إذًا ألم يجدك يتيمًا فآواك وآوى بك، ووجدك ضالًّا فهداك وهدى بك، ووجدك عائلًا فأغناك وأغنى بك؟ هكذا حال الرسول عليه الصلاة والسلام. ثم قال: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} [الضحى: 9]؛ اذكر نفسك حين كنت يتيمًا، فلا تقهر اليتيم، بل سهِّل أمره؛ إذا صاح فسكته، إذا غضب فأَرْضِه، إذا تعب فخفِّف عليه، وهكذا. {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} [الضحى: 9، 10]، السائل: يظهر من سياق الآيات أنه سائل المال الذي يقول: أعطني مالًا، فلا تنهره؛ لأنه قال: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} [الضحى: 8]، فلما أغناك لا تنهر السائل، تذكَّرْ حالك حينما كنت فقيرًا، فلا تنهر السائل. ويحتمل أن يُراد بالسائل سائلُ المال وسائلُ العلم، حتى الذي يسأل العلم لا تنهره، بل الذي يسأل العلم الْقَهُ بانشراح صدر؛ لأنه لولا أنه محتاج، ولولا أن عنده خوف الله عز وجل، ما جاء يَسأل، فلا تنهره اللهم إلا مَن تعنَّت، فهذا لا حرج أن تنهره. لو كنت تخبره ثم يقول لكل شيء: لماذا هذا حرام؟ ولماذا هذا حلال؟ لماذا حرَّم الله الربا وأحلَّ البيع؟ لماذا حرَّم الله الأم من الرَّضاع؟ وأشياء كثيرة من قبيل هذا، فهذا الذي يتعنَّت انهَرْه ولا حرج أن تغضب عليه. كما فعل الرسول عليه الصلاة والسلام حين تشاجَرَ رجل من الأنصار والزبير بن العوام، في الوادي حيث يأتي السيل، وكان الزبير رضي الله عنه حائطه قبل حائط الأنصاري، فتنازَعا؛ الأنصاري يقول للزبير: لا تحبس الماء عني، والزبير يقول: أنا أعلى؛ فأنا أحقُّ، فتشاجَرا وتخاصَما عند الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اسقِ يا زبير، ثم أرسِلْه إلى جارك»، وهذا حكم، فقال: أنْ كان ابنَ عمَّتِك يا رسول الله! كلمة لكن الغضب حمله عليها، والعياذ بالله، والزبير بن العوام ابن صفية بنت عبدالمطلب عمَّة الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: أنْ كان ابن عمَّتك يا رسول الله، فغضب الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: «اسقِ يا زبير حتى يصل إلى الجَدْرِ، ثم أرسِلْه إلى جارك». فالحاصل أن السائل للعلم لا تنهره، بل تلقه بصدر رحب، وعلِّمْه حتى يفهم، خصوصًا في وقتنا الآن، فكثير من الناس الآن يسألك وقلبُه ليس معك، تجيبه بالسؤال ثم يفهمه خطأ، ثم يذهب يقول للناس: أفتاني العالم الفلاني بكذا وكذا؛ ولهذا ينبغي ألا تطلق الإنسان الذي يسألك حتى تعرف أنه عرَف. {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11] نعمة الله عليك حدِّث بها، قل: الحمد لله؛ رزقني الله علمًا، رزقني الله مالًا، ورزقني الله ولدًا، وما أشبه ذلك. والتحدث بنعمة الله نوعان: تحديث باللسان، وتحديث بالأركان. تحديث باللسان: كأن تقول: أنعَمَ الله عليَّ؛ كنت فقيرًا فأغناني الله، كنت جاهلًا فعلَّمَني الله، وما أشبه ذلك. والتحديث بالأركان: أن تُرى أثر نعمة الله عليك، فإن كنت غنيًّا، فلا تلبس ثياب الفقراء، بل البس ثيابًا تليق بك، وكذلك في المنزل، وكذلك في المركوب، في كل شيء دَعِ الناس يَعرِفون نعمة الله عليك؛ فإن هذا من التحديث بنعمة الله عز وجل، ومن التحديث بنعمة الله عز وجل إذا كنت قد أعطاك الله علمًا أن تحدِّث الناس به، تعلِّم الناس؛ لأن الناس محتاجون. وفَّقَني الله والمسلمين لما يحب ويرضى.