القانون الفلسطيني والقضاء بالعرف

د.غيث أبو غيث، مستشار الرئيس لشؤون العشائر قدم ورقة تحت هذا العنوان كانت كالتالي:

إن ما هو معروف وشائع بالخطأ باسم القضاء العشائري هو في حقيقته الموضوعية والتاريخية (القضاء بالعرف) وهو مصدر أساسي للتشريع الوضعي وللقوانين لدى الشعوب والدول المختلفة.



القضاء بالعرف: يمكن تعريفه بأنه الأحكام التي أطمأنت واستقرت عليها النفوس بموافقة العقل والنقل واستقبلتها العادات والتقاليد بالرضا والقبول.



الأعراف والتقاليد والعادات: هي حصيلة لتبلور التكوين الثقافي والأخلاقي للفرد والجماعة في سياق التطور التاريخي، وتجسيد لمدى نضج علاقات التفاعل والتبادل بين أبناء المجتمع الواحد في إطار سلوكيات والتزامات تحقق السلام الاجتماعي والمصالح العامة والخاصة.



العرف: هو عند علماء الاجتماع مجموعة من الأحكام والقوانين والقواعد غير المكتوبة توارثها الأبناء عن الآباء وأصبحت ملزمة للفرد والمجتمع.



تطور القضاء بالعرف فلسطينياً

إن القضاء بالعرف والإصلاح يرجع إلى زمن بعيد وذلك عائد للحاجة لإيجاد روابط وضوابط تحكم سلوك الفرد ولتسيير حياة البشر للأفضل، حيث اعتمد القانون الروماني على القضاء بالعرف والعادة.



ولقد كان للقضاء بالعرف امتداد زماني، حيث لجأ العرب للاحتكام إلى الأعراف السائدة لديهم قبل الإسلام في العصر الجاهلي ومن قضاتهم المشهورين (هرم بن سنان والحارث ابن عوف) اللذان قاما بإصلاح ذات البين بين قبيلتي عبس وذبيان ومنهم ايضاً (الأكثم وهاشم ابن عبد مناف) ومن النساء اللاتي عملن في القضاء (هند بنت الحسن الأيادية وصخر بنت لقمان) فالقضاء بالعرف أول قانون في جاهلية العرب.



ولا ننسى قصة التحكيم في وضع الحجر الأسود في مكانه في بناء الكعبة المشرفة وقبول القبائل العربية بالاحتكام للرسول عليه أفضل الصلاة والسلام حيث حكم في تلك القضية ونزلت الأطراف المتخاصمة عند رأيه عليه السلام، أما في العهد الإسلامي فقد نزلت على الرسول الكريم الآيات التي تحث على الإصلاح واللجوء إلى التحكيم. ففي قوله تعالى في سورة النساء (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس) وفي قوله تعالى على لسان سيدنا شعيب (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت) تبيان أن رسالة الأنبياء هي للإصلاح بالمفهوم الواسع للكلمة وخاصة في شؤون الناس ومعاملاتهم وخصوماتهم بين بعضهم البعض. وفي سيرة الرسول الكريم عليه السلام وفي أحاديثه الشريفة الأمثلة الكبيرة التي تبين وتؤكد أهمية وشرعية الحكم بالعرف وقد أمره الله تعالى بقوله (خذ العفو وأمر بالعرف) وبقوله (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) وفي الحديث (الصلح جائز بين المسلمين).



أما في العصر الحديث فلا يخفي على أحد أن معظم القوانين الوضعية أخذت من العرف وأخذت به كمصدر من مصادرها التشريعية والقانونية، بل أن هناك بعض الدول التي تعتبر في قمة الدول المتقدمة والديمقراطية كبريطانيا مثلا والتي يعتبر قانون الدولة لديها كمجموعة من الأعراف التي تعارف المجتمع عليها حتى أصبحت قانوناً مكتوباً يسيرون عليه، وأيضا القانون الهندي هو قانون مستمد من العرف.



ففي عهد الأتراك تم تشكيل محكمة عشائرية ومجلس عشائري يضم فريقاً من الموظفين الإداريين والمشايخ لمساعدة الدولة في فرض هيبتها وتوفير الاستقرار، كما أنه في عهد الانتداب البريطاني تم تشكيل مجلس الدموم وذلك سنة 1919 في مدينة بئر السبع لحل القضايا المستعصية وصدر قرار بتشكيل محاكم العرف والعادة وقضاتها وتشكيل لجنة لهذا الغرض وفي عام 1948 شكلت لجنة إصلاح لحفظ سلامة مدينة نابلس وقراها في حال حدوث أي خلافات.



أما في عهد الانتداب الأردني فقد وسعت لجان الإصلاح وكان منها ما يختص بقضايا الدم ومنها ما يختص بقضايا العِرض ومنها ما اختص بقضايا الأرض كل حسب خبرته.



وقد انطبق هذا الأمر على قطاع غزة أيضاً إبان العهد المصري حيث كان الوجهاء ورجال العرف هم من يقومون بحل النزاعات والخلافات.



أما في عهد الاحتلال الإٍسرائيلي فقد تكرس عمل الإصلاح وأصبحت له أهمية قصوى في حياة الناس وذلك عائد لرفض شعبنا الفلسطيني اللجوء لمحاكم الاحتلال وشرطته وأجهزته القمعية حيث كان المواطنون يحلون خلافاتهم باللجوء إلى رجال الإصلاح والقضاة العرفيين، وحسب العرف والعادة الدارجة حيث شكلت لجان الإصلاح في جميع مناطق الوطن واتضح ذلك جلياً في عهد الانتفاضة الأولى المباركة.



وفي سنة 1985 عقد مؤتمر شمل رجال الإصلاح وعلماء الشريعة للتقريب بين عمل الإصلاح وبين الشريعة الإسلامية التي هي الأساس في أعرافنا وأحكامنا في الصلح. وقد استمر حل الخلافات باللجوء إلى لجان الإصلاح ورجاله حتى عهد الانتفاضة سنة 1988 في كل محافظات قطاع غزة ومخيماتها وقرى الضفة ومدنها.