يمنحنا المستشار هشام البسطويسي وزملاؤه جرعة وافرة من الأمان نحتاجها بشدة حين يهددنا رموز النظام بالفوضي التي تنتظرنا بعد نهاية عصر مبارك واحتمالية وصول الإخوان الي الحكم في مصر، علي طريقة لو عرفتم الغيب لاخترتم الواقع، لكننا لن نختار هذا الواقع بكل تأكيد مهما حدث. المعلومات القادمة الينا من كواليس المعارضة في مصر تؤكد تكوين عدة لجان تضم شخصيات عامة وساسة بارزين من جميع الاتجاهات السياسية بما فيها التيار الإسلامي في مصر والإخوان المسلمون لاختيار اسم مرشح يحصل علي تأييد شعبي واسع لمنافسة الرئيس مبارك في انتخابات الرئاسة القادمة المقررة في أوائل عام 2011 .
وقد أشارت المعلومات المبدئية إلي أن هذه اللجنة تضع 20 اسما في قائمة المرشحين لاختيار اسم واحد فقط في النهاية، بعد أن تجري مشاورات واسعة مع الأسماء المرشحة للوصول الي المرشح النهائي.
ظهرت جبهتان من المعارضة تديران عملية الترشيح، رغم أنه من المفترض أنهما جبهة واحدة في الأساس، لكن الاختلافات السياسية الداخلية حالت دون تشابك الخطوط بينهما، مع أنهما يسيران في نفس الطريق تقريبا.
الجبهة الأولي تضم اللجنة التنسيقية لحركة كفاية والتي يرأسها عبدالحليم قنديل وعدد من قيادات كفاية، والجبهة الثانية تضم الائتلاف المصري من أجل التغيير وبعض الحركات الإحتجاجية الأخري، لكن الوجه البارز في هذه المجموعة هو جورج اسحق المنسق العام السابق لكفاية أيضا.
دون أن يدري كل منهما بالآخر، وصلت سفينة ترشيح الجبهتين الي نفس المرشح تقريبا، فطبقا لما قاله عبدالحليم قنديل للفجر، أن كفاية تبحث منذ فترة عن البديل، خاصة في ظل الدعوة الرئيسية للحركة والتي تصر علي تأسيس جمعية مصرية لوضع دستور جديد للبلاد، وانتخاب رئيس لفترة انتقالية تسترد فيها البلاد عافيتها لمدة عامين، وبعدها يتم إجراء انتخابات رئاسية حقيقية.
خلال الفترة الماضية كانت المؤشرات تتجه صوب ترشيح شخصية، لا يستحيل ترشحها قانونا لمواجهة الرئيس مبارك وفي ظل تعديل المادة 76 من الدستور المصري، ولابد أن تكون هذه الشخصية لها ثقل في الميزان الرسمي لحفظ هيبتها، وثقة أوسع نطاق شعبي بالإضافة الي فوزها بثقة المعارضة.. حتي جاءت الاحتمالات الأخيرة لتشير بقوة الي المستشار هشام البسطويسي نائب رئيس محكمة النقض وأبرز وجوه تيار استقلال القضاء المصري.
رحب عبدالحليم قنديل بأي شخصية من تيار استقلال القضاء، وقال إن جميع هذه الأسماء طرحت، ولكن عملية الترشيح تلزم صاحبها بالتضحية والمجازفة، فمن يتقدم للعب هذا الدور عليه أن يعي أنه لا يوجد شيء يحدث في مصر إلا عن طريق المجازفة والمخاطرة، كما أكد قنديل أنه خلال الفترة الماضية، كان هناك اسم قاض يتقدم هذه الصفوف بقوة، بعدما وافق علي هذه المجازفة معنا ومع الشعب المصري بأكمله، إلا أن دوائر قضائية من حوله جعلته يتراجع قليلا عن الفكرة، لكن سنواصل معه لأنه الأحق بلعب هذا الدور.
من حديث عبدالحليم قنديل، كانت هناك شخصيتان تدور حولهما المؤشرات، الأول هو المستشار محمود الخضيري نائب رئيس محكمة النقض والذي استقال من القضاء بشكل نهائي من أيام، لكن هذا الاعتقاد بدأ يخفت بالتدريج مع ظهور عامل السن، واعتقاد البعض أن للمستشار ميولاً نحو جماعة الإخوان المسلمين، أما الاعتقاد الثاني والذي كان أقرب للصواب، فكان يدور حول المستشار البسطويسي والذي عرضت عليه الفكرة فوافق في البداية ثم تراجع قليلا بعد ضغوط بعض الدوائر القضائية الملتفة حوله.
ثمة أشياء ترجح كفة البسطويسي للمشاركة في هذه المعركة المرتقبة، ومن أهمها انه قاض له تاريخ نزيه ومشرف في العمل القضائي وفي القضايا العامة، بالإضافة الي انه يعمل في مؤسسة حكومية هامة وكبيرة، فكما قال المستشار أحمد مكي في وقت سابق وأثناء معركة استقلال القضاء، أن القضاء والقضاة جزء أصيل من بنيان الدولة المصرية، ولا يمكن أن يكون هناك فصل بين العمل القضائي والعمل العام وكذلك الحديث في السياسة ليس تهمة توجه للقاضي.
السبب الثاني والأقوي الذي يؤهل المستشار البسطويسي، هو قدرته علي استيفاء الشروط التي فرضتها المادة 76 من الدستور، فمن المفترض أن مرشح الرئاسة المستقل لابد أن يحصل علي 65 صوتاً في مجلس الشعب، و25 صوتاً من مجلس الشوري و140 صوتاً من أصوات المجالس المحلية.
فإذا وافقت المعارضة المصرية الموجودة في مجلس الشعب والتي تضم مقاعد الإخوان والمستقلين وممثلي أحزاب المعارضة علي ترشيح المستشار البسطويسي فهذا يعني أنه سيحصل علي أصوات تفوق عدد المقاعد المطلوبة، وبالنسبة لأصوات مجلس الشوري، فمن الممكن بذل مجهود للحصول علي النسبة القانونية، أما أصوات المحليات، فمن السهل جدا الحصول علي 140 مقعداً في ظل بعد سيطرة الوطني علي المحليات، ولكون المستشار البسطويسي شخصية ذات وزن فمن الممكن التأثير علي أصوات المحليات.
سبب ثالث يقودنا الي نفس النتيجة، وهو ما أكده المستشار البسطويسي نفسه في تصريحات صحفية الي الزميلة المصري اليوم حين أكد وجود علاقات عديدة بينه وبين عدد من قيادات الأجهزة الأمنية والسياسية داخل النظام المصري، بل إنه أكد أنهم كانوا السبب الرئيسي في إنقاذه من المؤامرة التي كانت تحاك ضده، وتلفيق قضية له بتهمة لقائه العابر بالسفير الأمريكي السابق ريتشارد دوني في أحد المناسبات، وبناء علي نصائحهم استطاع المستشار البسطويسي الإفلات من هذه الخطة وقبوله الإعارة الي الكويت