قال: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} [الضحى: 6]، آواك الله بعد يُتمِك، ويسَّر لك مَن يقوم بشؤونك حتى ترعرعتَ وكبرتَ، ومَنَّ الله عليك بالرسالة العظمى. {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} [الضحى: 7]، وجدك ضالًّا: يعني غير عالِمٍ، كما قال الله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} [العنكبوت: 48]، وقال تعالى: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: 113]، وقال الله تعالى: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ} [الشورى: 52]، ولكن صار بهذا الكتاب العظيم عالمًا كامل الإيمان عليه الصلاة والسلام، وجدك ضالًّا؛ أي: غير عالم، ولكنه هداك، بماذا هداه؟ هداه الله بالقرآن. {وَوَجَدَكَ عَائِلًا} [الضحى: 8]؛ يعني فقيرًا، {فَأَغْنَى} أغناك، وفتح الله عليك الفتوح، حتى كان يقسم ويُعطي الناس، وقد أعطى ذات يوم رجلًا غنمًا بين جبَلينِ، وكان يعطي عطاءَ مَن لا يخشى الفاقة عليه الصلاة والسلام. ثم تأملوا قوله تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} [الضحى: 6]، ما قال: فآواك، بل قال: {فَآوَى}، {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} [الضحى: 7]، ولم يقل: فهداك، {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} [الضحى: 8]، ولم يقل: فأغناك؛ لماذا؟ لمناسبتين: إحداهما لفظية، والثانية معنوية. أما اللفظية؛ فلأجل تناسُب رؤوس الآيات؛ كقوله تعالى: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى: 1 - 5]، كل آخر الآيات ألفات، فقوله: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} [الضحى: 6]، لو قال: فآواك، اختلَفَ اللفظ، ووجدك ضالًّا فهداك، اختلف اللفظ، ووجدك عائلًا فأغناك، اختلف اللفظ، لكن جعل الآيات كلها على فواصل حرف واحد. المناسبة الثانية: معنوية، وهي أعظم، {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى}، هل آواه الله وحده أو آواه وآوى أمَّتَه؟ والجواب: الثاني، آواه الله وآوى على يديه أممًا لا يحصيهم إلا اللهُ عز وجل، {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} هل هداه وحده؟ لا؛ هدى به أممًا عظيمة إلى يوم القيامة، {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} هل أغناه الله وحده؟ لا؛ أغناه الله وأغنى به، كم حصل للأمة الإسلامية من الفتوحات العظيمة {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ} [الفتح: 20]، فأغناهم الله عز وجل بمحمد صلى الله عليه وسلم.