#مقالي_هاهنا_بعنوان

🌹"الأستاذية المستدامة"🌹
يسعد طالب العلم منا عندما يرى أستاذا ممن علمه وأثر فيه، خاصة عندما يكون ممن يتمتعون ب"الأستاذية المستدامة", وهي التي تتصف بالقدرة على مواكبة التطورات المتسارعة في الحياة العلمية والأكاديمية ، فأستاذيته ليست مبنية على منصب أو على سلطة وإنما مبنية على خلق وعلم وحكمة وقراءة مستمرة وتواضع رهيب في المقام الأول، ويا حبذا إذا ما حافظ على أوج هذه الأستاذية حين تقلده منصباً أكاديميا فيعلو بها المنصب، هكذا تكون الأستاذية مستدامة ، يفتح بها الأستاذ بابا للرحمة لطلابه وتلاميذه، ليس فيها تجبر أو تسلط أو كذب أو رياء ، وليس فيها فرض للسيطرة وقهر وظلم لطلابه، وتلاميذه ، لذا مطلوب من كل أستاذ في أي مؤسسة تعليمية أن يوصف أستاذيته بين فريقين من خلال الإجابة على السؤال الآتي؟،

🌹ماذا تركت للجيل التالي الآتي بعدك؟🌹

الفريق الأول: سيقول تركت لطلابي

١-علم (كتب ، مؤلفات ، أبحاث، مقالات ، آراء علمية)

٢-خلق (الصدق ، الأمانة ، عدم الغدر ، الثقة ، الأدب ، الابتسامة)

٣-طريق سهل( وفرت له طريق لمنحة علمية ، أعطيته مرجع يستفيد به في رسالته أو أطروحته البحثية ، عرفته على باب جديد من أبواب العلم، لم اتحدى تلميذي فالأستاذ أستاذ والتلميذ تلميذ..).

٤-سيرة طيبة ( أستاذ صادق الوعد ، وفي ، كلمته شرف، إجتماعي دون غاية أو مقصد خاص....)

٥- استقرار وظيفي كما أوضح قانون الخدمة المدنية حينما تحدث عن حق الموظف في معرفة مساره الوظيفي ، فهل يعلم الجيل التالي بعدك مساره الوظيفي في القسم العلمي أو في حياته الأكاديمية؟ أم أنه لا مسار لأحد طالما أنت موجود ؟)

واعلم أن هناك من لم يحصلوا على هذه الدرجة العلمية " الأستاذية" إلا أن أفعالهم وسلوكهم وحقيقة تصرفاتهم تعلو على الأستاذية بمراحل ، ويكفينا هنا الدكتور المرحوم جمال حمدان وما تركه من إرث في كتاب شخصية مصر ، فرغم كونه مدرس إلا أن
كتاباته يرجع لها أساتذة لم يصلوا إلى ما وصل إليه في الكتابة والتحقيق والتأصيل العلمي.

فإذا تلمست بعض الخصال السابقة فاعلم علم اليقين أن أستاذيتك مستدامة تحافظ على حقوق الأجيال التالية لك في مكانك وفي حياتك قبل مماتك.
🌹🌹

أما الفريق الثاني سيجيب على نفس السؤال بما توافر فيه من صفات الإلهاء وهي التي تكون فيها أستاذيتهم تتمتع بتقرحات الحياة الأكاديمية والتي تكون نتاجا لأمراض نفسية مستعصية وتراكمات لا أخلاقية عديدة، حينها ستجد أنك وأنت أستاذ تتصف ببعض
صفات الإلهاء الأكاديمي ، وهي:

١- النميمة

الأستاذية غير المستدامة تدفع صاحبها إلى الانشغال بالقيل والقال ، والميل لصغائر الأمور ، والتدقيق في التفاهات ، ودوما يربو صاحبها إلى الظهور كأنه مؤثر في محيطه الأكاديمي ولكن الحقيقة الوحيدة هي أن من يحاورونه لا يعرفون له مدخلاً سوى ما يحب أن يسمعه من نميمة وقيل وقال، فلا تجد له رأيا علمياً أو فقهيا ، هو معهم إذا أحسنوا أو إذا أساؤوا. وهذه الصفة يسود بها وجه صاحبها، بل ويعرف بها.

٢- الضعف الأكاديمي
من تضحى أستاذيته غير مستدامة ، لا علم له ، ولا مؤلفات ولا مذهب فقهي يرجى من وراءه ، فكثير ممن انشغلوا بالتفاهات والفراغ الأكاديمي تجد مستواه العلمي في حالة ضعف تصل ذروتها في حالة الضعف الأكاديمي ، لا يتمكن من جذب آذان السامعين ولا يقبله حتى طلابه، فليس هناك حد أقصى لطلب العلم ، حتى ولو تحصلت على درجة الأستاذية ، فلابد أن تكون أستاذيتك مستدامة ، وكثير الإطلاع والقراءة وإلا ستصاب بالضعف الأكاديمي. وتبدأ مرحلة الانشغال بالآخرين بدلا من أن تنشغل بنفسك.

٣- أبو العراقيل
صاحب الأستاذية غير المستدامة دائما ما يصنع العراقيل ليس أمام الآخرين فحسب ، وإنما أيضا أمام نفسه ، فتجده دوماً يتحدث عن المشاكل والمشكلات والمصائب ، ولا ينتج فكراً أو إبداعا ، يفوت عمره حسرة وندم حينما يرى من هم في سن أولاده وأحيانا أحفاده يسارعون للتعلم والتميز ، أبو العراقيل موجود في كل مكان. فالأستاذية المستدامة لا يرفع صاحبها السلم بعد صعوده ، بل يذلل الطريق لمن يأتي بعده.

٤- محاربة الناجح
إذا أردت أن تعرف صاحب الأستاذية غير المستدامة ، والذي سيصعب عليه رؤية نجاح من حاربهم، احسب كم ناجح تأذى من سلوكه ، يصل بما يخرج به من سلوكيات إلى حد النرجسية المقيتة ، فيصدق عليه عبارة " أنا ومن بعدي الطوفان" ، أفلا يعلم أن كل شئ مقدر بقدر ، وأن الله محيط بفعله وبفعل الناجحين ممن حاربهم وحاول إغراقهم.

٥- عبده مشتاق
صاحب الأستاذية غير المستدامة دوماً متعطش لمنصب ، حتى ولو كان صاحب منصب، فدوما يشتاق إلى أن يصعد حتى ولو على حساب الآخرين. يفعل كل ما يمكن أن يفعله حتى يصل، أفلا يعلم أن هناك دعوات تلاحقه ، فقريبا سيعامل بنقيض مقصوده ومن خضم أفعاله سيتجرع كأس ذل المكان الذي كان يشتاق لتقلده.

٦- الشكلية المفرطة
صاحب الأستاذية غير المستدامة لا يبحث عن المضمون أكثر مما يبحث عن الشكل، فتجد كم أطروحات بحثية ورسائل ماجستير ودكتوراه تمنح لأجل أن يذكر اسمه أنه يمنح مثل هذه الدرجات ، فتهوى على إثر اطروحاته واشرافاته الأعمال العلمية لدرجة أنه من الممكن كشف كثير من الفساد في طيات صفحاتها تصل لحد السرقات العلمية والترهات الأكاديمية.

٧- تصنع الصغائر
دائما يشعر صاحب الأستاذية غير المستدامة أنه لم يأخذ حقه ، وأنه مضطهد وأنه يعامل معاملة كان يجب أن تكون أفضل من ذلك، لذا يشعر دوماً بالمظلومية وسوء الظن وتفسير كل سلوك على أنه ضده ، وفي الحياة الأكاديمية تجده يصدر لعميد كليته أو رئيس جامعته المشاكل ، فكل حين وحين يصدر مشكلة للقيادة الأعلى لكي يظهر نفسه أنه الأمين على الجامعة والكلية والقسم والمؤسسة التعليمية بل والحياة العلمية، تصنع الصغائر يلهيه عن عمله الأصلي وهو الأستاذية المستدامة. هو في الأصل مصدر المشاكل.

٨- الإحساس بألم الجهل
وهذا الإحساس لا يكون صادقاً إلا عندما يرى من هم أفضل منه في الأستاذية المستدامة ، فيحقد على زميل لتفوقه العلمي ، لحب الناس له، لخبرته الأكاديمية وغير ذلك من صفات الاستدامة التي تحدثنا عنها آنفا ، فيشعر حينها بآلام الجهل، ولا يسعه سوى نقل خبراته في عدم الاستدامة إلى الجيل التالي

٩- نقل العدوى للجيل الجديد إلا ما رحم ربي.
وهذه العدوى تجدها بين تلميذ وبين أستاذ غير مستدام ، فإذا ما تطبع تلميذ بسلوكيات هذا الأستاذ غير المستدام، تجد نسخة كربونية تعبر عن امتداد لكل الصفات السابقة ، لدرجة أن خبراء الحياة الأكاديمية يقولون عبارة " نسخة من أستاذه" تلميحا إلى نقل العدوى من الأستاذ غير المستدام إلى تلميذه المقهور.

١٠- رصد الناس وضياع الهيبة في النفوس.
وهذه الصفة تظهر بعد فترة من اعتماد الصفات السابقة ، يتجاهل الناس من وصفت أستاذيته بأنها غير مستدامة ، لدرجة تجعله في مرحلة الجالس في الطريق يرصد الناس ولا يهابه أحد ، لأنه لم يقدم شيئاً سوى الصفات سالفة الذكر ، ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نقول.

اختر لنفسك فريقاً من الآن وحاول أن تجعل أستاذيتك مستدامة لأن الرزق والأمر كله بيد الله وحده.
ولن يبقى سوى الأثر.

وهذا المقال هو مجرد تجربة لمن له كامل الحرية في اختيار لأي الفريقين سينضم، وحينها سيعلم مدى استدامة أستاذيته.

اضغط هنا 👇 لمتابعة باقي سلسلة

#مقالي_هاهنا_بعنوان

دكتور أكرم الزغبي
مدرس القانون الدولي العام
كلية الحقوق - جامعة الزقازيق