دكتور غنام
قناة دكتور أكرم على يوتيوب

آخـــر الــمــواضــيــع

صفحة 12 من 13 الأولىالأولى ... 210111213 الأخيرةالأخيرة
النتائج 111 إلى 120 من 124

الموضوع: سلسلة مبادئ الأخلاق في القرآن العظيم .. متجددة .. ارجو التثبيت ..

  1. #111
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    295

    افتراضي



    مع الجزء السادس و العشرون
    (6)
    وبعض أيات من سورة الفتح

    صورة وضيئة للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام
    الأطهار المختارين من بين البشر ليكونوا حملة مشعل الحضارة المتكاملة لسائر البشر رضي الله عنهم جميعا وأرضاهم وحشرنا في زمرتهم,
    ونقول للواقفين على خلافات التاريخ دعوكم من الأوهام فإن الظن أكذب الحديث ..
    فإن الوقائع تقع الأن في ثورة التسجيل بالصوت والصورة عبر الأقمار الصناعية والحاسوب ومع ذلك لا يتفق إثنين على صحتها وذلك لدواعي السياسة..فما بالنا بحوادث حدثت منذ 1431 عام فهل لعاقل أن ينصب نفسه حكما لأناس أطهار كانت غايتهم نشر رسالة الله تعالى في كافة الأرض..؟

    يجب أن تصحح المناهج الفكرية المذهبية لتلتقي في رافد مستقيم عزب ليس به شوائب الحقد والضغينة على أسياد البشر الذين فتحوا البلاد في أقل من 30 عاما من مشرقها إلى مغربها يتصدرون العالم كدولة أولى استمرت 13 قرن بحضارة مسنيرة جمعت بين العلم والإيمان والعدل والأخلاق, وليست حضارة عرجاء تنظر إلى الجانب المادي فقط .

    فحضارة الإسلام حضارة متكاملة الجوانب والأركان.

    وإليكم تلكم الصورة الوضيئة التي نرى فيها كرامة الإنسانية مجسدة في هذه الأنوار البشرية...

    مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ, تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً, سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ, وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ, وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً – 29

    وتبدأ الآية بإثبات صفة محمد صلى الله عليه وسلم , صفته التي أنكرها سهيل بن عمرو ومن وراءه من المشركين:
    ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ ). .
    والمؤمنون لهم حالات شتى . وتتناول الآية الحالات الثابتة في حياتهم , ونقط الإرتكاز الأصيلة في هذه الحياة . وتبرزها وتصوغ منها الخطوط العريضة في الصور الوضيئة . . وإرادة التكريم واضحة في اختيار هذه الصور.
    ( أشداء على الكفار رحماء بينهم ). . أشداء على الكفار وفيهم آباؤهم وإخوتهم وذوو قرابتهم وصحابتهم , ولكنهم قطعوا هذه الوشائج جميعا . رحماء بينهم وهم فقط إخوة دين . فهي الشدة لله والرحمة لله . وهي الحمية للعقيدة , والسماحة للعقيدة . فليس لهم في أنفسهم شيء , ولا لأنفسهم فيهم شيء . وهم يقيمون عواطفهم ومشاعرهم , كما يقيمون سلوكهم وروابطهم على أساس عقيدتهم وحدها . يشتدون على أعدائهم فيها , ويلينون لإخوتهم فيها . وقد تجردوا من الأنانية ومن الهوى , ومن الانفعال لغير الله .
    ( تراهم ركعا سجدا ). . والتعبير يوحي كأنما هذه هيئتهم الدائمة التي يراها الرائي حيثما رآهم . ذلك أن هيئة الركوع والسجود تمثل حالة العبادة في الصلاة , وهي الحالة الأصيلة لهم في حقيقة نفوسهم ; فعبر عنها تعبيرا يثبتها كذلك في زمانهم , حتى لكأنهم يقضون زمانهم كله ركعا سجدا...وكأن حياتهم كله طاعة لله تعالى..
    ( يبتغون فضلا من الله ورضوانا ). . فهذه هي صورة مشاعرهم الدائمة الثابتة . كل ما يشغل بالهم , وكل ما تتطلع إليه أشواقهم , هو فضل الله ورضوانه . ولا شيء وراء الفضل والرضوان يتطلعون إليه ويشتغلون به...
    ( سيماهم في وجوههم من أثر السجود ). . سيماهم في وجوههم من الوضاءة والإشراق والصفاء والشفافية , وليست هذه السيما هي النكتة المعروفة في الوجه كما يتبادر إلى الذهن عند سماع قوله: ( من أثر السجود ). . فالمقصود بأثر السجود هو أثر العبادة . فهو أثر هذا الخشوع . أثره في ملامح الوجه , حيث تتوارى الخيلاء والكبرياء والفراهة . ويحل مكانها التواضع النبيل , والشفافية الصافية , والوضاءة الهادئة , والذبول الخفيف الذي يزيد وجه المؤمن وضاءة وصباحة ونبلا...
    ( ذلك مثلهم في التوراة ). . وصفتهم التي عرفهم الله بها في كتاب موسى , وبشر الأرض بها قبل أن يجيئوا إليها .
    ( ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه ). .. فهو زرع نام قوي لا يضعف العود بل يشده . ( فآزره فاستغلظ ) الزرع وضخمت ساقه وامتلأت . ( فاستوى على سوقه ) لا معوجا ومنحنيا . ولكن مستقيما قويا سويا....
    هذه صورته في ذاته . فأما وقعه في نفوس أهل الخبرة في الزرع , العارفين بالنامي منه والذابل . المثمر منه والبائر . فهو وقع البهجة والإعجاب: ( يعجب الزراع ). وفي قراءة يعجب ( الزارع ). . وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب هذا الزرع النامي القوي المخصب البهيج . . وأما وقعه في نفوس الكفار فعلى العكس . فهو وقع الغيظ والكمد: ( ليغيظ بهم الكفار ). . وتعمد إغاظة الكفار يوحي بأن هذه الزرعة هي زرعة الله . أو زرعة رسوله , وأنهم ستار للقدرة وأداة لإغاظة أعداء الله...
    لتبقى نموذجا للأجيال , تحاول أن تحققها , لتحقق معنى الإيمان في أعلى الدرجات...
    وفوق هذا التكريم كله , وعد الله بالمغفرة والأجر العظيم:
    ( وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما ). . وهو وعد يجيء في هذه الصيغة العامة بعدما تقدم من صفتهم , التي تجعلهم أول الداخلين في هذه الصيغة العامة..
    مغفرة وأجر عظيم . . وذلك التكريم وحده حسبهم . وذلك الرضى وحده أجر عظيم . ولكنه الفيض الإلهي بلا حدود ولا قيود , والعطاء الإلهي عطاء لا ينقطع..

    جعلنا الله منهم ومعهم في جنات النعيم.


    ********

    وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى
    سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم ..

    اللهم بلغنا رمضان ..
    وأعنا فيه على الصيام ..
    والقيام وقراءة القرآن ..


    احب الصالحين ولست منهم ..
    لعلى ان انال بهم شفاعة ..
    وأكره من تجارته المعاصى ..
    ولو كنا سواء فى البضاعة ..


  2. #112
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    295

    افتراضي




    مع الجزء السادس و العشرون
    (7)
    وبعض أيات من سورة الحجرات

    مبدأ الصلح بين المؤمنين

    إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ - 10

    إنما المؤمنون إخوة في الدين, فأصلحوا بين أخويكم إذا اقتتلا وخافوا الله في جميع أموركم؛ رجاء أن تُرحموا.

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المسلم أخو المسلم , لا يظلمه , ولا يحقره , ولا يسلمه , بحسب إمر من الشر أن يحقر أخاه المسلم.
    رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه

    إن عقيدة التوحيد تلزم المؤمنين بطاعة الله ورسوله
    ومن الأمور الهامة التي أمرنا الله بها عدم التنازع فيما بيننا
    قال تعالى:
    وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ - 46 الأنفال

    وورد في تفسير ابن كثير هذا المعنى:

    وقد كان للصحابة رضي الله عنهم في باب الشجاعة والائتمار بما أمرهم الله ورسوله به وامتثال ما أرشدهم إليه ما لم يكن لأحد من الأمم والقرون قبلهم ولا يكون لأحد ممن بعدهم فإنهم ببركة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وطاعته فيما أمرهم فتحوا القلوب والأقاليم شرقا وغربا في المدة اليسيرة مع قلة عددهم بالنسبة إلى جيوش سائر الأقاليم من الروم والفرس والترك والصقالبة والبربر والحبوش وأصناف السودان والقبط وطوائف بني آدم . قهروا الجميع حتى علت كلمة الله وظهر دينه على سائر الأديان وامتدت الممالك الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها في أقل من ثلاثين سنة فرضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين وحشرنا في زمرتهم إنه كريم وهاب

    وقد ترسخت روح الترابط بين الأمة الواحدة قرونا عديدة إعمالا لقوله تعالى:
    وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ - 103 ال عمران

    أي تمسَّكوا جميعًا بكتاب ربكم وهدي نبيكم, ولا تفعلوا ما يؤدي إلى فرقتكم.

    قد نختلف في بعض الآراء ولكن في إطار علمي وإطار المصلحة العمة , مثل علماء المدارس الفقهية , كل بحسب فهمه للنصوص التي تحتمل وجوه عديدة للتأويل لمعطيات العصور المتتالية , وفي ذلك مرونة لصلاحية الشريعة لكل زمان ومكان ..

    أما مانراه اليوم من نزاع وفرقة وضعف فليس من الإسلام في شئ, أود أن يتيقن المسلمون في كل مكان أنه مالم تتوحد الأمة و ما لم يتحقق الإستقلال السياسي الحقيقي وما لم يتم وقف استغلالها طائفياً وقومياً وقبليةً لصالح الدول الكبرى ومالم تُعَد صياغة هذه الأمة وتشكيلها بحسب مكوناتها كأمة تجمع بينها عقيدة ورسالة تمثل منهج حياة ودعوة للإنسانية جمعاء، فإنها ستبقى خائرة القوى صريعة على مذابح الآخرين...
    فيجب العمل على توحيد صف الأمة بكل السبل...
    فلو تصورنا أن العالم الإسلامي يجمعهم كيان واحد , مع إعتبار إستقلالية الدول بوضعها الحالي , ولكن يجمعهم سوق مشتركة , يجمعهم دفاع مشترك , تجمعهم شبكة مواصلات موحدة ميسرة لتنقل المسلم بحرية في الأقطار الإسلامية , تجمعهم عملة مشتركة , يجمعهم مشاريع زراعية وصناعية مشتركة حيث التكامل التجاري فيما بينهم . لعادت الهيبة لأمتنا وعادت حضارتها المجيدة...

    ********

    فإن حدث تنازع وتقاتل بين الأخوة وجب علي المجتمع الإسلامي فض ذلك النزاع بأسرع مايمكن , حتى يصل بإستعمال القوة على الفئة الباغية حتى تفيئ إلى أمر الله تعالى..

    وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ – 9 إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ – 10

    ورد في تفسير السعدي

    ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾
    هذا عقد، عقده الله بين المؤمنين، أنه إذا وجد من أي شخص كان، في مشرق الأرض ومغربها، الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، فإنه أخ للمؤمنين، أخوة توجب أن يحب له المؤمنون، ما يحبون لأنفسهم، ويكرهون له، ما يكرهون لأنفسهم،
    ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم آمرًا بحقوق الأخوة الإيمانية : لا تباغضوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخوانا ، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث أيام....
    المصدر: صحيح البخاري - لصفحة أو الرقم: 6065 الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري
    خلاصة حكم المحدث: صحيح

    وقال صلى الله عليه و سلم :
    إن المؤمن للمؤمن كالبنيان ، يشد بعضه بعضا . وشبك أصابعه ..
    الراوي: أبو موسى الأشعري المحدث: البخاري المصدر: صحيح البخاري - لصفحة أو الرقم: 481
    خلاصة حكم المحدث: صحيح

    **********
    وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى
    سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم ..

    اللهم بلغنا رمضان ..
    وأعنا فيه على الصيام ..
    والقيام وقراءة القرآن ..


    احب الصالحين ولست منهم ..
    لعلى ان انال بهم شفاعة ..
    وأكره من تجارته المعاصى ..
    ولو كنا سواء فى البضاعة ..


  3. #113
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    295

    افتراضي



    مع الجزء السادس و العشرون
    (8)
    وبعض أيات من سورة الحجرات

    عرضنا في اللقاء السابق مبدأ الصلح بين المؤمنين , وفي هذا اللقاء إن شاء الله تعالى نستعرض بعض السلبيات التي يجب تجنبها حيث أنها تؤجج العداوة بين المؤمنين...

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ - 11
    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ - 12


    إن المجتمع الفاضل الذي يقيمه الإسلام بهدى القرآن مجتمع له أدب رفيع , ولكل فرد فيه كرامته التي لا تمس . وهي من كرامة المجموع . ولمز أي فرد هو لمز لذات النفس , لأن الجماعة كلها وحدة , كرامتها واحدة.
    والقرآن العظيم في هذه الآية يهتف للمؤمنين بذلك النداء الحبيب: يا أيها الذين آمنوا . وينهاهم أن يسخر قوم بقوم , أي رجال برجال , فلعلهم خير منهم عند الله , أو أن يسخر نساء من نساء فلعلهن خير منهن في ميزان الله تعالى....
    فقد يسخر الرجل الغني من الرجل الفقير . والرجل القوي من الرجل الضعيف , والرجل السوي من الرجل غير السوي . وقد يسخر الذكي الماهر من الساذج الخام . وقد يسخر ذو الأولاد من العقيم . وذو العصبية من اليتيم . . . وقد تسخر الجميلة من القبيحة , والشابة من العجوز , والمعتدلة من المشوهة , والغنية من الفقيرة . . ولكن هذه وأمثالها من قيم الأرض ليست هي المقياس , فميزان الله يرفع ويخفض بغير هذه الموازين...
    ولكن القرآن لا يكتفي بهذا الإيحاء , بل يستجيش عاطفة الأخوة الإيمانية , ويذكر الذين آمنوا بأنهم نفس واحدة من يلمزها فقد لمزها : ( ولا تلمزوا أنفسكم ). . واللمز: العيب .
    ومن السخرية واللمز- التنابز بالألقاب التي يكرهها أصحابها , ويحسون فيها سخرية وعيبا . ومن حق المؤمن على المؤمن ألا يناديه بلقب يكرهه ويزري به . ومن أدب المؤمن ألا يؤذي أخاه بمثل هذا .
    وقد غير رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أسماء وألقابا كانت في الجاهلية لأصحابها , أحس فيها بحسه المرهف , وقلبه الكريم بما يزري بأصحابها , أو يصفهم بوصف ذميم....

    ﴿ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ﴾
    أي: بئسما تبدلتم عن الإيمان والعمل بشرائعه، وما تقتضيه، بالإعراض عن أوامره ونواهيه، باسم الفسوق والعصيان، الذي هو التنابز بالألقاب...
    ﴿ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ فهذا –هو- الواجب على العبد، أن يتوب إلى الله تعالى، ويخرج من حق أخيه المسلم، باستحلاله، والاستغفار، والمدح له مقابلة –على- ذمه.
    ﴿ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ فالناس قسمان: ظالم لنفسه غير تائب ، وتائب مفلح ...

    ******
    ومن الأمور الأخرى التي تؤجج الصراعات داخل المجتمع الإيماني سوء الظن والغيبة والتجسس..
    ولذلك قال تعالى :

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ – 12

    والنداء بالذين أمنوا يدل على أن المؤمن لا يصدر منه تلك النقائص ..وأن كرامة الإنسان فوق كل إعتبار..فلا يتركوا نفوسهم نهبا لكل ما يهجس فيها حول الآخرين من ظنون وشبهات وشكوك . وتعلل هذا الأمر: ( إن بعض الظن إثم ). وما دام النهي منصبا على أكثر الظن , والقاعدة أن بعض الظن إثم , فإن إيحاء هذا التعبير للضمير هو اجتناب الظن السيء أصلا , لأنه لا يدري أي ظنونه تكون إثما...
    بهذا يطهر القرآن الضمير من داخله أن يتلوث بالظن السيء , فيقع في الإثم ; ويدعه نقيا بريئا من الهواجس والشكوك , أبيض يكن لإخوانه المودة التي لا يخدشها ظن السوء ; والبراءة التي لا تلوثها الريب والشكوك ...
    فالمؤمن بريء نظيف فلا يصبح الظن أساسا للطعن في أخلاقه ومعاملاته ..
    والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:" إذا ظننت فلا تحقق " .
    ومعنى هذا أن يظل الناس أبرياء , مصونة حقوقهم , وحرياتهم , واعتبارهم . حتى يتبين بوضوح أنهم ارتكبوا ما يؤاخذون عليه . ولا يكفي الظن بهم لتعقبهم بغية التحقق من هذا الظن الذي دار حولهم...

    ومن هنا ندرك مدى صيانة كرامة الإنسان في الإسلام وحماية حرياتهم وحقوقهم , قبل المواثيق الدولية لحقوق الإنسان..

    ( وَلا تَجَسَّسُوا ) والتجسس قد يكون هو الحركة التالية للظن ; وقد يكون حركة ابتدائية لكشف العورات , والاطلاع على السوءات...
    وهذا المبدأ من مباديء الإسلام الرئيسية في نظامه الاجتماعي , وفي إجراءاته التشريعية والتنفيذية...
    إن للناس حرياتهم وحرماتهم وكراماتهم التي لا يجوز أن تنتهك في صورة من الصور , ولا أن تمس بحال من الأحوال...
    ففي المجتمع الإسلامي الرفيع الكريم يعيش الناس آمنين على أنفسهم , آمنين على بيوتهم , آمنين على أسرارهم , آمنين على عوراتهم . ولا يوجد مبرر - مهما يكن - لانتهاك حرمات الأنفس والبيوت والأسرار والعورات . ْ
    وعن مجاهد:لا تجسسوا , خذوا بما يظهر لكم , ودعوا ما ستر الله...
    ﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ﴾ والغيبة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ ذكرك أخاك بما يكره ولو كان فيه ﴾
    ثم ذكر مثلاً منفرًا عن الغيبة، فقال: ﴿ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ﴾ شبه أكل لحمه ميتًا، المكروه للنفوس -غاية الكراهة -، باغتيابه، فكما أنكم تكرهون أكل لحمه، وخصوصًا إذا كان ميتًا، فاقد الروح، فكذلك، - فلتكرهوا - غيبته، وأكل لحمه حيًا.
    ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ والتواب، الذي يأذن بتوبة عبده، فيوفقه لها، ثم يتوب عليه، بقبول توبته، رحيم بعباده، حيث دعاهم إلى ما ينفعهم، وقبل منهم التوبة، وفي هذه الآية، دليل على التحذير الشديد من الغيبة، وأن الغيبة من الكبائر، لأن الله شبهها بأكل لحم الميت، وذلك من الكبائر.

    وبذلك ندرك عظمة هذه المبادئ الخالدة التي وردت في رسالة الله للعالمين للأخذ بأيديهم من أوحال المعاملات السيئة إلى المبادئ التي تحقق كرامة الإنسان وسعادته في الدنيا والأخرة...

    ******

    وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى
    سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم ..

    اللهم بلغنا رمضان ..
    وأعنا فيه على الصيام ..
    والقيام وقراءة القرآن ..


    احب الصالحين ولست منهم ..
    لعلى ان انال بهم شفاعة ..
    وأكره من تجارته المعاصى ..
    ولو كنا سواء فى البضاعة ..


  4. #114
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    295

    افتراضي



    مع الجزء السادس و العشرون
    (9)
    وبعض أيات من سورة الحجرات

    عالمية الرسالة


    يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ – 13

    هذه دعوة للتعارف بين الشعوب والقبائل , دعوة للتسابق إلى الرفعة والكرامة عند الله تعالى , طريقها التقوى أي الوقاية من الأثام والمعاصي وإلتزام ما يرضي الله تبارك وتعالى من أداب وأخلاق ومعاملات وإحسان في كل ما نقوم به من أعمال , والمحافظة على الفرائض من صلاة وزكاة وصيام وحج لمن استطاع إليه سبيلا.
    فرسالة الإسلام دعوة لكرامة الأنسان حيث تلغي العنصرية البغيضة والعرقية التي لا أساس لها إلا في نفوس المتكبرين, فلا فرق بين أبيض وأسود, ولا فرق بين عربي أو أعجمي , فالعبرة بالإيمان والعمل الصالح الذي مبناه التقوى , فالكل سواء أمام شرع الله , إن أكرمكم عند الله اتقاكم.

    ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ) يا أيها الناس . يا أيها المختلفون أجناسا وألوانا , المتفرقون شعوبا وقبائل . إنكم من أصل واحد . فلا تختلفوا ولا تتفرقوا ولا تتخاصموا ولا تذهبوا بددا...
    يا أيها الناس . والذي يناديكم هذا النداء هو الذي خلقكم . . من ذكر وأنثى . . وهو يطلعكم على الغاية من جعلكم شعوبا وقبائل . إنها ليست التناحر والخصام . إنما هي التعارف والوئام . فأما اختلاف الألسنة والألوان , واختلاف الطباع والأخلاق , واختلاف المواهب والاستعدادات , فتنوع لا يقتضي النزاع والشقاق , بل يقتضي التعاون للنهوض بجميع التكاليف والوفاء بجميع الحاجات . وليس للون والجنس واللغة والوطن وسائر هذه المعاني من حساب في ميزان الله . إنما هنالك ميزان واحد تتحدد به القيم , ويعرف به فضل الناس: ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ). . والكريم حقا هو الكريم عند الله . وهو يزنكم عن علم وعن خبرة بالقيم والموازين: ( إن الله عليم خبير )
    وهكذا تسقط جميع الفوارق , ويرتفع ميزان واحد بقيمة واحدة , وإلى هذا الميزان يتحاكم البشر , وإلى هذه القيمة يرجع اختلاف البشر في الميزان...
    وهكذا تتوارى جميع أسباب النزاع والخصومات في الأرض ; وتهون جميع القيم التي يتكالب عليها الناس . ويظهر سبب ضخم واضح للألفة والتعاون . هو ألوهية الله للجميع , وخلقهم من أصل واحد . كما يرتفع لواء واحد يتسابق الجميع ليقفوا تحته , وهو لواء التقوى . .
    قال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ -21
    الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ – 22 البقرة


    قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " كلكم بنو آدم , وآدم خلق من تراب . ولينتهين قوم يفخرون بآبائهم , أو ليكونن أهون على الله تعالى من الجعلان ".. المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 4568
    وقال [ صلى الله عليه وسلم ] عن العصبية الجاهلية : " دعوها فإنها منتنة " ...المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4905

    وهذا هو المبدأ الذي يقوم عليه المجتمع الإسلامي في وضوح . المساواة بين البشر ورفض العنصرية والعصبية..

    ******
    وقد وجهه الله النداء إلي الناس جميعا في مواضع كثير من القرآن منها على سبيل المثال ما ورد في سورة غافر:
    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ - 3

    يأمر تعالى، جميع الناس أن يذكروا نعمته عليهم، وهذا شامل لذكرها بالقلب اعترافا، وباللسان ثناء، وبالجوارح انقيادا، فإن ذكر نعمه تعالى داع لشكره، ثم نبههم على أصول النعم، وهي الخلق والرزق، فقال: ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾
    ولما كان من المعلوم أنه ليس أحد يخلق ويرزق إلا اللّه، نتج من ذلك، أن كان ذلك دليلا على ألوهيته وعبوديته، ولهذا قال: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾ أي: تصرفون عن عبادة الخالق الرازق لعبادة المخلوق المرزوق.

    وقال تعالى :
    يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ – 5 إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ – 6

    يقول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ ﴾ بالبعث والجزاء على الأعمال، ﴿ حَقٌّ ﴾ أي: لا شك فيه، ولا مرية، ولا تردد، قد دلت على ذلك الأدلة السمعية والبراهين العقلية، فإذا كان وعده حقا، فتهيئوا له، وبادروا أوقاتكم بالأعمال الصالحة، ولا يقطعكم عن ذلك قاطع، ﴿ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾ بلذاتها وشهواتها ومطالبها النفسية، فتلهيكم عما خلقتم له، ﴿ وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ الذي هو ﴿ الشَّيْطَانُ ﴾ الذي هو عدوكم في الحقيقة ﴿ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ﴾ أي: لتكن منكم عداوته على بال، ولا تهملوا محاربته كل وقت، فإنه يراكم وأنتم لا ترونه، وهو دائما لكم بالمرصاد.
    ﴿ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ هذا غايته ومقصوده ممن تبعه، أن يهان غاية الإهانة بالعذاب الشديد. وعقيدة التوحيد والتقوى هي طريق النجاة من هذا السعير...

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ – 13

    ******

    وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى
    سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم ..

    اللهم بلغنا رمضان ..
    وأعنا فيه على الصيام ..
    والقيام وقراءة القرآن ..


    احب الصالحين ولست منهم ..
    لعلى ان انال بهم شفاعة ..
    وأكره من تجارته المعاصى ..
    ولو كنا سواء فى البضاعة ..


  5. #115
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    295

    افتراضي




    مع الجزء السادس و العشرون
    (10)
    وبعض أيات من سورة ق والذاريات

    مبدأ الرقابة

    وانعكسه على تصرفات الإنسان وضبطها, وحماية المجتمعات من المؤمنة بأقوي سياج ضد الجرائم وسوء الأخلاق بجانب أجهزة الأمن الساهرة على حماية الأفراد والممتلكات.

    فالإيمان بتدوين كل أعمال وأقوال الإنسان يجعل من الإنسان رقيبا على كل ما ينطق وكل ما يعمل.

    قال تعالى في سورة الإسراء :
    وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14)

    يقال للإنسان يوم القيامة : اقرأ كتاب أعمالك، وهذا من أعظم العدل والإنصاف أن يقال للعبد: حاسِبْ نفسك، كفى بها حسيبًا عليك.

    وقال تعالى في سورة الكهف :
    وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (49)

    تسجيل الصوت والصورة

    ولقد عرف الإنسان في الوقت الراهن تسجيل الصوت والصورة عبر الأقمار الصناعية , وأنظمة المراقبة الدقيقة التي تراقب الداخلين والخارجين في المطارات والفنادق والأبنية الهامة , وكل هذا لا يشكل إلا الحركات الخارجية للإنسان , ويمكن للإنسان أن يتجنب أجهزة المرقبة بالإبتعاد عنها , ولكن لا يستطيع أن يتوارى عن الرقابة الإلهية.

    ******
    المَلَكان المترصدان للتدوين

    وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)
    إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17)
    مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)

    ولقد خلقنا الإنسان, ونعلم ما تُحَدِّث به نفسه, ونحن أقرب إليه من حبل الوريد (وهو عِرْق في العنق متصل بالقلب).
    حين يكتب المَلَكان المترصدان عن يمينه وعن شماله أعماله. فالذي عن اليمين يكتب الحسنات, والذي عن الشمال يكتب السيئات.
    ما يلفظ من قول فيتكلم به إلا لديه مَلَك يرقب قوله, ويكتبه, وهو مَلَك حاضر مُعَدٌّ لذلك.
    ومن الحديث الطويل لمعاذ: ..... فأخذ – رسول الله صلى الله عليه وسلم - بلسانه ، قال : كف عليك هذا . فقلت : يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال : ثكلتك أمك يا معاذ ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم ، أو على مناخرهم ، إلا حصائد ألسنتهم.
    الراوي: معاذ بن جبل المحدث: الترمذي - المصدر: سنن الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2616
    خلاصة حكم المحدث: حسن صحيح

    *********

    بعض النماذج من الأعمال الصالحة التي تدون للمحسنين
    وبعض آيات من سورة الذاريات.

    إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16)
    كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)
    وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)
    وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20)
    وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (21)
    وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22)
    فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ (23)

    كان هؤلاء المحسنون قليلا من الليل ما ينامون, يُصَلُّون لربهم قانتين له, وفي أواخر الليل قبيل الفجر يستغفرون الله من ذنوبهم.
    وفي أموالهم حق واجب ومستحب للمحتاجين الذين يسألون الناس, والذين لا يسألونهم حياء.
    وفي الأرض عبر ودلائل واضحة على قدرة خلقها لأهل اليقين بأن الله هو الإله الحق وحده لا شريك له، والمصدِّقين لرسوله صلى الله عليه وسلم.
    وفي خلق أنفسكم دلائل على قدرة الله تعالى, وعبر تدلكم على وحدانية خالقكم, وأنه لا إله لكم يستحق العبادة سواه, أغَفَلتم عنها, فلا تبصرون ذلك, فتعتبرون به؟

    أهمية الإيمان

    وفي السماء رزقكم – فلا داعي للسرقة ولا دعي للغش ولا دعي للربا ولا دعي للنصب لأخذ أموال الناس بالباطل .
    فرزقكم سوف يأتيكم لأنه مقدر فاطلبوه بالعمل الصالح وبكرامة.
    إن صور الفساد تستشري في المجتمعات التي تنحي الإيمان جانبا ولا تطبق القانون على الجميع ,
    وفي السماء رزقكم وما توعدون - من الخير والشر والثواب والعقاب, وغير ذلك كله مكتوب مقدَّر.

    ********

    وإلى الجزء التالي إن شاء الله تعالى
    التعديل الأخير تم بواسطة ابو مؤمن ; 09-01-2011 الساعة 04:13 PM
    سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم ..

    اللهم بلغنا رمضان ..
    وأعنا فيه على الصيام ..
    والقيام وقراءة القرآن ..


    احب الصالحين ولست منهم ..
    لعلى ان انال بهم شفاعة ..
    وأكره من تجارته المعاصى ..
    ولو كنا سواء فى البضاعة ..


  6. #116
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    295

    افتراضي




    مع الجزء السابع و العشرون
    (1)

    وبعض أيات من سورة الذاريات

    تطالعنا الآيات في هذا الجزء على الهمة في طلب التقرب إلى الله , " ففروا إلى الله " وفي نهاية الجزء يطلب منا ربنا أن نتسابق في طلب المغفرة " سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ...

    والفرار لا يتأتى إلا من شئ هالك زائل إلى رحاب الأمن والأمان والخلود والسعادة الأبدية.


    فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ – 50 وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ – 51 كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ – 52 أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ - 53
    فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ - 54 وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ - 55

    فأعباء الحياة تكبل الإنسان وتقعده عن المضي في تزكية نفسه من الأوزار والغفلة والمعاصي , فجاء النداء العلوي للإنسان يستفيقه من هذه الغفلة.... فالعمر يمضي سريعا , والأيام بل الشهور بل الأعوام تتسارع كانها البرق وكلنا يشعر بهذا وكأنها علامات الساعة...

    الفرار إلى الله وحده منزها عن كل شريك . وتذكير الناس بانقطاع الحجة وسقوط العذر: ( إني لكم منه نذير مبين ).
    ويقابل الكافرون هذه الدعوة بالسخرية والإفتراء منذ بدأت الرسالات إلى يومنا هذا..
    والنتيجة الطبيعية التي تترتب على هذا الموقف المتكرر , الذي كأنما تواصى به الطاغون على مدار القرون , ألا يحفل الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] تكذيب المشركين . فهو غير ملوم على ضلالهم , ولا مقصر في هدايتهم وكذلك الدعاة في كل زمان : ( فتول عنهم فما أنت بملوم ). . إنما هو مذكر , فعليه أن يذكر , وأن يمضي في التذكير , مهما أعرض المعرضون وكذب المكذبون : ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ). . ولا تنفع غيرهم من الجاحدين . والتذكير هو وظيفة الرسل والدعاة والعلماء ورثة الأنبياء . والهدى والضلال خارجان عن هذه الوظيفة , والأمر فيهما إلى الله وحده . الذي خلق الناس لأمر يريده....

    ******

    وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ - 56 مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ - 57 إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ - 58 فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ - 59 فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ -60

    وتستقيم الحياة مع هذا الفهم الصحيح لحياة الإنسان ..أن تسير وفق القانون الذي وضعه الله تعالى للكون .والعبادة لله تعالى تعني عدم الشذوذ عن الفطرة السليمة للإنسان. كما تعني القيام بالدور المنوط به الإنسان على هذه الأرض ...
    قال تعالى: :
    ( وإذ قال ربك للملائكة:إني جاعل في الأرض خليفة ) 30 البقرة. .
    فهي الخلافة في الأرض إذن عمل هذا الكائن الإنساني . وهي تقتضي ألوانا من النشاط الحيوي في عمارة الأرض , والتعرف إلى قواها وطاقاتها , وذخائرها ومكنوناتها , وتحقق إرادة الله في استخدامها وتنميتها وترقية الحياة فيها . كما تقتضي الخلافة القيام على شريعة الله في الأرض لتحقيق المنهج الإلهي الذي يتناسق مع الناموس الكوني العام.
    هذا هو مفهوم العبادة الشامل لكل جوانب الحياة وليس منصب فقط في أداء الشعائر. فشعائر الإسلام الممثلة في الصلاة والزكاة والصوم والحج لا تشغل كل حياة الإنسان. والمطلوب في الآية كل حياة الإنسان أن تكون عبادة أي تسير وفق سنة الله تعالى في الكون ورسالته التي أرسلها لتحقق العدل والحرية والكرامة للإنسان على وجه الأرض.

    وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ.

    *******

    وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى
    سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم ..

    اللهم بلغنا رمضان ..
    وأعنا فيه على الصيام ..
    والقيام وقراءة القرآن ..


    احب الصالحين ولست منهم ..
    لعلى ان انال بهم شفاعة ..
    وأكره من تجارته المعاصى ..
    ولو كنا سواء فى البضاعة ..


  7. #117
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    295

    افتراضي



    مع الجزء السابع و العشرون
    (2)
    وبعض آيات من سورة الطور

    تكلمنا في اللقاء السابق عن الهمة في طلب التقرب إلى الله تعالى, فلا وقت للخوض في الباطل ليضيع العمر دون تحصيل ما ينفعنا في الدنيا والأخرة..

    فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ – 11 الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ – 12
    يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً – 13 هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ -14

    (الذين هم في خوض يلعبون). .

    وهذا الوصف ينطبق ابتداء على أولئك المشركين ومعتقداتهم المتهافتة , وتصوراتهم المهلهلة ; وحياتهم القائمة على تلك المعتقدات وهذه التصورات , التي وصفها القرآن العظيم وحكاها في مواضع كثيرة . وهي لعب لا جد فيه . لعب يخوضون فيه كما يخوض اللاعب في الماء , غير قاصد إلى شاطئ أو هدف , سوى الخوض واللعب !
    ولكنه يصدق كذلك على كل من يعيش بتصور آخر غير التصور الإسلامي ..
    ولعل المتتبع للتصور الإسلامي عبر هذه السلسلة يدرك الفرق الواضح بين جدية المنهج الإسلامي - في العقائد والمعاملات القائمة على العدل والحق – وبين العقائد الزائفة التي تقوم على الوهم واللعب..
    فالتصور الإسلامي يلتقي مع الفطرة التقاء مباشرا دون كد ولا جهد ولا تعقيد . لأنه يطالعها بالحقيقة الأصيلة العميقة فيها . ويفسر لها الوجود وعلاقتها به , كما يفسر لها علاقة الوجود بخالقه تفسيرا يضاهي ما استقر فيها ويوافقه .
    فالتفسير القرآني للوجود هو تفسير صانع هذا الوجود لطبيعته وارتباطاته . . أما تصورات الفلاسفة فهي محاولات تفسير أجزاء صغيرة من هذا الوجود لتفسير الوجود كله . والعاقبة معروفة لمثل هذه المحاولات البائسة ....إنه عبث . وخلط . وخوض . ولعب. وضياع للعمر كما أسلفنا..

    إن الإسلام يرفع من اهتمامات البشر بقدر ما يرفع من تصورهم للوجود الإنساني وللوجود كله ; وبقدر ما يكشف لهم عن علة وجودهم وحقيقته ومصيره ; وبقدر ما يجيب إجابة صادقة واضحة عن الأسئلة التي تساور كل نفس:

    من أين جئت ? لماذا جئت ? إلى أين أذهب ?

    وإجابة الإسلام عن هذه الأسئلة تحدد التصور الحق للوجود الإنساني وللوجود كله . فإن الإنسان ليس بدعا من الخلائق كلها . فهو واحد منها . جاء من حيث جاءت . وشاركها علة وجودها . ويذهب إلى حيث تقتضي حكمة خالق الوجود كله أن يذهب . فالإجابة على تلك الأسئلة تشمل كذلك تفسيرا كاملا للوجود كله , وارتباطاته وارتباطات الإنسان به . وارتباط الجميع بخالق الجميع .
    وهذا التفسير ينعكس على الاهتمامات الإنسانية في الحياة ; ويرفعها إلى مستواه . ومن ثم تبدو اهتمامات الآخرين صغيرة هزيلة في حس المسلم المشغول بتحقيق وظيفة وجوده الكبرى في هذا الكون , عن تلك الصغائر والتفاهات التي يخوض فيها اللاعبون ..

    ( يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً )

    يوم يُدْفَع هؤلاء المكذبون دفعًا بعنف ومَهانة إلى نار جهنم، ويقال توبيخًا لهم: هذه هي النار التي كنتم بها تكذِّبون.
    أفسحر ما تشاهدونه من العذاب أم أنتم لا تنظرون؟ ذوقوا حرَّ هذه النار, فاصبروا على ألمها وشدتها, أو لا تصبروا على ذلك، فلن يُخَفَّف عنكم العذاب، ولن تخرجوا منها, سواء عليكم صبرتم أم لم تصبروا, إنما تُجزون ما كنتم تعملون في الدنيا.

    *******
    تكريم المتقين وذريتهم

    فإن كانت ثمرة الإيمان والعمل الصالح والأخلاق الكريمة تعود على صاحبها.. إلا أنها تشمل أيضا الذرية المؤمنة الصالحة وإن كانت ليست على مستوى الأباء , فإن الله الرحيم يلحق الأبناء بالأباء,.. كرما وفضلا منه سبحانه الحنان المنان ..

    إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ – 17
    فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ – 18
    كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ – 19
    مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ – 20

    وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ-21

    وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ – 22
    يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ – 23
    وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ – 24
    وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ – 25
    قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ – 26 فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ – 27 إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ – 28


    لما ذكر تعالى عقوبة المكذبين، ذكر نعيم المتقين، ليجمع بين الترغيب والترهيب، فتكون القلوب بين الخوف والرجاء، فقال: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ ﴾ لربهم، الذين اتقوا سخطه وعذابه، بفعل أسبابه من امتثال الأوامر واجتناب النواهي.

    ﴿ فِي جَنَّاتِ ﴾ أي: بساتين، قد اكتست رياضها من الأشجار الملتفة، والأنهار المتدفقة، والقصور المحدقة، والمنازل المزخرفة، ﴿ وَنَعِيمٍ ﴾ وهذا شامل لنعيم القلب والروح والبدن،

    ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ )

    وهذا من تمام نعيم أهل الجنة، أن ألحق الله بهم ذريتهم الذين اتبعوهم بإيمان أي: الذين لحقوهم بالإيمان الصادر من آبائهم، فصارت الذرية تبعا لهم بالإيمان، ومن باب أولى إذا تبعتهم ذريتهم بإيمانهم الصادر منهم أنفسهم، فهؤلاء المذكورون، يلحقهم الله بمنازل آبائهم في الجنة وإن لم يبلغوها، جزاء لآبائهم، وزيادة في ثوابهم، ومع ذلك، لا ينقص الله الآباء من أعمالهم شيئا.

    ******

    وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى
    سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم ..

    اللهم بلغنا رمضان ..
    وأعنا فيه على الصيام ..
    والقيام وقراءة القرآن ..


    احب الصالحين ولست منهم ..
    لعلى ان انال بهم شفاعة ..
    وأكره من تجارته المعاصى ..
    ولو كنا سواء فى البضاعة ..


  8. #118
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    295

    افتراضي





    مع الجزء السابع و العشرون
    (3)
    وبعض آيات من سورة النجم

    وسورة النجم تذكرنا بمعجزة المعراج من المسجد الاقصى الي سدرة المنتهى...
    وهي أول رحلة عبر السماوات العلا , وإلى الأن لم يستطع أي إنسان أن يصعد إلى السماء الأولى..فهي معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
    وأن هذه الرحلة فخر للإنسانية أن صعد خير البشر صلى الله عليه وسلم ليلتقي بالأنبياء عبر السماوات السبع بصحبة أمين الملائكة جبريل عليه السلام , ثم صعوده وحده بعد سدرة المنتهى حيث تلقي فريضة الصلاة مباشرة من الله تعالى , وهي هدية القرب للقرب .. بمعنى أنها صلة القرب بين العباد والخالق تبارك وتعالى..
    فصلوات ربي وسلامه على من حمل الهدية للبشر..للتقرب من رب العالمين.

    ******


    بسم الله الرحمن الرحيم

    وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى -1 مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى -2 وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى -3 إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى -4 عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى -5 ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى -6 وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى -7 ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى -8 فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى -9 فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى -10 مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى -11 أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى -12 وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى -13 عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى -14
    عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى -15 إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى -16 مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى -17 لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى -18

    فأن النجم مهما يكن عظيما هائلا فإنه يهوي ويتغير مقامه . فلا يليق أن يكون معبودا . فللمعبود الثبات والارتفاع والدوام .
    ذلك هو القسم . فأما المقسم عليه , فهو أمر النبي [ صلى الله عليه وسلم ] مع الوحي الذي يحدثهم عنه:
    ( ما ضل صاحبكم وما غوى . وما ينطق عن الهوى . إن هو إلا وحي يوحى ). .

    هذا الوحي معروف حامله . مستيقن طريقه . مشهودة رحلته . رآه الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] رأي العين والقلب , فلم يكن واهما ولا مخدوعا ..
    ( علمه شديد القوى . ذو مرة فاستوى . وهو بالأفق الأعلى . ثم دنا فتدلى . فكان قاب قوسين أو أدنى . فأوحى إلى عبده ما أوحى . ما كذب الفؤاد ما رأى . أفتمارونه على ما يرى ? ). .
    والشديد القوي ذو المرة [ أي القوة ] , هو جبريل - عليه السلام - وهو الذي علم صاحبكم ما بلغه إليكم .

    وهذا هو الطريق , وهذه هي الرحلة , مشهودة بدقائقها : استوى وهو بالأفق الأعلى . حيث رآه محمد [ صلى الله عليه وسلم ] وكان ذلك في مبدأ الوحي . حين رآه على صورته التي خلقه الله عليها , يسد الأفق بخلقه الهائل . ثم دنا منه فتدلى نازلا مقتربا إليه . فكان أقرب ما يكون منه . على بعد ما بين القوسين أو أدنى - وهو تعبير عن منتهى القرب - فأوحى إلى عبد الله ما أوحى . بهذا الإجمال والتفخيم والتهويل .
    فهي رؤية عن قرب بعد الترائي عن بعد . وهو وحي وتعليم ومشاهدة وتيقن .
    وهي حال لا يتأتى معها كذب في الرؤية , ولا تحتمل مماراة أو مجادلة ..( ما كذب الفؤاد ما رأى . أفتمارونه على ما يرى ? ). . ورؤية الفؤاد أصدق وأثبت , لأنها تنفي خداع النظر . فلقد رأى فتثبت فاستيقن فؤاده أنه الملك , حامل الوحي , رسول ربه إليه , ليعلمه ويكلفه تبليغ ما يعلم . وانتهى المراء والجدال , فما عاد لهما مكان بعد تثبت القلب ويقين الفؤاد .
    وليست هذه هي المرة الوحيدة التي رآه فيها على صورته . فقد تكررت مرة أخرى:
    ( ولقد رآه نزلة أخرى . عند سدرة المنتهى . عندها جنة المأوى . إذ يغشى السدرة ما يغشى . ما زاغ البصر وما طغى . لقد رأى من آيات ربه الكبرى . )
    وكان ذلك في ليلة الإسراء والمعراج - على الراجح من الروايات - فقد دنا منه - وهو على هيئته التي خلقه الله بها مرة أخرى ( عند سدرة المنتهى ). وهي التي انتهت إليها صحبة جبريل لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] حيث وقف هو, وصعد محمد [ صلى الله عليه وسلم ] درجة أخرى أقرب إلى عرش ربه وأدنى .

    ( ما زاغ البصر وما طغى ). أي هي المشاهدة الواضحة المحققة , التي لا تحتمل شكا ولا ظنا . وقد عاين فيها من آيات ربه الكبرى , واتصل قلبه بالحقيقة المباشرة .
    فالأمر إذن - أمر الوحي - أمر عيان مشهود . ورؤية محققة . ويقين جازم واتصال مباشر . ومعرفة مؤكدة . وصحبة محسوسة . ورحلة واقعية . بكل تفصيلاتها ومراجعها . . وعلى هذا اليقين تقوم دعوة ( صاحبكم ) صلى الله عليه وسلم , وما هو بغريب عنكم فتجهلوه ....وربه يصدقه ويقسم على صدقه . ويقص عليكم كيف أوحى إليه . وكيف قربه وحمله رسالة القرب والهداية للعالمين.
    قال تعالى: ( واسجد واقترب ) 19 العلق

    وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ 186 البقرة

    وقال تعالى : ﴿ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ﴾ 61 هود أي: قريب ممن دعاه دعاء مسألة، أو دعاء عبادة، يجيبه بإعطائه سؤله، وقبول عبادته، وإثابته عليها، أجل الثواب، واعلم أن قربه تعالى نوعان: عام، وخاص،
    فالقرب العام: قربه بعلمه، من جميع الخلق، وهو المذكور في قوله تعالى: ﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾ ق
    والقرب الخاص: قربه من عابديه، وسائليه، ومحبيه، وهو المذكور في قوله تعالى ﴿ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾
    و قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ ﴾ وهذا النوع، قرب يقتضي إلطافه تعالى، وإجابته لدعواتهم، وتحقيقه لمراداتهم، ولهذا يقرن، باسمه "القريب" اسمه "المجيب"...
    قال صلى الله عليه وسلم:
    أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد . فأكثروا الدعاء..
    الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 482
    خلاصة حكم المحدث: صحيح

    وهكذا ندرك سر من أسرار معجزة المعراج لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فهي رحلة القرب للقرب.

    ******

    إن أفواج الحجيج قبل إحتلال القدس كانوا يذهبون الى زيارة المسجد الأقصى بعد أداء فريضة الحج , إعمالا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تشد الرحال إلا لثلاث مساجد , المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا إشارة للمسجد النبوي الشريف.
    وإنه من غير المتصور إنقطاع المسلمون في أنحاء المعمورة عن زيارة المسجد الأقصى ....

    فيتحتم على المسلمين في كل مكان على وجه الأرض أن لا يفرطوا في مقدساتهم ..
    فيجب عمل طريق من الأردن الى المسجد الأقصى تحت حماية إسلامية و هذا أقل ما يفعل نحو معراج رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    *******

    وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى
    سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم ..

    اللهم بلغنا رمضان ..
    وأعنا فيه على الصيام ..
    والقيام وقراءة القرآن ..


    احب الصالحين ولست منهم ..
    لعلى ان انال بهم شفاعة ..
    وأكره من تجارته المعاصى ..
    ولو كنا سواء فى البضاعة ..


  9. #119
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    295

    افتراضي




    مع الجزء السابع و العشرون
    (4)
    وبعض آيات من سورة القمر

    إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ - 49


    إن المتأمل في الكون من حولنا يجد العجب والحكمة والدقة المتناهية لسير النجوم في مسارتها والكواكب في أفلاكها والأقمار حول كواكبها , وتهيئة الأرض للحياة بهذا المدد الهائل من الغذاء لأهل الأرض جميعا من بشر وسائر المخلوقات , ولو أختل سبب واحد من أسباب التوازن على الأرض , لم تجد الأرض على ماهي عليه الأن...

    فكل شيء . . كل صغير وكل كبير . كل ناطق وكل صامت . كل متحرك وكل ساكن . كل ماض وكل حاضر . كل معلوم وكل مجهول . كل شيء . . خلقه الله تعالى بقدر . .
    قدر يحدد حقيقته . ويحدد صفته . ويحدد مقداره . ويحدد زمانه . ويحدد مكانه . ويحدد ارتباطه بسائر ما حوله من أشياء . وتأثيره في كيان هذا الوجود .

    واليكم بعض الحقائق العلمية : من ( موسوعة الإعجاز العلمي )
    التي تدل علي قدرة الله تعالى في الكون وتفرده سبحانه بالملك
    وتقدير كل شئ بحكمة بالغة . بحيث لو زادت أو نقصت لحدث إختلال

    1. الجاذبية :

    إذا كانت أقوى: فالجو سيحتجز كثيراً من غاز الأمونيا والميتان.
    إذا كانت أضعف: جو الكوكب سوف يخسر كثيراً من الماء.


    2. البعد عن النجم الأم: ( الشمس )
    إذا كانت الأرض أبعد: الكوكب سيكون بارداً جداً.
    إذا كانت الأرض أقرب: الكوكب سيكون ساخناً جداً.


    3. سمك القشرة:

    إذا كانت أكثر سمكاً: كثير من الأوكسجين سوف ينتقل من الجو إلى القشرة.
    إذا كانت أرق : النشاط البركاني سيكون كبيراً جداً.


    4. فترة الدوران:

    إذا كانت أطول: فروق درجات الحرارة اليومية سيكون كبيراً جداً.
    إذا كانت أقصر: سرعات الرياح الجوية ستكون كبيرة جداً.


    5. التفاعل التجاذبي مع القمر:

    إذا كان أكبر: فإن تأثيرات المد على المحيطات والجو سيكون قاسياً جداً.
    إذا كان أقل: فإن تغيرات في الميل المداري سوف يسبب عدم استقرار مناخي.


    6. الحقل المغناطيسي:

    إذا كان أقوى: العواصف الكهرطيسية ستكون عنيفة.
    إذا كان أضعف: ستكون الحماية غير ملائمة من الإشعاعات النجمية القاسية.

    7. نسبة الضوء المنعكسة إلى مجمل كمية الضوء الساقط على السطح :

    إذا كان كبيراً: ستحل عصور جليدية.
    إذا كان صغيراً: ستذوب الثلوج وتغرق الأرض في الماء، ثم تصبح جافة قاحلة بفعل ملح البحار.


    8. نسبة الأوكسجين إلى النتروجين في الجو:

    إذا كانت كبيرة: توابع تطور الحياة سوف تتقدم بسرعة كبيرة.
    إذا كانت أصغر: توابع تطور الحياة سوف تتقدم بسرعة بطيئة.


    9. مستوى غاز الكربون وبخار الماء في الجو:

    إذا كانت كبيرة: ترتفع درجة حرارة الجو بشكل أكبر.
    إذا كانت أصغر: تنخفض درجة حرارة الجو.

    10. مستوى الأوزون في الجو:

    إذا كان أكبر: درجة حرارة السطح ستكون منخفضة جداً.
    إذا كان أقل: درجة حرارة السطح ستكون عالية جداً. وسيكون هناك كثير من الإشعاع فوق البنفسجية عند السطح.


    11. النشاط الزلزالي:

    إذا كان أكبر: سيتحطم كثير من أشكال الحياة.
    إذا كان أقل: فإن المادة الغذائية على قيعان المحيطات (الآتية من مقذوفات الأنهار) لن تخضع للدورة المتكررة.

    ********

    إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ - 49


    فإن قدر الله وراء كل حادث . وكل نشأة . وكل مصير . ووراء كل نقطة , وكل خطوة , وكل تبديل أو تغيير .
    إنه قدر الله النافذ , الشامل , الدقيق , العميق يجب أن ينعكس على سلوك الإنسان بحيث يرضى لقضاء الله في كل أمور حياته ويدرك أن حكمة ما وراء ما يحدث قد لا تدرك في حينها ,
    فحين ترك نبي الله "إبراهيم" زوجته هاجر في قلب الصحراء ..سألته سؤال واحد فقط ..الله أمرك بهذا ؟....قال نعم ..قالت إذن لا يضيعنا...وكانت الحكمة في بناء البيت العتيق "الكعبة" ..وكان من ذرية إسماعيل عليه السلام , سيد البشر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
    وكذلك ماحدث لنبي الله " يوسف" من رميه في البئر ومن دخوله السجن ولقاءه بساقي الملك وتفسير الرؤية لملك مصر , ثم تبرئته وتعينه وزيرا على خزائن مصر , كل هذه الأحداث تمت بقدر الله تعالى , فالمؤمن يتقبل ما يحدث بقلب مطمئن.. فإنه لا يحدث في الكون إلا ما قدره الله تعالى. وأن ما يقع من مصائب على البشر إما عقاب على ما إقرفته أيديهم أو إبتلاء للمؤمنين وزيادة ورفعة لدرجاتهم في الجنة... فهناك حكمة وراء كل ما يقع في الكون أدركناه أو لم ندركه.
    فأحيانا يرى البشر طرف الخيط القريب ولا يرون طرفه البعيد . وأحيانا يتطاول الزمن بين المبدأ والمصير في عمرهم القصير , فتخفى عليهم حكمة التدبير . فيستعجلون ويقترحون . وقد يسخطون . أو يتطاولون !
    والله يعلمهم في هذا القرآن أن كل شيء بقدر ليسلموا الأمر لصاحب الأمر , وتطمئن قلوبهم وتستريح ويسيروا مع قدر الله في توافق وفي تناسق .

    *****
    وكما أن الكون من حولنا يسير وفق قدر الله في الكون, فيجب على الإنسان أن يسير حياته على منهج الله تعالى ودستوره الذي أرسله للعالمين...
    قال تعالى في سورة الأعراف:
    قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ,
    أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا,
    وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا,
    وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ,
    وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ,
    وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ -151

    وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ,
    وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا,
    وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى,
    وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ -152

    وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ -153

    وقال تعالى في سورة النساء:

    إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا,
    وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ,
    إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً -58

    وبهذا الفهم- لحقيقة الربط بين سلوك المؤمن بقدر الله تعالى في الكون وبإرسال الرسل لإرساء مبادئ العدل والحرية – تتحقق السكينة في القلوب المطمئنة. . ويسود الرضى بقضاء الله تعالى.

    *******

    وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى
    سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم ..

    اللهم بلغنا رمضان ..
    وأعنا فيه على الصيام ..
    والقيام وقراءة القرآن ..


    احب الصالحين ولست منهم ..
    لعلى ان انال بهم شفاعة ..
    وأكره من تجارته المعاصى ..
    ولو كنا سواء فى البضاعة ..


  10. #120
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    295

    افتراضي



    مع الجزء السابع و العشرون
    (5)
    وبعض آيات من سورة الرحمن

    الرَّحْمَنُ -1 عَلَّمَ الْقُرْآنَ -2
    خَلَقَ الإِنسَانَ -3 عَلَّمَهُ الْبَيَانَ -4

    الرحمن برحمته إياكم علمكم القرآن . وإنك لتعجب حيث تجد أناس لا يعرفون العربية ولا يتكلمون بها ومع ذلك يقرأون القرآن ويحفظونه كأي عربي ..
    ولا تجد ذلك في أي كتاب في العالم إلا القرآن العظيم كلام رب العالمين...

    ولعلكم تلاحظون أن آية " وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ " تكررت كثيرا في السورة السابقة "سورة القمر "..فسبحان من هذا كلامه...

    إن الله علم الإنسان ما به الحاجة إليه من أمر دينه ودنياه من الحلال والحرام , والمعايش والمنطق , وغير ذلك مما به الحاجة إليه..
    فالبيان هو توضيح الظواهر ووصفها واستنباط أمور جديدة مترتبة عليها
    ولذلك نرى هذا الكم الهائل من المعلومات والمكتشفات والصناعات...
    وما كان للإنسان أن يصل إلى هذا لولا أن علمه الله تعالى ذلك .

    *****
    ولذلك نلاحظ إهتمام رسالة الإسلام بالعلم.

    فإن أول ما نزل من القرآن آيات العلم ,

    قال تعالى:
    اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ – 1 خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ – 2 اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ – 3 الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ – 4 عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ – 5 ....سورة العلق
    نلاحظ هنا إهتمام الإسلام بالقراءة كمدخل أول للعلم ..في بداية رسالة الإسلام..
    فالتعليم والبحث العلمي ضرورة إيمانية أولا ثم ضرورة حضارية ثانيا.

    إن الله سبحانه , علم الانسان ما لم يعلم.
    فكل ما نراه من إنجازات علمية فهي من الله على الحقيقة ..
    قال تعالى:
    إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ -28 فاطر .
    أي إن أكثر الناس خوفا من الله هم العلماء , لما يرون من عظيم قدرة الله في آياته الكونية...

    والعلم والبحث العلمي من أهم صفات من نزل عليهم القرآن العظيم.

    قال تعالى:
    في أول سورة فصلت: حم – 1 تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - 2 كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ – 3

    يخبر تعالى عباده أن هذا القرآن العظيم ﴿ تَنْزِيلُ ﴾ صادر ﴿ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ الذي وسعت رحمته كل شيء، الذي من أعظم رحمته وأجلها، إنزال هذا الكتاب، الذي حصل به، من العلم والهدى، والنور، والشفاء، والرحمة، والخير الكثير، فهو الطريق للسعادة في الدارين.
    ثم أثنى على الكتاب بتمام البيان فقال: ﴿ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ﴾ أي: فصل كل شيء , وهذا يستلزم من علماء المسلمين تدبر آياته والبحث في كافة العلوم التي أتى بها على الإجمال حتى يستوعبها البشر في كافة العصور. .
    ﴿ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ﴾ أي: باللغة الفصحى أكمل اللغات، فصلت آياته وجعل عربيًا. ﴿ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ أي: لأجل أن يتبين لهم معناه، كما تبين لفظه، ويتضح لهم الهدى من الضلال، والْغَيِّ من الرشاد..
    وقد حافظ القرآن العظيم على اللغة العربية ونشرها في ربوع الأرض وجعلها من اللغات الحية في العالم..

    وقد استوعبت اللغة العربية جميع علوم الأرض , والدليل على ذلك ما قام به علماء الإسلام بالترجمة لكتب العلوم في العصر الذهبي للدولة الإسلامية , والبحث العلمي في جميع أصول المعرفة سواء الرياضية في الجبر والهندسة أو العلوم الكيمائية أو الطبية أو علم الفلك من نجوم وكواكب أو الجغرافية أو التاريخية والشريعة والقانون...
    والتفوق في العلوم الصناعية في كافة المجالات مثل صناعة السفن والأساطيل البحرية وإنشاء الترع والسدود و إنشاء المدن وما ترتب عليها من مرافق وإضاءة .

    *****
    وأما الجاهلون، الذين لا يزيدهم الهدى إلا ضلالاً، ولا البيان إلا عَمًى فهؤلاء لم يُسَقِ الكلام لأجلهم،
    ﴿ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ 6 البقرة

    ******
    هل أدركنا قيمة العلم في العقيدة الإسلامية ؟

    إن الله تعالى قال لنبيه :
    وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا – 114 طه
    وطلب الزيادة لم يأتي إلا في العلم , والمقصود بالعلم في الإسلام , هو العلم النافع للبشرية في جميع المجالات..
    بحيث يدرك الإنسان نعمة الله عليه الذي وهبه نعمة العقل وأمده بكل مايساعده على التعلم ,

    فالكون من حولنا مدرسة خلقها الله تعالى, لنتعلم منها,

    قال تعالى :
    فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ – 31 المائدة
    وهكذا في جميع نواحي الحياة نرى عظيم رحمة الله بالإنسان ,
    حيث أمده بجميع مايحتاجه في طلب العلم والتعلم .
    بل سخر له ما في السموات والأرض من قوانين تعينه على التعلم والصناعة والابتكار...,
    قال تعالى :
    وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ – 13 الجاثية

    وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض أي من الكواكب والجبال والبحار والأنهار وجميع ما تنتفعون به أي الجميع من فضله وإحسانه وامتنانه ولهذا قال جميعا منه أي من عنده وحده لا شريك له .

    الرَّحْمَنُ -1 عَلَّمَ الْقُرْآنَ -2
    خَلَقَ الإِنسَانَ -3 عَلَّمَهُ الْبَيَانَ -4

    *****

    وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى
    سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم ..

    اللهم بلغنا رمضان ..
    وأعنا فيه على الصيام ..
    والقيام وقراءة القرآن ..


    احب الصالحين ولست منهم ..
    لعلى ان انال بهم شفاعة ..
    وأكره من تجارته المعاصى ..
    ولو كنا سواء فى البضاعة ..


صفحة 12 من 13 الأولىالأولى ... 210111213 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. هدية قيمة ..اضخم مكتبة قانونية على مستوى النت.. متجددة ومجانا
    بواسطة أم خطاب في المنتدى كتب وتعليقات
    مشاركات: 19
    آخر مشاركة: 05-16-2016, 10:18 AM
  2. ** موسوعة الصحابة ( رضوان الله عليهم ) .. ارجو التثبيت
    بواسطة ابو مؤمن في المنتدى الشريعة ومستجدات الحياة
    مشاركات: 95
    آخر مشاركة: 05-25-2011, 11:31 PM
  3. ** أتظن أنها محجبة ؟؟!! حملة التعريف بالحجاب الشرعى .. ارجو التثبيت ..
    بواسطة ابو مؤمن في المنتدى الشريعة ومستجدات الحياة
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 10-02-2010, 12:42 PM
  4. تجديد الأخلاق
    بواسطة ساره يوسف في المنتدى الشريعة ومستجدات الحياة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-19-2009, 06:21 AM
  5. الانفجار العظيم
    بواسطة هيثم الفقى في المنتدى كتب وتعليقات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 02-24-2009, 11:49 PM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •