السلطه المحليه:
لم يكن في وسع الملك ووزرائه الاضطلاع بمهام الحكم، دون مساعدة هيئة مدربة من الموظفين. ويعتبر تكوين هذا الجيش من الموظفين من جلائل أعمال البطالمة. ويزيد في قيمة عمل البطالمة الأوائل أنه لم يكن لهم ولا لأعوانهم الذين وفدوا معهم دراية خاصة، ولا تعليم مناسب للعمل الذي اضطلعوا به، فإنهم قبل ذلك كانوا يديرون شئونهم الخاصة بطريقة بدائية، كما أن إدارة الشئون العامة التي اشترك فيها بعض هؤلاء المهاجرين في بلادهم الأصلية كانت أولية إذا قيست بالنظم البطلمية.

ومن العسير أن نعرف كيف تمكن البطالمة من تكوين هذه الأداة الحكومية الدقيقة، في بلد أجنبي ووسط ظروف غريبة، من عناصر لم تتوافر لديها المؤهلات اللازمة لمثل هذا العمل، فإن رءوس هذه الأداة ومديري مصالحها المختلفة وأقسامها المتعددة كانوا كلهم تقريبًا من الإغريق، الذين لم يعدهم ماضهيم للاضطلاع بمثل هذه الأعمال المعقدة.

ولا شك في أن أداة البطالمة الحكومية كانت إلى حد ما من تراث الماضي، لكنها أصبحت في مجموعها أداة إغريقية منظمة تنظيمًا دقيقًا. ولم تقتصر هذه الصبغة الإغريقية على أسماء المناصب – وقد كانت في بداية الأمر غامضة غير دقيقة – ولا على استخدام اللغة الإغريقية، ولا على نظام إغريقي للمحاسبة، إذ كانت هذه الأداة إغريقية في نظامها وفي الروح التي سرت فيها. وقد كان ذلك طبيعيًا لأنه كانت للبطالمة وبخاصة الأوائل منهم أهداف وأغراض جديدة، كان تحقيقها يتطلب إعادة تنظيم الشئون الإدارية والمالية والاقتصادية القديمة التي كانت سائدة في مصر قبل مجيئهم إليها. ومن ثم كانوا يتطلبون من موظفيهم أن ينشئوا ويجددوا، وألا يكتفوا بتسيير الأداة الحكومية القديمة. وليس أدل على المهارة التي اكتسبها أولئك الموظفون على عهد بطلميوس الثاني من القوانين المالية والاقتصادية التي أصدروها في عهده.

إن نجاح البطالمة في إعادة تنظيم الأداة الحكومية لتحقيق أهدافهم، يعتبر من أبدع مبتكرات العبقرية الإغريقية، ودليلاً على مرونتها واستعدادها لتكييف نفسها وفقًا للظروف التي توجد فيها. ومن المؤكد أن البطالمة أنفسهم وكبار مساعديهم ومستشاريهم هم الذين وضعوا أساس البناء، الذي كان يجب على صغار الموظفين استكماله. وإذا كانت الظروف قد قضت أول الأمر باختيار الموظفين من أوفق العناصر الأجنبية التي توفرت لدى الملك، فإن هؤلاء الموظفين اكتسبوا بمضي الزمن دراية بملهم أورثوها لخلفائهم. ولا يبعد أن قد كانت مكاتبهم منذ البداية مصالح حكومية، وفي الوقت نفسه مراكز لإعداد الشبان لتولي المناصب الحكومية. وقد نجحت الأداة الحكومية البطلمية في أداء عملها بدقة ومهارة في كل فروع الإدارة. وإذا لم تكن هذه الأداة الحكومية أداة كاملة الإتقان – ويجب أن نلاحظ أننا لم نسمع قط عن أية أداة حكومية كاملة – فإنها كانت كفيلة بتحقيق أهداف البطالمة. لكن هذه الأداة الدقيقة تدهورت في أواخر عصر البطالمة، وأصبحت أداة فاسدة مرهقة كل همها ابتزاز الأموال، غير أن هذا لم يكن عيب تصميم هذه الأداة، وإنما عيب الظروف التي عملت فيها وطبيعة الأهداف التي وجهت إليها.

ولا شك في أنه عند وفاة بطلميوس الثاني، كانت قد وضعت القواعد الأساسية التي قام عليها نظام الحكم، الذي نستخلص من الوثائق البردية أنه كان متبعًا في عهد البطالمة. ولعل السر في ندرة الوثائق البردية الإغريقية، التي تصف لنا النصف القرن الأول من حكم البطالمة، يرجع إلى أن بطلميوس الثاني هو الذي استكمل نظم الحكم البطلمية.

وأول ما يسترعي انتباهنا في دراسة نظم الحكم البطلمية، هو الفارق بين النظم التي وضعت للإغريق والنظم التي طبقت على أهل البلاد. ويبدو هذا الفارق جليًا في المركز الشخصي الذي اختص به الإغريق، وفي المدن الإغريقية التي أنشئت على أرض مصر. وإذا كان كثر السنين وتتابع الأحداث قد خفف من حدة هذا الفارق، فإنهما لم يقضيا عليه كلية.