الأبعاد التاريخية لتطوّر نظرية المسؤولية الجزائية وجدلية تطبيقها في عصر الذكاء الاصطناعي: دراسة تحليلية واستشرافية


د. معاذ سليمان الملا
أستاذ القانون الجنائي المشارك
مدير برنامج دبلوم القانون
كلية القانون الكويتية العالمية

الملخص

يتناول هذا البحث بالدراسة والتحليل والاستشراف الأبعاد التاريخية لنظرية المسؤولية الجزائية وجدلية تطبيقها في عصر الذكاء الاصطناعي، إذ تعد هذه المسؤولية واحدة من أهم النظريات التي يرتكز عليها القانون الجنائي، فهي قديمة وتقوم فلسفتها على فكرة إسناد الجريمة إلى المسؤول عنها، وإثبات مدى استحقاقه لعقاب رادع أو تدبير مانع، وبفضل الاجتهادات الفقهية تطورت هذه النظرية مع مرور الزمن، فبعد أن كانت فكرتها تتصف بالطابع المادي البحت كونها تمتد إلى الإنسان والحيوان والجماد، بل وتمتد إلى الغير وإيقاع العقاب عليهم، أصبحت فكرتها تتصف بالطابع الشخصي المعنوي، أي بالنظر إلى الشخص الطبيعي باعتباره مسؤولاً عن الجريمة التي اقترفها، وقدرته الذهنية على استيعاب ما قام به ومدى تحمله للعقاب. وإلى جانب الجدل الفقهي حول مسألة الاعتراف بمسؤولية الشخص الاعتباري عن الجرائم الجنائية، فما زالت بعض التشريعات الجزائية لا تقبل التخلي عن مساءلة الشخص الطبيعي في جرائم الشخص الاعتباري.
ويبدو أنّ الثورة الصناعية الرابعة أعادت الفقه الجنائي إلى ساحة الجدل، وذلك بعدما فرضت التطبيقات المختلفة للذكاء الاصطناعي تحدياً جديداً في الفكر القانوني خصوصاً الفكر الجنائي، فقد طرح الفقه إشكالية وسؤالاً جوهرياً وهو من المسؤول جزائياً عن الجرائم الناشئة عن تلك التطبيقات والأجهزة الذكية أي الجرائم إذا ارتكبت بشكل ذاتي بعيداً عن الإنسان؟ وبصيغة أخرى هل يمكن إسناد الجريمة إلى الآلة الذكية؟
وقد اقتضت الإجابة عن ذلك اتباع المنهجين التاريخي والتحليلي في الطرح. وقد توصلنا إلى عدة نتائج من أهمّها أنّ تطوّر تطبيقات الذكاء الاصطناعي وانتشارها دون قيود أخلاقية وقانونية تشكّل خطراً على أمن المجتمعات واستقرارها، وأن تطوّرا كبيراً حدث بالنسبة للآلات الذكية، لكنّه لا يزال محدوداً، حيث تفتقد إلى القدرات النفسية التي يمتلكها الإنسان والتي تؤهله لتحمل المسؤولية الجنائية. ومن هذه النتائج أيضا أنّ الرأي الفقهي الراجح يرى بأنّ مسؤولية الآلة الذكية تقوم على إسنادها للإنسان الطبيعي، وأن قواعد القانون الجنائي بصفة عامة والمسؤولية الجنائية بصفة خاصة لا تتلاءم مع واقع جرائم الآلات الذكية. وانتهت الدراسة إلى توصية المشرّع الكويتي خاصة والعربي عامة بضرورة الاعتراف بالشخصية القانونية للآلة الذكية، ووضع نظام عقابي يتلاءم مع طبيعة الآلة الذكية.

المصدر

https://journal.kilaw.edu.kw/%d8%a7%...5%d8%b3%d8%a4/