الجذور التاريخية والفكرية للحقِّ في التقاضي والتعسف والكيدية في استعماله


د. عبد الله عيسى الرمح
أستاذ قانون المرافعات المساعد
كلية القانون الكويتية العالمية

الملخص

يتناول هذا البحث بالدراسة والتحليل الجذور التاريخية والفكرية للحقِّ في التقاضي باعتباره حقاً شُرِّع من أجل تمكين الكافة من اللّجوء إلى قاضيهم الطبيعي طلباً للحماية القضائية، فهو يقوم على مصلحة شرعية، كما أنّه حقّ قديم كرّسته المدوّنات التاريخية الرومانية، وأحكام الفقه الإسلامي، ونظّم أحكامه المشرّع الكويتي، وهو يتأسس على أنّه عمل مباح جائز لا ينجم عنه ضرر للغير أو مؤاخذة أو إثارة للمسؤولية القانونية، إلاّ إذا قُصد به الكيد أو العنت أو الخطأ أو التقصير. ولقد فرضت التحديات المستجدة التي تصاحب غالباً التطوّر في كافة مناحي الحياة، إشكاليات قانونية أمام استخدام حقّ التقاضي، بحيث يتعمّد بعض المتقاضين إساءة استعماله عن طريق الدعوى في أي مرحلة من مراحل التقاضي، ومن هنا تأتي أهمية هذه الدراسة، فهي مسألة تمثّل تحدياً أمام المشرّع وأمام القاضي للبحث عن وجود التعسف في استخدام حقّ التقاضي، سواء تمثّل هذا التعسف في نية الإضرار بالغير، أو في نية الانحراف في استخدامه، أو حتى عن طريق الدعوى الكيدية.
ولبيان ذلك، فقد تضمّن البحث ثلاثة مباحث؛ يتناول الأول تأصيل حقّ التقاضي ومنع التحايل على القانون في التاريخ وفي القانون الكويتي، ثم يبيّن الثاني نطاق التعسف في استخدام حقّ التقاضي ومجالاته، وفيما عرض الثالث لجزاء التعسف في استخدام حقّ التقاضي. وقد اعتمد الباحث المنهجين الوصفي والتحليلي لتأصيل هذا الحقّ، وبيان تنظيمه في القانون الكويتي من خلال استقراء وتحليل النصوص القانونية والأحكام القضائية المتعلِّقة بنطاق التعسف في استخدام حقّ التقاضي، وما يترتّب عليه من جزاء مدني يتمثل في الغرامة والتعويض.

وقد خلص البحث إلى أنّ حقّ التقاضي عند الرومان كان سبيلاً لتحقيق مصلحة فيما إذا استعمل صاحب الحقّ مكنة التقاضي دون تعسف أو تحايل على القانون، وأنّ علماء المسلمين منعوا التحايل على الشرع والتعسف في استخدام الحقّ إلى جانب التوفيق بين مصلحة المكلفين ومصلحة المجتمع، كما خلص البحث إلى أنّ المشرع الكويتي نص على ضمانات دستورية لهذا الحقّ ونظمه قانونياً بشكل شامل وفعّال. وفي ضوء ذلك، أوصت الدراسة المشرّع بضرورة تحصين حقّ التقاضي بالمزيد من الضمانات والإجراءات بما يحقّق عدم المساس به، كما أوصت بالإسراع في تطبيق منظومة التقاضي عن بعد للتيسير من إجراءات التقاضي، وسرعة الفصل في الخصومات إنفاذاً لحق التقاضي. فضلاً عن إخضاع قيمة الحد الأدنى والأقصى للغرامة الوجوبية في الحالات التي نصّ عليها المشرّع على سبيل الحصر وأخضع تقديرها للمحكمة، للمراجعة الدورية لحمل الخصوم على الجدية، وعدم تعمد الإساءة في المجال الإجرائي، كما أوصى كذلك بمراجعة قيمة التعويض المدني كجزاء على الكيدية والتعسف.


المصدر

https://journal.kilaw.edu.kw/%d8%a7%...%d9%8a-%d8%a7/