جلسة 15 من فبراير سنة 2015

الطعن رقم 22446 لسنة 56 القضائية (عليا)

(الدائرة السابعة)

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ حسن كمال محمد أبو زيد شلال

نائب رئيس مجلس الدولة

وعضـــويـة السـادة الأسـاتــذة المستشـارين/ د. محمد ماهر أبو العينين، وصلاح شندي عزيز تركي، ود. مجدي صالح يوسف الجارحي، وعمرو محمد جمعة عبد القادر.

المبادئ المستخلصة:
(أ) دعوى– طلبات في الدعوى- سلطة المحكمة في تكييف الطلبات- يملك القاضي الإداري تكييف طلبات الخصوم على نحو يستطيع معه معرفه حقيقة الطلبات المبداة منهم- لئن كان للخصوم تحديد طلباتهم في الدعوى وما يقصدونه بها وسندهم فيها قانونا، إلا أنه يتعين على المحكمة أن تحدد تلك الطلبات على نحو موضوعي، من حيث حقيقة هذه الطلبات على وفق حقيقة ما يقصده الخصوم من تقديمها، وصحيح إرادتهم بشأنها، بما يمكنها من إنزال حكم القانون الصحيح على الدعوى وتلك الطلبات، وبصفة خاصة فيما يتعلق بولاية القضاء الإداري بنظرها، أو اختصاص المحكمة من بين محاكم مجلس الدولة بذلك، أو بعدم قبول الدعوى شكلا، سواء فيما يتعلق بميعاد رفعها أو غير ذلك من جميع الشروط الشكلية لقبولها- تتولى المحكمة ذلك من تلقاء نفسها ولو دون طلب من الخصوم؛ لما في تحديد طلبات الخصوم وتكييفها وتحديد طبيعة المنازعة من ارتباط حتمي بالأصول العامة للتنظيم القضائي- يتعين على المحكمة ألا تُحَوِّرَ طلبات الخصوم بما يخرجها عن حقيقة مقصودهم ونيتهم من ورائها([1]).

(ب) جامعات– أعضاء هيئة التدريس– ترتيب أقدمياتهم- خلا قانون تنظيم الجامعات من نص ينظم ترتيب أقدمية المعينين بقرار واحد، فيتعين الرجوع إلى قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة؛ باعتباره الشريعة العامة للتوظف- حدد هذا القانون معيارا محددا للأقدمية، هو تاريخ التعيين في الوظيفة، فإذا اشتمل قرار التعيين على أكثر من واحد، فقد فرق المشرع بين فرضين: (أولهما) أن يكون التعيين تعيينا مبتدأً، أي لأول مرة، فتحسب الأقدمية بين المعينين بحسب الأسبقية في أولوية التعيين التي حددتها المادة (18) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، و(ثانيهما) أن يكون هذا التعيين متضمنا ترقية، أي أن يكون المعينون يشغلون الوظيفة السابقة على الوظيفة التي عينوا عليها، فتحسب الأقدمية بينهم على أساس أقدمياتهم السابقة، فيستصحبونها في الوظيفة الجديدة التي عينوا بها.


(ج) موظف– تعيين- ترتيب الأقدمية- ترتيب أقدمية المعينين على نحو يخالف أحكام القانون، ثم ترقيتهم بعد ذلك إلى الدرجة الأعلى بالأقدمية نفسها التي تضمنها قرار التعيين، وعدم قيام صاحب الشأن بالطعن على ذلك القرار في موعده، يؤدي إلى تحصن هذا القرار فيما تضمنه من ترتيب أقدمية زملائه المرقين، وتحصن قرار ترتيب الأقدمية مؤداه عدم أحقيته في الطعن على قرارات ترقياتهم إلى الدرجات الأعلى بمقولة إنه يمثل تخطيا بالنسبة له، أو معاودة الطعن على ترتيب الأقدمية بمناسبة تلك الترقية.

الإجراءات
في يوم الثلاثاء الموافق 18/5/2010 أودع وكيل الطاعن بصفته، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرا بالطعن، قيد بجدولها برقم 22446 لسنة 56 ق. عليا، وذلك طعنا على الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالقاهرة في الدعويين رقمي 9985 لسنة 55ق. و53 لسنة 61ق. بجلسة 28/3/2010, الذي قضى في منطوقه بقبول الدعويين شكلا، وفي الموضوع بعدم الاعتداد بالقرار رقم 1206 لسنة 1995 والقرار رقم 81 لسنة 2006، على النحو المبين بالأسباب، وإلزام الجامعة المصروفات.

وطلب الطاعن بصفته –للأسباب التي أوردها بتقرير الطعن– الحكم بقبول الطعن شكلا، وبإلغاء الحكم الصادر في الدعويين المطعون في حكمهما، والقضاء مجددا برفضهما، مع إلزام المطعون ضده المصروفات.


وجرى تحضير الطعن المشار إليه أمام هيئة مفوضي الدولة (الدائرة السابعة عليا) على النحو الثابت بمحاضر جلساتها، حيث قدم الحاضر عن الخصم المتدخل صحيفة معلنة بتدخله انضماميا إلى الجامعة الطاعنة في طلباتها، وذلك بجلسة 5/6/2011، وفيها تقرر حجز الطعن للتقرير.

وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني، ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من قبول الدعويين شكلا، وفي الموضوع بعدم الاعتداد بالقرار رقم 1206 لسنة 1995 والقرار رقم 81 لسنة 2006، والقضاء مجددا بعدم قبول الدعوى رقم 9985 لسنة 55 ق شكلا لرفعها بعد الميعاد، وبقبول الدعوى رقم 53 لسنة 61 ق شكلا، ورفضها موضوعا، مع إلزام المطعون ضده مصروفات الدعويين.

وتدوول نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون (الدائرة السابعة ) بالمحكمة الإدارية العليا، ثم أمام هذه المحكمة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 28/12/2014 قررت المحكمة حجز الطعن للحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانونا.

وحيث إن الطاعن بصفته يطلب الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون عليه، والقضاء مجددا برفض الدعويين، مع إلزام المطعون ضده المصروفات.


وحيث إنه عن طلب التدخل، ولما كان الحكم المطعون عليه يمس المركز القانوني لطالب التدخل، فمن ثم تتوفر بشأنه المصلحة الشخصية المباشرة في التدخل انضماميا للجامعة، وإذ استوفى طلب التدخل جميع أوضاعه القانونية المقررة، فإن المحكمة تقضي بقبول تدخله كخصم متدخل انضماميا للجامعة الطاعنة.

وحيث إن عناصر النزاع الماثل تخلص -حسبما يبين من الأوراق– في أن المدعي (المطعون ضده) أقام الدعوى رقم 9985 لسنة 55ق بتاريخ 29/7/2001، أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة، طالبا الحكم بإلغاء قرار رئيس جامعة القاهرة برفض التوصية الصادرة لمصلحة المدعي في 6/6/2001 تحت رقم 56 لسنة 2001، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أهمها الاعتداد بأقدمية المدعي طبقا لما هو وارد بقرار تعيينه في وظيفة أستاذ مساعد بالقرار رقم 1784 لسنة 2000 في 2/11/2000.

وقال المدعي شرحا للدعوى إنه بتاريخ 6/11/1995 صدر قرار رئيس جامعة القاهرة رقم 1206 لسنة 1995 بتعيين المدعي وآخرين في وظيفة مدرس أنف وأذن وحنجرة، وصدر الأمر التنفيذي لذلك برقم 1143 لسنة 1995 اعتبارا من تاريخ موافقة مجلس الجامعة في 25/10/1995، وأن القرار المشار إليه قد تضمن ترتيب المدرسين المعينين طبقا للترتيب الآتي:

1- د.هشام… 2- د.حازم… 3- د.لؤي… 4- د.خالد… 5- د.جمال…(المدعي).

وبتاريخ 2/11/2000 صدر قرار رئيس الجامعة رقم 1784 لسنة 2000، بمنح المدرسين المذكورين اللقب العلمي لوظيفة أستاذ مساعد، وذلك بالترتيب الآتي:

1- د.خالد…2- د.جمال…(المدعي) 3- د.حازم…4- د.هشام… 5- د. لؤي….

وأضاف المدعي أنه على إثر ذلك تظلم كل من أصحاب الترتيب من الثالث إلى الخامس من هذا القرار، متضررين من ترتيب أقدمياتهم الوارد بالقرار الأخير الصادر بتعيينهم أساتذة مساعدين على وفق معيار الأكبر سنا، والتمسوا في تظلمهم إعادة ترتيبهم على وفق ترتيب أقدميتهم في وظيفة مدرس، والذي تم على أساس تقدير التخرج ثم تاريخ التخرج ثم الأكبر سنا، ولم ترد الجامعة على التظلم، فتقدم المذكورون بالطلب رقم 56 لسنة 2001 إلى لجنة التوفيق المختصة، التي أصدرت توصيتها بجلسة 6/6/2001 بقبول الطلب شكلا، ورفضه موضوعا، وقد تأشر من رئيس الجامعة على هذه التوصية بالرفض في 18/6/2001.

واستطرد المدعي قائلا إنه قد تساوى مع المدعى عليهم في تاريخ حصوله على الدكتوراه، وهي المؤهل المطلوب للتعيين في وظيفة مدرس، وباعتباره تعيينا مبتدا فإنه يخضع لحكم المادة (18) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، ولذلك يجب في هذه الحالة تطبيق معيار الأكبر سنا للتساوي في تاريخ الحصول على المؤهل العلمي اللازم للتعيين (الدكتوراه).

وخلص المدعي إلى طلب الحكم بطلباته المذكورة سلفا.

– وأثناء تداول نظر الدعوى أمام المحكمة المذكورة بعد تحضيرها وإعداد تقرير بالرأي القانوني فيها بمعرفة هيئة مفوضي الدولة، أقام المدعي الدعوى رقم 53 لسنة 61ق بتاريخ 1/10/2006 أمام المحكمة نفسها، طالبا الحكم بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون عليه رقم 81 لسنة 2006 الصادر في 16/3/2006 بتعديل أقدميته وآخرين في وظيفة أستاذ أنف وأذن وحنجرة، وذلك فيما تضمنه من تعديل أقدميته بهذا القرار إلى الخامس بدلا من الثاني، وإعادة الترتيب الصحيح طبقا لأقدميته على وفق القرار رقم 426 لسنة 2005، مع ما يترتب على ذلك من آثار.

وقال المدعي شرحا لهذه الدعوى إنه بتاريخ 5/12/2005 صدر قرارا كلية الطب رقما 423 و426 لسنة 2005 بناء على قرار رئيس الجامعة رقم 2460 في 13/11/2005، بمنح المدعي وآخرين اللقب العلمي لوظيفة أستاذ جراحة الأذن والأنف والحنجرة، اعتبارا من تاريخ موافقة مجلس الجامعة في 26/10/2005، وذلك بالترتيب الآتي:

1- د.خالد… 2- د.جمال…(المدعي) 3- د.حازم 4- د.هشام…5- د.لؤي…، وأن هذا القرار لم يلق قبولا لدى كل من الثالث إلى الخامس، فتظلموا من هذا القرار إلى رئيس الجامعة، وبناء عليه صدر قرار رئيس الجامعة رقم 81 لسنة 2006 (المطعون عليه) بإعادة ترتيب المرقين في هذه الوظيفة ليكون الترتيب كالتالي:

1- د. هشام…2- د. حازم…3- د. لؤي…4- د. خالد…5- د. جمال…


وأضاف المدعي أنه تظلم من القرار المطعون فيه رقم 81 لسنة 2006، ثم لجأ إلى لجنة فض المنازعات المختصة في 18/7/2006، التي أصدرت توصيتها في 6/9/2008 بإلغاء القرار المطعون فيه، إلا أن الجهة الإدارية رفضت تنفيذ هذه التوصية، وردد المدعي الأسباب نفسها التي سبق ذكرها في الدعوى السابقة من وجوب الالتجاء إلى معيار الأكبر سنا لتحديد الأقدمية بينه وبين زملائه، وخلص إلى طلب الحكم له بطلباته المذكورة سلفا.

………………………………………………….

وجرى تداول نظر الدعوى أمام تلك المحكمة بعد تحضيرها وإعداد تقرير بالرأي القانوني فيهما بمعرفة هيئة مفوضي الدولة.

وبجلسة 10/1/2010 قررت تلك المحكمة ضم الدعوى رقم 53 لسنة 61 ق. إلى الدعوى رقم 9985 لسنة 55 ق. ليصدر فيهما حكم واحد.

وبجلسة 28/3/2010 أصدرت المحكمة حكمها في الدعويين بقبول الدعويين شكلا، وفي الموضوع بعدم الاعتداد بالقرار رقم 1206 لسنة 1995، والقرار رقم 81 لسنة 2006، على النحو المبين بالأسباب وألزمت الجامعة المصروفات.

وشيدت المحكمة قضاءها المذكور –بعد تكييفها لطلبات المدعي في الدعوى الأولى بأنها طلب الحكم بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع بعدم الاعتداد بالقرار رقم 1206 لسنة 1995 الصادر بتعيين المدعي وآخرين في وظيفة مدرس جراحة أذن وأنف وحنجرة، فيما تضمنه من ترتيب السادة المعينين على النحو الوارد به، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها الاعتداد بأقدمية المدعي طبقا لما هو وارد بقرار تعيينه أستاذا مساعدا بالقرار رقم 1784 لسنة 2000، وأن التكييف القانوني السليم لطلباته في الدعوى الثانية هي الحكم بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع بعدم الاعتداد بالقرار رقم 81 لسنة 2006 بتعديل أقدميته وآخرين في وظيفة أستاذ أذن وأنف وحنجرة، فيما تضمنه من تعديل أقدميته إلى الخامس بدلا من الثاني، مع ما يترتب على ذلك من آثار – شيدت قضاءها- تأسيسا على أن الدعويين من دعاوى التسويات، وأن وظائف أعضاء هيئة التدريس تبدأ بوظيفة مدرس التي يشترط لشغلها الحصول على درجة الدكتوراه، ثم تليها وظيفتا أستاذ مساعد فـأستاذ، أما ما يسبقها من وظائف المدرسين المساعدين والمعيدين فهي من الوظائف المعاونة لأعضاء هيئة التدريس، ومن ثم يعد التعيين في وظيفة مدرس تعيينا مبتدا في وظيفة مدرس، وليس تعيينا متضمنا ترقية، فتطبق على شغلها أحكام التعيين المبتدأ، وأنه إزاء خلو قانون تنظيم الجامعات ولائحته التنفيذية من نص يحدد الأقدمية بين المعينين في وظيفة مدرس في تاريخ واحد سواء بقرار واحد أو بقرارات متعددة، فإنه يتعين اللجوء إلى أحكام قانون نظام العاملين المدنيين رقم 47 لسنة 1978، التي نصت عليها المادتان (18) و(24) منه، ومقتضاها أنه عند التعيين لأول مرة، إذا كانت الشهادة الدراسية هي أحد الشروط الواجب توفرها فيمن يشغل الوظيفة، فإنه يقدم الأعلى مؤهلا، وعند التساوي في المؤهل تكون الأولوية في مرتبة الحصول على الشهادة الدراسية فالأقدم تخرجا فالأكبر سنا، وأن المؤهل الذي تجرى على أساسه المفاضلة بالنسبة لمن اتحد تاريخ تعيينهم في وظيفة مدرس بالجامعة هو الدكتوراه؛ بحسبانها المؤهل اللازم لشغل تلك الوظيفة.


وأضافت المحكمة أنه لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن المدعي وزملاءه المطعون على ترتيب أقدمياتهم قد اتحدوا في تاريخ الحصول على الدكتوراه وهو دور مايو 1995، وفي تاريخ التعيين في وظيفة مدرس وهو 25/10/1995، فمن ثم يتعين اللجوء إلى معيار الأقدم تخرجا فالأكبر سنا، ومن ثم يجب أن تكون أقدمية المدعي طبقا لذلك كالآتي:

الأول: د.خالد… باعتباره الأقدم تخرجا (نوفمبر 1985)، يليه: د.جمال… (المدعي) بحسبانه الأكبر سنا من د.هشام… لاتحادهما في تاريخ التخرج (نوفمبر 1986)، وعلى أن يستصحب هذا الترتيب مع ترقيات المذكورين.

واستطردت المحكمة قائلة إنه ترتيبا على ما تقدم يكون القرار رقم 1206 لسنة 1995 بتعيين المدعي والمطعون على ترتيب الأقدميات بينهم على النحو الوارد به قد جاء على خلاف الترتيب الواجب قانونا على النحو المتقدم، ويكون قد صدر مخالفا للقانون جديرا بعدم الاعتداد به.

وأردفت المحكمة أنه فيما يتعلق بالقرار رقم 81 لسنة 2006، وإذ صدر متضمنا تعديل أقدمية المدعي والمطعون على ترتيب أقدمياتهم في وظيفة أستاذ وذلك على النحو الوارد به على خلاف الترتيب الواجب قانونا على النحو المتقدم، فإنه يكون قد صدر مخالفا للقانون جديرا بعدم الاعتداد به، وخلصت المحكمة إلى قضائها المذكور.

ولم يلق هذا القضاء قبولا لدى الطاعن بصفته، فطعن عليه بالطعن الماثل تأسيسا على أن الحكم المطعون عليه قد أخطأ في تطبيق القانون وتفسيره وتأويله، وذلك على سند من القول بأن الفقرة الثانية من المادة (24) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة رقم 47 لسنة 1978 تنص على أنه: “إذا كان التعيين متضمنا ترقية اعتبرت الأقدمية على أساس الأقدمية في الوظيفة السابقة”، وأن قرار تعيين المطعون ضده وآخرين في وظيفة مدرس اشتمل على ترتيب أقدمياتهم وكان ترتيبه الخامس، وهذه الأقدمية تتحصن بالمدد القانونية المقررة قانونا للطعن على القرارات الإدارية، وتكون الترقية للدرجات الأعلى بنفس الأقدمية التي تضمنها قرار التعيين والتي تحصنت لعدم الطعن عليها في حينها، ومن ثم خلص الطاعن بصفته إلى طلب الحكم له بطلباته المذكورة سلفا.

………………………………………………….

وحيث إنه من المقرر أن القاضي الإداري يملك تكييف طلبات الخصوم على نحو يستطيع معه معرفه حقيقة الطلبات المبداة من الخصوم، وعليه إنزال صحيح حكم القانون على وقائع الدعوى، وهو ما يستوجب دائما معرفة حقيقة القرارات التي يطعن عليها الخصوم، حيث استقر قضاء هذه المحكمة على أنه ولئن كان للخصوم تحديد طلباتهم في الدعوى وما يقصدونه بها وسندهم فيها قانونا، إلا أنه يتعين على المحكمة أن تحدد تلك الطلبات على نحو موضوعي من حيث حقيقة هذه الطلبات على وفق حقيقة ما يقصده الخصوم من تقديمها وصحيح إرادتهم بشأنها، مما يمكنها من إنزال حكم القانون الصحيح على الدعوى وتلك الطلبات، وبصفة خاصة فيما يتعلق بولاية القضاء الإداري بنظرها، أو اختصاص المحكمة من بين محاكم مجلس الدولة بذلك، أو بعدم قبول الدعوى شكلا، سواء فيما يتعلق بميعاد رفعها أو غير ذلك من جميع الشروط الشكلية لقبولها، وتتولى المحكمة ذلك من تلقاء نفسها ولو دون طلب من الخصوم؛ لما في تحديد طلبات الخصوم وتكييفها وتحديد طبيعة المنازعة من ارتباط حتمي بالأصول العامة للتنظيم القضائي.

وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الطعن أمامها يثير المنازعة برمتها، فتنزل على الحكم المطعون عليه والقرار المطعون فيه صحيح حكم القانون، وأنه ولئن كان للمحكمة أن تُنْزِلَ على الطلبات في الدعوى حقيقة التكييف القانوني لها، إلا أنه يتعين عليها ألا تُحَوِّرَ تلك الطلبات بما يخرجها عن حقيقة مقصود المدعين ونيتهم من ورائها.

وحيث إنه لما كان ما تقدم وكانت حقيقة طلبات المدعي (المطعون ضده) في الدعويين رقمي 9985 لسنة 55 ق. و53 لسنة 61 ق. الصادر فيهما الحكم المطعون عليه، طبقا للتكييف القانوني الصحيح لحقيقة طلباته فيهما، أنه يطلب الحكم بقبول الدعويين شكلا، وفي الموضوع بإلغاء قرار الجامعة المدعى عليها بترقيته إلى درجة (أستاذ مساعد)، وقرارها بترقيته إلى درجة (أستاذ) بقسم الأذن والأنف والحنجرة بكلية الطب فيما تضمنه كل منها من تحديد ترتيب أقدميته بين زملائه في الترتيب الخامس بدلا من الثاني، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها تعديل ترتيب أقدميته بين زملائه بالقسم نفسه المرقين معه إلى وظيفة (أستاذ مساعد) ثم (أستاذ) ليكون ترتيبه الثاني بدلا من الخامس، وإلزام الجامعة المصروفات.

وحيث إن المادة (24) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 تنص على أن: “تعتبر الأقدمية في الوظيفة من تاريخ التعيين فيها، فإذا اشتمل قرار التعيين على أكثر من عامل اعتبرت الأقدمية كما يلي:

(1) إذا كان التعيين لأول مرة اعتبرت الأقدمية بين المعينين بحسب الأسبقية في أولوية التعيين طبقا لما ورد في المادة (18) من هذا القانون.

(2) إذا كان التعيين متضمنا ترقية اعتبرت الأقدمية على أساس الأقدمية في الوظيفة السابقة. (3) …”.

ومفاد هذا النص أن المشرع وضع معيارا محددا للأقدمية، هو تاريخ التعيين في الوظيفة، فإذا اشتمل قرار التعيين على أكثر من واحد فقد فرق المشرع هنا بين فرضين: (أولهما) أن يكون التعيين مبتدأً، أي لأول مرة، فتحسب الأقدمية بين المعينين بحسب الأسبقية في أولوية التعيين التي حددتها المادة (18) من القانون نفسه، و(ثانيهما) أن يكون هذا التعيين متضمنا ترقية، أي أن يكون المعينون يشغلون الوظيفة السابقة على الوظيفة التي عينوا عليها، أي إنهم عينوا على تلك الوظيفة التي تتضمن ترقية لهم من وظائفهم السابقة، ففي هذه الحالة قرر المشرع اعتبار الأقدمية بينهم على أساس أقدميتهم السابقة، أي إنهم يستصحبون نفس ترتيب أقدميتهم إلى الوظيفة الجديدة التي عينوا بها.


وحيث إن الثابت من الأوراق أن قرار الجامعة المطعون عليه بالدعوى الأولى رقم 9985 لسنة 55 ق. بترقية المدعي (المطعون ضده) وآخرين إلى وظيفة أستاذ مساعد بقسم جراحة الأذن والأنف والحنجرة، قد تضمن وضع سم المدعي في الترتيب الخامس مع زملائه الآخرين من المدرسين (أعضاء هيئة التدريس) بالقسم نفسه، كما أن الثابت من الأوراق أن قرار تعيين الأشخاص الصادر عن رئيس الجامعة رقم 1206 بتاريخ 6/11/1995 في وظيفة مدرسين بالقسم نفسه اعتبارا من 25/10/1995 قد صدر متضمنا وضع اسم المدعي (المطعون ضده) في الترتيب الخامس بين الخمسة المعينين بالقرار، حيث كانوا يشغلون وظيفة مدرس مساعد بالقسم نفسه قبل ذلك القرار بتعيينهم مدرسين، فمن ثم يكون القرار المطعون عليه بتلك الدعوى رقم 9985 لسنة 55ق. قد صدر طبقا للأقدمية التي كان يحملها كل منهم طبقا لقرار تعيينهم في وظيفة مدرس السابقة على تلك الوظيفة، ومن ثم يكون هذا القرار قد جاء متفقا وصحيح حكم الفقرة الثانية من المادة (24) من القانون رقم 47 لسنة 1978 سالفة الذكر، فيكون قد صدر على وفق صحيح حكم القانون، وذلك أيا كان وجه الرأي بشأن صحة وسلامة الترتيب الوارد بقرار التعيين في الوظيفة السابقة (وظيفة مدرس)؛ إذ إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن ترتيب أقدمية المعينين على نحو يخالف أحكام القانون، ثم ترقيتهم بعد ذلك إلى الدرجة الأعلى بالأقدمية نفسها التي تضمنها قرار التعيين، وعدم قيام صاحب الشأن بالطعن على ذلك القرار في موعده، يؤدي إلى تحصن هذا القرار فيما تضمنه من ترتيب أقدمية زملائه المرقين، وتحصن قرار ترتيب الأقدمية مؤداه عدم أحقيته في الطعن على قرارات ترقياتهم إلى الدرجات الأعلى بمقولة إنه يمثل تخطيا بالنسبة له، أو معاودة الطعن على ترتيب الأقدمية بمناسبة تلك الترقية.


ومن ثم تضحى دعوى المدعي بإلغاء هذا القرار غير قائمة على سند صحيح من الواقع والقانون، جديرة بالقضاء برفضها، وهو ما تقضي به هذه المحكمة.

– وحيث إنه فيما يتعلق بالدعوى رقم 53 لسنة 61 ق، ولما كان الثابت أن القرار رقم 81 لسنة 2006 بترقية المدعي (المطعون ضده) إلى وظيفة (أستاذ) بالترتيب نفسه (الخامس) بين زملائه المرقين معه بالقرار نفسه والقرارين السابقين له في وظيفة (أستاذ مساعد) و(مدرس)، ونظرا لتحصن الترتيب المشار إليه على النحو المبين سلفا، فمن ثم تكون هذه الدعوى بطلب إلغاء هذا القرار مفتقدة لسندها الصحيح من الواقع والقانون بدورها، مما يتعين معه القضاء برفضها، وهو ما تقضي به هذه المحكمة.

وحيث إن الحكم المطعون عليه قد خالف هذا النظر فإنه يكون قد خالف صحيح حكم القانون جديرا بالقضاء بإلغائه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، ويضحى الطعن عليه الماثل قائما على سنده الصحيح من الواقع والقانون، مما يتعين معه القضاء بقبوله، والقضاء مجددا، بقبول الدعويين رقمي 9985 لسنة 55ق و53 لسنة 61ق شكلا، ورفضهما موضوعا، مع إلزام المطعون ضده المصروفات عملا بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.


فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وبقبول تدخل/… كخصم متدخل انضمامي للجامعة الطاعنة، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون عليه، والقضاء مجددا بقبول الدعويين رقمي 9985 لسنة 55 ق. و53 لسنة 61 ق.شكلا، ورفضهما موضوعا، وألزمت المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي.

([1]) يراجع ما قررته دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا في حكمها الصادر بجلسة 6/6/2015 في دعوى البطلان المقيدة برقـم 25533 لسنة 60 القضائية عليا (منشور بهذه المجموعة، المبدأ رقم4)، حيث قررت أن التكييف هــــــو وصف الوقــــائع وإبـــــرازها كعنصر أو شــــــرط أو قيد للقاعدة القانونية واجبة التطبيق، وأن التكييف مهمة تقتضي جهدا في بحث طيات وقائع الدعوى، كما يقتضي فهم القانون والشروط اللازمة لإعمال نصوصه المختلفة، وقد أوجب المشرع أن تشتمل عريضة الدعوى التي تقدم إلى قلم كتاب المحكمة على موضوع الطلب وأسانيده، ورتب على إغفال هذا الإجراء بطلان العريضة، والحكمة التي تغياها المشرع من ذلك هي تمكين المحكمة من الإلمام بمضمون الدعوى ومرماها، وإتاحة الفرصة للمدعى عليه لأن يُكوِّن فكرة وافية عن المطلوب منه. وأكدت أن العبرة في تحديد طلبات المدعي هي بما يطلب الحكم به، فهو الذي يحدد نطاق دعواه وطلباته أمام القضاء، والمحكمة ملزمة في قضائها بهذه الطلبات وما ارتكزت عليه من سبب قانوني، مادام لم يطرأ عليها تغيير أو تعديل أثناء سير الخصومة، وأنه ولئن كان من حق المحكمة أن تعطي طلبات المدعي التكييف القانوني الصحيح على هدي ما تستنبطه من واقع الحال وملابســـاته، إلا أنه ينبغي عليها ألا تصل في هذا التكييف إلى حد تعديل طلبـــــاته، سواء بإضافة ما لم يطلب الحكم به صراحة، أو بتحوير تلك الطلبات بما يخرجها عن حقيقة مقصده ونيته الحقيقية من وراء إبدائها، فإذا رأت المحكمة أن الوقائع التي يستند إليها المدعي لا تستجيب للحكم له بطلبه، فإنها تقضي برفضه، وأنه إذا كيفت المحكمة الدعـــــــوى على خلاف ما أقيمت به فإنها تكون قد قضت بما لم يطلبه الخصوم، وورَدَ حكمها على غير محل، ووقع باطلا بطلانا مطلقا.