الطب النفسي والقانون - أحكام وتشريعات ذوى الأمراض النفسية:
إن مفهوم الطب النفسي والقانون من وجهة نظر البعض من الناس وخصوصا العامة منهم هو مفهوم مختلف تماما من الناحية العلمية والعملية، والأهمية الحياتية للفرد والمجتمع ، حيث أن مفهوم الطب النفسي عادة ما يرتكز علي الناحية التقديرية والتحليلية والنسبية (Subjectivity ) عكس مفهوم القانون الذي يرتكز أساسا علي مادية الأشياء و واقعها ( Objectivity ) ومن ثم فإن الجمع بينهما تحت عنوان واحد قد يكون غريبا وجديدا علي بعض الناس حتى المتخصصين منهم . إندراسة الطب النفسي وعلاقته بالقانون لأمر حيوي يتصل اتصالاً مباشراً بمواصفات الحياة للناس ، وسلامة المجتمع ، ويعتبر المقياس الحقيقي لحضارة الشعوب ، والتقييم الصحيح لمنظورات المجتمع السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية ، فإن المرض النفسي يختلف عن غيره من الأمراض من حيث أن له طبيعة خاصة في أعراضه وأسبابه وآثارهوطرق علاجه .. فهو يؤثر ليس علي المريض فحسب وإنما علي الأسرة والمجتمع ككل ،فالمرض النفسي هو مرض يصيب أساسا الوظائف المعرفية مثل الإدراك والتركيز والقدرةعلي اتخاذ القرار ، والاستبصار بالمرض ، وهذا يحدث بدرجات متفاوتة في أنواع مختلفة في المرض النفسي فالذهان مثلا يختلف في هذه النقطة عن مرض العصاب ، وكذلك مرضالاكتئاب عن مرض الخرف ، وهكذا ..ويتميز المرض النفسي بأنه ينتج عن تفاعل عدة عوامل بيولوجية وسيكولوجية وبيئية وثقافية ودينية ، وهذه العوامل تؤثر وتتأثر بطريقةمباشرة وغير مباشرة بالفرد والأسرة والمجتمع ، وكذلك بالعادات والتقاليد والمفاهيم لمختلف الشعوب ، وعندما نتكلم عن طبيعة المرض النفسي فلابد وان يكون هذا في سياق المجتمع حيث أن أعراض المرض النفسي كالضلالات ، والهلاوس ، والانطوائية ،والاندفاعية تقابل غالبا بالرفض والنظرة السلبية ، ويوصم المريض النفسي بوصمة سلبية تلاحقه هو أسرته طيلة الحياة ، وهناك طبيعة أخرى تميز المريض النفسي وهي انه غالبالا يشكو من مرضه بل وفي بعض الأحيان يتعايش ويتفاعل مع هذه الأعراض ذات الطبيعة الخاصة ، ولهذا يقع علي المجتمع مسئولية اكتشاف المريض والبحث عنه وتقديم المساعدة للمريض حيثما وجدولما كان سياق المجتمع يعرف علي انه نسيج واحد متكامل منخيوط مختلفة متشعبة من حيث الطبيعة والوجهة .. متألفة مع بعضها البعض بطريقةهارمونية متكاملة جاءت أهمية دراسة الطبيب النفسي لأمور عدة تتصل بطريقة غير مباشرة بالطب النفسي كالدراسات الثقافية والاجتماعية والبيئية والدينيةوالقانوني ومعد لانتشار الأمراض النفسية ، في تزايد مستمر ، وان هذا التزايد متوقع في جميع أنحاءالعالم ، ضرورة أن يعمل المجتمع الدولي كوحدة واحدة في التصدي لهذه الظاهرة التيسيكون لها اثر كبير علي المستوى الاقتصادي والسياسي والثقافي للمجتمعات في القرن القادم ، وعن المفهوم الجديد وهو ما يسمي بمواصفات الحياة للمريض النفسي Quality of life .. وكيف انه يتأثر تأثراً شديداً ليس بالنسبة للمريضأسرته فحسب بل للمجتمع كله ، والنظرة السلبية للمرض النفسي ووصمته التي تؤثرتأثيراً مباشراً علي حقوق المريض النفسي في الحياة والعلاج والحماية، وتحرمه من فرص كثيرة تعطي لمرضي آخرين من حيث الرعاية والاكتشاف المبكرللمرض.والنقطة الهامة جدا وهي مسئولية المريض النفسي عن أفعاله وطرق حمايته .. وما هو الفرق بين الأهلية والكفاءة العقلية ؟ وعلاقتها وتأثرها بالمرض النفسي , وأن مفهوم الأهلية هومفهوم قانوني اكثر منه طبي .. وانه ينقسم إلى نوعين جنائية ومدنية ,وانه لابد من وجود عمل جماعي يكون بذرة لوضع تشريع عملي مشترك يواكب التطور والأوضاع الراهنة والمشكلات العملية ، حيث أن القانون الساري حاليا في تقييم مسئولية المريض النفسي عن أفعاله يوجد به فجوة كبيرة بين متطلبات العصر والواقع العملي والتقاليد، وانه لا يواكب التطور العلمي الحاصل في مجال الطب النفسي . .. وليس غريبا أن نجد أن أول من فكر في هذه العلاقة بين الطب النفسي والقانون هم قدماء المصريين فقد عرفوا منذ آلاف السنين حقوق المريض النفسي وحقه في العلاج والمعاملةالكريمة والدور الأساسي للمجتمع في علاجهم وحفروا ذلك علي جدران معابدهم وأوراقهم البردية الثمينة ، وكذلك ليس بالغريب أن يأتي النور بعد الظلام فقد جاء الإسلام ليرد لهؤلاء المرضي حقوقهم وكرامتهم وذلك بعد فترة طويلة من القهر والظلم في أوروبا،وعلاقة الطب النفسي بالجريمة وكيف أننا نجد أن المريض النفسي يوصم بأنه عنيف وخطر علي نفسه وعلي المجتمع ككل .. وكيف انه بدراسة هذه العلاقة بصورة علمية وإحصائية جيدة وجد أن معدلات انتشار الجريمة في المريض النفسي لا يختلف عنه كثيرا في المرضي غير النفسيين أو الأسوياء من البشر ، وفي حقيقة الأمر أن إيضاح الاختلاف بين مفهوم الجريمةوالعمل الإجرامي نقطة هامة جدا , حيث أن المفهوم هلامي ديناميكي يختلف من عصر إلىعصر حتى في وجود التحريمات التشريعية المعروفة منذ أمد بعيد ، وان مفهوم الجريمة منالناحية القانونية يختلف عنه من الناحية الطبية .. ففي مجال العقوبة لابد وان يتوافر للعمل الإجرامي عنصرين هامين أولهما الفعل ذاته ، وثانيهما توافر النيةوالقصد ، ويوجد للنية أربعة مراحل يتم علي أساسها تقدير العقوبة والحالة العقلية أثناء وقوع الجريمةوقدرة كل منها علي تقدير وتقييم المسئولية الجنائية للمريض النفسي .. فمنها من يتساهل كقانون " درهام " الذي يعتبر المريض غير مسئولإذا كان هذا العمل نتيجة عقل مريض أو ناقص ، وعلي النقيض نجد قاعدة " مكناتن " الذي يشترط عدم معرفة وفهم طبيعة العمل وعدم القدرة علي التفرقة بين الصحيح والخطأ كشرطأساسي لعدم المسئولية ، .ولابد من الإشارة في هذا المجال إلى أن هذا الوضع هونقطة حقيقية ، حيث انه من المفترض أن تكون هذه الأمور محسومة ومشرعة تشريعاً ثابتاً لا يتغير أو يتحور حسب الأجواء السياسية والاجتماعية مما يقلل من مصداقيتها ، ويؤثرتأثيراً سلبياً ومباشراً علي المريض النفسي ونظرة المجتمع له ، وعلي الصعيد الآخرففي البلاد العربية والاختلاف الحالي عن المجتمع الغربي حيث يحتوى القانون عليكلمات تتصف بالغموض ومثيرة للجدل لأنها غير واضحة وليس بها تحديد أو توثيق لهذهالمفاهيم مثل فاقد الشعور .. عاهة العقل .. الجنون ودور الطبيب النفسي في المحكمة في الأساس دور استشاري لا يقوم عليه الحكم ، وتنقسم شهادة الطبيب النفسي إلى نوعين اعتماداعلي الخبرة والهدف من الشهادة، والخطوات اللازمة للتقييم السليم من جهة الطبيب النفسي وصفاً جيداً وشاملاً وتطبيقي ، وجدير بالذكر هنا الإشارة إلى أرقام هامة جدالحجم المشكلة والصعوبات التي يقابلها الطبيب النفسي في هذه الحالات , وأن 80% ممنيرتكبون الجرائم ويتقدمون لطلب الدفاع الجنوني " Insanity Defence " في أمريكا يتم إدانتهم .. أي انه لا يقبل سوى 20% فقطمن المتقدمين ، وان 40% ممن يرتكبون جرائم القتل يصابون بفقدان جزئي أو كلي للذاكرة عقب الحادث مما يزيد الأمر تعقيدا .لابد وان يكون الطبيب النفسي مؤهلاً منالناحية العلمية والعملية للتفريق بين حالات الادعاء والتمارض وحالات الهستيريا وحالات اضطرابات اختلاق المرض .. فهذا التفريق هام للغاية من الناحية القانونية والجنائية ، وعدم الدراية والقدرة علي هذا التفريق يعتبر مثالاً هاماً لسوء ممارسة الطب النفسيومن هذا يتضح أن حقوق المريض النفسي ما زالت مصدر جدل، وننتظر حلا يحسمالخلاف بينها ، ويقلل بل ويتعامل مع التداخل بين موقف الطب النفسي مع القواعدالقانونية ومنظور الشريعة الإسلامية، و كان هذا مجال تركيز المؤلف في الفصل الخامس وإعطاؤه اسم"اعتبارات أخلاقية"، وقد تحدث المؤلف عن أمثلة كثيرة كالثقةوالحق في السرية والامتياز وتعتبر هذه شروط العلاقة بين المريض النفسي والطبيب النفسي، وهي من أقوى واعمق العلاقات في مجال الطب النفسي مقارنة بتخصصات أخرى وإلى الدخول الإلزامي للمريض، ومشكلات الاستشفاء حيث أن الدخول بدون رغبة المريض يعتبرعقاباً اكثر منه علاج، ويسقط للمريض إحساسه بالحرية. وأهمية الإعلام في الاهتمام بالمريض النفسيونظرة المجتمع إليه ، وكيف أننا نحن الأطباء النفسيين لنا دور مباشر وقوى في توجيه هذه المجالات التوجيه الصحيح والاستفادة قدر الإمكان من القوى المتاحة لهذه المجالات .فإن الإسلام لا يشترط فقط العدل بل أيضاالإحسان والرحمة حتى يتأتي لهؤلاء المرضي وضعا ملائما ومعاملة بالمثل مع الأسوياء من غير المرضي ، وينص الإسلام بأن العقل هو التكليف والفهم والقدرة علي منع النفسعن فعل ما تهواه والتمييز بين الصواب والخطأ ، وبذلك يكون قد سبق العلم والنظريات الحديثةفي تقييم المسئولية الجنائيةللمريض النفسي ، وكذلك فإن النصوص الموجودة بالإسلام والتي تتعلق بصورة مباشرة أوغير مباشرة بالأحكام الشرعية تساهم وتوضح إلى حد كبير في تقدير وفهم حقوق المريض النفسي ، ومن هذه النصوص مثلاً " لا ضرر ولا ضرار " ، والأمور بمقاصدها ،الخ .. ويكفل الإسلام لكل إنسان من الحقوق ما تتطلبه الحياة الكريمة بحكم الإنسانية، ولا يشترط في أهلية أي شخص لاكتساب حقوقه أن يكون عاقلا أو بالغا .. أن الحق في العلاج من منظور الإسلام أمر وتكليف من الله سبحانه وتعالي في المحافظة علي النفسوعدم الإلقاء بها إلى التهلكة ، حيث يؤدى ترك العلاج إلى ذلك وأهمية التركيز علي الجانب الإيماني والعلاج النفسي الديني الذي يفيد في كثير من الحالات للتغلب عليالأعراض ، وعلي أهمية الكلمة الطيبة و أثرها العميق في النفس ودور الأطباء النفسيين المسلمين في الاستفادة من هذه الأساليب في العلاج النفسي.وعلىهذا فقد تبين أن الإسلام ليس فقط له السبق في افتراض وتشريع حقوق المريض النفسي بل واتفق في كثير من الأمور مع أحدث النظريات في الطب النفسي المعاصر ، ولكنه علي النقيض يختلف معه في بعض الأمور كاعتبار الشذوذ الجنسي واضطراب الشخصية والسلوك شئ مرضي بل يعتبره جزء من الاستسلام لهوى النفس لا يبرر الإعفاء من مسئولية ارتكاب المخالفات ، وكذلك لا يعرف أشباه المجانين أو إنصاف العقلاء
منقول