التشريع في ظل السلطة الوطنية الفلسطينية

عادت السلطة الوطنية الفلسطينية إلى البلاد سنة 1994 بموجب اتفاقية أوسلو وقد أعطت المادة (7) من الاتفاقية مجلس السلطة المكون من (24) عضواً حق اقتراح مشاريع القوانين، وفي نفس الوقت استوجبت الاتفاقية ضرورة عرض هذه المشاريع على الجانب الإسرائيلي حتى يوافق عليها. فإذا ما وافق عليها تصدر تلك القوانين من قبل رئيس السلطة وإن رفضت تلك المشاريع لا يجوز لرئيس السلطة إصدارها، وكان على الجانب الإسرائيلي أن يبين موافقته أو رفضه في خلال شهر من تاريخ تبليغه بها فإذا لم يتم الرد خلال الشهر يعتبر ذلك بمثابة موافقة.



إلا أن السلطة الوطنية برغبة شعبية لم يرق لها هذا الحال ورفضت عملياً هذا الوضع بالنسبة لوضع التشاريع الثابتة، واتبعت وضع القرارات والقوانين دون الرجوع إلى الجانب الإسرائيلي بحيث قام ديوان الفتوى والتشريع بهذا الدور الرئيس في هذه الفترة لصياغة تلك القوانين ومراجعتها. واستمر الحال كذلك طبقاً لاتفاقية أوسلو إلى أن تم تشكيل المجلس التشريعي سنة 1995 الذي تولى مهمة إقرار القوانين بعد دراستها وقراءتها القراءة الأولى والثانية والثالثة، إلا أن ديوان الفتوى والتشريع استمر في مهمته بشكل أكثر اجتهاداً ومثابرة، بحيث لم يعد هناك أي جهة أخرى قادرة على صياغة المشاريع القوانين والقرارات واللوائح بشكلها الصحيح سوى الديوان، وأنه لابد وأن تمر من خلاله جميع المشاريع التي تطرح من قبل الجهات الرسمية لصياغتها ثم يقوم الديوان بعد إنجازها بإحالتها لمجلس الوزراء الذي يقوم بدوره بإحالة المشروع إلى المجلس التشريعي ثم يقوم الأخير بقراءاته الثلاثة ثم يقر المشروع ويرسل للرئيس السلطة الوطنية لإصداره طبقاً لما ورد في نصوص القانون الأساسي الصادر بهذا الشأن. وقد صدر في عهد السلطة الوطنية منذ سنة 1994 حتى تاريخه 70 قانون في أمور مختلفة وحوالي 213 مرسوماً أو قراراً رئاسياً. ومن مجلس الوزراء 62 قرار وزاري، وأنه لا زال هناك العديد من مشاريع القوانين الهامة التي أعدت من قبل ديوان الفتوى والتشريع بيد المجلس التشريعي والتي تجري الآن مناقشتها في المجلس لإقرارها.



وإن عملية إعداد مشروع القانون في الديوان تجري على أحدث السبل التي تعد فيه مشاريع القوانين في العام وفي نفس الجهات والأجهزة التشريعية اللازمة لإدارته ثم إصداره فقد بين القانون الأساسي واللائحة الداخلية للمجلس التشريعي تفاصيل ذلك داخل المجلس أما بالنسبة لديوان الفتوى والتشريع فإن القانون رقم (5) سنة 1995 فقد أورد بعض تلك التي يقوم بها عمل الديوان.



ثم قام الديوان بتبني تحرير مجلة الوقائع الفلسطينية وهي الجريدة الرسمية اللازمة لنشر القوانين والتشريعات بحيث لا تعتبر أية تشريعات أخرى سارية المفعول ما لم يتم نشرها فيها، ويمضى على ذلك ثلاثون يوماً. وقد بلغت أعداد الجريدة الرسمية التي احتوت جميع القوانين والقرارات والمراسيم والأنظمة والمسماة بالوقائع إلى سبعة وأربعين عدداً كان آخرها في شهر أكتوبر سنة 2003.



والمعروف أن القوانين التي تصدر في ظل السلطة الوطنية الفلسطينية تشكل بديلاً للقوانين الأردنية المعمول بها في الضفة والقوانين المصرية المعمول بها في قطاع غزة، بحيث أصبح القانون الفلسطيني يغطي جميع الأراضي الفلسطينية في الضفة والقطاع بدلاً من وجود نظامين مختلفين في السابق، وهذا أمر ضروري تقتضيه مسألة توحيد الأراضي الفلسطينية تحت ظل دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف إنشاء الله.



إشكالية تعدد القوانين الفلسطينية

ورقة عمل الأستاذ/ فهمي النجار، قاضى محكمة بداية غزة:

في 4/5/1994 وقعت اتفاقية غزة أريحا أولاً بين طرفيها منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، ومن نتائجها المباشرة إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية، وفي 28 سبتمبر عام 1995 وقعت الاتفاقية المرحلية الفلسطينية الإسرائيلية. وذلك لأجل إعادة انتشار الجيش الإسرائيلي وتوسيع نطاق ولاية السلطة الوطنية الفلسطينية التي وضعت يدها على زمام الأمور في كافة مناحي الحياة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. وقد واجهت في حينه بنية قانونية غير سوية حيث يوجد نظام قانوني وقضائي في قطاع غزة، يختلف عن النظام القانوني والقضائي في الضفة الغربية خاصة وأن القوانين المطبقة في قطاع غزة والضفة الغربية هي عبارة عن مزيج منها ما هو عثماني ومنها ما هو بريطاني ومنها ما هو مصري ومنها ما هو أردني إضافة إلى الأوامر العسكرية الصادرة عن جيش الاحتلال الإسرائيلي. والتي طبقت على الضفة والقطاع بعد هزيمة 1967 والتي ألغت بموجبها الكثير من القوانين والتشاريع الفلسطينية التي تخالف أهدافها.



ومن المعلوم أن لكل من هذه القوانين مدارسها ومناهجها فمثلاً القانون العثماني وخاصة مجلة الأحكام العدلية والتي تعتبر من ضمن مصادر القانون المدني الفلسطيني مصدرها مدرسة الفقه الحنفي الإسلامي، والقانون البريطاني مصدره مدرسة الأنجلو سكسوني والتي تقوم على الأعراف والسوابق القضائية والأحكام، وكلاًّ من القانون المصري الذي طبق بعض منه على قطاع غزة، والقانون الأردني الذي طبق بأكمله على الضفة الغربية باعتبارها جزء من المملكة الأردنية ينتميان إلى المدرسة اللاتينية التي تعتمد على النصوص والتي طرأ عليها الكثير من التعديلات. بالإضافة إلى صدور العديد من القوانين الفلسطينية في ظل المجلس التنفيذي الذي أنشئ جرّاء صدور القانون الأساسي رقم 255 لسنة 1955 عن رئاسة الجمهورية المصرية، وأيضا خلال انعقاد جلسات المجلس التشريعي الذي أنشئ بعد صدور النظام الدستوري لقطاع غزة عام 1962 إضافة إلى قوانين أخرى تنتمي إلى مدارس متعددة.