محمد علي محمد نبهان
طالب بماستر العلوم القانونية
مقدمة :

بلغ عدد مشاريع القوانين التي أحالتها الحكومة على مجلسي البرلمان خلالالسنة التشريعية الرابعة 41 مشروع قانون، أضيفت إلى 27 مشروع قانون ظلتقيد الدرس بعد انصرام السنة التشريعية الثالثة، ليصل بذلك عدد مشاريعالقوانين التي كانت معروضة على مجلسي البرلمان قصد النظر فيها إلى 68مشروع قانون. ومن جهة أخرى، فقد قامت الحكومة بعد اختتام دورة أبريل 2006بإيداع مشروع مرسوم قانون(1).
موضوع هذه الدراسة احد المشاريع المودعة بتاريخ 10 غشت 2006بمجلس النواب :
- مشروع قانون رقم 43.05 يتعلق بمكافحة غسل الأموال
.
و في بيان مجلس الحكومة بتاريخ 19 أبريل 2006 تمت المصادقة عليه شريطة دراسة ملاحظات وزارة العدل, و كان احدالمشاريع و النصوص والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المجلس الوزاري المنعقد بالدار البيضاء تحت رئاسة صاحبالجلالة أيده الله ونصره بتاريخ 20 يوليو 2006.
و في يوم الاثنين 20 نونبر و في برنامجاجتماعات اللجانالدائمة في البرلمان و تحديدا لجنة العدل و التشريع و حقوق الانسان تم -الاستماع إلى عرض السيد وزير العدل حول مشروع قانون رقم 43.05 يتعلق بمكافحة غسل الأموال على الساعة الرابعة زوالا و قد حضر الجلسة أيضا مدير الخزينة العامة للمملكة نيابة عن وزير المالية و صادق مجلس النواب بالاجماع على مشروع القرار في الجلسة العامة المنعقدة يوم الاثنين22 يناير 2007 و كانت مدة الجلسة 3 ساعات و25 دقائق (2).
الملاحظ ان مشروع القانون لا يقدم تعريفا لجريمة غسل الأموال, بل يكتفي بالإحالة على الأفعال التي تندرج في إطار هذه الجريمة, و ان المشروع قد ذهب في تحديده لهذه الأفعال الإجرامية في اتجاه الحصر وهو ما يعتبر امرا مهما, مع التاكيد على ضرورة أن تستوعب اللائحة جميع الجرائم التي تترتب عن غسل الأموال.
وبخصوص الفصل الخاص بالعقوبة على غسل الأموال, شدد النواب على ضرورة الرفع من العقوبة الحبسية والغرامات في حق مرتكبي هذه الجريمة التي لها انعكاسات وخيمة على اقتصاد البلاد, وذلك بجعل العقوبة تتراوح ما بين خمس سنوات وعشر سنوات عوض سنتين إلى خمس سنوات كما جاء في نص المشروع وذلك بهدف التضييق على مرتكبي هذه الجرائم وعلى أصل الأموال المتحصلة من هذه الجرائم.
كما دعا متدخلون إلى عدم متابعة من يقوم بالتبليغ معتبرين أنه لا يمكن لأي شخص أن يغامر بالتبليغ عندما يتم حشره في الجريمة.
يذكر أنه خلال المناقشة العامة لهذا المشروع من قبل
اللجنة, أكدت مختلف التدخلات على أهمية هذا المشروع الذي تفرضه التزامات المغرب مع شركائه الاقتصاديين خاصة بعد التوقيع على اتفاقيتي الشراكة مع الاتحاد الأوروبي والتبادل الحر مع الولايات المتحدة الأمريكية وانخراط المغرب في الاقتصاد الدولي(3).
و برجوعنا بالزمن الى مرحلة ما قبل اصدار هذا المشروع كانت هنالك ضرورة إصدار نص تشريعي يهم جريمة تبييض الأموال(4) .
وفي هذاالسياق كانت الحكومة مطالبة بتقديم مشروع قانون يتعلق بزجر جرائم تبييضالاموال، و بمصادرة الاموال المتحصلة من المخدرات، باعتبار ان هناكفراغا تشريعيا أولا، وثانيا ان المجلس الأعلى كان قد أصدر قرارا يلغى فيه، مادأب عليه العمل القضائي بمحاكم الاستئناف، وذلك بحصرالمصادرة في قضايا المخدرات في المجال المالي الذي لا يشمل العقارات.
والاشكالية التي كانت مطروحة هل يمكن للأشخاصالذين نفذت في حقهم احكام بالمصادرة، المطالبة باسترجاع عقاراتهمومنقولاتهم أم لا؟
و قد عجلت توقعات صندوق النقد الدولي - بأن النمو الاقتصادي في المغرب سيتراجع إلى 3٪ مقابل 5ر5٪ - في صدور هذا المشروع وحث الصندوق المغرب على الانتهاء سريعا من صياغة مسودة تشريع لمكافحة غسل الأموال تتفقمع المعايير الدولية.
يهدف المشروع إلى تمكينالمغرب من الاستجابة لمتطلبات المعايير الدولية في ميدان مكافحة غسلالاموال، وتمويل الارهاب ومنع استعمال النظام المالي المغربي لأغراضاجرامية وذلك في نطاق احترام المغرب للالتزامات المترتبة عن مقتضياتاتفاقيات الامم المتحدة المتعلقة بمكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب،وكذا توصيات المنظمات الدولية·
ومن ضمن المقتضيات الاساسية لهذا
المشروع، بالاضافة إلى تجريم غسل الاموال وإلزام الاشخاص الخاضعين لأحكامهباليقظة وتقديم التصريح بالاشتباه عن كل عملية يمكن ان تشكل غسلا للاموالو التنصيص أيضا على احداث وحدة مركزية مكلفة بمعالجة ومراقبةالمعلومات التي تتلقاها من الاشخاص الخاضعين وجهاز داخلي لليقظة ومكافحةغسل الاموال وتمويل الارهاب، فضلا عن اقرار تعاون دولي مع السلطات التيلها نفس اختصاصات وحدة معالجة المعلومات المالية(5).

المبحث الاول التكييف القانوني لجريمة غسل الاموال و التدابير الوقائية.
جرائم الاعمالتشمل كل المخالفات التي تخرق القواعد القانونية الموضوعة من طرف الدولة منأجل تنظيم ميدان الاعمال، وتكون هذه المخالفات بهدف المس بملكية الغير أوحتى الاقتصاد الوطني· وقد عرفت ورقة العمل المعدة بمناسبة الاجتماع الحاديعشر لمؤتمر الامم المتحدة للوقاية من الجريمة والعدالة الجنائية، والذيسيعقد ببانكوك خلال شهر ابريل 2005 ـ الجريمة المالية والاقتصادية بأنها "جريمة غير عنيفة تنجم عنها بصفة عامة خسارة، وبالتالي، فإن تلك الجرائمتشمل طائفة من الانشطة غير القانونية، منها الاحتيال أو الفساد أو التهربالضريبي أو غسل الاموال"(6) .
المطلب الاول تطور احكام القانون بتطور الجريمة.
قد أصبح القضاء الجنائي يحتل أهمية خاصة في ميدان الاعمال، تبعا لتضخم القانون الجنائي للاعمال وتطور المجالات التي يحكمها و ذلك بتعلقالسياسة الجنائية في ميدان الاعمال بسبل مواجهة وزجر جرائم الاعمال· ولقدتولدت فكرة جرائم الاعمال من أدبيات علم الاجرام الذي يتحدث أيضا عن جرائمذوي الياقات البيضاء· وقد كان الموقف الاجتماعي من هذا النوع من الجرائمفي البداية هو عدم اهتمام الجمهور بها، نظرا للجهل بها وصعوبة التوصلإليها· لكن ومع الزمن كان الهاجس هو التعرف على حقيقة جرائم الاعمالوالعمل على مواجهتها·
ويختلف مفهوم جرائم الاعمال والجريمة الاقتصادية
وخصائصها بحسب الانظمة الاقتصادية، إذ وجدت عدة اتجاهات لضبط هذا النوع منالجرائم، من ذلك تخصيصها بقانون خاص، أو اخضاعها لإجراءات خاصة، أو إسناد أمر البت فيها إلى محاكم خاصة حسب التكيف القانوني لمفهوم الجرم(7)
·
إن تبييض الأموال إجرام
منظم يتسم بكثير من الخطورة، وهو غالباً ما يُحول الجريمة من جريمة فرديةإلى جريمة منظمة. كما أنه في الغالب ينقلها من جريمة ذات طابع محلي إلىجريمة دولية عابرة للحدود. إن مكافحة هذا النوع من الجرائم هي مكافحة للجريمة الأصلية التي نتجت عنهاالأموال. فإذا كانت الأموال ناتجة عن سرقة أو من ترويج المخدرات مثلا، فإنمنع استغلال هذه الأموالالتي نتجت عن فعل جرمي لأنها عائدات جريمةالسرقة أو جريمة الاتجار غير المشروع في المخدرات ، يعني في الحقيقة منعالجريمة الأصلية وقطع ذيولها أو على الأقل الحد من اتساعها.

القانون الجنائي المغربييجرم بعض الأفعال المتعلقة بعائدات الجريمة، ليس بصفتها تبييضا للأموال ولكن بأوصاف أخرى كإخفاء شيء متحصل عليه من جريمة، أو إخفاء مسروق أوحيازة ذوي السوابق في الإجرام المالي لأموال لاتتناسب مع حالتهم (8).