تتناول هذه الدراسة الجانب الإلهي للفلسفة المادية المعاصرة أو ما يسمى بطبيعة العلل النهائية في الفلسفة المادية المعاصرة هذا الجانب الذي لم يأخذ حقه من النقد والتحليل من الوجهة الشرعية، وما ذلك إلا لأن العديد من الكتاب والباحثين في (الفلسفة المعاصرة وعلاقتها بالإسلام) لا ينظرون للفلسفة المعاصرة وخاصة المادية على أنها ذات طابع دوجمائي مستقل مثلها مثل صنوها القديم؛ بل ينظرون للإلحاد الحديث على أنه يتجاهل الجانب الإلهي ويلغيه من اعتباراته الفكرية. ولم يدر هؤلاء أن الفلسفة المادية الإلحادية لا يمكنها الاستغناء عن هذا الجانب بحال لأن هذا هو أساس موضوع علم الفلسفة؛ وأن الفلسفة المادية ترتكز على جانب ميتافيزيقي خارج نطاق البحث العلمي ومقوماته وليس الأمر كما يدعي منظروها. وفي هذه الدراسة نحاول جاهدين المقارنة بين الجانب الإلهي في الفلسفة المادية المعاصرة، وبين التوحيد في العقيدة الإسلامية؛ لنظهر الفروق الأساسية بين كلا المنهجين، ونوضح كيف أن قبول أحد المنهجين هو رفض للمقولة الأخرى. فنقيم الحجة على المغرمين بهذه الفلسفة، والمدعين بالتزامهم بشروط التوحيد في نفس الوقت. هذا من جانب. ومن جانب آخر فإن هذه المقارنة مهمة جدا في إظهار البعد الدوجمائي العقدي للفلسفة المادية التي لطالما ادعت العلمية والحيادية، وأظهرت أدواتها على أنها الحسّ، والتجربة، والملاحظة. متنصلةً من مرجعيتها القبلية النافذة بين استقاء من الفلسفات القديمة إلى التنبؤ. ونبدأ مستعينين بالله تعالى بشرح مختصر لعقيدة التوحيد في الإسلام وكيف أن الإسلام يرد العلل النهائية الفاعلة والغائية إلى الله تعالى من خلال الإيمان بأسمائه الحسنى وصفاته العُلَى والتي من أهمها: صفة المشيئة والإرادة والخلق والأمر من جهة وهي ما تقابل العلة الفاعلة في الفلسفة المادية، وصفة الحكمة وهي ما تقابل العلة الغائية. ثم نعرج في عرض قضية العلل في الفلسفة الذرية والتقليدية أولا؛ لنستعرضها ثانيا في الفلسفة المعاصرة، فنؤكد على التشابه الذي يصل إلى التطابق بين الفلسفة الذرية القديمة، والمعاصرة ما يجعلنا نؤكد على أن هؤلاء القوم ما أتوا بأمر حديث وأن الزعم بأن الفلسفة المادية قائمة بنقاء وحيادية على التجربة والملاحظة والوضعية هو درب من الاحتيال على العقول. وفي النتائج الأخيرة نؤكد على أن الإقرار بأن العلل المادية المؤثرة في الكون هي علل واحدية فاعلة بذاتها، ليس سوى عملية إحلال واستبدال بالإيمان بصفات رب العالمين، وكونه سبحانه الصمد المتفرد بكمال القدرة والخلق كما هو متفرد بكمال العلم والحكمة فله الأمر والملك والخلق وحده وإليه ترد العلل الفاعلة والغائية في هذا الكون.