الطعن رقم ٦٤٩٠ لسنة ٨٥ قضائية

الدوائر الجنائية - جلسة ٢٠١٧/١١/٢١

العنوان : تقليد . تلبس . قبض . دفوع " الدفع ببطلان القبض " . محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير حالة التلبس " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .

الموجز : لغير مأموري الضبط القضائي إحضار وتسليم المتهم وجسم الجريمة الذي شاهده معه أو ما يحتوي عليه إلى أقرب مأمور ضبط قضائي في الجنايات أو الجنح الجائز فيها الحبس الاحتياطي أو الحبس . متى كانت الجناية أو الجنحة في حالة تلبس . المادتان ٣٧ ، ٣٨ إجراءات . تحفظ الشاهد الأول على الطاعن أثناء محاولتها ترويج العملة المقلدة . تعرض مادي . صحيح . كفاية وجود مظاهر خارجية تنبئ عن وقوع الجريمة لقيام حالة التلبس . تقدير قيام حالة التلبس . موضوعي . مادام سائغاً . القبض الصحيح . يخول التفتيش . المادة ٤٦ إجراءات . الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض . مثال .


الحكم

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة قانونًا :


حيث إن الطعن قد استوفى الشكل المقرر فى القانون .


حيث إن الطاعن ينعى بمذكرتي أسباب طعنه على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي حيازة عملة ورقية مقلدة بقصد الترويج والشروع فى ترويجها ، قد شابه القصور فى التسبيب ، والفساد فى الاستدلال ، والإخلال بحق الدفاع ، والخطأ فى تطبيق القانون ، ذلك بأنه لم يحط بواقعة الدعوى وأدلتها عن بصر وبصيرة ، ولم يبين أركان الجريمتين اللتين دان الطاعن بهما ، مطرحًا بما لا يسوغ دفعه بانتفاء علمه بتقليد الأوراق المالية المضبوطة ، معولًا فى قضائه بالإدانة على أدلة لا تؤدي إلى ما رتبه عليها من نتيجة ، كما دفع ببطلان القبض والتفتيش لحصولهما من آحاد الناس الذي لا يتمتع بصفة الضبط القضائي ، ولتجاوز ضابط الواقعة حدود التفتيش الوقائي مطرحًا إياه برد غير سائغ ، ودون أن يفطن إلى تجاوز الضابط للغرض الذي شرع من أجله ذلك التفتيش ، كما اطرح دفعه بإعفائه من العقاب عملًا بالمادة ٢٠٥ / ٢ من قانون العقوبات برد غير سائغ رغم قيامه بالإرشاد عن المتهمين الآخرين السابق الحكم عليهما ، وعول فى الإدانة على أقوال شهود الإثبات وجزأ أقوال الشاهد / وائل عبد الرجال محمود بصدد واقعة إخراج النقود الموجودة بحوزة الطاعن ، معتنقًا تصويرهم للواقعة رغم كونه لا يتفق مع العقل والمنطق بشواهد عددها ، مما يؤكد أن للواقعة صورة أخرى ، وتساند إلى أقوال المتهمين الآخرين السابق الحكم عليهما ، والتفت عن دفاعه بكيدية الاتهام وتلفيقه ، وبانتفاء صلته بالأوراق المالية المقلدة المضبوطة ، وإنكاره للاتهام المسند إليه ، وببطلان إقراره بمحضر الضبط لكونه وليد إكراه معنوي ، وأخيرًا قضى على الطاعن بعقوبة أشد من العقوبة المحكوم بها على المتهمين الآخرين فى الواقعة دون مقتضى ، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .



وحيث إن الحكم المطعون فيه بيَّن واقعة الدعوى بقوله أنها : " تتحصل فيما أبلغ وشهد به / رضا عبده الشافعي يوسف صراف التذاكر بمحطة العتبة التابعة لجهاز تشغيل مترو الأنفاق من أنه بتاريخ ٢٤ / ٦ / ٢٠٠٦ وحال تواجده بمقر عمله تقدم إليه المتهم / أحمد سيد شحاته مجفان وأعطاه ورقة مالية فئة الخمسين جنيه مصريًا تحمل رقم ٤٤٢٨٨٣٨ هـ / ١٠ طالبًا منه شراء تذكرة لاستقلال مترو الأنفاق وإذ شك فى سلامتها لكونها قد تكون مزيفة اصطحب وآخر كان برفقته يدعى / وائل عبد الرجال محمود حامد إلى الرائد / محمود محمد القطب الضابط بقسم شرطة رابع مترو الأنفاق " محطة العتبة " مبلغًا إياه بتلك الواقعة لضبطها وأضاف أنه علم أن الأخير قام بضبط مبلغ ألفين وخمسين جنيهًا مصرية مقلدة أخرى مع المتهم الماثل السالف وهو عين ما شهد به الضابط آنف الذكر والذي أضاف أنه بتفتيشه للمتهم الماثل عثر معه بجيب بنطاله الأيمن على المبلغ الأخير وهو عبارة عن إحدى عشر ورقة مالية فئة المائة جنيه وتحمل جميعها رقم واحد ٤٤٤١٩٥٩ ن / ٤٦ وتسعة عشر ورقة مالية فئة الخمسين جنيهًا تحمل أيضًا رقم واحد هو ٤٢٢٨٨٣٨هـ / ١٠ وذلك بخلاف الورقة المالية فئة الخمسين جنيهًا التي تحمل الرقم الأخير والتي ضبطت بحوزة المتهم حال تقديمها لصراف التذاكر آنف الذكر كما أردف فى شهادته أنه بمواجهة المتهم السالف بما أسفر عنه الضبط والتفتيش أقر بإحرازه للأوراق المالية المقلدة المضبوطة ويقصد ترويجها وبشروعه فى ترويجها بالفعل بتقديمها لصراف التذاكر المذكور لشراء تذكرة لاستقلال مترو الأنفاق وذلك قبل ضبطه متلبسًا بحيازتها وبانه اشتراها من / أمين أحمد محمد أمين – المتهم الثاني الغير ماثل – بأوراق مالية صحيحة وأضاف الضابط أنه بعد قيامه والرائد / نادي علي عثمان الضابط بمباحث الأموال العامة بضبط الأخير وبمواجهته بما أسنده إليه المتهم الماثل سالف الذكر قرر بصحته وبأنه الذي باع له الأوراق المالية المقلدة المضبوطة سالفة المقدار بحوزته وهو يعلم بأمر تقليدها وقد دلت التحريات السرية التي أجريت على صحة تلك الوقائع جميعها وعلى إحراز المتهم الماثل / أحمد سيد شحاته مجفان للأوراق المالية المشار إليها بقصد ترويجها مع علمه بأمر تقليدها وبشروعه فى ترويجها بالفعل على النحو المشار إليه ، وثبت من تقرير إدارة أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي أن الأوراق المقلدة المضبوطة بحوزة المتهم الماثل وهي عبارة عن إحدى عشر ورقة مالية فئة المائة جنيه مصري تحمل جميعها رقم ٤٤٤١٩٥٩ ن / ٤٦ وعشرون ورقة مالية فئة الخمسين جنيهًا تحمل جميعها رقم ٤٢٢٨٨٣٨ هـ / ١٠ بالرغم من التشابه الظاهري بينها فى المظهر العام وفي مشابهة الرسوم والنقوش الموجودة بوجه وظهر الأوراق المالية الصحيحة المناظرة ، وفي مشابهة أسلوب الترقيم من حيث شكل الأرقام وحجمها وموضعها بوجه وظهر الأوراق وفي محاولة المشابهة فى الألوان الغالبة بوجه وظهر الأوراق وفي محاولة تقليد شريط الضمان المتقطع بالأوراق فئة المائة جنيه مصريًا وبين الأوراق المالية الصحيحة المناظرة من ذات الفئة والطبعة إلا أنها أوراقًا مزيفة وفق أساليب التزييف الكلي باستخدام طابعة كمبيوترية ملونة تعمل بتقنية نفث الحبر وقد زيفت بدرجة متوسطة بحيث يمكن أن تجوز على الشخص العادي فيقبلها فى التعامل على أنها من الأوراق المالية الصحيحة "


لما كان ذلك ، وكان يبين مما سطره الحكم - فيما تقدم - أنه بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية والتي من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى وإيرادها لمضمونها وفحواها ومؤداها على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلمامًا شاملًا يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلًا أو نمطًا يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافيًا فى تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة - كما هو الحال فى الدعوى الراهنة – فان ذلك يكون محققًا لحكم القانون ، ومن ثم فان منعى الطاعن فى هذا الشأن يكون ولا محل له .


لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر علم الطاعن بتقليد الورقة المضبوطة وقصده ترويجها فى قوله :
" وحيث إنه عن الدفع المبدى بانتفاء علم المتهم الماثل السالف ذكره بكون الأوراق المالية المقلدة المضبوطة بحوزته بأمر تقليدها ، فإنه مردود لما هو مقرر قانونًا من أن جريمة حيازة العملة بقصد الترويج تستلزم فضلًا عن القصد الجنائي العام مقصدًا خاصًا هو نية دفع العملة المقلدة إلى التداول ، كما تقتضي لتوافرها علم الجاني وقت ارتكاب الجريمة علمًا يقينيًا بتوافر أركانها وعلمه بكون العملة المضبوطة بحوزته مقلدة ، ولما كان الثابت فى أوراق الدعوى وما حوته من استدلالات وتحقيقات وأدلة الثبوت التي سردتها تفصيلًا هذه المحكمة وعلى ما سلف بيانه أن المتهم الماثل آنف الذكر كان يحوز الأوراق المالية المضبوطة بحوزته مع علمه بأمر تقليدها وبقصد ترويجها وأنه شرع فعلًا فى ترويجها بتقديمه إحداها للشاهد الأول لشراء تذكرة منه لاستقلال مترو الأنفاق إلا أن الجريمة لم تتم – الترويج – لضبطه متلبسًا بهذه الأوراق المقلدة فضلًا عن ضبط ما بحوزته من أوراق مالية مقلدة أخرى وهو ما شهد به الشاهد الأول ورآه وأدركه الشاهد الثاني حيث قام بضبط الجريمة متلبسًا بها ، وما قرر به المتهم الثاني الغير ماثل بمحضر الضبط من بيعه لتلك الأوراق للمتهم الماثل مقابل مبلغ ٨٥٠ جنيها أوراق مالية صحيحة ليقوم هو الآخر بترويجها ويتكسب من وراء ذلك وهو ما قرر به الأخير ذاته بمحضر الضبط حيث أقر بشرائها مع علم بأمر تقليدها من المتهم الثانى – الغير ماثل – وذلك مقابل دفع نصف قيمتها من الأوراق المالية الصحيحة وذلك بقصد ترويجها ببيعها والشراء بها مقابل الحصول على أوراق مالية صحيحة بدلًا منها وأنه أحرز تلك الأوراق المضبوطة بقصد ترويجها مع علمه بأمر تقليدها وهو ما كشفت عنه وأكدته أدلة الثبوت المشار إليها المؤيدة بتقرير أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي ، بما يضحى معه ذلك الدفع مفتقرًا لأي أساس من الواقع أو القانون خليقًا بالرفض " وكان ما أورده الحكم مما سلف يسوغ به الاستدلال على توافر قصد الترويج والعلم بأن العملة المضبوطة مقلـدة .



لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن جريمة الحيازة بقصد الترويج وإن استلزمت فضلًا عن القصد الجنائي العام قصدًا خاصًا هو نية دفع العملة المقلدة إلى التداول ، مما يتعين معه على الحكم استظهاره ، إلا أن المحكمة لا تلتزم بإثباته فى حكمها على استقلال متى كان ما أوردته عن تحقق الفعل المادي يكشف بذاته عن توافر تلك النية الخاصة التي يتطلبها القانون ، وذلك ما لم تكن محل منازعة من الجاني ، فإنه يكون متعينًا حينئذ على الحكم بيانها صراحة وإيراد الدليل على توافرها ، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت فى حق الطاعن أنه حاز بقصد الترويج العملة الورقية المقلدة المضبوطة ، وأورد على ذلك أدلة سائغة من أقوال شهود الإثبات وتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي والتي من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها ، لما أورده فى تحصيله لواقعة الدعوى أن العملة المزيفة المضبوطة كان يحوزها المتهم ودفع بها للتعامل مع علمه بأمر تزييفها ، وكان الطاعن لا يدعي أن هناك هدفًا غير الترويج فى حيازته للعملة المضبوطة ، فإن منعاه فى هذا الشأن يكون غير سديد .


لما كان ذلك ، وكان الأصل فى المحاكمات الجنائية أن العبرة فى الإثبات هي باقتناع القاضي واطمئنانه إلى الأدلة المطروحة عليه ، وأنه لا تصح مطالبته بالأخذ بدليل دون آخر إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه ، وكان من المقرر أن الأدلة فى المواد الجنائية ضمائم متساندة يكمل بعضها بعضًا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة فى مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة فى اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ، كما لا يشترط فى الدليل أن يكون صريحًا دالًا بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يكون استخلاص ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات ، ومن ثم تضحى المنازعة بقصور الأدلة جدلًا موضوعيًا فى سلطة محكمة الموضوع فى وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض .


لما كان ذلك ، وكانت المادة ٣٧ من قانون الإجراءات الجنائية أجازت لغير مأموري الضبط القضائي - من آحاد الناس - تسليم وإحضار المتهم إلى أقرب مأمور للضبط القضائي فى الجنايات ، أو الجنح التي يجوز فيها الحبس الاحتياطي متى كانت الجناية أو الجنحة فى حالة تلبس ، وتقتضي هذه السلطة - على السياق المتقدم - أن يكون لآحاد الناس التحفظ على المتهم وجسم الجريمة الذي شاهده معه بحسبان ذلك الإجراء ضروريًا ولازمًا للقيام بالسلطة تلك على النحو الذي استنه القانون ، وذلك كيما يسلمه إلى مأمور الضبط القضائي . وإذ كان ذلك ، وكان ما فعله الشاهد الأول بوصفه من آحاد الناس من التحفظ على الطاعن والعملة المقلدة المضبوطة معه واقتياده للطاعن عقب ذلك بعد ضبطه أثناء محاولة ترويج العملة الورقية المزيفة عن طريق استخدامها فى الشراء من الشاهد الأول إلى مأمور الضبط القضائي ومن إبلاغه بما وقع منه لا يعدو - فى صحيح القانون - أن يكون مجرد تعرض مادي يقتضيه واجبه فى التحفظ على المتهم وعلى جسم الجريمة ، بعد أن شاهد جناية حيازة عملة ورقية مزيفة والشروع فى ترويجها فى حالة تلبس ، وكان يكفي لقيام حالة التلبس أن تكون هناك مظاهر خارجية تنبئ بذاتها عن وقوع الجريمة ، وكان الثابت من مدونات الحكم ، أنه انتهى إلى قيام هذه الحالة ، استنادًا إلى ما أورده فى هذا الخصوص من عناصر سائغة لا يماري الطاعن فى أن لها معينها من الأوراق ، وكان تقدير الظروف التي تلابس الجريمة وتحيط بها وقت ارتكابها أو بعد ارتكابها وتقدير كفايتها لقيام حالة التلبس ، أمرًا موكولًا إلى محكمة الموضوع دون معقب عليها ، مادامت الأسباب والاعتبارات التي بنت عليها هذا التقدير صالحة لأن تؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها . وإذ كان ذلك ، وكان قانون الإجراءات الجنائية قد نص بصفة عامة فى المادة ٤٦ منه على أنه فى الأحوال التي يجوز فيها القبض على المتهم يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يفتشه اعتبارًا بأنه كلما كان القبض صحيحًا كان التفتيش الذي يجريه من خول إجراؤه على المقبوض عليه صحيحًا أيًا كان سبب القبض أو الغرض منه وذلك لعموم الصيغة التي ورد بها النص ، وكان ما أورده الحكم تدليلًا على توافر حالة التلبس بما مفاده ضبط الطاعن أثناء قيامه بشراء تذكرة مترو من الشاهد الأول بعمله مقلدة ثم قيام الشاهد الأول باقتياده لمأمور الضبط القضائي والذي أجرى تفتيشه فوجد العملات المقلدة الأخرى بحوزته كافيًا وسائغًا فى الرد على الدفع ويتفق وصحيح القانون ، وكان الطاعن لا يماري فى أن ما أورده الحكم بشأن ضبطه حال شروعه فى ترويج العملات الورقية المقلدة له معينه من أقوال ضابط الواقعة ، فإن الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى صحة إجراءات القبض والتفتيش يكون قد أصاب صحيح القانون ، فإن ما يثيره الطاعن بهذا الوجه من الطعن ينحل إلى جدل موضوعي مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض .


لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن التفتيش فى حالة الدعوى أمر لازم لأنه من وسائل التوقي والتحوط من شر من قبض عليه إذا ما سولت له نفسه التماسًا للفرار أن يعتدي على غيره بما قد يكون محرزًا له من سلاح أو نحوه ، وكان الطاعن لا ينازع فى حق مأمور الضبط القضائي فى تفتيشه ، ولما كان الفصل فيما إذا كان من قام بإجراء التفتيش قد التزم حده أو جاوز غرضه متعسفًا فى التنفيذ من الموضوع لا من القانون ، وكانت المحكمة قد أقرته فيما اتخذه من إجراء ، فلا يجوز مجادلتها فى ذلك أمام محكمة النقض ، ومن ثم فإن النعي على الحكم فى هذا الصدد لا يكون له محل ، هذا فضلًا عن انتفاء مصلحة الطاعن فيما يثيره من منازعة بشأن الأوراق المالية المقلدة المضبوطة بملابسه ، مادام أن وصف التهمة التي دين بها يبقى سليمًا لما أثبته الحكم من مسئوليته عن الورقة المالية المقلدة التي شرع فى ترويجها .


لما كان ذلك ، وكان نص المادة ٢٠٥ من قانون العقوبات يجري على أنه :
" يعفى من العقوبات المقررة فى المواد ٢٠٢ ، ٢٠٢ مكررًا ، ٢٠٣ كل من بادر من الجناة بإخبار الحكومة بتلك الجنايات قبل استعمال العملة المقلدة أو المزيفة أو المزورة وقبل الشروع فى التحقيق ويجوز للمحكمة إعفاء الجاني من العقوبة إذا حصل الإخبار بعد الشروع فى التحقيق متى مكن السلطات من القبض على غيره من مرتكبي الجريمة أو على مرتكبي جريمة أخرى مماثلة لها فى النوع والخطورة ، فالقانون قد قسم أحوال الإعفاء فى هذه المادة إلى حالتين مختلفتين تتميز كل منها بعناصر مستقلة وأفرز لكل حالة فقرة خاصة ، واشترط فى الحالة الأولى فضلًا عن المبادرة بالإخبار قبل استعمال العملة المقلدة أو المزيفة أو المزورة أن يصدر الإخبار قبل الشروع فى التحقيق ، أما الحالة الثانية والمنصوص عليها فى الفقرة الثانية من المادة المشار إليها وإن لم تستلزم المبادرة بالإخبار قبل الشروع فى التحقيق إلا أن القانون اشترط فى مقابل الفسحة التي منحها للجاني فى الإخبار أن يكون إخباره هو الذي مكن السلطات من القبض على غيره من الجناة أو على مرتكبي جريمة أخرى مماثلة لها فى النوع والخطورة ، فموضوع الإخبار فى هذه الحالة يجاوز مجرد التعريف بالجناة إلى الإفضاء بمعلومات صحيحة تؤدي بذاتها إلى القبض على مرتكبي الجريمة ، فإن كانت السلطات قد تمكنت من معرفة الجناة والقبض عليهم من غير هذا الطريق فلا إعفاء ، وكان من المقرر أن الفصل فى أمر تسهيل القبض على باقي الجناة هو من خصائص قاضي الموضوع وله فى ذلك التقدير المطلق ، مادام يقيمه على أسباب تسوغه ، وكان ما رد به الحكم المطعون فيه على طلب الطاعن التمتع بالإعفاء المنصوص عليه فى المادة ٢٠٥ من قانون العقوبات كافيًا وسائغًا بما ينفي قيام شرائط الإعفاء فى حقه ، فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الصدد يكون ولا محل له ، إذ لا يعدو أن يكون جدلًا موضوعيًا حول القوة التدليلية للعناصر التي استنبطت منها المحكمة معتقدها مما لا يجوز مصادرتها أو مجادلتها فى شأنه أمام محكمة النقض ، فضلًا عن أن الطاعن لا يماري فى عدم تمتعه بالإعفاء من العقاب طبقًا لنص الفقرة الأولى من المادة ٢٠٥ من قانون العقوبات ، وكان إعمال تلك المادة فى فقرتها الثانية مما يدخل فى حدود سلطة قاضي الموضوع ولم يجعل الشارع للمتهم شأنًا فيه ، بل خص به قاضي الموضوع ولم يلزمه باستعماله بل رخص له فى ذلك وتركه لمشيئته وما يصير إليه رأيه ، ومن ثم فإن النعي عليه فى هذا الخصوص يكون غير سديد .


لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ، مادام استخلاصها سائغًا مستندَا إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق - كما هو الحال فى الدعوى المطروحة - ولما كان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه ، وهي متى أخذت بشهادتهم فان ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وكان من حق محكمة الموضوع تجزئة أقوال الشاهد والأخذ منها بما تطمئن إليه واطراح ما عداه دون أن يعد تناقضًا فى حكمها ، وإذ كان الطاعن لا ينازع فى صحة ما نقله الحكم من أقوال شهود الإثبات ، فإنه لا يكون ثمة محل لتعييب الحكم فى صورة الواقعة التي اعتنقتها المحكمة واقتنعت بها ولا فى تعويله فى قضائه بالإدانة على أقوال شاهد الإثبات .


لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة فى الأخذ باعتراف المتهم على غيره من المتهمين فى أي دور من أدوار التحقيق متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع .


لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الدفع بكيدية الاتهام وتلفيقه ، وعدم معقولية تصوير الشهود للواقعة وانتفاء صلته بالمضبوطات من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل - بحسب الأصل - ردًا خاصًا طالما كان الرد عليها مستفادًا من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ، فان ما ينعاه الطاعن فى هذا الشأن لا يكون سديدًا .


لما كان ذلك ، وكان النعي بالتفات الحكم عن دفاع الطاعن بعدم ارتكابه الجريمة مردودًا بأن نفي التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل ردًا طالما كان الرد عليها مستفادًا من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم .


لما كان ذلك ، وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه لم يتساند فى قضائه بالإدانة إلى دليل مستمد من اعتراف مستقل من الطاعن بل استند إلى ما أقر به الطاعن والمتهمين الآخرين السابق الحكم عليهم لضابط الواقعة فى هذا الخصوص ، وهو بهذه المثابة لا يعد اعترافًا بالمعنى الصحيح وإنما هو مجرد قول للضابط يخضع لتقدير المحكمة ، فلا محل للنعي على الحكم إغفاله الرد على ما تمسك به الطاعن من دفاع فى هذا الشأن .


لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن تقدير العقوبة فى الحدود المقررة قانونًا وتقدير مناسبة العقوبة بالنسبة إلى كل متهم هو من إطلاقات محكمة الموضوع دون معقب ودون أن تسأل عن الأسباب التي من أجلها أوقعت العقوبة بالقدر الذي ارتأته ، فإن ما يثيره الطاعن عن مقدار العقوبة التي أوقعها الحكم عليه بالمقارنة بالعقوبة التي أوقعها على المحكوم عليهما الآخرين لا يكون مقبولًا . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينًا رفضه موضوعًا .


فلهــذه الأسبـــاب
حكمت المحكمة : بقبول الطعن شكلًا ، وفي الموضوع برفضه .

أمين الســـر نائب رئيس المحكمة

المصدر

https://www.cc.gov.eg/judgment_singl...132&&ja=228492