ديـــــــــني و ليبــــــراليتي
--------------------------------------

أن تكون ليبراليا يعني أن تدع الآخرين يعتقدون بما يحلو لهم اعتقاده، و بأن الإنسان، كل إنسان، يستحق الاحترام لذاته.

أي أن الليبرالية مجرد اتجاه إنساني من الدرجة الأولي، مهمته تقديس كرامة الإنسان علي مستوي الأفراد و الأقليات،ضد دكتاتورية الجماعات و الحشود و الأكثرية،مهما ادعت أنها علي الحق المبين.

فهي إذن دعوة إلي احترام الاختلاف أيا كان نوعه و طبيعته، و خاصة الاختلافات المذهبية و العرقية.و تدعم التنوع في كل شيء،و خاصة التنوع الثقافي.أي أنها تعادي أي انحياز لثقافة معينة ضد غيرها و النظر إلي أية ثقافة مهما- علا كعبها- بوصفها محورية و غيرها هامشية.

فالليبرالية إذن هي توجه خاص يهتم بحماية الحريات جميعا،و خاصة حرية الاعتقاد و التملك و التعبير،و حرية البحث العلمي...أي حرية الإبداع الإنساني بكل أنواعه و أشكاله، و ذلك في إطار أخلاقي إنساني عام.أي أنها حريات مقيدة بالقانون و الأخلاق النبيلة بمبادئ إنسانية إيجابية بناءة و دائمة،أي لا يختلف عليها أحد من العالمين.

و هذا يعني أن الليبرالية كلها ليست فوضي و لا تهتكا و لا انتهاكا للحرمات و لا المقدسات كما يعتقد السلفيون و الأصوليون بصفة عامة. و ليست مخاصمة للأديان كما يروجون، إلي حد النظر إليها نظرتهم إلي الملعون!

و بذلك فقد أصبح الشخص الليبرالي موصوما بالعار، أي أن الليبرالية تعد سَبة يوصم بها خصوم السلفية في كل دين،أي عند أصحاب القراءة الحرفية للنصوص الدينية.فبرغم أن القرآن ترك للناس حرية اعتقادهم و كفلها لهم - و إلا فعلام يُجزون بما عملوا خيرا أم شرا - فإن المتعصبين في جميع الأديان يزايدون علي الله و يودون لو انتزعوا من الناس حرياتهم،و حقهم في اختيار عقائدهم، بل حتي حرية الاختلاف معهم و نقدهم،فهم لا يحتملون أي وجه من وجوه النقد مهما كان منطقه و محله.

فلا وجود لليبرالية مطلقة إذن،أي لا وجود لما يدعوه هؤلاء "تحررا" عاما مطلقا خالصا من كل مبدأ أخلاقي و اجتماعي،أو ما يتعلق بالنظام العام للناس في كل مكان و زمان، فلو كانت الليبرالية كما ادعوا لأوقعت نفسها في تناقض مع نفسها، لأنها مؤسسة علي احترام ثقافة الآخرين، فكيف لها أن تتجاسر فتلتف حول ثقافة ما ضد غيرها؟!، أو بالعكس،لهدم الثقافات جميعا و نشر الفوضي الأخلاقية؟!

و هكذا تكون الليبرالية درجات و ليس كلها كفرا و فسقا كما يزعم هؤلاء.

و ما أعتنقه علي المستوي الشخصي هو نوع من الليبرالية التي تكفل حرية الاعتقاد و الإبداع،بما لا يُعَرّض قيم الآخرين للانقراض.

و الأهم هو حماستي الشخصية لجميع قيم الإبداع الإنساني تلك التي تفتح جميع الآفاق العقلية و الشعورية لإعادة تشييد عوالم جديدة، و تفجير طاقات الطبيعة الإنسانية السوية.
أ.د.ظريف حسين