#مقالي_هاهنا_بعنوان

"فن مكافحة الفساد"

هل مكافحة الفساد فن؟ وما هو المقصود منه؟ وما هي طرق مكافحته؟

نعم يافندم هو فن من الفنون، يعتمد على التعلم والإدراك والملاحظة والتجربة وشخصية القائد أو المدير للمؤسسة، أتطرق معكم اليوم لبعض هذه الملامح.

أولا((التعلم))

لتعلم مكافحة الفساد إما تبتكر طرقا لمكافحته أو تنظر لتجارب الآخرين وتحاكيها. والمرجعية هنا اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام ٢٠٠٣.

عليك أن تعرف أولا ما هو المقصود بالفساد؟ هل يجنح التعريف الخاص بالفساد ليشمل كل من يشارك فيه، أم أنه خاص فقط بمن يتولى عملا حكومياً أو بالمعنى الأدق يتولى وظيفة عامة؟ إذا نظرنا إلى إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد ٢٠٠٣ لوجدنا أن الاتفاقية التي تعبر عن تجارب دول العالم تنظر للفساد بأن منبعه يبدأ من عند من يتولى الوظيفة العامة. ويتضح ذلك من المصطلحات المقصودة في صدر الاتفاقية. معنى ذلك أن الفساد منشئه لدى من يتقلد وظيفة يقدم منها خدمات للناس.
وإذا ما عرفت المقصود من الاتفاقية لعلمت أن مكافحة الفساد تبدأ أولا من مكافحة خروج الموظف العام على مقتضيات الواجب الوظيفي وبالتبعية تتسائل هل تتحدد واجبات الوظيفة العمومية بشكل دقيق أم أن الواجبات تنتجها ظروف العمل ومقتضيات الحال؟ رأيي الشخصي أنه لابد من توصيف وظيفي واضح ومعلن لكل وظيفة.

كثيراً ما نجد موظف فاسد في مؤسسة من المؤسسات والجميع يشتكي فساده. ولا يحرك أحد ساكنا تجاه. وهنا تتطرق الاتفاقية الدولية لمثل هذه الصورة وقد عبرت عنها كأحد صور الفساد الذي يجب مكافحته "مفهوم التناوب في تقلد الوظيفة العمومية"
وهنا أتوقف عند فكرة التناوب كي لا أطيل عليكم، وإن شاءالله نكمل باقي عناصر المقال في أوقات أخرى.

يقصد بالتناوب عدم استمرارية الموظف في مكانه للحد الذي يخلق فيه لنفسه شبكة نفوذ ومصالح تجعله يستغل موقعه في تحقيق مآرب ومصالح خاصة. دليل ذلك أن الفساد تراكمي فمن يرزخ في مكانه يتربح منه لفترات طويلة وتظهر عليه مظاهر الثراء رغم معرفة حدود دخله وراتبه وإقرار ذمته المالية مسبقاً في ملف خدمته، هنا تتجه بعض الدول لتطبيق قانون من أين لك هذا؟

لذا أولى خطوات التطوير المؤسسي ومكافحة الفساد، هي تغيير مواقع الموظفين والتنقل بين الإدارات بما يناسب مؤهلاتهم ودونما التأثير على سير المرفق العام بانتظام واضطراد، كي يحول ذلك بينهم وبين الفساد القائم على خلق مناطق النفوذ. كأن تنقل موظف شباك يتعامل مع الجمهور ليعمل مكتبيا، وتنقل موظف مكتبي للعمل رقابيا وهكذا دونما إخلال بقواعد التوصيف الوظيفي.

إن تواجد الموظف فترة طويلة في مكانه حتى وإن كان غير فاسداً من الناحية الظاهرية إلا أنه مع طول المدة سيدفعه المكان يوماً ما إلى الفساد ولو باطنيا. ودليل ذلك مظاهر الثراء المفاجئ.
تتجلى هنا تقنيات المحاسبة والشفافية وسوف تجدونها في الدليل التقني لتنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، والذي سوف نتطرق إليه في الأجزاء الأخرى استقلالا عن هذا المقال.

إذن الفساد المقصود مكافحته في هذا المقال هو فساد الموظف العام.
وقبل أن نغلق الحديث في مفهوم الفساد الذي يجب مكافحته، دعوني أحدثكم عن طريقتين لمكافحة الفساد.

الأولى. التطهير الذاتي، وهي طريقة مفادها إتباع المؤسسة نظاما لمراقبة الأداء وجودة تقديم الخدمة تكشف الفساد بين موظفيها ذاتياً دون رقابة خارجية، ومن ثم تستأصل الموظف الفاسد بنفسها.

الثانية. التطهير من الخارج، وهي طريقة مفادها مراقبة أداء الموظفين من جهة أخرى خارجية فتكشف الفساد وتحقق فيه وتضبط المخالفات، وإذا ما ثبتت المخالفة إتخذت إجراءاتها لمحاسبة الموظف الفاسد.
هنا اذكر واقعة بإيطاليا لقاض كان ينظر قضية فساد

فوجئ القاضي أن الماثل أمامه في قفص الاتهام ما هو إلا موظف فاسد في شبكة فساد كبيرة مترامية الأطراف وفي مؤسسات عدة بالدولة، فكتب القاضي في حكمه "أنه رغم وجود جهات رقابية ورغم الإعلانات البراقة عن مكافحة الفساد في مختلف وسائل الإعلام إلا أنني أيقنت أن الفساد شبكة ولابد من تمزيقها. وإلا استشرت في بقية المؤسسات كما النار في الهشيم. واستطرد القاضي في مقالته التي أوردها في حكمه أن الفاسد لابد له من متستر والذي غالباً ما يكون له شريكاً في فساده أو منتفعا من وجوده."
وهنا رايي المتواضع أنه لابد من الجمع بين الطريقتين السابقتين حتى تحول بين الموظف الفاسد وتكوين شبكة الفساد، وهذا يحل لنا معضلة سؤال عنوانه ماذا لو كانت هناك علاقة بين الموظف الفاسد محل الرقابة الخارجية وبين المراقب عليه من جهة الرقابة الخارجية؟ أو السؤال الأشد وطأة ماذا لو كان مسئول الرقابة الخارجية يعتمد في تقاريره الرقابية على ما يرفعه له هذا الموظف الفاسد؟

سؤال يحتاج لإجابة؟؟

دكتور/ أكرم الزغبي
مدرس القانون الدولي العام
كلية الحقوق - جامعة الزقازيق