الأمر الذي يبين معه أنه يوجد العديد من القوانين المطبقة ذات المصادر المختلفة ومن هنا ظهرت الإشكاليات القانونية فيما يتعلق بالنظام القانوني الذي ستطبقه السلطة الوطنية في المناطق التابعة لها وما هي طبيعة القوانين التي ستعمل بموجبها؟ وتقوم علي تطبيقها وقد انبرى العديد إلي القول بأنه يوجد فراغ قانوني يشمل مناطق السلطة الوطنية وهذا قول مردود عليهم خاصة وأن لدينا تراثنا القانوني الممتد عبر مئات السنين، وفي رأينا من ليس له ماضي فليس له حاضر ولا مستقبل. إن القوانين الإنجليزية حينما طبقت على فلسطين بعد صك الانتداب البريطاني إنما كان بموجب دستور عام 1922 كما أن ما طبق من قوانين مصرية زمن الحقبة المصرية إنما كان بموجب القانون الأساسي الصادر عام 1955 وأيضا بموجب الدستور الصادر عام 1962، وكذلك الضفة الغربية حينما طبق القانون الأردني عليها عام 1950 وما بعده فبموجب مرسوم ملكي كون الضفة الغربية اقتطعت في حينه من الأرض الفلسطينية وضمت إلى المملكة الأردنية إلا أنه لا يغيب عنا وجود إشكاليات قانونية جمة حيال تطبيق القانون خاصة وكما ذكرنا سابقاً عدم وحدة المصادر لهذه القوانين، و كان لا بد من ذكر ما سبق لنذكر من أين أتت الإشكالية فمع تعاقب الدول على احتلال أرضنا وكل منها وضعت القوانين والمراسيم التشريعية لحماية مصالحها هو الذي أوجد الإشكالية إضافة إلى تبعثر القوانين كما أن الإلغاء والتعديل الذي جرى على هذه القوانين جعل المختص القانوني وأصحاب المصالح في جهل من معرفتها وبالتالي كان القضاة والمتقاضون يجدون الصعوبة الجمة للوصول إلى القانون الواجب التطبيق، إضافة إلى اختلاف القانون من حيث تطبيقه فمثلاً قانون العقوبات الأردني المنتمى إلى المدرسة اللاتينية المطبق على الضفة الغربية يختلف في الكثير من مواده المطبقة عن قانون العقوبات الإنجليزي المنتمي إلى المدرسة الأنجلو سكسونية المطبق في قطاع غزة، فعلى سبيل المثال نصت المادة 27/1 من عقوبات الأردني رقم 1/1996 المطبق على الضفة الغربية (إذا حكم علي شخص بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر يجوز للمحكمة التي أصدرت الحكم أن تحول مدة الحبس إلى غرامة على أساس نصف دينار عن كل يوم وذلك إذا اقتنع إن الغرامة عقوبة كافية للجريمة التي أدين بها ذلك الشخص). فإذا حضر شخص من الضفة الغربية إلى قطاع غزة وارتكب جريمة عقوبتها ثلاثة أشهر فلا يجوز للمحكمة أن تستبدل هذه العقوبة بغرامة. وكما أن المادة 47 من القانون سالف الذكر نصت من ضمن الأسباب التي تسقط الأحكام الجزائية (الصلح) أو تمنع تنفيذها أو تؤجل صدورها هي صفح الفريق المتضرر لا يوجد ما يقابلها في القانون المطبق على قطاع غزة. المادة 281 من طلق زوجه ولم يراجع القاضي أو من ينوب عنه خلال خمسة عشر يوماً بطلب تسجيل هذا الطلاق كما يقضي بذلك قانون حقوق العائلة يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن شهر واحد أو بغرامة لا تزيد على خمسة عشر ديناراً لا يوجد مقابلها في قطاع غزة. لا يجوز فيه استبداله بالغرامة فهذه إشكالية وأيضاً بالنسبة لقانون الشركات المطبق في قطاع غزة يوجد الكثير من مواده تختلف تماماً عن قانون الشركات المطبق في الضفة الغربية بحيث أن الشركة القائمة في قطاع غزة بموجب القانون المطبق في الضفة الغربية لا يجوز قيدها في الضفة الغربية رغم أن كلا المنطقتين تشكل جسما جغرافياً واحداً، كما أن قانون الاستثمار المطبق في الضفة الغربية يختلف في بنوده عن قانون الاستثمار المطبق لدى قطاع غزة فهذه من الإشكاليات التطبيقية العملية التي ينعكس أثرها سلباً على المتقاضين في كافة مناحي الحياة. الأمر الذي حرصت السلطة الوطنية على إنهائه بمجرد إنشائها حيث صدر اثنان وعشرون قانون عن رئيس السلطة الوطنية ابتداء من القانون رقم 1 لسنة 1994 وحتى القانون رقم 3 لسنة 1996 وذلك بهدف توحيد القانون الفلسطيني ولمنع الازدواجية في التطبيق ولإنهاء الإشكالية القانونية، كما صدر واحد وأربعون قانوناً عن المجلس التشريعي ابتداء من قانون رقم 4 لسنة 1996 وانتهاء بالقانون الأساسي المعدل، كما صدر مرسومان رئاسيان لهما قوة القانون، وصدر ستون مرسوماً رئاسياً أخر منذ إنشاء السلطة حتى تاريخه وبذا أصبح همّ المشرع وحدة القوانين من حيث المصدر القانونى. ولكل ما تقدم فإننا نوصي بتشكيل لجان متخصصة لدراسة القوانين التي لم توجد بعد سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة ومقارنتها ومدى الاختلاف بينها من حيث التطبيق لكي تتمكن اللجان المختلفة حين وضع القوانين أن تجد بنك معلومات حول كل قانون يراد توحيده، كما أننا نوصي بأن لا نكون في عجالة مع الزمن لترتيب النظام القانوني قياساً بدول أخرى سبقتنا إلى ذلك. ولكل ما سبق فلا بد من وجود قانون فلسطيني واحد يطبق على كافة الأراضي الفلسطينية وذلك لإنهاء إشكاليات تعدد مصادر القوانين الفلسطينية التي كانت سارية على المناطق الفلسطينية قبل قيام السلطة الفلسطينية عام 1994.