وحيث إن جريمة الاتجار بالبشر المنصوص عليها فى المادة الثانية من القانون رقم 64 سنة 2010 تقوم على أركان ثلاثة : عمل قانونى ، وركن مادى ، وركن معنوى .

فتتطلب هذه الجريمة فى صورتها العادية أن يباشر الجانى عملاً قانونياً من الاعمال التى ذكرتها المادة الثانية أنفة البيان ولو وقعت منفردة وهى البيع أو العرض للبيع أو الشراء أو الوعد بهما أو الاستخدام أو النقل أو التسليم أو الإيواء أو الاستقبال أو التسلم يستوى فى هذا أن يباشر الجانى هذا العمل داخل القطر المصرى أو عبر حدوده . ويتعين بالاضافة الى ذلك أن يكون موضوع هذا العمل انسان حى أى شخص طبيعى. فإن كان موضوع العمل انسان فارق الحياة فلا تقوم الجريمة.

ويقوم الركن المادى لهذه الجريمة باحد أفعال ثلاثة ، كل منها على حده كاف لارتكاب الجريمة : استخدام أعمال الاكراه أو التدليس أو الاستغلال .


فاستخدام أعمال القسر أوالاكراه يعنى إرغام الانسان على أن يكون موضوعاً لعمل من الاعمال القانونية السابق سردها ، كأن يستعمل الجانى القوة أو العنف أو التهديد بهما، أو الاختطاف لاكراه الانسان على أن يكون موضوعاً للعمل المحرم ، إذ المشرع قد عاقب على الفعل من أجل ضمان حرية الانسان.


أما الصورة الثانية للركن المادى فتقوم بايهام المجنى عليه بغير الحقيقة بقصد حمله على أن يكون موضوعا للعمل المحرم ، وهو ما يتطلب وجود نية التضليل لدى الجانى المدلس ، كما يلزم أن يباشر من الحيل ما من شأنه أن يولد فى ذهن المجنى عليه صورة تخالف الواقع فتحمله على أن يكون موضوعا للعمل المحرم . وإذا كان النصب كجريمة لا يكفى لقيامة مجرد الكذب فإن التدليس أو الخداع – كصورة من صورة الركن المادى فى جريمة الاتجار بالبشر – يكفى الكذب لقيامه ، بل يكفى لتوفره مجرد الكتمان يستوى فى هذا أن يكون الكتمان متعلقا بواقعة يقع على الجانى واجب يقضى بإلزامه بالإفضاء عنها الى المجنى عليه أم لا .


وأما الصورة الثالثة للركن المادى فتقوم باستغلال الجانى سلطته على المجنى عليه أو سلطة شخص آخر عليه أو أن يستغل فيه طيشاً بيناً أو هوى جامحاً نتيجة لحاجة المجنى عليه أو ضعفه ويحمله تبعاً لذلك على أن يكون موضوعاً للعمل المحرم.


ويستوى لقيام هذه الجريمة أن يكون الغرض من العمل المحرم كالبيع أو الاستخدام أو الايواء هو اكراه الانسان أو خداعه أو استغلال حاجته لحمله على القيام بعمل مشروع كأعمال الخدمة أو غير مشروع كأعمال الدعارة أو الاستغلال الجنسى أو أعمال السخرة أو الاسترقاق أو الاستعباد أو الرق أو التسول أو استئصال الاعضاء فى غير الاحوال التى يجيزها القانون.


وهذه الجريمة عمدية ويتطلب القصد فيها أن يعلم الجانى بما ينطوى عليه فعله من اكراه أو خداع أو استغلال لحاجة المجنى عليه لحمله على أن يكون موضوعا للعمل المحرم ، وهو يفترض علمه بعدم رضاء المجنى عليه به رضاء حرا ، ثم اتجاه ارداة الجانى الى فعل الاكراه أو التدليس أو الاستغلال . ولا ينتفى القصد بحسن الباعث كما لو كان الجانى أبا أو زوجا للمجنى عليه وأكرهه على أعمال الدعارة أو التسول من أجل أن يعيش .


وحدد المشرع عقوبة هذه الجريمة فى المادة الخامسة من ذات القانون بالسجن المشدد وبالغرامة التى لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تزيد عن مائتى ألف جنيه أو بغرامة مساوية لقيمة ما عاد على الجانى من نفع أيهما أكبر . ثم أضاف فى المادة السادسة ظروفا مشددة منها أن يكون الجانى من أحد أصول المجنى عليه أو أن يكون الاخير طفلا فتكون العقوبة السجن المؤبد والغرامة التى لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز خمسمائة ألف جنيه .


لما كان ذلك وكان الثابت من الاوراق أن الجانى أساء إستعمال سلطته كأب للطفل المجنى عليه عمر أيمن محمود السيد أحمد واستغلاله كونه قريب منه بينهما نوع من الألفه جعلته لا يخشاه ولا يحتاط ازاءه ، بل ووثق فيه ، إلا أن الجانى أهدر هذه الواجبات وخان الثقة التى وضعت فيه بحسب القانون ، إذ أخل بواجبات الابوه تجاه المجنى عليه فلم يحميه من التعرض للخطر وإنما دفع به فى الطرقات يتكفف الناس فيمد كفه يسألهم الكفاف من الرزق والعون، متسولاً فى الطريق العام وفى المحال العمومية محترفاً أعمال الاستجداء كوسيلة للارتزاق والعيش لحساب الجانى ، والمحكمة قد اطمأنت من واقع شهادة ميلاد المجنى عليه المودعة ملف الدعوى أنه مولود فى 29 من أبريل سنة 2012، فإن فى ذلك ما يكفى فى الإفصاح عن أنه طفلا ، كما اطمأنت الى شهادة شهود الاثبات فى الدعوى والتى دعمتها تحريات المباحث . الامر الذى تكون معه الجريمة المنصوص عليها فى المادة الثانية من قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 64 سنة 2010 تكون مكتملة الاركان بكافة عناصرها وصح نسبتها الى الحانى ويتعين عقابه بمقتضاها .

( حكم محكمة جنايات المنصورة فى الجناية رقم ١٤٤٣٩ سنة ٢٠٢٠ قسم اول المنصورة الصادر بتاريخ ٢٠ من ديسمبر سنة ٢٠٢٠ )