[align=justify]
وحدة الأحكام القضائية

2007

مقدمة

يقوم مشروع الأحكام القضائية على محورين أساسيين أولاهم ا
: تجميع الأحكام القض ائية الصادرة
عن المحاكم العليا الفلسطينية منذ العام
1994 وحتى اليوم، وتوفير معلومات مرجعية لهذه المجموعة
الشاملة من الأحكام القضائية، وإعداد صورها الإلكترونية وخزنها إلكترونيًا في قاعدة منظومة
التشريع والقضاء الفلسطيني
(المقتفي)، بشكل يسهل من عملية الرجوع إليها من قبل المستفيدين، مع
توفير النص الكامل لمجموعة مهمة من هذه الأحكام، وثانيهما
: وضع مبادئ قانونية لأهم الأحكام
التي أصدرتها المحاكم العليا الفلسطينية في هذه الفترة، لذلك فقد عمل المشروع على جمع الأحكام
الصادرة عن محاكم الإستئناف والمحكمة العليا الفلسط ينية في كل من الضفة الغربية قطاع وغزة من
عام
1994 ولغاية الآن ،وذلك بغية حفظ التراث القضائي الفلسطيني . وانطلاقا من سياسة معهد
الحقوق المتمثلة في الدمج بين العلم والعمل وعدم الفصل بينهما قدر الإمكان، فقد عمل فريق العمل
في مشروع الأحكام القضائية بإعداد البحو ث اللازمة لإنجاح العمل داخل مشروع الأحكام القضائية
ومن هذه الإبحاث بحثنا هذا
(اصول استنباط المباديء القانون).

تمهيد
:

إن تعدد الإدارات المتعاقبة على حكم فلسطين أدى بالنتيجة إلى خضوعها للعديد من الأنظمة
القانوننية المتباينة، ورغم أن ذلك ليس من ق بيل محور دراستنا، إلا أننا نلاحظ أن هذه الأنظمة اتجهت
في بعضها نحو النظام اللاتيني ونحو النظام الأنجلوسكسوني في بعضها الآخر مما خلق نظاما قانونيا
مختلطا ، ولكن لا بد لنا من الوصول إلى نتيجه واضحة تساعد في تحديد الإتجاه الذي ذهب إليه
المشرع الفلسطيني إذ قد تباينت قوة السابقة القضائية في فلسطين من فترة إلى أخرى فبرزت قوتها
فترة الانتداب البريطاني الذي إعتمد النظام الأنجلوسكسوني، حيث صدرت مجموعة من السوابق
القضائية التي شكلت إرثا قانونيا هاما بالنسبة لفلسطين وخاصة في قطاع غزة الذي لم يكن للإدارة
المصرية دور فعال في إسباغ قوانينها عليه ، إذ كان النظام القانوني مختلطا ظهرت فيه السابقة
القضائية ولكن لم يأخذ بها وذلك بسبب أن أغلبية القواعد القانونية هي قواعد مكتوبة ، وقد لجأت
المحاكم في غزة بعض الأحيان إلى معارضة سابقة قضائية معينة وهذا دليل على أنها إعتبرت
السابقة القضائية مصدرا يستأنس به واسترشاديا
.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما مدى الزامية السوابق القضائية في النظام القضائي الفلسطيني ؟
للإجابة على هذا التساؤل لا بد من عرض النصوص التشريعية التي تحدث بها المشرع الفلسطسيني
عن السوابق القضائية
:

جاء في المادة
239 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية (اذا تبين لإحدى دوائر محكمة
النقض أنها ستخالف سابقة قضائية مستقرة للنقض تنعقد بكامل هيئتها لإصدار حكمها ، ويكون حكمها
واجب الإتباع لدى المحاكم الأخرى في جميع الأحوال
.)

وجاء في المادتين
25 و 27 من قانون تشكيل المحاكم النظامية ما يلي :

مادة
25

انعقاد المحكمة العليا

تنعقد المحكمة العليا بحضور أغلبية ثلثي عدد أعضائها على الأقل بناءً على طلب رئيسها أو إحدى
دوائرها في الحالات التالية
:

1
- العدول عن مبدأ قانوني سبق أن قررته المحكمة، أو لرفع تناقض بين مبادئ سابقة.

2
- إذا كانت القضية المعروضة عليها تدور حول نقطة قانونية مستحدثة، أو على جانب من التعقيد،
أو تنطوي على أهمية خاصة
.

مادة
27

اختصاصات المكتب الفني

يختص المكتب الفني بما يلي
:

1
- استخلاص المبادئ القانونية التي تقررها المحكمة العليا فيما تصدره من أحكام وتبويبها ومراقبة
نشرها بعد عرضها على رئيس المحكمة
.

2
- إعداد البحوث اللازمة.

3
- أية مسائل أخرى يكلفه بها رئيس المحكمة العليا.

باستعراض النصوص السابقة نرى أن المشرع قد تخبط بالتسمية فتارة نراه يطلق تسمية السابقة
القضائية وتارة أخرى المبدأ القانوني ، والذي يتضح من النصوص الس ابقة أن المشرع اتجه نحو
النظام اللاتيني الذي لا يأخذ بالسوابق القضائية كأساس للتشريع ، ذلك انه لم يتطرق في المادة
27

من قانون تشكيل المحاكم النظامية الباحثة في اختصاصات المكتب الفني بمدى إلزامية هذه المباديء
بعد استنباطها
.

والمتأمل في المادة
239 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية يرى أن المشرع قد نص
على الحالة التي تصبح بها السابقة القضائية ملزمة ووضع شروطًا لذلك وهذه الشروط هي
:

1
. أن يكون الحكم صادرا عن محكمة النقض

2
. أن يكون صادرًا في مخالفة سابقة قضائية مستقرة صادرة من محكمة النقض.

3
. أن تنعقد المحكمة بكامل هيئتها لإصداره.

ومن باب المخالفة فإن السابقة القضائية حتى وإن كانت صادرة عن محكمة النقض في الأحوال
العادية فإنها لا تعتبر ملزمة للمحاكم الأخرى، وذلك يعني أن الأساس عدم إلزامية السوابق القضائية
إلا في حالة واحدة وهي الحالة المنصوص عليها في المادة السال فة الذكر والتي وضع فيها المشرع
الفلسطيني شروطًا لابد من توافرها لاعتبار أن السابقة القضائية ملزمة
.

لكن وعلى الرغم مما سبق، يبقى التساؤل قائما عن مدى إمكانية رفض محاكم الأساس لأحكام
المحاكم الأعلى درجة؛ كمحكمتي الاستئناف والنقض، عندما يحتج بها أحد الخصوم، في الحالة التي
ينعدم فيها وجود النص التشريعي، أو مبادئ الشريعة الإسلامية؟
قبل الشروع في الإجابة على هذا التساؤل، نود الإشارة إلى أن القضاء كمصدر للتشريع يعتبر
مصدرا احتياطيا تفسيريا وليس مصدرا رسميا من حيث الأصل، وهذا ما تتفق عليه كلمة الفقه في
النظام اللاتيني
. انطلاقا من هذه الحقيقة، فإننا نرى بأنه في حالة انعدام المصادر الرسمية للتشريع،
فإن المصادر الاحتياطية تتعين التطبيق حسب تسلسلها الهرمي
1، ويجد القاضي نفسه مرغما على
الأخذ بها وفق هذا التسلسل، تحت طائلة البطلان
. بتعبير آخر، فإنه في حالة تعين الحكم في نزاع ما
وفقا لسابقة قضائية فإن الأخيرة تكون ملزمة الإتباع بالنسبة للمحكمة، لأن المصدر الذي كان مفترضا
أن يكون احتياطيا تعين وأصبح بمثابة المصدر الرسمي، ولم تعد درجته في هذا الفرض كما كانت
عليه قبله، مع بقاء قوة هذه الدرجة في غيره
.

وعليه، فقد تم تقسيم هذه الدراسة إلى المباحث التالية
:

المبحث الأول
: الحكم القضائي: مفهومه، تحليله وموضوعه
المبحث الثاني
: عملية إنشاء الحكم القضائي
المبحث الثالث
: المبدأ القانوني، استنباطه وصياغته

1
لم يشر القانون الأساسي الفلسطيني إلى مصادر التشريع، لكنه أقر بكون مبادئ الشريعة الإسلامية مصدرا رئيسا للتشريع. وهذا لا يعني إغفال
المصادر الرسمية والاحتياطية المتعارف عليها في القانون المقارن، كونها غدت من المبادئ فوق الدستورية، غير القابلة للإنكار أو حتى الجدل في
وجودها،
(مع بقاء فرض الجدل بتدرج قوتها وزمانه قائما). ناهيك عن أن مرسوم دستور فلسطين لسنة 1922 أشار إلى هذه المصادر، وهو ساري
بما لا يتعارض مع أحكام القانون الأساسي، ما يعني أنها مقررة في النظام الدستوري الفلسطيني
.

المبحث الأول
: الحكم القضائي: مفهومه، تحليله وموضوعه

يمارس القضاء وظيفته الرئيسة من خلال ما يصدره من أحكام منهية للخصومة، وهو بذلك ينقل حكم
القانون من العمومية والتجريد والحالة النظرية إلى الخصوصية والواقعية، بتطبيقه على كل حالة
تعرض أمامه على وجه الاستقلال
. 2

والأحكام الفضائية التي تصدر في الخصومة يختلف بعضها عن بعض من عدة وجوه، فمن حيث
طبيعة موضوعها تنقسم إلى أحكام مدنية، تجارية، عمل، ضمان، أحوال شخصية وأحكام
جزائية
...الخ. ومن حيث محلها تنقسم إلى أحكام تقريرية بحتة، أحكام إلزام وأحكام منشئة . ومن حيث
الأسس الإجرائية، تنقسم إلى أحكام فاصلة في الموضوع وأحكام إجرائية، أحكام قطعية وغ ير قطعية،
أحكام منهية للخصومة وأحكام
(قرارات) غير منهية له ا. ومن حيث مدى قابليتها للطعن تنقسم إلى
أحكام ابتدائية، نهائية، حائزة لقوة الأمر المقضي وأحكام باتة
. 3

إلا أننا في هذا المقام لن نتعرض إلى تفاصيل كل هذه الأقسام، ولن نبحث منها إلا ما نراه يخدم هدف
هذه الدراسة
. كما أن للحكم القضائي موضوع أو مسألة معينة يفصل فيها بعد إبداء الأسباب الموجبة
له، وبغية تحليل هذا الحكم من حيث الشكل والموضوع لا بد من إتباع منهجية معينة
.

وعليه
.

سنقوم بدراسة هذا الموضوع من خلال المطالب التالية
:

المطلب الأول
: مفهوم الحكم القضائي والقرار القضائي.

المطلب الثاني
: تحليل الحكم القضائي "شكلا وموضوعا".

المطلب الثالث
: المبدأ القانوني والمبدأ القضائي.

المطلب الرابع
: تحديد المسألة القانونية التي بحثها القاضي، والتعليل الذي توصل من خلاله للحكم.
.
2002 ، ص 21 ، 2 الحكم القضائي في قاعدة الأحكام القضائية (النموذج)، إصدار معهد الحقوق جامعة بيرزيت، ط. 1
2003
، ص 732 وما بعدها. ، 3 أنظر: عوض الزعبي: أصول المحاكمات المدنية، عمان: دار وائل للنشر، ج. 2

المطلب الأول
: مفهوم الحكم القضائي والقرار القضائي

اختلف الفقه في بيان مفهوم الحكم القضائي، كما يخلط البعض بين الحكم القضائي والقرار القضائي،
فيسوون في المعنى والدلالة بينهما، مع أن لكل منهما دلالة خاصة تختلف عن دلالة الآخر
. لذا سنقوم
في هذا المطلب بإيضاح الفرق بينهما من خلال إيضاح المقصود من كل منهما في الفرعين التاليين
.

الفرع الأول
: الحكم القضائي

يمكن القول بأن الحكم القضائي هو النتيجة الفاصلة في الخصومة المعروضة أمام المحكمة والذي
يصدر وفقا للمقتضيات والأصول القانونية المقررة، ويغل يدها عن نظره مرة أخرى
. 4

وقد عرفه بعض الفقه بأنه
"كل إعلان لفكر الق اضي في استعماله لسلطته القضائية، وذلك أيا كانت
المحكمة التي أصدرت الحكم، وأيا كان مضمونه
". 5 في حين عرّفه جانب آخر من الفقه بأنه : "القرار
الصادر من محكمة مشكلة تشكيلا صحيحا في خصومة رفعت إليها وفق قواعد المرافعات، سواء
أكان صادرا في موضوع الخصومة أو في شق منه أو في مسألة متفرعة عنه
". 6

فالحكم النهائي يمكن أن يفصل في الخصومة بكامله ا، فيبت في جميع طلبات الخصوم، فيقضي بها أو
يردها كلي ً ة أو جزئيا، كما يتصور أن ينهي النزاع استنادا إلى دفع إجرائي، كرد الدعوى لعدم
الاختصاص، أو الدفع بعدم القبول؛ كرد الدعوى لانعدام ا لصفة أو المصلحة
. وتكون للحكم النهائي
منذ صدوره حجية القضية المحكوم بها بالنسبة لكل منازعة تم الفصل بها قضائيا، كما يصبح الحكم
النهائي باتا وعنوانا للحقيقة عندما لا يعود قابلا للطعن بأي طريق كان
. 7

وعرفت مجلة الأحكام العدلية الحكم القضائي بأنه
: "عبارة عن قطع الحاكم المخاصمة وحسمه إياها
وهو على قسمين
: القسم الأول هو إلزام الحاكم المحكوم به على المحكوم عليه بكلام كقوله حكمت أو
أعط الشيء الذي ادعي به عليك ويقال لهذا قضاء الإلزام وقضاء الاستحقاق
. والقسم الثاني هو منع
الحاكم المدعي عن المنازعة بكلام كقوله ليس لك حق أو أنت ممنوع عن المنازعة ويقال لهذا قضاء
الترك
". 8

.
1990 ، ص 15 ، 4 في هذا المعنى: أحمد المومني: الحكم، عمان: جمعية عمال المطابع التعاونية، ط. 1

.
1975 ، ص 531 ، 5 فتحي والي: مبادئ قانون القضاء المدني، القاهرة: دار النهضة العربية، ط. 2

.
1970 ، ص 701 ، 6 أحمد أبو الوفا: المرافعات المدنية والتجارية، مصر: دار المعارف، ط. 10

.
228 - 1996 ، ص 227 ، 7 لمزيد من التفصيل أنظر: حلمي الحجار: القانون القضائي الخاص، بيروت، ج. 2، ط. 3

8
المادة ( 1786 ) من المجلة.

وبالتالي، فإن خصائص الحكم القضائي تتلخص في أنه نتيجة فاصلة، وأن هذه النتيجة هي ما تتوصل
إليه المحكمة في خصومة معروضة عليها، وأن يصدر هذا الحكم وفقا لمقتضى القانون
. 9

وفي الأردن، تردد المشرع والقضاء على حد س واء في استعمالهما لمصطلح
"حكم" ومصطلح "قرار"،
حيث جاء في بعض التشريعات، كقانون محاكم الصلح رقم
15 لسنة 10،1952 وقانون أصول
المحاكمات المدنية رقم
24 لسنة 11،1988 تعبير "حكم". في حين ورد استعمال مصطلح "قرار" في
تشريعات أخرى، كقانون العمل رقم
21 لسنة 12.1961 وقد ترددت محكمة التمييز هي الأخرى بين
استعمال المصطلحين، حيث استعملت في بعض أحكامها مصطلح
"حكم" وفي البعض الآخر مصطلح

"
قرار". 13

وفي فلسطين، لم يعرّف كل من قانون أصول المحاكمات المدنية وقانون الإجراءات الجزائية الحكم
القضائي بشكل صريح، لكن يستشف من مطالعة نصوص هذين القانونين أنهما يفرقان بين الحكم
والقرار، على اعتبار أن الحكم هو الذي ينهي الخصومة فقط
. 14

الفرع الثاني
: القرار القضائي

يخلط البعض
كما أشرنا سابق ا- بين تعبير الحكم القضائي والقرار القضائي، إلا أننا نرى أن هناك
فروقا بين المصطلحين، إذ ينبغي إطلاق مصطلح الحكم على الحالة التي يكون فيها منهيا ل لخصومة
وفاصلا في نتيجتها، أما القرار فيمكن أن يكون مؤقتا أو احتياطيا، كما يمكن أن يكون تمهيديا
.

ويقصد بالقرارات المؤقتة تلك التي تقضي باتخاذ إجراء احتياطي أو عاجل تستدعيه ظروف الدعوى
أثناء السير فيها، ومثال ذلك منع المدين من السفر وإثبات الحالة
.

فالقرارات الاحتياطية لا تفصل في الخصومة أو في أصل النزاع، وإنما تقتضيها العجلة التي لا
تحتمل انتظار انتهاء المحاكمة وصدور الحكم النهائي الفاصل بنتيجة الدعوى، فمثل هذه القرارات
تهدف إلى صيانة حقوق الأطراف أو أحدهم، عندما يخشى المس بها من طول أمد المحاكمة
.
.
9 أنظر: أحمد المومني، المرجع السابق، ص 18

.(
40 ،34 ،31 ،29 ،28 ،25 ، 10 في المواد ( 24

.(
168 ،161- 158 ،150 ، 11 في المواد ( 77

.(
99 ،98 ، 12 في المواد ( 20

.
13 أنظر: أحمد المومني، المرجع السابق، ص 17
284
). إلا أنه توجد مادة ،283 ،203 ،276 ، 192 ) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية. المواد ( 200 ، 14 راجع مثلا: المادتين ( 186

واحدة في قانون الاجراءات الجزائية تخلط بين القرار والحكم
(المادة 199 ). والتي جاء فيها "... أو قررت المحكمة براءة المتهم..". ونرى أنه لا
يمكن لهذه المادة أن تمس مبدأ التفريق بين الحكم والقرار الذي حافظت عليه مواد عديدة في القانونين المذكورين أعلاه
.
[/align]