حتى لا تغيب شمس القانون حتى لا تغيب شمس القانون سعد العسبلي


هذا المقال يقترب في صياغته من فلسفة القانون كثيراً، لكنه حديث يصغى إليه، وكلام أرى – على الأقل من وجهة نظري – أن يلتفت إليه، ذلك أن القانون من وضع الناس، سواء أكان هذا الأمر (أي الوضع)- قد أسند إلى شخص أو أشخاص أو إلى (المجموع) بأي كيفية وشكل يكون- وإذا كان هذا حال وضع القوانين فإنها لن تكون بعيدة عن منطقة القصور والنقص، تلك المنطقة التي تعد ترجمة حقيقية لصفات البشر في كونهم قاصرين وإن اجتهدوا.

إلا إنني لا استطيع إنكار القول إن هذا النقص يضمحل، والقصور يكاد يتلاشى، عندما يقوم المجموع بمهمة معينة ومنها مهمة صياغة ووضع القانون.

وإذا ما كان الحديث عن مسألة صياغة ومن وضع النصوص القانونية، من المسائل الخلافية، حتى بين صنّاع النصوص القانونية في الدول الصغيرة، والتي تفضل كل دولة منها أن تجعل صياغة القوانين من أعمال جهة معينة، فإنني أكاد أجزم أن أي قانون مهما أوتي صانعه من مهارة وعلم يبق قاصراً عن متابعة الزمن، فالمستقبل غالباً ما يأتي بما يؤكد هذا القول.

وقد تكون القوانين كلها أو جلها في ليبيا تحتاج إلى نظرات، تبدو مهمة من خلال تطور الحياة في جوانبها المختلفة، فضلاً عن هذا الأمر يتصور من خلاله أن هناك شيئاً آخر يسمى (غياب القانون)- إذ ترجم النقص على أنه عدم معالجة لأمر كان لابد من أن يعالج وبالتالي صار الفراغ مدعاة لتلاعب نفر من الناس ساعدهم في ذلك القصور الذي كثيراً ما يواكب صياغة القانون لعدم ترك الأمر للمتخصصين ولوجود الاستعجال الذي ساعد بشكل كبير في تصدع جوانب من القوانين ظن واضعها أنها حصون منيعة.

هذا وقد يفضل بعض الناس- خاصة الذين لهم مآرب أخرى- وجود ثغرات في القانون مع الأمل في تزايدها، إذ أنها تخدم أغراضهم وأهدافهم ومصالحهم، غير عابئين بما يسفر عن ذلك من عواقب جد خطيرة، ولا ينتبهون إلى الأمر إلا بعد أن تدور الدوائر فيكون الطرف الآخر أو الخصم الآخر المقابل لهم هو المستفيد من غياب القانون حيث لا يكون عند وجود القانون.!!

وإذا كنا نعتقد أن سيلاً من القوانين تمت صياغتها حاول المشرعون من خلالها أن يسدوا كل الثغرات فإنهم لن يستطيعوا ولو حاولوا ذلك جاهدين، إذ أن ذلك- سيكون مخالفاً لطبائع الأمور ولأوصاف البشر وما علق بهم من قصور وسهو وعدم إدراك لخبايا المستقبل.

ولن أكون متفائلاً فأقول إن أمر معالجة قصور القانون من الأمور التي يمكن إدراكها فهو قول لا أجد له سنداً، إلا ذا كنت في (مناطق الأحلام) ولن يتصف قانون موضوع بوصف الكمال مهما علت مراتب القائمين عليه، إلا أنني بالرغم من ذلك أنشد أن يكون ما بالقانون من ثغرات قليلة ولن يتأتى ذلك ويتحقق إلا بالعديد من المعالجات.

وقد يتساءل البعض عن هذه المعالجات، وسأكون صادقاً في القول، إن الأمر صعب المنال لكنه ليس مستحيلاً ويمكن أن أتطرق في هذا المقال إلى بعض الجوانب التي أراها سنداً للقول بالحد من تزايد ثغرات القانون.

* قراءة متأنية للمستقبل: -

العجلة والاستعجال، والومضة الأولى التي تشير على أي شيء تقدم عليه مع وجودهما لن يحيا طويلاً، لذلك لابد من الابتعاد عن هذه العجلة في وضع القوانين إذا ما أردنا الابتعاد عن الوقوع في مصايد الثغرات.

ولا يمكن أن أكون متفائلاً وأقول إنه من السهل اليسير قراءة المستقبل القراءة الصحيحة ولكن يمكن قراءته قراءة متأنية تكفل بقدر الإمكان التقليل من عدد وحجم هذه الثغرات وهذا الأمر أعتقد أنه ليس مستحيلاً بل إنه من الأمور الميسورة، إذا ما نظرنا إلى الأمر من خلال رؤية ترى في صدق النوايا صدقاً في وضع نصوص تخلق لتعيش زمناً قد يكون أطول من الأزمان التي يمكث فيها القانون إذا غاب هذا التأني.

* التخصيص: -

لابد من ترك أمر صياغة القوانين واللوائح للمتخصصين من القانونيين وغيرهم، بعد إقرار فحواها من المؤتمرات الشعبية وصدورها من مؤتمر الشعب العام.

وإذا ما كانت المعطيات الأولى يجب أن تنبثق عن الشعب فإن صياغة هذه المعطيات لابد أن تكون ممن يملك ناصية الصياغة.

وقد يقول قائل إن الثغرات تبقى موجودة بالرغم من الاستعانة بمختصين، وهذا الأمر ليس بعيب إذ أن هذه الاستعانة وإن كانت لا تقضي على الثغرات فإنها تقلل منها بدرجة كبيرة ملحوظة.

* الاستعانة بالسوابق: -

إن أفكار البشر في العديد من المسائل لا تبدو متفاوتة بدرجة كبيرة ومن المجتمعات ماهي متقاربة من حيث التركيبة والظروف ومنها ما مر بذات التجربة.

لذلك كان من المستوجب النظر في القوانين المقارنة إذ أن العمل على تفحص هذه القوانين لابد وأن يكون ذا فائدة مهما كان قدرها، ولا يعني الاستعانة بهذه القوانين قلب ظهر المجن لمبادئ راسخة في دولة ما من الدول، بل أن الأمر قد يكون ذا فائدة كبيرة في تطوير سبل ومعالجات قد تكون خافية عند قراءة المعطيات التي أبداها رأي رشيد أو مصدر ومنبع القوانين في كل دولة حسب المنظور التي اتخذته نهجاً وطريقاً لها.

* الاستقرار: -

إن عدم الاستقرار وانتظار زمن يظهر فيه قصور القانون أو نجاحه، كان وراء القيام بمحاولة رسم معالم جديدة لقانون آخر قد يكون أسوأ من سابقه.

لذلك وحتى لا تكون ثغرات القانون سمة يتعكز عليها من يصطادون في الماء العكر فيتخذون من قصور القوانين طريقاً إلى تحقيق مآرب أخرى.

* شكل آخر لغياب القانون: -

ليس المقصود من هذا المقال غياب القانون، عدم وجوده، بل المقصود به أنه بالرغم من وجود القانون فهو كالغائب وذلك لعدم استيعابه للمسائل التي صدر من أجلها.

إذ أن لكل قانون غايات يسعى إليها وأهدافاً يرمي إلى تحقيقها، وإذا فشل القانون في ذلك فإنه يكون كالعدم أو قريباً من ذلك.

وقد لا أدعي أن الأمر يمكن أن يرسم له سبيل ميسور وسريع ولكنني أقول بأن هذا النهج يحتاج إلى منظومة تتصف بالاستقرار والكفاءة والتخصص الدقيق وهذا الأمر لن يتأتى إلا إذا كانت النوايا قد عقدت العزم على أن الأمر قد بات من الضرورات حتى لا تغيب شمس القانون


منقول