سياسه أوغسطس فى تنظيم ولايه مصر

كان سقوط الاسكندريه يوافق اليوم الاول من الشهر السادس فى التقويم الرومانى القديم(شهر أوغسطس فيما بعد) . وبسقوطها دخلت مصر أخيرا فى حوزه الرومان بعد ان طال اشتهاؤهم اياها اتصبح واحده من اهم الولايات واغناها فى امبراطوريتهم المتراميه الأطراف، وبذلك اكتملت سيطرتهم على ممالك الشرق الهلنستى وأقطاره جميعا . وبموت كيلوباترة السابعه فى اليوم العاشر من الشهر نفسه انقضت سلاله الملوك البطالمه وانتهى حكمهم فى مصر بعد ان دام قرابه ثلاثه قرون. وخلصت روما من ذلك الكابوس الثقيل الذى ارقها وأثار فى نفوس ساستها الهلع سنوات طويله، حين كانت ترقب بقلب واجف أحداث الصراع بين ابنيها انطونيوس واوكتافيانوس بعد ذلك فى الوثائق من انه يوم دخل الاسكندريه أنقذ الدوله من خطر بليغ. كذلك تجلت فرحه الرومان بانتصار قائدهم المظفر فى تلك العمله التذكاريه التى صدرت بهذه المناسبه وعليها صوره التمساح أشهر المعبودات المصريه فى ذلك الحين(الاله سوبك) ورمز النيل، وتحتها عباره من كلمتين اثنتين ومعناها: غنمت مصرAegypto Capta، كما تجلت فى ذلك القرار الذى أصدرهمجلس الشيوخ الرومانى باعتبار يوم الغنيمه عيدا وطنيا يحتفل به ضمن قائمه الأعياد فى روما .

اوكتافيانوس فى الاسكندريه

وبالرغم من الحقد الذى كان اوكتافيانوس يضمره لمدينه الاسكندريه و الذى تخلف عنده من عنف الصراع بينه و بين انطونيوس و حليفته كليوباترة، فانة منع جنودة من استباحة حرمة المدينة بالنهب والسلب على عادة الغزاة الفاتحين مع البلاد التى يعتبرونها غنيمة حرب. وقد اعلن عفوة عن المدينة فى خطاب قصيرالقاة باللغة اليونانية التى لم يكن يجيدها بحال، لكنة
لم يخف فى هذا الخطاب ازدراءة للاسكندريين، ويقول ديون كاسيوس ان اكتافيانوس " برر عفوة عنهم بالالة سرابيس واكراما لذكرى مؤسسها الاسكندر ومن اجل الفيلسوف آريوس احد مواطنى الاسكندرية الذى افاد اوكتافيانوس من علمة وصحبتة، ونحن نتصور ان جمال المدينةو بهاءها الفائق قد كان لة دخل فى قرارة، كما ان نفسة كانت قد رضيت حين حصل على كنوز البطالمة سالمةوهى الكنوز التى كان على اكبر قدر من الاهتمام بها والتعويل عليها للانفاق فى المسقبل وكان يخشى ان تعمد كليوباترة فى يأسها الى تدميرها. غير انة بالرغم مما اظهره اكتافيانوس لذكرى الاسكندر الاكبر من احترام وتبجيل، حيث شاهد جثمانه وتفحصه ووضع عليه تاجا من الذهب ونثر فوقه الزهور، فانه تعمد ان يذل كبرياء الاسكندريين الذين كان يعلم حق العلم اعتذاذهم بانفسهم وبمجد مدينتهم وثرائها. فعندما أظهروا له رغبتهم- تملقا له ومداهنه بالطبع- فى ان يشاهد أضرحه الملوك البطالمه رد قائلا بأنه" رغب فى ان يشاهد ملكا لا امواتا" ولعله أراد أن يفهمهم أن الأوضاع قد تغيرت، ولم يعد لمدينتهم مركزها القديم بوصفها عاصمه لمملكه البطالمه المستقله، لان هذا العهد قد انقضى، وصاروا كسائر سكان مصر رعايا خاضعين لروما. لكن أشد ما أحفظ قلوب الاسكندريين على اوكتافيانوس هو رفضه ما التمسوه منهمن اعاده مجلس الشورى Boule الى مدينتهم، وكان هذا المجلس يعتبره أبرز سمات الاستقلال الذاتى فى اى مدينه يونانيه Polis. والغالب ان الاسكندريه تمتعت بوجود هذا المجلس فيها منذ تأسيسها لكنه ألغى فى وقت وظروف لايمكن تحديدها فى الشطر الثانى من حكم البطالمه. ونحن نرى أنه لم يكن من الممكن أن يوافق اوكتافياموس على هذا الطلب، لأن عوده هذا المجلس كان أدعى الى ان يذكى من شعور الاسكندريين بكبرياء المدينه المستقله وهو الذى أراد أن يكسر شوكتهم. ولعل مما زاد فى غضب الاسكندريين أنه أقر للجاليه اليهوديه المقيمه فى المدينه بحقوقها القديمه، حيث كانت لهم جماعه قوميه Politeuma معترف بها ولها رئيسEthnarchos ذواختصاصات اداريه وقضائيه الى جانب زعامته الدينيه الروحيه، بل منحهم اوكتافيانوس علاوه على ذلك مجلسا للشيوخGerousia لعله كان أشبه بمجلس السنهدرينSynedrion القديم فى فلسطين.

وللمرء أن يتسأل عن سر التفرقه فى المعامله من حيث العطف الظاهر على اليهود والتشدد الظاهر مع الاسكندريين. وهنا نلاحظ أن الرومان كانوا يرتاحون الى طائفه اليهود التى كانت قد أعدت نفسها منذ زمن لاستقبال الرومان فى مصر بعد أن أحست بأنهم سيكونون فى وقت قريب حكامها الجدد. وتجلى ذلك فى مساعدتهم للقوات الرومانيه التى أعادت بطليموس الثانى عشر(الزمار) الى عرشه فى عام 55 ق.م. ومساعدتهم ليوليوس قيصر أثناء "حرب الاسكندريه ( 48-47 ق.م ) ، وموقفهم المتخاذل من كيلوباترة أثناء صراعها مع حليفها أنطونيوس ضد أوكتافيانوس. و من ثم يمكن اعتبار تعاطف الرومان مع اليهود من هذا الوجه نوعا من المكافأه لهم. ومن وجهة اخرى لم يكن هناك مايخشاه الرومان من منح اليهود حقوقا تبدو دستورية على نحو ما ، اذ لم يكن لهؤلاء تطلعات سياسية تهدد حكم الرومان فى مصر باعتبار أنهم جالية تقيم فى مدينة ليست مدينتهم أى لا يتمتعون فيها بحق المواطنة ، بل كانوا لذلك أدعى أن يكونوا عملاء للرومان من باب العرفان . وقد كان الموقف مختلفا تماما بالنسبة لمنح الاسمندريين مجلسا للشورى كما سبق القول . وأخيرا فعلينا ألا ننسى المبدأ الذى اصطنعه الرومان فى حكم الشعوب لأيجاد نوع من التوازن السياسى وهو مبدأ "فرق تسد" divide et impera وقد قصدوا الى تطبيقه على الاسكندرية ضمانا للهدوء فيها . بيد أن هذا لم يتحقق ، لأنه لما كان الاسكندريون يعتبرون اليهود أجانب فى المدينة ويكنون لهم الكراهية و الاحتقار ، فان سياسة أوكتافيانوس قد جعلت العلاقة متوترة منذ البداية بين الاسكندريين وكل من السلطة الرومانية التى تشددت معهم واليهود الذين دللتهم هذه السلطة على حسابهم . وأدى تراكم الأحقاد الى وقوع فتن و أحداث دامية فى المدينة اعتبارا من عام 38 م .