوات في القانون الدولي الاتفاقي يتضمن تحديد عدد المواقع العسكرية التي ترابط فيها القوات الاجنبية في البلد المضيف على سبيل الحصر مع الحصانة القضائية لافراد هذه القوات في داخل هذه المواقع واثناء قيامها بواجباتها الرسمية وحسب و بالاتفاق مع حكومة البلد المضيف تطبيقا لمبدأ قانون العلم law of the flag، كما هو الحال في اتفاقية وضع القوات لمعاهدة حلف شمال الاطلسي المؤرخة في 19/6/ 1951 وغيرها ,حيث يخضع المدنيون المرافقون للقوات المسلحة الاجنبية لقانون وقضاء الدولة المضيفة عند اقترافهم جرائم ضد امن هذه الدولة (م/7/2/ب) ومنها جرائم الخيانة و التخريب والتجسس وانتهاك اسرار الدولة او الدفاع الوطني، وللسلطات القضائية للدولة المضيفة الاولوية في جرائم ترتكب على أفراد قواتها المسلحة والافراد التابعين لها (م/7/3/آ). 2- اثر اتفاق وضع القوات على الحالة في العراق . سيؤدي ابرام اتفاق وضع القوات أو أي اتفاق آخر يوفر عطاءً قانونياً لوجود القوات الامريكية في العراق، إلى صدور قرار جديد لمجلس الامن من شأنه انهاء ولاية الفصل السابع على العراق باعتبار ان الحالة فيه لم تعد تهدد السلم والامن الدوليين ولم يعد من صلاحية المجلس اتخاذ قرارت ملزمة تقيد من صلاحيات السيادة الوطنية العراقية، سواء من الناحية العسكرية أو الاقتصادية أو الدبلوماسية. وبهذا الشكل تنتهي القيود التي يمارسها مجلس الامن على العراق والتي تعتبر بمثابة تدخل في الشؤون الوطنية العراقية استثناءً من المادة 2/7 من ميثاق الأمم المتحدة وطبقاً للجزء الاخير منها. ولذا فان اتفاق وضع القوات سيضع حلاً لكل من المشكلتين الامريكية بتوفير غطاء قانوني لقواتها المسلحة في العراق، والعراقية بانهاء تدخل مجلس الامن في شؤونه الداخلية ولكن مثل هذا الحل سوف لا يكون حلاً مثالياً للطرفين العراقي والامريكي. اما من الجانب الامريكي فان اتفاق وضع القوات سيكون مؤقتاً وبحدود سنتين لانه قابل لنقضه من قبل احد طرفيه بعد انتهاء سنتين من دخوله حيز النفاذ، وهذا يعني بالنسبة للولايات المتحدة البحث من جديد عن غطاء قانوني لقواتها المسلحة بعد انقضاء اجل هذا الاتفاق، واما من الجانب العراقي، فان نهاية ولاية الفصل السابع ستجعل اموال العراق في الخارج بدون الحصانة القانونية التي تتمتع بها بموجب الفقرتين 22 و23 من قرار مجلس الامن 1483/2003 سواء اكانت الاموال الناجمة عن ايداع عائدات مبيعات العراق من النفط والغاز في صندوق تنمية العراق dfi أو الاصول والاموال العراقية الموجودة في المصارف الاجنبية، مما يجعل كل تلك الاموال عرضة للحجز والتنفيذ عليها بسبب دعاوى تقام عن ادعاءات بالاضرار التي نجمت عن تصرفات النظام السابق، كما سيعرض اموال العراق التي هربها النظام السابق إلى الخارج إلى الضياع بسبب عدم تنفيذ قرار مجلس الامن المرقم 1518/2003 بشأن تحديد الافراد والكيانات التي اخرجت تلك الاموال بغية اعادتها للحكومة العراقية. وهذه جملة من المشاكل يتعين على العراق معالجتها قبل انتهاء ولاية الفصل السابع عليه. ثانيا .ً اثر اتفاقية الاطار الاستراتيجي للتعاون والصداقة طويلة الامد على استقلال العراق وامنه. تكاد هذه الاتفاقية ان تكون الصدى الحقيقي لاعلان المبادئ المؤرخ في 26/11/2007 باعتبارها مطلباً عراقياً لاقامة صداقة وتعاون ودفاع مشترك مع الولايات المتحدة، ولكن مسودة المقترح الامريكي لا تحقق المطالب العراقية كما هو ظاهر فيما ياتي: 1- من حيث العلاقة الجدلية بين اتفاق وضع القوات واتفاقية الاطار الاستراتيجي للتعاون والصداقة طويلة الامد. اذا كان اتفاق وضع القوات قضية امريكية، فان اتفاقية الاطار الاستراتيجي لا يمكن ان تكون قضية عراقية في ظل المسودة الامريكية، للاسباب الاتية: أ .لا يتضمن القسم الاول المتعلق بمبادئ التعاون الدفاعي ولا القسم الثالث الخاص بالتعاون الدفاعي الأمني, أي التزام صريح بالدفاع المشترك لرد وردع عدوان مسلح يقع على العراق. ب.لا يوجد التزام صريح في القسمين الاول والثالث من المسودة الامريكية بالحفاظ على النظام السياسي في العراق من مخاطر الارهاب الدولي والتدخل في شؤونه الداخلية وخاصة في فترة اعادة تأهيل القوات المسلحة العراقية. ج.لايوجد في الاتفاقية ما من شأنه حماية الاموال العراقية الموجودة في بنك الاحتياط الفدرالي الامريكي في صندوق تنمية العراق dfi ولا تلك الموجودة في المصارف الاجنبية الاخرى, من الدعاوى التي يمكن ان تقام على تلك الاموال بعد زوال حصانة الأمم المتحدة الواردة في قرار مجلس الامن 1483/2003. د.أما تعهدات الولايات المتحدة في مضامين الاتفاقية المختلفة بتقديم الدعم والمساعدة في المجالات الاقتصادية والتجارية والعلمية والثقافية وغيرها، فانها تعهدات من باب التزامات ببذل عناية du diligence لا ترتب أي التزام محدد بتحقيق نتيجة، وبالتالي لا يستطيع العراق الزام الولايات المتحدة بتنفيذ تلك الالتزامات من الناحية الفعلية، بالرغم من استعداد الإدارة الامريكية بتقديم تلك المساعدات، وذلك لان الوفاء بتلك الالتزامات يخضع لموافقة الكونغرس وخاصة ما يتعلق منها بالالتزامات المالية. ه .لا يوجد اي ارتباط قانوني بين اتفاق وضع القوات و اتفاقية الاطار الاستراتيجي، فيما يتعلق بالترتيبات الدفاعية والامنية المشار اليها في القسمين الاول والثالث من هذه الاتفاقية، لان اتفاق وضع القوات لا يرتب أي التزام دفاعي أو امني على الولايات المتحدة لصالح العراق، وبالتالي لا توجد فائدة عملية من اشارة هذه الاتفاقية إلى اتفاق وضع القوات. 2.حماية المصالح الاساسية للعراق . لاريب في ان استعادة العراق لاستقلاله السياسي وانهاء وجود القوات الاجنبية في اراضيه هو ليس هدفاً رسميا عراقياً وحسب، وانما هو مطلب اساسي يستقطب الاجماع الوطني العراقي خاصة بعد مرور خمس سنوات على الاحتلال وتقدم مساعي المصالحة الوطنية في ظل جهود الحكومة لفرض الامن واستعادة هيبة القانون والبدء في اعادة اعمار العراق. وبالنظر لاصرار الحكومة العراقية على امتلاك القرار السيادي للعراق وخاصة في المجال الأمني، فان الجانب الامريكي مضطر إلى تعديل سقف مطالبه بغية تحقيق تقدم في المفاوضات الجارية بين الطرفين والوفاء بتعهداته العلنية في احترام سيادة العراق من جهة والحصول على موافقة مجلس النواب العراقي على ما يمكن التوصل اليه في نهاية هذه المفاوضات من جهة أخرى. وتبقى الخيارات مفتوحة امام الطرفين للتوصل الى ابرام اتفاق أو أكثر قبل نهاية 2008 , وإلا فان مجلس الامن سيضطر إلى تمديد ولاية الفصل السابع ستة اشهر أخرى، بغية تمكين الإدارة الامريكية الجديدة من أداء هذه المهمة، وفي ضوء نتائج الانتخابات الرئاسية الامريكية, واثر ذلك على بقاء القوات الامريكية في العراق فترة تطول أو تقصر حسبما يحققه العراق من نتائج ايجابية في الملف الأمني والمصالحة الوطنية. ولعل الكبرياء الوطني العراقي سيساعد المفاوض العراقي على التوصل إلى افضل صيغة للتعاون بين العراق وامريكا تقوم على الاحترام الكامل للسيادة الوطنية العراقية من خلال اتفاق للتعاون والدفاع المشترك يقوم على الاسس الاتية:
أ.يتضمن اتفاق التعاون والدفاع المشترك الجمع بين متطلبات اتفاق وضع القوات من جهة ومتطلبات حماية العراق من العدوان الخارجي ومن التدخل في شؤونه الداخلية اضافة إلى مجالات التعاون الاقتصادي والتجاري والعلمي والفني والثقافي والقضائي من جهة اخرى . ويستند هذا الاتفاق على المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة بشأن الدفاع الشرعي ضد العدوان المسلح باعتبار ان أي عدوان يقع على احد طرفي الاتفاق يكون بمثابة عدوان على الطرف الاخر. ب.ان يكون رد العدوان المسلح بناء على طلب الحكومة العراقية ممثلة بالقائد العام للقوات المسلحة وتحت رقابة مجلس الامن وحسب شروط المادة 51 من الميثاق. ج.ان يتم تحديد مدة بقاء القوات الامريكية في العراق لسنتين وهي المدة التي نص عليها المقترح الامريكي الاول لوضع القوات وذلك لتمكين القوات المسلحة العراقية من تحقيق جاهزيتها الدفاعية الداخلية والخارجية وجدولة انسحاب القوات الامريكية خلال هذه المدة. د.تحديد نفاذ الاتفاق لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد وفق الاجراءات الدستورية المرعية لدى الطرفين المتعاقدين تحاشياً من الوقوع في شرك المعاهدات الدائمة التي تقيد السيادة الوطنية العراقية وهو ما سقطت فيه كوبا في اتفاقية 23/2/1903 مع الولايات المتحدة التي اعتبرتها الحكومة الامريكية معاهدة دائمة وبدون مدة وامتنعت بموجبها عن سحب قواتها من قاعدة غوانتنامو الكوبية. ه.النص في الاحكام الختامية للاتفاق على شرط تبادل المذكرات الرسمية بتبادل وثائق تصديق الطرفين المتعاقدين عليه بغية الزام الولايات المتحدة به عن طريق موافقة الكونغرس الصريحة حسبما يقتضيه الدستور الامريكي، وعدم الاحتجاج بعدم الزام هذا الاتفاق للادارة الامريكية القادمة حسبما ما يعلنه المفاوض والسياسيون الامريكان من حين لاخر. و.النص على التزام الولايات المتحدة بضمان حصانة الاموال العراقية الموجودة في صندوق تنمية العراق dfi لحين نقل هذه الاموال إلى البنك المركزي العراقي، وتضمين قرار مجلس الامن الذي سينهي ولاية الفصل السابع بشرط الحصانة القانونية للاموال العراقية في الخارج واستعادة الاموال التي هربها مسؤولو النظام السابق،وذلك طبقاً لاحكام المادة 25 من الميثاق التي تنص على "ان يتعهد أعضاء المنظمة بقبول وتطبيق قرارات مجلس الامن طبقاً لهذا الميثاق" .ويعني هذا النص ان القرارت التي يتخذها المجلس بموجب المادة 25 هي قرارات ملزمة لاعضاء الأمم المتحدة, خاصة وان عدم حصانة الاموال العراقية سيؤدي إلى انهاك الاقتصاد العراقي واضعاف الاداء الحكومي الذي من شأنه ان يمكن الارهاب الدولي من العودة إلى العراق وتهديد السلم والامن الدوليين من جديد، وبخلافه فان الابقاء على ولاية الفصل السابع بغية استمرار حصانة الموال العراقية في الخارج هو افضل من تجريد هذه الاموال من الحصانة، علماً بان مدة بقاء ولاية الفصل السابع على العراق هي في جميع الاحوال اقل من مدة بقاء القوات الاجنبية في العراق بناء على اتفاقات ثنائية يبرمها العراق مع الدول الاخرى. وفي جميع الاحوال يتعين على الحكومة العراقية التوصل الى قرار من مجلس الامن لحماية الاموال العراقية بموجب حصانات الامم المتحدة والسعي في الوقت ذاته الى تضمين أي اتفاق اقتصادي او سياسي مع الدول المعنية شرط الحصانة القانونية للاموال العراقية لديها.
الخاتمة

توالت الاحداث بسرعة بعد نجاح القوات العراقية في الحدّ من نفوذ المليشيات بل وفي تتبع فلولها اثر عمليات البصرة والموصل والعمارة و الصدر وديالى, مما ادى الى تغيير المعادلتين العسكرية والسياسية على الارض وفي زوايا الكواليس. ففي الوقت الذي اثبتت القوات العراقية وجودها على الارض امام روتين القوات متعددة الجنسية المستمر بالاستعراضات العسكرية اليومية ,فان كفة الميزان في المفاوضات العراقية الامريكية تميل لصالح المفاوض العراقي..فعوضا عن اتفاقية طويلة الامد او مجرد اتفاق وضع القوات,تجري المفاوضات نحو ترتيبات موقتة لوضع القوات وجدولة انسحاب القوات الامريكية خلال سنتين وهي المدة التي حددها المفاوض الامريكي في المسودة الاولى التي قدمها للجانب العراقي لترتيبات وضع القوات. وتميل المفاوضات العراقية الامريكية الى تسوية الخلافات بين الطرفين المتفاوضين باتجاه استعادة السيادة العراقية في الشؤون الاتية: 1.الاقرار بولاية القضاء العراقي على الجرائم التي يقترفها افراد القوات الامريكية خارج الواجب الرسمي. وتنحصر حصانة هذه القوات على ماتقوم به من واجب رسمي او في حدود ما تقوم به داخل معسكراتها. ولا حصانة للمدنيين والمتعاقدين مع القوات الامريكية وبالتالي انهاء العمل بامر سلطة الائتلاف الموقتة المرقم 17 لسنة 2003 وهو موضوع مشروع قانون معروض على مجلس النواب العراقي. 2. اعادة انتشار القوات الامريكية خارج المدن في مواقع ثابتة يتم الاتفاق عليها مسبقا وليست بشكل مفتوح كما يفهم من افادة السفير ديفيد ساترفيلد كبير المستشارين الامريكان امام الكونغرس في مارس 2008. 3.استعادة سيطرة العراق على الاجواء العراقية. 4.ادارة العمليات العسكرية العراقية الامريكية المشتركة من خلال لجنة عسكرية عليا مشتركة. 5.رد أي عدوان خارجي يتعرض له العراق بناء على طلب رسمي من القائد العام للقوات المسلحة العراقية. 6.تقديم المساعدات الاقتصادية والتقنية والتعاون العلمي والثقافي في اطار وثيقة العهد الدولي / مؤتمر المراجعة/ستوكهولم/ايار 2008. 7. جدولة انسحاب القوات الامريكية انسحابا كاملا خلال سقف زمني لا يتعدى 2010.- 2011.
وفي اروقة البيت الابيض والكونغرس الامريكي تتجه السياسة الخارجية الامريكية نحو القبول بجدولة الانسحاب بناء على الوضع على الارض. في حين تاتي تصريحات المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة باتجاه نقل القوات الامريكية الى افغانستان. ويسعى كل من باراك اوباما وجون ماكين لايجاد صيغة تساعده على كسب اصوات الناخب الامريكي. وقد انتظر الرئيس بوش كثيرا قبل ان يلوّح للمفاوض الامريكي الصعب المراس بالاقرار بالسيادة العراقية على الاراضي العراقية في الاتفاق المرتقب الذي سيكون رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي هو الفائز الاول فيه اذا ما استعاد كامل السيادة العراقية وهو في هذا مخول من المجلس السياسي للامن الوطني بالصلاحية الكاملة في ادارة المفاوضات مع الجانب الامريكي والتي من الممكن الانتهاء منها قبل نهاية العام الحالي 2008 وهو موعد نهاية ولاية الفصل السابع لميثاق ا لامم المتحدة.
‏24‏/09‏/2008
د. زهير الحسني استاذ القانون الدولي
منقول بتصريح خاص من جوريسبيديا, الموسوعة الحره