فقه المتغيرات في علائق الدولة الإسلامية بغير المسلمين دراسة تأصيلية تطبيقية مع موازنة بقواعد القانون الدولي المعاصر عرض: عبد العزيز بن حمد الداوود الجمعة 09 ذو القعدة 1429 الموافق 07 نوفمبر 2008 عدد القراء : 1781



أصل هذا الكتاب: رسالة علمية تقدم بها الباحث لنيل درجة (الدكتوراه) في السياسة الشرعية من المعهد العالي للقضاء بالرياض التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
بعنوان: فقه السياسة الشرعية في علم السير مقارناً بالقانون الدولي.
الباحث: الشيخ سعد بن مطر بن دغيس المرشدي العتيبي.
المشرف على الرسالة: د.سعود بن محمد البشر.
العام الجامعي: 1423هـ - 1424هـ.
الدرجة: حصلت الرسالة على تقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى.
وتقع في ثلاث مجلدات كبار، وعدد صفحاتها 1373 صفحة.
وقد طبعت بالعنوان المشار إليه أعلاه، وبتقديم ثلاثة من العلماء وهم كل من: د.فؤاد عبدالمنعم أحمد، و أ.د.عبدالله بن إبراهيم الطريقي، و د.عبدالرحمن بن صالح المحمود.
الناشر: دار الهدْي النبوي – مصر، ودار الفضيلة – السعودية.
وقد قام الباحث في جمع هذه المسائل وترتيبها في ضوء الخطة التالية:
قسّم مادة البحث إلى مقدمة، وفصل تمهيدي، وبابين، وخاتمة.
أمَّا المقدِّمة، فقد بيّن فيها: أهمية الموضوع، وأسباب اختياره، ومنهج الدراسة فيه، وخطته.
وأمَّا الفصل التمهيدي لبيان مفهوم السياسة الشرعية، وعلم السِّيَر؛ فقد اشتمل على ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: السياسة الشرعية: تعريفها ومجالاتها - الفرق واعتبار الفقهاء لها([1]).
المبحث الثاني: تعريف علم السِّيَر،وما يرادفه في النظم الحديثة، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف علم السِّيَر وتقسيمه.
المطلب الثاني: مسميات علم السِّيَر لدى الباحثين المعاصرين، وفي النظم الوضعية.
المبحث الثالث: مفهوم المجتمع الدولي في علم السير، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: تقسيم الدار في علم السِّيَر.
المطلب الثاني: الدولة في علم السِّيَر.
المطلب الثالث: مقارنة القانون الدولي بمفهوم المجتمع الدولي في علم السير.
وأمَّا البابان فهما على النحو التالي:
الباب الأول: فقه السياسة الشرعية في أحكام السلم، وفيه خمسة فصول:
الفصل الأول: فقه السياسة الشرعية في أحكام الجزية، وفيه مبحثان:
المبحث الأول:تعريف الجزية، وبيان مشروعيتها من حيث الأصل.
المبحث الثاني: فقه السياسة الشرعية في أحكام الجزية، وفيه مطالب:
المطلب الأول: فقه السياسة الشرعية في تقدير الجزية.
المطلب الثاني: فقه السياسة الشرعية في أخذ الجزية تحت مسمى آخرك (الصدقة)، وقيوده.
المطلب الثالث: فقه السياسة الشرعية في الإجراءات التنظيمية في جباية الجزية.
الفصل الثاني: فقه السياسة الشرعية في أحكام الأمان، وفيه مبحثان:
المبحث الأول: تعريف الأمان، وبيان مشروعيته من حيث الأصل.
المبحث الثاني: فقه السياسة الشرعية في أحكام الأمان، وفيه مطالب:
المطلب الأول: من له حق إعطاء الأمان، وتنظيم عقده.
المطلب الثاني: أخذ العشور من أهل الحرب مطلق أم هو على سبيل المعاملة بالمثل؟
المطلب الثالث: هل للإمام تخفيف العشور على تجار أهل الحرب إذا كان في المجلوب مصلحة؟
الفصل الثالث: فقه السياسة الشرعية في أحكام الهدنة والمعاهدات السلمية، وفيه مبحثان:
المبحث الأول: تعريف الهدنة وما يندرج تحتها من المعاهدات.
المبحث الثاني: فقه السياسة الشرعية في أحكام الهدنة والمعاهدات السلمية، وفيه مطالب:
المطلب الأول: مشروعية عقد الهدنة، وما يندرج تحتها من المعاهدات السلمية.
المطلب الثاني: الشروط في عقد الهدنة، وما يندرج تحتها من المعاهدات السلمية.
المطلب الثالث: نقض الهدنة مقيدة أو مطلقة.
الفصل الرابع: فقه السياسة الشرعية فيما يتعلق بالرسل والسفراء، وفيه مبحثان:
المبحث الأول: بيان المراد بالرسل والسفراء ومن في حكمهم.
المبحث الثاني: فقه السياسة الشرعية فيما يتعلق بالرسل والسفراء، وفيه مطالب:
المطلب الأول: عقد الأمان لرسل الكفار، ومفاوضيهم.
المطلب الثاني: معاملة الرسل والوفود.
المطلب الثالث: مكاتبة الملوك والرؤساء.
الفصل الخامس: مقارنة القانون الدولي بفقه السياسة الشرعية في أحكام المعاهدات، وفيه مبحثان:
المبحث الأول: تعريف المعاهدات في القانون الدولي وأنواعها.
المبحث الثاني: مقارنة القانون الدولي بفقه السياسة الشرعية في أحكام المعاهدات.

الباب الثاني: فقه السياسة الشرعية في أحكام القتال ( الحرب )، وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول: فقه السياسة الشرعية في المقدمات التي تسبق نشوب الحرب، وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: فقه السياسة الشرعية فيما يتعلق بتجهيز الجيش الإسلامي وإعداده.
المبحث الثاني: فقه السياسة الشرعية في إجراءات أخذ الحذر والحيطة.
المبحث الثالث: فقه السياسة الشرعية في إعلان القتال.
المبحث الرابع: مقارنة القانون الدولي بفقه السياسة الشرعية في المقدمات السابقة لنشوب الحرب.
الفصل الثاني: فقه السياسة الشرعية أثناء القتال، وفيه خمسة مباحث:
المبحث الأول: فقه السياسة الشرعية في العمليات القتالية.
المبحث الثاني: فقه السياسة الشرعية فيما يتعلق بالخدع الحربية والتجسس.
المبحث الثالث: فقه السياسة الشرعية في معاملة الأشخاص أثناء الحرب.
المبحث الرابع: فقه السياسة الشرعية فيما يتعلق بممتلكات العدو.
المبحث الخامس: مقارنة القانون الدولي بفقه السياسة الشرعية أثناء القتال.
الفصل الثالث: فقه السياسة الشرعية بعد وقف القتال، وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: فقه السياسة الشرعية بعد وقف القتال فيما يتعلق بالجيش الإسلامي.
المبحث الثاني: فقه السياسة الشرعية فيما يتعلق بأسرى العدو.
المبحث الثالث: فقه السياسة الشرعية فيما يتعلق بأموال العدو.
المبحث الرابع: مقارنة القانون الدولي بفقه السياسة الشرعية فيما بعد وقف القتال.
· الخاتمة. (أهم نتائج البحث العامة، وبعض التوصيات).
· الوثائق.
· الفهارس: وتشمل: 1- فهرس المصادر والمراجع. 2- فهرس الموضوعات.

وفي مقدمة الكتاب عرض الباحث الأسئلة التي يجيب عنها البحث:
حيث قال: وأمَّا الأسئلة التي يجيب عنها البحث: فيمكن تجليتها بصياغة هذا العنوان بالتعبير العصري -تقريباً له- بأن يقال: فقه المتغيرات في الشريعة الإسلامية، في علائق الدولة الإسلامية بغير المسلمين، وموازنة تطبيقاتها بما يقابلها من قواعد القانون الدولي العام المعاصر؛ فالبحث إذاً، يحاول الإجابة على عدة أسئلة، أهمها ما يلي:
- ما مدلول السياسة الشرعية ؟ وما العلاقة بينها وبين تغيّر الأحكام ؟
- و هل في أحكام السير مسائل تتغير أحكامها، تبعاً لما تقتضيه السياسة الشرعية ؟
- وهل يوجد في قواعد القانون الدولي العام المعاصر، ما يُمكن أن يقابل تلك الأحكام ؟
- وهل يمكن موازنة تطبيقات فقه السياسة الشرعية -وفق مدلولها هنا- في أحكام السير، بما يقابلها من قواعد في القانون الدولي، مع بيانه بالتطبيق بإجراء الموازنة ؟
- وكيف تفيد الدولة الإسلامية من فقه السياسة الشرعية في أحكام السير، بمعناها الخاص، في ظل المجتمع الدولي الحالي، والدخولِ في الاتفاقات الدولية المعاصرة ؟
وعن أهمية الموضوع يجملها في ست نقاط:
1) أن علم السِّيَر ، علم يبحث -في معظمه- علائق المسلمين بأهل الملل الأخرى، من حربيين ومعاهدين، وهذا موضـوع قوي الصِّلة بمهمّات العلوم الشرعية (عقيـدةً، ودعوةً، وفقهاً)، فالبحث فيه يفيد الباحثين من الدارسين، ويفيد أهل الولاية من السياسيين، كما يثري المكتبة الإسلامية بما تحتاجه من تصوّر شمولي مؤصَّل.
2) أنّ علم السِّيَر ، علم متجدِّد المسائل، كثير النوازل، وعِـلْـمٌ هذه حاله لاشك أنه حَرِيٌّ بالدراسات العلمية التأصيلية، مع محاولة تنْزيل الأحكام على ما يمكن أن يكون محلاً لها من الواقع، إذا كان سالماً من الإيرادات المؤثِّرة.
3) أنَّ المجتمع الدولي –اليوم- يجثو أمام قوانين وضعية، صاغها، أئمة الكفر لتخدم مصالحهم -وإن لم تخل من بعض القوانين الطبيعية الفطرية- وألزموا بها من سواهم بما أدناه: رفع الشهاب، والتلويح بالنار، بحرب أو شبه حرب؛ فكان لزاماً على الدول الإسلامية إعلان النفير الفقهي الشرعي، الذي يزيل الغبار عن الإرث الإسلامي، ويبين للأمّة وقادتها المخرج الشرعي الواقعي بالدليل، وكشف زخرف القول بالتسويغ والتبرير الذليل.
4) أنّ الإرث العلمي الشرعي في هذا العلم، زاخر بالمسائل المتغيرة، التي تبرز بها السياسة الشرعية بمعناها الخاص؛ مما يقدِّم البرهان القاطع بنظر الشريعة للمصالح رعاية، وللمفاسد وقاية، مع تحمّل ما لابد من تحمله منها عند اقتضاء الموازنة الشرعية لذلك؛ وهذا يؤكِّد أهمية ضبط التعامل مع المتغيرات، بحيث لا تعود على الثوابت بالبطلان.
5) أنّ الانطلاق في تأصيل علم السياسة الشرعية بمفهومها الأخص، بدراسة تطبيقاته ومعرفة مآخذه (التأصيل الشرعي)، جانب ينبغي تأكيـد أثره في صحة التأصيل وسلامة الاستدلال، فكم من مسألة أصَّلَها فقهاؤنا قبل قرون، ولازال الكثير من طلبة العلم -فضلاً عن العامة- يظنونها من النوازل ومستجدات العصر؛ ولو حقق المرء ودقق، لوجد كثيراً من الحوادث والنوازل ذات جذور عريقة في التاريخ، بأن وقعت واقعة مقاربة، وأفتى فيها علماء ذلك العصر الذي وقعت فيه؛ والعلم بذلك من أهم ما ينبغي للفقيه والمتفقه العناية به؛ ولهذا كان العلماء يقولون: "لا يكون فقيهاً في الحادث، من لم يكن عالماً بالماضي" ([2]) ؛ وبهذا تتأكّد أهمية هذا الموضوع، وتتضح به جادة الطريق نحو سلامة التأصيل.
6) وأخيراً؛ فإنَّ أهمية هذا البحث تبرز في علاقته المباشرة بجميع علوم الشريعة، من تفسير، وشروح حديث، ومقررات عقيدة، فضلا عن علم الفقه المتخصِّص. وهذا مما يطلع الباحث على حقيقة شمولية الشريعة نصوصا، وأصولا، وقواعد.
وتتضح أهمية هذا الموضوع أكثر، من خلال ذكر بعض أهم الأسباب التي قادت الباحث إلى اختياره، وهي الآتي:
1) أن الدراسات العلمية المؤصّلَة في علم السياسة الشرعية، بمفهومها الأخص قليلةٌ جداً، وأغلبها منثور في مؤلفات متعددة فناً، مختلفة منهجاً -ولاسيما المتأخر منها- ومع هذا فالكلام فيها مقتضب غالباً، والسياسة الشرعية علم مهم، الحاجة فيه إلى الدراسات المؤصّلة تأصيلاً شرعياً -ولاسيما في هذا العصر- مُلحَّة جداً .
2) أن هذا الموضوع لم ينل ما يستحق من الدراسة المؤصَّلة، والعناية الخاصة، حتى في الدراسات الجامعية، من بحوث ورسائل؛ ومن تناوله، تناوله بشكل موجز، أو عَرَضَاً ضمن بحوث عامة في أحكام الجهاد، أو أحكام السياسة الشرعية بمفهومها العام؛ فلم أقف على دراسة مستقلة، لهذا الموضوع ( فقه السياسة الشرعية في علم السِّيَر…) بمفهومها الخاص.
3) تأكيد حقيقة تكفّل الشريعة المطهّرة بسعادة الناس، دنيا وأُخرى، وأنها بأصولها تَسَع الأمم في جميـع الأزمنة والأمكنة، إذا فُهِمت على حقيقتها، وطبِّقت على بصـيرة وهـدى –وذلك كلّه بالدليل الشرعي، والبرهان التطبيقي، دون اكتفاء بإبداء المعتقد الإيماني، أو الشعور العاطفي- ومن ثمّ كشف الحقيقة للباحثين، ودحض شبه المغرضين، وتفنيد آراء المفترين، الذين يتهمون الشريعة بالجمود والقصور، وعدم الوفاء بمتطلبات العصر، ومتغيرات العلائق، وسياسة الدولة مع المخالفين لها في الدين، من الرعايا، والأجانب.
4) الرغبة في بحث هذا الموضوع، حيث إنه يُسْهِمُ في تكميل جانب مهم من الجوانب ذات الصلة الأصلية بالتخصص (السياسة الشرعية).
5) الرغبة في الدمج بين الأصالة والمعاصرة؛ بتقديم ما ينفع العصر، مما قرّره السلف؛ جمعاً بين حفظ جهد الأوائل، والاعتراف بفضل أهل الأفاضل، وبيان حكم ما جدّ من المسائل، و تقديم الحلول الصحيحة لما يعرض من المشكلات.
6) الخلفية السابقة حول مسائل مهمة في هذا الموضوع من خلال البحث المكمِّل مرحلةَ (الماجستير )، ألا وهو (معاهـدات التحالف العسكري في الفقه الإسلامي – مقارنة بالقانون الدولي)؛ مما أرجو أن يعزِّز -بإذن الله- الأملَ في الوصول إلى نتائج مهمّة في فقه السياسة الشرعية عموماً، وفقهها في علم السِّيَر على وجه الخصوص.
7) أنَّ فقه السياسة الشرعية في علم السِّيَر فيما يتعلق بالكفار الأصليين، كثـيرةٌ مسائلُه -وهذا مما يؤيد إفراده بالبحث والدراسة- قال ابن فرحون -رحمه الله- بعد ذكره نماذج من مسائل السياسة الشرعية من كتاب الجهاد: "وكثير من المسائل السياسية"([3]).

وفي ختام البحث ذكر الباحث أهم النتائج التي توصل لها:
حيث قال: ظهر من دراسة موضوعات هذه الرسالة، نتائج مهمّة؛ يمكن إجمالها في البنود التالية، بعد تقسيمها إلى مجموعتين:
المجموعة الأولى: النتائج الكلية من دراسة فقه السياسة الشرعية في علم السير، وغيرها:
1) بيان الحد الفاصل بين الثابت والمتغير في فقه علم السير؛ وقد اتضح ذلك بما نهجه البحث من تقسيم السياسة الشرعية إلى مدلولين .. عام ( ثابت )، وخاص (متغير)؛ وثبوت وجوده في الفقه الشرعي الأصيل، تنظيراً وتطبيقا؛ فقد اتضح بالنظر في تعريفات السياسة الشرعية عند المتقدمين والمتأخرين - مما أمكن الإطلاع عليه- أنها تطلق على معان مجزّأة تكاد تنحصر في مفهومين، عام وخاص.
أمَّا المفهوم العام، فهو إطلاق السياسة الشرعية على: الأحكام، والتصرفات التي تُّدَبَّر بها شؤون الأمّة، ويدير بها الحاكم رعيته بما يحقق مصلحتها، سواء استند في ذلك إلى دليل جزئي نصيّ خاص، أو إلى قواعد الشريعة العامة، ومقاصدها. وهي حينئذ ترادف (الأحكام السلطانية).
وأمَّا المفهوم الخاص، فهو إطلاق السياسة الشرعية على: الأحكام والنظم التي تُدَبَّر بها شؤون الدولة الإسلامية، التي لم يرد فيها نص تفصيلي (أو جزئي)، أو التي من شأنها التَّغَيُّر والتَّبَدُّل، بما يحقق مصلحة الأُمَّة، ويتفق مع روح الشريعة وأصولها العامَّة.
2) البيان العملي لما ينفيه العلمانيون -من المنظِّرين الأجانب وتلاميذهم (حقيقة أو فكراً) من بني جلدتنا- ومن سلك مسلكهم، من خصائص الشريعة الإسلامية، ألا وهما خاصيتا الشمول والمرونة، مع تأكيد ذلك بالبرهان النظري.
3) إظهار فقه أهل الإسلام وبيان طريقتهم في دراسة النصوص الشرعية من حيث الكلية والجزئية، وسلوكهم طرائق استنباط دقيقة منضبطة، وبيان سبقهم فيما وصلوا إليه من نتائج، لأحدث ما وصل إليه التراكم المعرفي القانوني الطبيعي في مراحل تطوره المختلفة.
4) بيان سبب من أهم أسباب الاختلاف الفقهي بين أئمة الفقه، في جملة من مسائل البحث؛ ألا و هو: الاختلاف في إدراج مسألة ما من مسائل فقه السير، ضمن مسائل السياسة الشرعية بمعناها الخاص؛ ما بين مدخل لها فيها، ومخرج لها منها، وفق ما وصل إليه اجتهاد كل منهم في فهم جملة من الأدلة، أو في فهم نوع التصرف النبوي في فعل من الأفعال، ونحو ذلك.
5) تأكيد كون مصادر الشريعة الإسلامية، هي أساس الشرعية الإسلامية العليا؛ وأنَّ إطار ذلك أوسع مما قد يظنه بعض الباحثين؛ إذ تجلّى أنَّ ما لم يخالف الشريعة الإسلامية فهو منها، كما هو الشأن فيما وافقها؛ ومن ثمّ فلا يُتحرّج في الإفادة من تجارب الأمم الأخرى، فيما ثبت نفعه، مما لا مخالفة فيه للشريعة الإسلامية.
6) أنَّ الموازنة بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية؛ يجب أن تُسبق بالموازنة بين أصول الشريعة وخصائصها، وبين أصول القوانين وما توصف به من صفات؛ مع مراعاة الفروق بين المصطلحات الشرعية والفقهية، وبين المصطلحات القانونية؛ وأنَّ الانطلاق في الموازنة عبر مسارات جزئية لا تراعي ما ذكر، تجعل الموازنة غير موضوعية، بل ولا واقعية. كما يجب الانطلاق عند الموازنة من قاعدة الشريعة، لبيان ما يندرج فيها وما لا مدخل له في الشرعية الإسلامية؛ فإنَّها شريعة الله.
7) أنَّ دراسة علم السير (علاقة دولة الإسلام بغيرها)، فقه شرعي، كغيره من مسائل الفقه، يؤخذ من مصادر الشريعة الإسلامية التي يرجع إليها في بحث بقية الأحكام الشرعية وهي الكتاب والسنة والإجماع وما تفرغ عن ذلك من مصادر؛ وعليه فلا يؤخذ علم السير من أخبار المغازي التي لم تثبت من جهة الإسناد، ولا من الأحداث التاريخية التي مرّت في بعض عصور الدولة الإسلامية، كما هو صنيع بعض الباحثين؛ فالتاريخ مصدر عظة واعتبار، لا مصدر تشريع، اللهم إلا أن يذكر على سبيل عرض تجارب الأمم، وبيان المفيد منها، ليس إلا.
8) أهمية الدراسة التحليلية للفقه الإسلامي، لتمييز الثابت والمتغير، وكشف تقعيداته؛ للإفادة العملية منها.
9) أهمية العناية بأسباب الخلاف وكشفها من خلال النظر في أوجه الاستدلال عند المخالفين مع ما ينصّون عليه من ذلك، وأنّ ذلك خطوة عملية مهمّة للوصول إلى فهم نوع الخلاف من حيث كونه حقيقياً أو لفظياً، ومن ثم بيان شكليته وضم المسألة لجملة مسائل الاتفاق، أو الوصول إلى الراجح إن كانت المسألة مسألة خلاف حقيقي.
10) أنَّ السياسة الشرعية إطار فقهي لمسائل ذات صفات محدّدة لا يمكن أن تتعارض مع نصوص الشريعة وقواعدها؛ فإذا ما لوحظ تفريع مسألة أو تخريجها تتعارض مع ذلك، تبيّن خروجها عن وصف الشرعية؛ وبهذا يظهر الحد الفاصل بين السياستين الشرعية والوضعية؛ وبالخروج عنه تخرج المسألة عن الميزان الذي وضعه الله -عز وجل- للإنسان .
11) أنَّ دراسة أحكام الشريعة الإسلامية عامّة، وأحكام السياسة الشرعية خاصّة، سبب من أسباب زيادة الإيمان بالله -عز وجل- ودينِه الحقّ؛ فإنَّ لها صبغة لا تعرفها القوانين؛ ومذاقاً لا يعرفه الملحدون؛ مسلّمة لا شية فيها؛ من عرف قدرها وتأمّل أسرارها و حكمها جزم بأنَّها العدل كل العدل، والحق كلّ الحق؛ وصدق الله العظيم:{صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون} [ سورة البقرة ]. ولقد وجدها ابن القيم، فلخصها في قوله: "من له ذوق في الشريعة، واطلاع على كمالها وعدلها وسعتها ومصلحتها، وأنّ الخلق لا صلاح لهم بدونها البتة: عَلِم أنَّ السياسة العادلة، جزءٌ من أجزائها، وفرع من فروعها، وأن من أحاط علماً بمقاصدها، ووضعها مواضعها، لم يحتج معها إلى سياسة غيرها البتة"([4]).
المجموعة الثانية: التوصيات:
1) العناية في التعليم العالي، ببيان المصطلحات، وتحديد المفاهيم والمدلولات، ولا سيما فيما من شأنه تعليل الأحكام به، كالسياسة الشرعية؛ ومن ثم تحديد مجالات إعمالها؛ وهذا مما يؤكِّد أهمية العناية بدراسة المصطلحات الشرعية والفقهية، عند قصد الموازنة بالمدلولات القانونية والنظامية.
2) العناية باستخراج القواعد التي بنى عليها فقهاء الإسلام مسائل فقه السياسة الشرعية في علم السِّير، من ذوي التخصص الشرعي، وجمع تطبيقاتها السياسية عند فقهاء الإسلام، من جميع المصنّفات الشرعية ودواوين الشريعة، في التفسير، والسنّة وشروحها، والسيرة النبوية، وسيرة الخلفاء الراشدين، زيادة على كتب الفقه، والأصول، والقواعد؛ مع عدم معارضة التقعيدات الفقهية بتقعيدات مستحدثة.
3) الإفادة العملية، من البحوث السياسية الشرعية، في المشروع الواجب، مشروعِ العودة إلى الإسلام عقيدة وشريعة، في سبيل النهوض بالأمّة، ورفعها من كوبتها، و إعادتها إلى مكانتها من العبادة والدعوة والعزّة، والتمكين؛ إرضاء لله تعالى، ورفعاً للظلم عن أوليائه، وكبتاً لأعدائه، وبياناً عملياً للعالم –كلِّه- يكشف له حقيقة السعادة وطرائق تحصيلها في الدارين.
4) وهذا الواجب -في التزام الإسلام كافّة- يتعيّن على أولي الأمر من العلماء والأمراء؛ ثم على من دونهم من النواب والموظفين، كل على قدر طاقته.
5) عقد مؤتمرات علمية عالمية إسلامية، وندوات شرعية تأصيلية؛ لبيان ما اعترى فقه السياسة الشرعية من التحريف -بالاستناد في بيانها إلى أخبار المغازي التي لم تثبت صحتها، و من الأحداث التاريخية التي مرّت في بعض عصور الدولة الإسلامية، كما هو صنيع بعض الباحثين مثلا- وبيان كون السياسة الشرعية جزءاً من الشريعة، فهي فقه شرعي، كغيره من مسائل الفقه، يؤخذ من مصادر الشريعة الإسلامية التي يرجع إليها في بحث بقية الأحكام الشرعية؛ وهي الكتاب و السنة والإجماع وما تفرغ عن ذلك طرائق استنباط.
6) عقد مؤتمرات دولية عالمية، وندوات شرعية تعريفية؛ تبين الفقه السياسي الإسلامي، وتوضح ما اعترى الفقه السياسي الشرعية من التحريف بتطبيق بعض المنتسبين إليه، وتكشف كذب الأعداء وتشويههم للحقائق الشرعية، وتنفير النّاس من الإسلام وأهله.
7) ليكن أساس كل جهد فردي أو مؤسسي، طلب الحق وابتغاء الصواب؛ حتى يؤجر العبد أخطأ أو أصاب؛ ولا يكن غرض البحث تبرير واقع، أو مسايرة مخالف؛ فإنَّ مما قاله العارفون: "من لم يعمل من الحق إلا بما وافق هواه، ولم يترك من الباطل إلا ما خفّ عليه، لم يؤجر فيما أصاب، ولم يفلت من إثم الباطل"([5])، نسأل الله برحمته اللطف، والعفو، والغفران. ا.هـ
ومما تجدر الإشارة إليه في نهاية هذا العرض؛ أن الباحث اعتنى في بحثه بالتعرّف على ما لا يجده منصوصاً من أسباب الخلاف من خلال توجيه المستدل لدليله، أو ما يمكن أن يُوَجَّه به الدليل؛ وتبرز أهمية ذلك كوسيلة إلى الراجح من الأقوال، فضلاً عن أنه يُبِيْنُ عن عذر العلماء فيما يقع بينهم من خلاف فقهي. وربما ذكر نصوص العلماء في المسائل التي لا تذكر أدلتها في الغالب؛ لرجوعها إلى القواعد الكلية والمقاصد الشرعية.
كما أن الكتاب يعتبر من الإضافات العلمية الجادة والرصينة في الموازنة بين الأحكام الشريعة وسواها من الأحكام الوضعية المراعية لخصائص التشريع الكلي والجزئي.
والكتاب يعتبر بحق موسوعة في علم العلائق الدولية.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد و على آله وصحبه.



([1]) يقول الباحث: "وقد اختصرت هذا المبحث من ثلاثة مباحث في أصل الرسالة وقعت في أكثر من مائتي صفحة؛ وأشار علي عدد من أساتذتي الكرام (منهم د.سعود بن محمد البشر، ود. فؤاد عبدالمنعم، وأ د. عبدالله بن إبراهيم الطريقي) بإفرادها عند الطبع عن بقية الرسالة، لتكون مرجعاً مستقلاً في تأصيل علم السياسة الشرعية. ولذا اكتفيت هنا بإيراد ما يحتاجه الموضوع من ذلك من وجهة نظري. والله الموفق".
([2]) جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر 2/47 .
([3]) تبصرة الحكام : 2/195 .
([4]) بدائع الفوائد :3/146 .
([5]) الآداب الشرعية والمنح المرعية ، لابن مفلح :1/43 .



منقول للفائدة العامة as


الموقع http://www.islammessage.com/articles...&pg=2&aid=5283