اهتمّت التشريعات الميزوبوتامية بنظام الأسرة وكيانها و حمايتها. مثلا خصّص قانون حّمورابي حوالي الربع من نصوصه في نظام الأسرة

فنجد : نظّام الزواج (المبحث الأول), وأنشأ التبني (المبحث الثاني), ووضع بعض قواعد الميراث (المبحث الثالث).

المبحث الأول : نظام الزواج
نظّمت النصوص الميزوبوتامية, خاصة قانون حّمورابي, كيفية انعقاد الزواج (المطلب الثاني)و كيفية انحلاله (المطلب الثالث), كما بيّنت الغاية منه: وهذا ما يستخلص من مميزات الزواج في بلاد ما بين النهرين(المطلب الأول).

المطلب الأول: مميزات الزواج في الميزوبوتامي
ترتكز الأسرة الميزوبوتامية عموماً والبالية خصوصاُ على نظام الزواج. ويتعلق أصلاُ, بنظام الزوجة الواحدة. لكن , ربّما تحت تأثير العادات السامية, سمحت القوانين الميزوبوتامية-لاسيما قانون حّمورابي- بتعدّد الزوجات في بعض الحالات مثل مرض الزوجة الأولى مرضاُ خطيراُ وحالة عدم الإنجاب. ومن الملاحظ أن هذا القانون, جعل الزوجات الثانويات عند التعدّد, في أدنى مرتبة من الزوجة الأولى, لكنّ أولادهنّ شرعيون, على الأقلّ عند عدم إنجاب الزوجة الأولى.
ويظهر الإنجاب في قانون حّمورابي كغاية أساسية للزواج باعتباره يضمن استمرارية الأسرة وخلود العبادة. وكان عدم الإنجاب يبرّر تعدّد الزوجات ويسهّل إجراء طلاق الزوجة الأولى العاقر.
ومن ممّيزات الزواج في المجتمع الميزوبوتامية أيضُا, أنّه عرف موانع الزواج إذا يحرم قانون حّمورابي مثلا, الزواج بين الأصول والفروع: بين الأب و البنت(المادة154) وبين الابن والأمّ أو الزوجة الثانية للأب(المادة155و158).
ويلاحظ أن التمييز الطبقي لم يكن يشكّل مانعاُ للزواج في القوانين الميزوبوتامية كما كان الحال مثلاُ في بعض المجتمعات الأخرى.
المطلب الثاني:انعقاد الزواج
كان الزواج في بلاد بين النهرين, يتم بموجب عقد(فرع الأول)بمناسبته تمنح للمرأة أنواعاُ متعدّدة ومختلفة من الأموال(فرع الثاني).
فرع الأول: انعقاد الزواج
يمرّ انعقاد الزواج في الميزوبوتامي بمراحل أهمّها: الخطبة( أ ) وتحرير العقد( ب ).

أ/ الخطبة:
هي اتّفاق بين الخاطب(أو أولياءه)و أولياء المخطوبة على الزواج. ويكون هذا الاتفاق مصحوبُا بدفع مبلغ من المال يطلق عليه اسم "الترهاتو". وبهذه المناسبة, يتمّ تحرير العقد.
ب/ تحرير عقد الزواج ومضمونه:
لا يعدّ تحرير عقد الزواج في القوانين الميزوبوتامية مجرّد وسيلة لإثبات الزواج, بل هو ضروري لصحّته. وهو عند حّمورابي, عقد خاص يتضمن عناصر عديدة منها:
1-أطراف العقد : يلعب الأولياء دورُا هامُا في عقد الزواج, لاسيما بالنسبة للمرأة. وإذا كان قانون حمورابي يذكر الأب فقط كوليّ للزوجة, إلاّ إن قوانين أشنونا تذكر الأب والأمّ معاُ. إذن, يتمثل أطراف عقد الزواج في الزوج أو أحد أولياءه من جهة, و والد الزوجة (في قانون حمورابي) أو والديها معاُ (في قانون أشونا) من جهة ثانية. ويتم هذا العقد بحضور شهود يضعون ختمهم على المحرّر الذي سيضفي الصفة الشرعية على الزواج.
2-تحديد الأموال : كانت للمرأة أنواع كثيرة من الأموال بمناسبة زواجها كما سيأتينا لاحقا.فكان تحديد بعضها في عقد الزواج لاسيما "الترهاتو" المشترط عادةُ في الانعقاد.
3-تحديد العقوبات: قد ينصّ عقد الزواج على بعض العقوبات المتفق عليها في حالة خيانة أحد الزوجين للآخر. ومن الملاحظ أن هذه العقوبات كانت ثقيلة أكثر بالنسبة للزوجة.
4-تحديد شروط طلاق محتمل: قد ينصّ عقد الزواج أيضُا على بعض الشروط التي يصبح فيها الطلاق ممكنا بالنسبة لطرفيه.
5-اليمين: وهو العنصر الأخير حيث يحلف طرفا العقد أمام الملك و الآلهة على أنهما يتعهدان باحترام هذه الشروط.
فرع الثاني : الأموال الممنوحة للمرأة بمناسبة زواجها
ذكرت القوانين الميزوبوتامية وخاصة قانون حمورابي, عدّة أنواع من الأموال ترجع إلى المرأة بمناسبة زواجها: "البيبلو"(1) "الترهاتو"(2) و"الشركتو"(3) و"النودونو"(4).
1/"البيبلو":
هو عبارة عن هدايا تتمثل في أشياء منقولة يقدمها الخطيب لخطيبته قبل انعقاد الزواج. وفي حالة عدم انعقاده بسبب الخطيب تقضي نصوص قانون حمورابي, أن"البيبلو" يبقى حقُا مكتسبُا للخطيبة. أما في حالة عدم انعقاده بسبب الخطيبة, يلتزم والدها بإرجاع ضعف ما قبضه من الخطيب.
2/"الترهاتو":
هو عبارة عن هبة بسيطة من الزوج لوالد الزوجة. ويدفع عادة نقدُا, وغالبا ما يكون مبلغا ضئيلا وبالأحرى رمزيا. وإذا كان الترهاتو أمرُا عاديُا في انعقاد الزواج, وهو بمثابة دليل على انعقاده, إلاّ أن انعدامه لا يؤدّي إلى إبطال عقد الزواج.
وإذا كان الترهاتو يقدم أصلاُ من الزوج إلى والد الزوجة إلاّ أنه من الناحية العملية, تبين العقود إمكانية دفع الترهاتو من أولياء الزوج سواء إلى الزوجة نفسها أو إلى أولياءها الآخرين (الأم, الأخ, أو الأخت...).
و يعتبر الترهاتو حقُا مكتسبُا للزوجة أولأسرتها خاصة في حالتين:
- حالة الإنجاب,إذ لايمكن التصرف في الترهاتو قبل الإنجاب؛
- وحالة انحلال الزواج بإرادة الزوج, ولو لم تنجب الزوجة طفلاُ.
ويرد الترهاتو في حالات كثيرة منها:
- عدم إتمام الزواج بسبب والد الزوجة, فيردّ هذا الأخير ضعف مبلغ الترهاتو؛
- وفاة أحد الزوجين قبل الدخول؛
- وفاة الزوجة دون الإنجاب.
3/"الشركتو":
هو مساهمة من والد الزوجة إذ يقدم, حسب وضعيته الاجتماعية, مجموعة من الأموال تتمثل في منقولات أو عقارات. وهو بمثابة مساعدة في حاجات الأسرة الجديدة, ويقوم مقام نصيب البنت في الإرث. وبالتالي, فهو مال خاص بالزوجة, لكن, لا يجوز لها التصرف فيه على حساب أولادها لأنّه ينتقل إليهم بعد وفاتها. و كان الزوج هو الذي يدير هذه الأموال. وترجع إدارتها للزوجة,
في حالة وفاة زوجها أو حالة طلاقها منه. أما في حالة وفاة الزوجة, يرجع الشركتو لأولادها؛ وإذا لم يكن لها أولاد, يرجع لأسرتها الأصلية.
4/"النودونو":
هو هدية من الزوج لزوجته خلال حياتهما الزوجية. و هو عبارة عن أموال عقارية أو منقولة تساعد الزوجة في حالة وفاة مفاجئ لزوجها, على تأمين معيشة أولادها. و يكون "النودونو" محل تحرير كتابي لإثبات حق الزوجة في هذه الأموال. ولكن لا يمكنها التصرف فيه إلاّ في حالة وفاة مفاجئ لزوجها. وإذا عقدة زوجُا آخرُا, فكان من الواجب عليها ترك "النودونو" للأولاد.
المطلب الثالث: انحلال الزواج
هناك طريقتان لانحلال الزواج: طريقة طبيعية(فرع الأول ) وطريقة إدارية(فرع الثاني).
فرع الأول : الطريقة الطبيعية لانحلال الزواج
تتمثل الطريقة الطبيعية لانحلال الزواج في وفاة أحد الزوجين. وقد قرر قانون حمورابي, أنه في حالة وفاة الزوج وتركه أطفالاُ صغارُا, لا يجوز لأرملته إعادة الزواج إلاّ بإذن من المحكمة. ويكون لها مع زوجها الثاني الحق في إدارة أموال الزوج الأول المتوفى. لكن هذه الأموال التي يسجلها القاضي ضمن قائمة رسمية, لا يمكن التصرف فيها لأنها مخصصة لتربية أطفال الزوج الأول.