(التزييف العميق للشخصيات بواسطة تقنية DeepFake وما تخفي ورآها من آثار)


في البداية تعد تقنية التزييف العميق (Deepfake) هي تقنية تعتمد على الذكاء الاصطناعي حيث تقوم هذه التقنية باستبدال صورة وجه شخص بوجه شخص آخر مستهدف، أو استبدال صوت شخص بصوت شخص آخر مستهدف، لتبدو مقاطع الوسائط المرئية أو السمعيّة المزيفة حقيقيّة.

وفي واقع الأمر تُستخدم تقنية التزييف العميق في الأساس للأفلام السينمائية، ولكن مع تقدم التكنولوجيا وتقنية البرمجيات الحديثة، تزداد قدرة الأفراد غير المختصين بإنتاج مقاطع مرئية وصوتية مشابهة، مما يفتح المجال لأصحاب النوايا السيئة باستغلال هذه التقنيات لصنع محتويات مقاطع صوتية أو مرئية مسيئة أو مزيفة تمس المستهدفين من الأفراد والمجتمعات بهدف التحريض وخلق المشاكل الاجتماعية والأمنية أو التي قد تصل إلى إخلال بالعلاقات الدبلوماسية من خلال تزييف محتويات وسائط صوتية ومرئية لدبلوماسيين وأشخاص ذوي أهمية مجتمعية، لذلك يجب الأخذ في الحسبان أن التزييف العميق يشكل خطراً على الأمن القومي واستقرار المجتمع، في حال لم يُضبَط.

وفي تقرير نشرته مجلة “سايبر سيكيورتي” Ciber Security الأميركية، وأعدته كاليب تاونسيند، تم إبراز أن معدلات تداول مقاطع الفيديو تشهد نموًا متزايدًا مع استمرار السماح بتوزيع برامج كمبيوتر وتطبيقات إلكترونية للتزييف العميق.

وحذر التقرير من أن إنشاء مقاطع الفيديو المزيفة بات من أسهل الممارسات، مثل برامج فوتوشوب لتحرير وإدخال تعديلات على الصور الفوتوغرافية، موضحًا أن السبب يرجع إلى تزييف مقاطع الفيديو يعتمد إلى حد كبير على تقنية التعلم الآلي بدلا من مهارات التصميم اليدوي، علاوة على أن مثل هذه البرامج والتطبيقات تكون عادة بما يجعله في متناول الكثير من المستخدمين العاديين.

ومن الأسباب التي تجعل استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في نشر المحتوى المزيف والتي يأتي في مقدمتها ومن أبرزها، التلاعب بالانتخابات من خلال نشر مقطع فيديو يظهر مرشح يشارك في فعل شائن أو يدلي ببيان مثير للجدل، وأيضا زرع الانقسامات الاجتماعية، ومحاولة نزع الثقة في مؤسسات الدولة أو السلطات العامة، وأيضاً تقويض الصحافة والمؤسسات الإخبارية البارزة ومصادر المعلومات الجديرة بالثقة.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية وبالتحديد ولاية تكساس عام 2019، أصدرت قانوناً من شأنه أن يجعل من غير القانوني توزيع مقاطع فيديو مزيفة تهدف إلى إيذاء مرشح أو التأثير على نتيجة الانتخابات في غضون 30 يوماً من الانتخابات، وذلك على مستوى الولايات الأمريكية كافة.

ومن زاوية أخرى ففي الصين فقد دخل حيّز التنفيذ قانوناً جديداً لضبط تقنية "ديب فايك" (التزييف العميق) الذي يقوم على إجراء تلاعبات رقمية إلى حد التطابق مع الواقع ويمثل تحدياً في مجال مكافحة المعلومات المضللة.


أما بالنسبة لدولة فرنسا والنرويج فكان لهم رأي آخر، فبلنسبة للأولى وبموجب القانون الجديد المحتمل، فإنه يجب الإعلان عن الصورة أو مقطع الفيديو الذي تم تعديله، بينما سيتم حظر جميع العروض الترويجية لجراحة التجميل، ويأتي ذلك في إطار سعي الحكومة إلى الحد من الآثار النفسية المدمرة لهذه الممارسات على مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي.

أما بالنسبة للعقوبات المتوقعة والتي قد يؤدي انتهاك اللوائح الصارمة، التي اقترحها وزير المالية الفرنسي برونو لو مير، إلى السجن لمدة تصل إلى عامين وغرامات قدرها (32515) دولارًا (30 ألف يورو)، بل والأسوأ من ذلك أنه لن يُسمح للمؤثرين المسيئين الذين ثبتت إدانتهم باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي أو مواصلة حياتهم المهنية على المنصات.

أما بالنسبة للثانية فالأمر ليس محصورا فقط في الأولى بل سبقتها دولة النرويج قبل ذلك، حيث أقرت حكومة النرويج قانونا يجبر "المؤثرين" على منصات مواقع التواصل الاجتماعى، على الإفصاح عن التعديلات التي يجرونها على صورهم الشخصية التي ينشرونها، ووفقا للقانون الجديد، سيجبر مشاهير وسائل التواصل الاجتماعى على وضع "علامة حكومية"، على الصور التي تم تعديلها، التي لا تعكس الحقيقة بنسبة 100 بالمئة.

فلا شك ولا غبار بأن مثل هذه الخطوة هي مفيدة جداً للحد من عمليات التزييف العميق للشخصيات، والأهم من ذلك هو وضع علامة تفيد بأن هذه الصورة قد تم تعديلها، ومن خلال هذه الشروط بحيث يمكن للشخص العادي معرفة أن هذا الفديو أو هذه الصور قد تم التلاعب بها بواسطة تقنية التزييف العميق إذا لم يتم وضع تلك العلامة.

وفي ضوء ذلك فقد طورت علماء الحاسب في جامعة بوفالو أداة تتعرف تلقائيًا على التزييف العميق عن طريق تحليل انعكاسات الضوء في العين، وأثبتت الأداة فعاليتها بنسبة 94% مع الصور الشبيهة بالصور في التجارب الموضحة في ورقة تم قبولها في المؤتمر الدولي IEEE حول الصوتيات والكلام ومعالجة الإشارات الذي يعقد في مدينة تورنتو.

والسؤال الذي يثار هنا كيف يمكن أن أحمي نفسي من هذه التقنية، بداية لأبد من أن هذه التقنية تعتمد على مجموعة كبيرة من البيانات وهذه البيانات يمكن الحصول عليها من خلال ما ينشره الشخص من صور وفيديوهات ومقاطع مسموعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فكلما زادت بيانات الشخص كلما زادت فرصة التعرض للتزييف العميق بحيث يكون قريباً من الواقع، ولعل ما وضعه المشرعان النرويجي والفرنسي من خلال تشريعهما الذي يجبر المستخدمين بوضع علامة تبين أن الصورة أو الفديو قد تم التعديل عليه هو أمر مستحسن للحد من هذه الحالة الخطرة .

(خلاصة القول)

إن مثل هذه التقنيات لأشك بأنها تزعزع الأمن القومي للبلاد فلأبد من إحاطتها بجدار قانوني ينظم عملية استخدامها، كما وان من البديهي أن يُلزم القانون الجديد الشركات التي توفر مثل هذه الخدمات في التزييف العميق على ضرورة الحصول على هويات المستخدمين، يجب على مطوري التكنولوجيا الإسراع بإنشاء أنظمة تقفي وتكشف التزييف مثل تلك المستخدمة في مختبرات الطب الشرعي، على غرار طريقة التثبت


المصدر

جريدة نداء الوطن، العدد 1099، https://www.nidaalwatan.com