وجوب مشروعية الدليل في المواد الجنائية والمواد التأديبية :

155 - لا يجوز للحكم الجنائي كما لا يجوز للحكم التأديبي أن يستند إلى دليل غير مشروع . ويكون الدليل غير مشروع إذا كان متحصلا من جريمة أو صدر بالمخالفة للقانون في أي مرحلة من مراحل الدعوى كالتفتيش الباطل مثلا .

(أ‌) وجوب مشروعية الدليل في المواد الجنائية :

يلزم أن يكون الدليل مشروعا في المواد الجنائية . فالأحكام لا تبنى إلا على أدلة صحيحة فلا يجوز للحكم أن يبنى على دليل باطل . وهنا نفرق بين دليل الإدانة ودليل البراءة . فالقاعدة العامة تقضي بوجوب مشروعية الدليل سواء أكان دليل إدانة أو براءة . بيد أنه بالنسبة لدليل البراءة لا يشترط أن يكون مشروعا . فالتفرقة تقوم بين دليل الإدانة ودليل البراءة . فبينما يشترط وجوب مشروعية الدليل في حالة الحكم بالإدانة فإن الأمر يختلف بالنسبة للدليل في حالة الحكم بالبراءة .

فلا يشترط أن يكون الدليل مشروعا عند البراءة فيجوز أن يصدر الحكم بالبراءة مستندا إلى دليل باطل . والأساس القانوني لذلك يرجع إلى أن الأصل في الإنسان البراءة وبناء على ذلك فالبراءة لا تحتاج دليل تستند إلية . فتنص المادة 67 من الدستور على أن " المتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تكفل فيها ضمانات الدفاع عن نفسه " .

تطبيقا لذلك قضت محكمة النقض " من المسلم به أنه لا يجوز أن تبنى إدانة صحيحة على دليل باطل ، كما أنه من المبادئ الأساسية في الإجراءات الجنائية أن كل متهم يتمتع بقرينة البراءة إلى أن يحكم بإدانته بحكم نهائي ، وأنه إلى أن يصدر هذا الحكم له الحرية الكاملة في اختيار وسائل دفاعه بقدر ما يسعفه مركزه في الدعوى وما يحيط بنفسه من عوامل الخوف و الحرص والحذر وغيرها من العوارض الطبيعية لضعف النفوس البشرية . وقد قام على هدي من هذه المبادئ حق المتهم في الدفاع عن نفسه وأصبح حق يعلو على حقوق الهيئة الاجتماعية التي لا يضيرها تبرئة مذنب بقدر ما يؤذي العدالة إدانة برئ . وليس أدل على ذلك مما نصت علية المادة 196 إجراءات جنائية . هذا إلى ما هو مقرر من أن القانون – فيما عدا ما استلزمه من وسائل خاصة للإثبات – فتح بابه أمام القاضي الجنائي على مصراعيه يختار من كل طرقه ما يراه موصلا إلى الكشف عن الحقيقة ويزن قوة الإثبات المستمدة من وقائع كل دعوى وظروفها بغية الحقيقة التي أنى وجدها ومن أي سبيل يجده موصلا إليها ولا رقيب عليه في ذلك غير ضميره وحده . ومن ثم فإنه لا يقبل تقييد حرية المتهم في الدفاع باشتراط مماثل لما هو مطلوب في دليل الإدانة ويكون الحكم حين ذهب إلى خلاف هذا الرأي فاستبعد المذكرة التي قدمها الدفاع عن الطاعن للتدليل على براءته من الجرائم المسندة إليه بدعوى إنها وصلت إلى أوراق الدعوى عن طريق غير مشروع قد أخل بحق الطاعن مما يعيبه ويستوجب نقضه . ولا يقيد هذا النظر سلطة الاتهام وكل ذي شأن فيها يرى اتخاذه من إجراءات بصدد تأثيم الوسيلة التي خرجت بها المفكرة من حيازة صاحبها ".


(ب) وجوب مشروعية الدليل في المواد التأديبية على غرار المواد الجنائية:

لما كانت المسئولية التأديبية مسئولية جزائية فإنها تتماثل مع المسئولية الجنائية في قواعد تسبيب الأحكام فالحكم التأديبي الصادر بالإدانة يجب أن يستند إلى دليل مشروع فإذا استند الحكم التأديبي إلى دليل باطل فإنه يكون معيبا فما دام الدليل الباطل أثر في الحكم فإن هذا الحكم يكون باطلا . ويكون الدليل الباطل قد أثر في الحكم عندما يكون القاضي قد كون عقيدته بالاستناد إلى هذا الدليل .

وقد أكد القضاء الإداري على هذا المبدأ عندما قضت المحكمة الإدارية العليا بأن بطلان التفتيش يترتب عليه بطلان الدليل في صدد الحكم التأديبي كما هو الحال في صدد الحكم التأديبي . فتقول المحكمة : " متى تقرر بطلان التفتيش النسبي أو الضبط ، فإن ذلك يتناول جميع الآثار التي تترتب عليه مباشرة بمعنى أنه يتعين على المحكمة أن تطرح الدليل المستمد منه ، فلا يصح لها الاعتماد عليه ولا على شهادة من أجروه ولا على ما أثبتوه في محضرهم أثناء هذا التفتيش من أقوال واعترافات مقول بحصولها أمامهم من المتهم ، وقضت بأن الاعتراف يكون باطلا إذا كان نتيجة حتمية للتفتيش وفي إثره ، لأن الاعتراف في ظروف الزمان والمكان الذين حصل فيها التفتيش يكون المتهم في حالة نفسية لا يستطيع معها ألاّ يختار سوى الإقرار ".

والأمر لا يجب أن يختلف عن القواعد المعمول بها في الأحكام الجنائية في حالة الحكم بالبراءة . فيجوز أن يستند الحكم التأديبي إلى دليل باطل . وعلى الرغم من عدم وجود نص في قانون العاملين المدنيين بالدولة يؤيد ذلك كما أن نص المادة 67 من الدستور سابقة الذكر تخص المواد الجنائية فإن القواعد العامة للمحاكمات تقتضي التمييز بين الأحكام الصادرة بالإدانة و الأحكام الصادرة بالبراءة .




المصدر

شيماء عبدالغني محمد عطاالله ، مدى إعمال قواعد المسئولية الجنائية في مجال المسئولية التأديبية ، رسالة ماجستير ، كلية الحقوق - جامعة المنصورة ، 2001.