المعهد العالي للقضاء
بين
شرارة الانطلاق.....و ...... سقف التطلعات
================================
بقلم : الأستاذ الدكتور محمود صالح العادلي
أستاذ القانون الجنائي
بجامعة الأزهر بمصر
والمحامي أمام المحكمة العليا
بسلطنة عُمان
=================================
تصاعد الخط البياني لمسيرة العدالة العُمانية :
مَنْ يتتبع مسيرة العدالة في سلطنة عُمان ... يعجب لتصاعد الخط البياني لهذه المسيرة ؛ فهى باستمرار في تصاعد مستمر ؛ بل تصاعد يصل أحيانا إلى حد القفزات المتتالية الراسخة .
صحيح أن الدراسات تشير إلى أن أول تنظيم قضائي في سلطنة عُمان كان في عام 1920م ، حيث تم إنشاء محكمتين تجارية و مدنية عدلية في كل من مسقط و مطرح .
بيد أن التطور الفعلي للقضاء في سلطنة عُمان بدأ في عام 1970 بتولي صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ( رئيس المجلس الأعلى للقضاء ) مقاليد الحكم ، إذ انطلقت عُمان في بناء مؤسسات الدولة العُمانية و إصدار التشريعات المنظمة لها و التي من بينها النظام القضائي.


ولقد توج ذلك بصدور المرسوم السلطاني رقم 35/2010 بإنشاء ( المعهد العالي للقضاء ) ؛ الذي يبدو أن شرارته الأولى ستنطلق مع احتفال السلطنة بالعيد الوطنى الأربعين .
ومن المتوقع أن تكون هذه الشرارة مصاحبة لبداية العام القضائي القادم ( 2010/ 2011م ). وذلك بعد استكمال التكوين الهيكلي للمعهد سواء على مستوى أعضاء هيئة التدريس ؛ أم على مستوى الهيكل الإداري للمعهد .
ولاشك في أن القائمين على إنشاء هذا المعهد سيحرصون على أن تكون بداية نشاطه بداية متميزة ؛ من خلال عقد الدورات التأهيلية والتدريبية لبعض المستهدفين بنشاط هذا المعهد . سواء من القضاة المساعدين أم معاوني الإدعاء العام الجدد أم من غيرهم .
وأياً كان الأمر بشأن بداية الشرارة الأولى لإنطلاق هذا الصرح العلمي من صروح العدالة ؛ إلا أنه من المتوقع أن يكون سقف التطلعات التى يسعى إلي تحقيقيها هذا المعهد بلا حدود .
نعم ؛ بلا حدود سواء فيما يتعلق بالزمان أم المكان أم الإنسان . وسواء فيما يتعلق بالموضوع .
وذلك على التفصيل التالي :
1- عدم محدودية التطلعات الزمنية :
لاشك في أن المعهد العالي للقضاء لن يكون محدود زمنياً بوقت معين لأداء دوراته التأهيلية والتدريبية . فهو غير محدود زمنيا بزمن العام القضائي ؛ ولا بساعات الدوام الرسمي .
فهو على مدار العامسيكون مشغولاً ومنشغلاً بهذه الدورات ؛ إذأنه سيستغل الفترة من أكتوبر إلى يونيو ( وهى الفترة الزمنية للعام القضائي ) لتدريب وتأهيل المستهدفين بنشاطه مِمَنْ لا يرتبطون بالعام القضائي ؛ وذلك مثل : القضاة المساعدين أو معاوني الإدعاء العام الجدد أو الكتاب بالعدل الجدد أو الموظفون الجدد بالهيئات القضائية المختلفة أوغيرهم مِمَنْ لم يستلموا عملهم بعد ؛ فوجودهم في هذه الدورات لن يتعطل معه عمل ما .
أما خلال الإجازة القضائية ( التي تبدأ في يوليو حتى نهاية سبتمبر من كل عام ) فمن المتوقع أن يركز المعهد على ممارسة نشاطه بالنسبة لقدامي القضاة وأعضاء الإدعاء العام والكتاب بالعدل وغيرهم مِمَنْ هم مستهدفين بنشاط هذا المعهد ؛ وذلك حتى لا تتعطل أعمالهم .
وليست أهداف المعهد ستكون غير محدود زمنياً بحدود العام القضائي ؛ بل أيضاً من المتوقع ألا تكون غير محدودة زمنياً بساعات الدوام الرسمي ؛ أم كيف ذلك ؟
فالرد سهل يسير . إذ أنه من المتوقع أن يستفيد المعهد بالتكنولوجيا الحديثة ؛ ومن صور ذلك - في نظرنا – أن المعهد سينشئ له موقعاً على الإنترنت ؛ وهذا الموقع سيتيح للمستهدفين بخدمات هذا المعهد من الاستفادة بكافة المواد العلمية المتاحة عليه بشأن دورات التدريب والتأهيل المطروحة ؛ ناهيك عن أنه من المأمول أن يكون للمعهد مكتبة ورقية وأخرى إليكترونية ؛ يمكن الاستفادة منها بمعرفة المستهدفين بنشاط هذا المعهد .
2- عدم محدودية التطلعات المكانية :
صحيح أن موقع المعهد سيكون بنزوي ؛ ولكن ليس معنى ذلك أن نشاط المعهد سيكون محدودا بمكان المعهد .
ومن المتصور أن تكون عدم المحدودية المكانية ؛ في حالات خاصة كأن جهة حكومية ما – على سبيل المثال - بحاجة إلى دورة لمدة زمنية محدودة وليكن أسبوعاً ؛ كأن تكون الدورة في التعريف بجرائم غسيل الأموال ؛ فلا غضاضة إذن توفيرا للوقت وللجهد أن ينتقل عضو أو أكثر من أعضاء هيئة التدريس لإعطاء مثل هذه الدورة .
كما أن من المتصور أن يكون عدم محدودية المكان ؛ من خلال إمكانية دخول الدارسين أو غيرهم على موقع الالكتروني للمعهد على شبكة الإنترنت ؛ وذلك سواء لمراجعة بعض المواد العلمية أم لمراجعة أعضاء هيئة التدريس بالمعهد بشأن استفسار أو استيضاح جزئية عليمة ما .


3- عدم محدودية التطلعات المتعلقة بالإنسان :
نعم الشرارة الأولي للمعهد يمكن أن تقتصر على أشخاص بعينهم هم المستهدفون بنشاط المعهد من القضاة وأعضاء الإدعاء العام والمحامين العمانيين .
غير أنه من المأمول ؛ ألا تقتصر خدمات هذا المعهد على هؤلاء فقط ؛ بل قد يمتد – بحسب التطور الزمني – إلى أشخاص آخرين من غير هؤلاء ؛ بل قد يكونوا من غير العمانيين .
وهذا سيتحقق – في نظري - من خلال خدمة التأهيل والتدريب عن بعد ؛ التى يمكن أن يشترك فيها كل مَنْ يرغب في الحصول على شهادة من المعهد على حصوله على دورة تأهيلية أو تدريبية من الدورات التى يعقدها المعهد ؛ وذلك بقطع النظر عن كونه من القضاة أو غيرهم من الموظفين العموميين أم المحامين ؛ بل وبقطع النظر عن جنسيته ؛ فيمكن من خلال هذه الخدمة أن يلتحق بها كل من يرغب : أياً كانت جنسيته ؛ وأيا كان موقعه على خريطة العالم .
كل ما هنالك يشترط لحصوله على شهادة أن يحضر امتحانات شفوية وتحريرية بالمكان الذي يحدده المعهد وبمعرفة أعضاء هيئة التدريس فيه .
4- عدم محدودية التطلعات المتعلقة بالموضوعات التي سيتم تدريسها أو التدريب عليها :
صحيح أن الشرارة الأولى لانطلاق المعهد العالي للقضاء ستكون محدودة موضوعياً بالمواد العلمية التى تسمح له بالانطلاق وهى محدودة بحدود النظرة الآنية لاحتياجات المستهدفين بنشاط المعهد .
غير أن من سمات القانون الوضعي أنه يتغير بتغير الزمن ، ليستوعب مستجدات الحياة ؛ ولاشك في أن ذلك سيضيف عبئاً إضافيا على القائمين على التدريس في هذا المعهد ؛ حيث عليهم مواكبة كل جديد في المجالين القانوني والقضائي ؛ واستيعابه ليكونوا على استعداد لشرحه وتفسيره للدارسين وإيجاد الحلول العملية لما قد يتوقع من مشاكل قانونية تتعلق بهذا الجديد .
****
هذا ؛ ولاشك في أن المعهد العالي للقضاء هو صرح يضاف إلى صروح العدالة التى يحرص جلالة السلطان قابوس بن سعيد حفظه الله ورعاه - على تدعيمها باستمرار .
ولا مراء في أن القضاء العماني في حالة خيرواطمئنان خلال كافة مراحله ، فهو يمارس دوره في تحقيق العدالة في المجتمع ؛ من خلال ما تحرص عليه وزارة العدل بشأن تسهيل كل السبل أمام القضاء ليقول القاضي كلمة الله في الأرض أو إن شئت كلمة الحق ؛ في جو يسوده الطمأنينة والهدوء
إذ يقوم القضاء بكل جوانبه ومجالاته المختلفة ـ وفق عمل منهجيةمرضية ومناسبة ـ بالدور الكبير والمؤثر الذي يبذله معالي الشيخ محمد بن عبد الله بنزاهر الهنائي ـ وزير العدل نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء ، من خلال حرصه على المتابعة الدائمة لسير تحقيق العدالة وتواصله المستمر مع أصحاب الفضيلة القضاة ؛ وتذليل كافة الصعوبات أمامهم لإنجاز القضايا بالكيفية الصحيحة وبالسرعة التي تكفل وصول الحقوق لأصحابها في أقرب وقت ممكن .
****
ولا جدال في أن المعهد العالى للقضاء - يمثل قفزة نوعية جديدة في مسيرة العدالة في سلطنة عُمان ؛ فهذا المعهد معقود عليه الكثير من الآمال والطموحات ؛ التى ستعود بالخير على أبناء السلطنة جميعاً سواء منهم القاضي أم المتقاضي .
meladely2010@hotmail.com