محيط ـ عادل عبد الرحيم

قوات الأمن تحاصر مقر نيابات طنطا



منعطف خطير ونفق مظلم دخلته الأزمة المشتعلة بين المحامين والقضاة في مصر والتي تدخل أسبوعها الثاني دون أي بريق أمل نحو الانفراج، خصوصا بعد فشل مساعي الاحتواء التي قام بها د. احمد فتحي سرور، رئيس البرلمان المصري الملقب بشيخ القضاة، بخلاف فشل مندوبين عن رئاسة الجمهورية في احتواء الانفجار الدائر حاليا.

فبعد التصعيد الذي دعا إليه د. حمدي خليفة، نقيب المحامين، ودعوته للمحامين بالإضراب عن العمل، لم يقف القضاة مكتوفي الأيدي، حيث تقدم نحو 800 قاض بدعوة نادي القضاة إلى اجتماع عاجل من المقرر عقد الجمعة المقبلة لبحث سبل التصعيد أيضا من جانبهم، وقد تناسى الفريقان العواقب الخطيرة لهذه الأزمة على مصالح مئات الآلاف المهددة بالضياع بسبب مشكلة لا ناقة لهم فيها ولا بعير.

فبعض المواطنين ينتظرون أحكاما ربما تغير مجرى حياتهم مثل قضايا التعويض ويجرون خلف مكاتب المحامين منذ عشرات السنين، هؤلاء مهددين بشطب قضاياهم إذا تغيب المحامي عن جلسة النطق بالحكم، وكذلك المتهمين الذين ينتظرون الإفراج عنهم أو تمديد حبسهم احتياطيا، ربما يقضون فترة طويلا في غياهب السجن لحين إيجاد حل للأزمة.

كذلك الحال بالنسبة للمطلقات اللاتي ينتظرن الحكم في قضايا النفقة أو هؤلاء المنتظرات لقضايا التطليق أو ضم البناء، كيف سيصبرون إلى أن تأتي الحكومة بالفرج.

حيث أصيبت معظم المحاكم المصرية بالشلل التام على إثر الإضراب الذى نفذه عدد كبير من المحامين احتجاجاً على الحكم بحبس محاميين بمحافظة الغربية بتهمة الاعتداء على قاض، وكذلك إحالة 19 أخرين للتحقيق أمام نيابة الاستئناف بتهم التجمهر واتلاف المال العام والتعدى على مدير نيابة طنطا بالضرب.

وشمل الإضراب عدداً من محاكم القضاء الإدارى والمحاكم المدنية والجنائية، رفض المحامون دخول الجلسات، وتجمعوا أمام القاعات لمراقبة إدارة المحكمة، إلا أن بعض المحامين استمروا في عملهم وترافعوا امام المحاكم وقد استجاب عدد من القضاة للإضراب وقضوا بتأجيل الجلسات، ورفض بعضهم واستمروا فى متابعة الجلسات فى غياب المحامين .

المحامون ينددون بحبس زملائهم



واستجابت النقابات الفرعية لقرار مجلس النقابة العامة الذى دعا فيه حمدى خليفة نقيب المحامين إلى الإضراب فى جميع المحاكم بعد فشله فى تسوية الأزمة مع المستشار عبد المجيد محمود النائب العام، وفى ظل تصعيد نادى القضاة للأمر فى اجتماعهم الاثنين .

ووصلت نسبة الإضراب فى بعض المحافظات ومنها القاهرة والغربية ودمياط وكفر الشيخ 100% ، بتقدير النقابة، حيث رفض المحامون الدخول مطلقا إلى داخل المحاكم ، وتجمهر عدد كبير منهم أمام المحاكم بينما بلغت النسبة في بعض المحافظات الى 50% .

والملاحظ في هذه الأزمة أن وتيرة الأحداث اتخذت منحى تصاعديا بصورة تنم عن وجود نية مسبقة بين الفريقين، فرغم النظرة إلى المحامين باعتبارهم القضاء الواقف والقضاة هو القضاء الجالس أي أنهما متكاملان لا متصارعان، إلا أن الواقع لا يشير إلى ذلك دائما.

حيث استشرت روح كراهية بين الجانبين وأخرجت الألسن ما تخفي الصدور خصوصا من جانب المحامين الذين أظهرت الأزمة روح الحقد التي يحملونها ضد القضاة ليس بدافع الغيرة أو الوجاهة أو أو ولكن لحيثيات أخرى تستحق وضعها في الاعتبار من صانعي القرار.

حيث ينظر دائما للقضاة بعين الاعتبار والتقدير وتوفر لهم جميع الخدمات وتمنح لهم كافة التسهيلات بدءا من إعفائهم من دفع الجمارك ولا مخالفات السيارات ولا حتى فواتير الهواتف وتتوافر لهم مساكن لائقة ومصايف ترفيهية خيالية وينعمون بثلاثة شهور كعطلة قضائية سنويا.


من يطفئ نار الأزمة المستعرة بين القضاة والمحامين


بينما يرزح آلاف المحامين تحت ظروف عمل يرونها سيئة للغاية بدءا من المغالاة في فرض رسوم إقامة الدعاوى القضائية وتسديد دمغة نقابة تصل إلى مائة جنيه بل أن رسوم الالتحاق بالنقابة نفسها تعادل نحو 20 ضعف النقابات الأخرى ورغم ذلك لا يستفيدون من أي دعم أو وضع اجتماعي مريح أو أية تسهيلات رغم أنهم يسددون عشرات المليارات سنويا ينفق منها على رفاهية القضاة بحسب ما يعتقد المحامون، فحتى مشروع العلاج لديهم تشوبه الكثير من العقبات التي لا تحقق له أية فائدة.

ولعل هذه الأوضاع وغيرها من مصاعب يعانيها المحامون في التعامل مع رجال الأمن وأجهزة الدولة هي مما رفع من درجة حرارة الأحداث إلى حد الاشتعال على هذا النحو الذي يهدد بالانفجار إذا لم يتم احتوائه بحكمة وضبط للنفس بدلا من التهور والاندفاع.

ويرى الكثيرون أن وضع حلول ناجعة لهذه الأزمة بتهيئة ظروف عمل أفضل للمحامين ونظرة أكثر تقديرا لدورهم المهم في كشف الحق والدفاع عنه وتوفير غطاء اجتماعي واقتصادي جيد، سيكون أفضل كثيرا من جلسات المصالحة الشكلية التي تشبه المسكنات الضارة في حين يبقى ما في القلب في القلب.


المصدر هنا