#التفاؤل #

التفاؤل سنة نبوية، وصفة إيجابية للنفس السوية، يترك أثره على تصرفات الإنسان ومواقفه، ويمنحه سلامة نفس وهمة عالية، ويزرع فيه الأمل، ويحفزه على الهمة والعمل.
التفاؤل ما هو إلا تعبير صادق عن الرؤية الطيبة والإيجابية للحياة .

# نعم إنه التفاؤل، ذلك السلوك الذي يصنع به الرجال مجدهم، ويرفعون به رؤوسهم، فهو نور فى شدة الظلمات، ومخرج وقت اشتداد الأزمات، ومتنفس وقت ضيق الكربات، وفيه تُحل المشكلات، وتُفك المعضلات.
إن الشخص المتفائل فعالٌ في مجتمعه قادرٌ على الإنتاج بشكل يستطيع فيه صناعة مستقبله؛ وذلك بإيجاد الحلول للمشكلات. فالتفاؤل هو الحياة، حيث يقوم بتغير منهج الإنسان، ويحقق له الطمأنينة والاستقرار في حياته.

# فهذا يعقوب عليه السلام، وهو والد يوسف عليه السلام يمر بمحن قوية وصعبة، إذ عانى من حقد إخوة يوسف على أخيهم، مما أدى إلى وجود فرقة بين الإخوة وهو ما يحزن قلب أي أب.
عانى من فقدان ابنه يوسف بعد أن ألقاه إخوته في البئر قائلين: بأن الذئب أكله. فعانى من الحزن الشديد بسبب بُعد ابنه يوسف عنه، رغم معرفته بكذب أبنائه في مسألة موته، حتى فقد بصره من شدة البكاء والحزن على هذا الحال، ولكنه رغم ذلك لم يفقد إيمانه وثقته بالله فكان يقول ” وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ”

#وأيوب عليه السلام لم يفقد ثقته وإيمانه بالله، وصبر على ابتلائه، فأصبح أيوب مضرب المثل في الصبر على البلاء، وبعد اشتداد البلاء توجه أيوب بالدعاء إلى الله أن يرفع الضر عنه، فكان لهذا الصبر والرضا ثوابه من الله، حيث رد الله له صحته وشبابه، حتى أن زوجته عندما عادت لم تعرفه، فقد تركته طريح الفراش وقد هده المرض.
وبنعمة من الله استعاد أيوب عزه وأنجب أبناءََ بعدد من فقد، واستعاد مكانته التي فقدها.

# وخير البشر صلى الله عليه وسلم كان من صفاته: التفاؤل، وكان يحب الفأل ويكره التشاؤم، ففي الحديث الصحيح عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :لا عَدْوَى ولا طِيَرةَ، ويُعجِبُني الفَأْلُ الصَّالحُ، والفَأْلُ الصَّالحُ: الكلِمةُ الحسَنةُ.

# وإذا تتبعنا مواقفه صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله، فسوف نجدها مليئة بالتفاؤل والرجاء وحسن الظن بالله، بعيدة عن التشاؤم الذي لا يأتي بخير أبدا.

#فمن تلك المواقف ما حصل له ولصاحبه أبي بكر رضي الله عنه وهما في طريق الهجرة، وقد طاردهما سراقة، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم مخاطباً صاحبه وهو في حال ملؤها التفاؤل والثقة بالله:لا تحزن إن الله معنا.

# ومنها تفاؤله صلى الله عليه وسلم وهو في الغار مع صاحبه، والكفار على باب الغار وقد أعمى الله أبصارهم. فعن أنس عن أبي بكر رضي الله عنه قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار، فرفعت رأسي، فإذا أنا بأقدام القوم، فقلت: يا نبي الله لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا، قال: اسكت يا أبا بكر، اثنان الله ثالثهما. متفق عليه.

# ومنها تفاؤله بالنصر في غزوة بدر، وإخباره صلى الله عليه وسلم بمصرع رؤوس الكفر وصناديد قريش.

# ومنها تفاؤله صلى الله عليه وسلم عند حفر الخندق حول المدينة، وذكره لمدائن كسرى وقيصر والحبشة، والتبشير بفتحها وسيادة المسلمين عليها.

# ومنها تفاؤله صلى الله عليه وسلم بشفاء المريض وزوال وجعه بمسحه عليه بيده اليمنى وقوله: لا بأس طهور إن شاء الله.

#وفي نهاية المطاف علينا أن نعلم أن التفاؤل والتشاؤم ينبعان من داخل النفس، فصاحب النفس الصحيحة ينظر إلى الحياة بمنظار مستقيم جليّ فلا يرى فيها إلا كل جميل باعث على الأمل، وأما صاحب النفس السقيمة فإنه ينظر إلى الحياة بمنظار أسود كئيب، فلا يرى منها إلا كل سيء باعث على القنوط والتشاؤم واليأس.

قال الشاعر في ذلك :

أَيُّهَذَا الشَّاكِي وَمَا بِكَ دَاءٌ

كَيْفَ تَغْدُو إِذَا غَدَوْتَ عَلِيلا

إِنَّ شَرَّ الْجُنَاةِ فِي الْأَرْضِ نَفْسٌ

تَتَوَخَّى قَبْلَ الرَّحِيلِ الرَّحِيلا

وَتَرَى الشَّوْكَ فِي الْوُرُودِ وَتَعْمَى أنْ تَرَى فَوْقَهَا النَّدَى إِكْلِيلا

وَالّذِي نَفْسُهُ بِغَيْرِ جَمَالٍ

لَا يَرَى فِي الْحَيَاةِ شَيْئاً جَمِيلا


وعلينا في النهاية أن نضع نصب أعيننا وأن يكون شعارنا قول الله عز وجل:" وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ".



أ.د/ عبدالغني الغريب

رئيس قسم العقيدة والفلسفة

كلية أصول الدين والدعوة الإسلامية بالزقازيق